{ الفصل الخامس }

67 7 11
                                    

« يُبدِعُ فِي الكِتابة مَن يتَألم »

تَيقنتُ بِإني لَم أشعُر بِالفَراغ سِوى الآن...

كَل مَا مضى كَان مُجرد وَهم،كُل حُزني الَذي شعرتُ بِه سابقاً،يُعتبر سَعادة عارِمة إن قارنتُهُ بِحُزني الحَالي.

جالِس في غُرفَتي...اتكِئُ بِظَهري عَلى خِزانتي.

الغُرفة فارِغة،بِأستِثناء الجِن الذي أرتَدي منشفتي بَعد الأستِحمام خَجلاً مِنه.

لا أملُك سجائِراً،وَليست لِي أيُ طَاقة بِأن أُعِد القَهوة.

قَد هجرتُ كُتُبي مُنذ وُصولي لِلعِراق...رُبما هَذا سبب هَجرُ أُمي لِي.

إِن لَم أهتَم بِكُتُبي فَهذا يَعني أنني لَا أهتمُ بِأُمي.

أشتَقتُ لِأبي...إنهُ أحنُّ مِن أُمي عليّ.

واشتَقتُ لِعَلي،لَم أدعِ اللّٰه لِرُؤيتِه.

أيُمكِنُني دُعاء اللّٰه إن كُنت غَير مُؤمِن تَماماً بِه؟.

وَبِما أنَني لا أملُك أي أحَد أتكلَّم مَعه،سأتَكلَّمُ إلى اللّٰه...

فَالكلامُ مَع الجِن يُعتبَر جُنوناً...

الأَمر لا يتطلَب سِوى رَفع يديّ لِلأعلَى والكَلام،ما لِي أرَى الأمر صَعباً؟.

رَفعتُ يَديّ بَعدَ تفكيرٍ دامَ طَويلاً،وَقُلت بِصَوت مَهزوز : "مَرحباً يَا اللّٰه،أنا دانِيال،لابُد أنكَ تعرِفُني،أنتَ تعرِفُ عَبدك الَذي خلقته،وتعرِف قصته،وألآمه دُون أي عَناء مِني لِأخبارِك".

ثُم أكمَلتُ : "لَم أُصدِق هَلوسَتي سابِقاً عِندما أخبَرتني بِأن أُمي لَن تتقَبلني،بَل تَفائلتُ خَيراً،وَهَذا ما لَقيت !".

"لَم تَحتضِن فَراغي وَلم تُبادِلني العِناق،لَم تُقبِلَني،وَلم تُضمِد جِراحي،لَم تمسَح عَلى شَعري،وَلم تَبكي فَرحاً لِرُؤيَتي...أجَل بكَت،لَكِنها بكَت حُزناً بِسَببي،أعادَت لِي الوَرد،لم تُفكِر بِما كُنت أشعُر حين أشتريتُه لَها،بَل كسَرتني وَزادتني فَراغاً وحُزُناً وَهمّاً".

"فأرزُقنِي خَير بَديلٍ مِنها،أرزُقني مَن تحتضِنُني وَقت حُزني،وتُطَمئِنُ قَلبي،وتجبُر بِخاطِري..أُرزُقني مَن أُنادِيها بَغدادِي...".

وَهكَذا أنهيتُ دَعوتي...نَهضتُ مِن الأَرضية،أستَلقيتُ عَلى سَريري،لَففتُ الغِطاء عَلى جسَدي وأغمضتُ عينيّ،راجِياً أن تَكون أخِر غَفوة لِي...

غَريـبُ بَغدادحيث تعيش القصص. اكتشف الآن