الجزء السابع _ حسرة 💔

897 57 8
                                    

بقلم ندوش 🐝

ضربت أمواج البحر الكثبان الرملية الذهبية ثم انحسرت متراجعة بهدوء، انطلقت هبات النسيم تداعب الأجواء بلمسات حنونة و باردة تبعث على الانتعاش، تحركت الخمائل السوداء تتدافع وهي تلامس البشرة البيضاء الناعمة، تنهدت جونول بعمق ثم أخذت كوب العصير الطازج و بدأت ترتشفه على مهل، مرت اليوم خمسة أيام عقبت تلك المواجهة القاسية التي قلبت حياتها رأس على عقب و حولت أحلامها الوردية إلى كوابيس قاتمة و محزنة....
رن جرس الباب فأسرعت كريمة و فتحته، تحركت مريم إلى الداخل بعد أن ألقت عليها التحية ثم سألتها عن سكان الشقة، توجهت مباشرة إلى الصالون حيث تجلس عمتها تنجز بعض أعمالها
مريم: صباح الخير عمتي.
انحنت عليها و قبلت وجنتها ثم احتضنتها بود
خديجة: يومك سعيد صغيرتي، هل جئت بمفردك.
مريم: لا لقد رافقني فؤاد إلى هنا ثم توجه إلى المستشفى... لديه عمل كثير، هل جاء أحد لزيارتكم.
خديجة: جاءت زينب عشية أمس، ليلة البارحة جاء السيد حميد و خالتك سهيلة.
مريم: لقد خاب أملي....
خديجة: لا تهتمي يا ابنتي، أنا سعيدة لأن صغيرتي بخير و الباقي سيحل بإذن الله.
مريم: عمتي، ليلة البارحة تحدثنا أنا و فؤاد، قال لي أنه سيواجه جسور و يتحدث معه، عاكف أيضا سيساعده.
خديجة: برأيي الأفضل أن لا يفعل في هذه الفترة، جسور في هذه الظروف لن يستمع لأحد ثم لا نعلم متى سيعود من سفره.
مريم: إلى الآن لا أصدق أنه سافر و تركها في المستشفى دون أن يطمئن عليها، حتى لو أخطأت لكن تظل هذه جونول... أكاد اجن من تصرفه، لقد قسى عليها جدا، إنها لا تستحق منه هذه المعاملة.
خديحة: أرجوك لا تفتحي هذا الموضوع أمامها، منذ أن علمت بسفره و كأن النسيان أصاب عقلها، تتجنب الحديث عنه أو عن المشكلة التي وقعت لكن كل مساء لا تنام قبل أن ينفطر قلبها من البكاء.
مريم: ااه يا صغيرتي لقد احترق قلبي عليك... بالأمس واجهت فتون بفعلتها و تخاصمت معها، قطعت صلتي بها بعد أن صفعتها... لم أظن يوما أن تكون حقودة بهذا الشكل، مسكين جوكهان كأن الأفاعي لا تعرف غيره.
خديجة: يا إلهي مازلت كما أنت بنفس الاندفاع، ستصبحن أمهات و يجب أن تحسن التصرف في أوقات الشدة.
أخذت يدها و قبلتها بعمق ثم قالت
مريم: عمتي حبيبتي، أطال الله في عمرك حتى لا نضيع بعدك.. سأخرج إلى طفلتي و أتحدث معها قليلا، ربما أقنعها بتحهيز طعام الغداء معا.
خديجة: ههه ما أسعدني بكما، ستكون وجبتي الرئيسية لهذا اليوم سلطة الخس.
خرجت مريم إلى الشرفة وهي تحاول أن تهديء من ضحكتها، صوتها أخرج جونول من شرودها التي لمعت عينيها مبتسمة عندما رأتها تتقدم نحوها
جونول: صباح الخير، لماذا تضحكين.
مريم: قلت لعمتي سنجهز الغداء أنا و جونول فشحب وجهها من شدة الذعر.
جونول: معها حق، لقد عجزت هي و خالتي كريمة في جعلنا طاهيات ماهرات.
مريم: لكن انا تحسن طبخي خلال هذه السنة، تسمم فؤاد عدة مرات لكن في الأخير فلحت أما أنت....
جونول: أنا لست في عجلة من أمري، عندما احتاج سأتعلم أما الآن فأمامي أهداف أخرى بعيدة عن شؤون البيت.
توقفت مريم عن الكلام ثم ازدردت ريقها بصعوبة، تظاهرت بالهدوء و قالت
مريم: هل ستخبريني بمشاريعك الهامة أم لا أستحق.
جونول: طبعا أخبرك بدون تردد، أنت أختي.
مريم: أخت خذلتك و وضعتك في موقف سيء.
بدأت تنتحب و تشهق وهي تخفي وجهها في ذراعها، إلى جانب المأزق الصعب الذي وضعت ابنة عمها فيه، زاد حملها من هشاشة نفسيتها فقد عانوا كثيرا من نوبات البكاء التي إصابتها في اليومين الأخيرين  حتى فكر زوجها في إحتجازها في المستشفى لأجل سلامتها و سلامة الطفل.
جونول: اووف لا تبدئي في النواح من جديد... استمعي إلي جيدا و منذ الآن أحذرك، إذا جاء الولد بطبع نكدي فلن أكون خالته و أنت لك حرية الاختيار.
مريم: أرجوك لا تهدديني بطفلي، حسنا سألتزم الصمت و الهدوء حتى لا يأتي يوم و يلقي علي اللوم لأنني حرمته من فرصة الحصول على خالة تشبه القمر.
حركت حبات مسبحتها بين أصابعها وهي تتأمل البنتان اللتان تتحدثان بمرح في الشرفة المطلة على البحر، تحجرت دمعة على حافة جفنها و قد عادت بها الذاكرة إلى تلك الليلة الصعبة، وقعت جونول مغشيا عليها فأسعفت فورا إلى المستشفى، قضت هناك ليلة و نصف يوم لا ترافقها إلا عمتها و الخادمات اللاتي جئن للخدمة و التعبير عن تمنياتهن لها بالشفاء، إتصل جوكهان بالهاتف عند العاشرة صباحا يسأل عن أمر يخص العمل ثم سأل عن إبنة عمه كأنه يؤدي واجبه مع أحد معارفه، لم تتحرك نيرمين من القصر و لم تتصل، خرجت كنتها منذ الصباح لزيارة أهلها و صديقاتها حسب حديث كريمة، كل ذلك لم يؤثر بها بمقدار ذرة واحدة بقدر سماعها للخبر الذي هزها و نزل على رأسها مثل الصاعقة، عندما إتصلت بمأمون المسؤول عن موظفي القصر بلغها أن إبن شقيقها البكر لم يعد إلى القصر بل سافر منذ ساعات الصباح الأولى.
شدت على الحبات الرخامية بشدة حتى تناثرت في كل ركن، أفرجت عن تنهيدة حارقة وهي تقول (لقد خيبت ظني بك كما لم يفعل غيرك، ظننتك جدار صلبا يمكن للمرء أن يستند عليه دون خوف أو حذر، ربيتك و علمتك لتكون كبير هذه العائلة لكنك لم تحسن التصرف، احترمت موقفك في المرة الأولى لكنك تماديت في جعل ألمك أهم من خاطر الجميع، هل هكذا ستعامل الأمانة التي سلمها والدك ، للأسف أنت لم تحسن الاعتناء بقمري. لا لن اقبل بهذا الأمر، حتى لو كانت مخطأة، لا تعاقبها بهذه القسوة لأنها مكسورة الجناح و قلبها الرقيق لن يتحمل، أنت تعرف ذلك جيدا لكنك لم تضعه في عين الاعتبار....آسفة إبن أخي فأنت لن تنالها بهذه السهولة حتى لو كنت الغالي على قلبي لأنها الهواء الذي أتنفسه، الأمل الذي أعيش من أجله، طفلتي التي جعلت مني أم).
مرت وجبة الغداء في مرح، لم تفوت العمة الفرصة دون وصف الفتاتان بالفاشلتان وسط ضحكات ملأت المكان و اهتزت بين الجدران... غادرت مريم إلى بيتها و بلغت العمة مدبرة القصر و السائق بقرارها المفاجيء بالعودة إلى القصر، إتسعت عينا جونول و ظهر الارتباك على ملامحها فتنحت بها عمتها جانبا
خديجة: مابك صغيرتي، أنت الآن بخير و مكان اقامتنا الأصلي هناك في القصر.
جونول: لكن عمتي، قد لا يقبلون بي للعيش معهم.
خديجة: من لا يريد رؤيتنا فاليغلق باب غرفته على نفسه، هل نسيت أن نصف القصر ملك لي. أعدك صغيرتي، لن أقف مكتوفة اليدين أمام الجميع حتى من لا يحسن النظر إليك بشكل جيد سيجدني أمامه.
جونول: أرجوك عمتي، أنا لا أحب العيش وسط أجواء مشحونة.
بدأت دموعها تنهمر على وجهها وهي تنظر في الأرض، أمسكت عمتها ذقنها و رفعت رأسها بشدة
خديجة: جونول، أنظري إلي و اسمعيني جيدا، أنت جونول تركمان، لا يجب أن تكوني ضعيفة، من يعيشون هناك ليسوا ملائكة حتى لا يخطؤوا و لا أحد له فضل عليك، لا أحد.
رق صوتها و قالت بحنو
خديجة: صغيرتي لا تخافي، أنا دائما سأكون معك، حتى لو تخطئين سأصفعك بكفي ثم ساخذك في حضني، لن أدير ظهري لك أو لمريم... لدي ملايين الليرات في عدة حسابات مصرفية هنا و خارج البلاد، لدي سيارات و ذهب و جاه لكن كل ذلك لا يساوي شيء عندي أمامك فلا تجعليني أقلق عليك، مريم أيضا لديها زوج محب يهتم بها لكن الحياة لا أحد يتوقع تقلباتها... هل فهمتني صغيرتي.
جونول: أجل فهمتك عمتي، أنا مستعدة للعودة إلى غرفتي تلك و سنتحدث بعدة أمور في الطريق.
في القصر، جاءت زينب مسرعة تخبر السيدة نيرمين بعودة العمة و ابنة شقيقها، عبرت سيرين عن انزعاجها من عودتهم بدون أي خجل
سيرين: هذا يعني أن الفتاة المدللة عاد لها هدوءها.
نيرمين: هل صدقت تلك المسرحية من فتاة منافقة مثلها، يكفيني أن إبني عرفها على حقيقتها و نبذها من حياته.
جوكهان: أمي أنا أشعر بالإحراج من عمتي، نحن لم نتصل و نسأل عن ابنة عمي مرة واحدة ثم تصرف جسور سيء جدا.
نيرمين: جوكهان!!! لا تبدأ معي بكلامك المستفز، أنا لن اتعاطف مع فتاة خدعت إبني. تصرف جسور أعجبني وهو دليل علىي أنه حدد موقفه في المستقبل و نحن لن نعارضه فيه.
سيلين: هل تعتقدين أنه سينفصل عن جونول.
نيرمين: سننتظر و نرى، تشابك الأعمال هو ما سيؤخر قراره.
بعد الغروب بقليل وصلت السيارة إلى القصر تقل السيدة خديجة و ابنة شقيقها، دخلوا إلى القصر يتبعهم حارس يحمل الحقائب، وجدت العائلة في انتظارها فنظرت إليهم بلا مبالاة ثم قالت
خديجة: مأمون خذوا جميع الحقائب إلى جناحي، زينب رافقي جونول إلى هناك حتى ترتاح، كريمة اجلبوا لنا العشاء و اهتموا بأكل الفتاة جيدا.
بعد أن انصرفت جونول إلى جناح عمتها، بدأت زوجة عمها بالتحدث بسخط مبطن
نيرمين: أهلا وسهلا خديجة و الحمد لله على السلامة، أرجو أن تكون الإقامة على الشاطيء قد أفادت صغيرتك.
خديجة: لقد أفادتها جيدا و الحمد لله، أنا أيضا وجدتها فرصة لا تعوض حتى أفكر جيدا بعدة أمور تخص حياتنا.
جوكهان: أمور مثل ماذا عمتي؟!
خديجة: لا تشغل نفسك بها صغيري، أنا أعرف كيف أدير حياتي جيدا، إتصل بالمحامي مهران و أطلب منه أن يأتي لزيارتي غدا في العاشرة صباحا، تصبحون على خير.
صعدت إلى الطابق العلوي و تركتهم يحومون حول أنفسهم، فرك جوكهان ذقنه بقسوة ثم تساءل
جوكهان: أمي، عمتي لم تتعامل مع هذا المحامي منذ وفاة أبي، لماذا تطلبه الآن يا ترى؟!!
نيرمين: لا أعرف، ذلك المحامي يحتفظ بالوثائق و المستندات الخاصة بثروة العائلة.
جوكهان: لكن كما أعلم أخي جسور هو من يتصرف في الأسهم و يشرف على جميع الأعمال بنفسه.
نيرمين: معك حق و بتوكيل من عمتك... تبا إلى ماذا تخطط هذه.
جوكهان: هل ستلغي التوكيل الذي منحته له؟!!.. أرأيت عاقبة أفعالك إلى أين أوصلتنا أمي، لن أستطيع الحصول على المزرعة التي رغبت بها.
وصلت الخالة كريمة و استأذنت منهم للتحدث
كريمة: سيدتي نيرمين، طلبت مني السيدة خديجة إبلاغكم أن تجهزوا المجوهرات التي بحوزتك و بحوزة السيدة سيلين حتى تعاد إلى خزنة العائلة.
نيرمين: ماذا تقولين أنت، هل وصل بها الأمر أن تخاطبنا عبر الخدم، إذهبي من أمامي.
كورت يديها بغضب ثم أضافت
نيرمين: لقد تمادت عمتكم كثيرا دون وضع اعتبار لأي أحد.
سيلين: لماذا نسلمها مجوهراتنا، هذا ليس من حقها.
جوكهان: على رسلك يا هذه، عمتي لا تقصد الاكسسوارات الخاصة بك بل أطقم الذهب و الألماس التي من حق الجميع مع أنه هي من قامت بانتقائهم.
نيرمين: بماذا تهذي أنت، هي لا يحق لها أن تتصرف بممتلكات العائلة متى تشاء، سأتصل بجسور و أخبره بكل شيء.
جوكهان: أمي، أعتقد أن لا تفعلي يكون أفضل لك حفظا لماء وجهك، لأخبرك شيء آخر، جسور بالذات أكثرنا سوء حظ لأنه تورط مع من لا ترحم، عمتي ستقص أجنحته و تسحب منه بساط التفوق.
نيرمين: هااي من تظن نفسها، هل ستستعبدنا لأجل مدللتها تلك.
جوكهان: كنت فكرت مليا قبل الوقوف أمامها لذا لا تضعي اللوم علي، أنا لست ندا لعمتي لذا سألتزم الحذر معها و السير جنب الحائط.
نيرمين: أنت فاشل و جبان، عند أول مشكلة تتخلى عنا بكل سهولة.
جوكهان: بعيدا عن أنني مازلت أكن الحب و الاحترام لعمتي لكن أقبل أن أكون فاشل و جبان على أن اطحن في معركة أعرف نتائجها مسبقا.... هل تعلمين أمي، ذات مرة قال أبي جملة لازلت أذكرها إلى الآن، من يفوز برضا عمتك يربح أما من يقع تحت طائلة غضبها فأسفي عليه و أنا أقصد أخي العزيز. سأخرج للمقهى لعلي اتخلص من توتر هذه العائلة الذي لا ينتهي.
🌾🌾🌾

العروس الصغيرة 🦢 حيث تعيش القصص. اكتشف الآن