{ الفصل الثالث عشر }

54 6 40
                                    

«حَياة إستِقلالِيَة»

السَادِسَة وَالنِصف صَباحاً،أجلِسُ بِجوار نَافِذَتي وَأتأمَلُ السَماء الغَائِمَة غَارِقاً فِي دَوَّامة أفكارِي.

لَيس الأمرُ أنّي مُولِع بِشُروق الشَمس،لَكِن لَم يَجِد النَوم لِمُقلَتيّ طَريقاً لِلوُصول.

أنَا فِي أتعَس نُسخَة مِنّي عَلى الإطلاَق،لَا أحَد يَفهم ذَلِك،وَلَيس لَديّ طَاقة لِشَرحِ مَا يَجُول بِخاطِري.

مَرَّت تِسع سَاعات وأنا عَلى هَذا الحَال،كَانَت السَاعاتُ تَمُر بِصُعوبَة،أنقَضَت بَين البُكاء المَرير،
وَمسح الدُموع الخائِنَة عَن الوِجنَتين،ثُم الضَياع شَارِداً وسط المَشاعِر وَالجَوارِح.

يُعيدُ الأمر نَفسه كُل مرَّة وَكأنَّها إسطِوانَة لِأُغنيَة قَديمة.

لِذا عِندَما كُنتُ شَارِداً فِي مَنظر السَماء،أجتَاحتنِي رَغبةٌ عَارِمَة بِالبُكاء مُجدَداً لِلمرّة التِسعين.

نَكستُ رَأسِي وَبكيتُ خائِباً،لَا أرغَبُ حَتّى بِأن يَرانِي الجِن بِهَذِه الحَالَة فَيُشفِقُ عَليّ وَيمسَسني.

كُنتُ فِي أشَد الحَاجَة لِأن يَحتضنّي أحدهُم،
أن يَرى كُل هَذا الدَمع المُتراكِم فِي رُوحِي،
أن يَرى هَذِه الشَتائِم العَالِقَة عَلى أطرَاف لِسانِي،
كُنتُ بِحاجَة شَديدة لِأن أرتَمِي غَارِقاً بِدُموعِي عَلى كَتِف أحدهم لِيُخبِرَني أن كُل هَذا سَيمضِي، أن هَذا الوَقت سَيمضِي...

كَانَ البَقاءُ بِرفقَة أُمي يَزيدُني هَمّاً وَحُزناً، وَيُشعِرُني بِإنّي جُثَة هامِدَة لَا تَقوى عَلى البَوح بِمَشاعِرها.

لَو عَاد بِي الزَمن لِلوَراء،لَصفعتُ نَفسِي مِئات المَرّات قَبل تَفكِيري بِلِقائِها.

الأمرُ أشبَه بِحَفر بِئر عَميق فِي صَدرِي،لَكِنهُ لَا يُخرِجُ مَاءً بَل دُموعاً.

مَسحتُ أدمُعِي مِن جَديد،أُحاوِلَ لَملمة شُتات نَفسِي.

عَجباً،كَيف لِي أن أكُون بِهَذا الضُعف؟.

فِي أغلَب القِصَص التِي أقرأها،كَانَ البَطل يَمتازُ بِماضٍ مَرير مَع وَالِدَيه،مِمَا جَعلهُ بارِداً وَمُتبلِد المَشاعِر.

لِمَ أنا بِالذَات أختارَتنِي كَاتِبَتِي لِهَذِه الأحدَاث؟.

ألَم تُفكِر قَط بِإن رَجُل هَش مِثلي سَيخرُجُ مِن هَذِه المَعركة مُنهزِماً لَا مُحالَة؟.

غَريـبُ بَغدادحيث تعيش القصص. اكتشف الآن