بقلم ندوش 🐝
وصل جسور إلى الشاطيء الصخري، وجد عاكف يجلس على حافة الجرف ينتظره هناك، خلع نظارته الشمسية و جلس بجانبه ينظر إلى الأمواج التي تنكسر بعنف على الصخور الحادة، التزم الصمت لحظات ثم قال
جسور: من يراك تجلس هنا سيظن بأنك ستضع حدا لحياتك.
عاكف، يبتسم بسخرية: أستحق ذلك لأجل حماقتي لكن لن أفعلها خاصة بهذا الوقت... زهرة حامل.
لم يعرف جسور إن كانت حالة صديقه تستوجب أن يهنأه أو يواسيه فقد ظهر الألم في كل حرف نطق به، تمهل قليلا ثم قال
جسور: مبروك... تهاني لك أخي...أنا واثق أن هذا الخبر السعيد سيحمل بشائر أخرى بعده.
عاكف: لقد إتصل والد زهرة بأمي صباح اليوم فنقلت لي الخبر وهي تكاد تطير من الفرح، لقد رأيت سعادة في عينيها لم أشاهدها فيهما قط لكن أنا لا أعرف لماذا اهتزت جدران قلبي كأن زلزال قاس ضرب فيه... تمنيت بشدة أن أنجب أطفال تكون أمهم زهرة لكن في ظروف غير هذه... في ظروف تكون والدتهم تقبل النظر في وجهي.
ربت جسور على كتفه و قال
جسور: ربما بسبب تأثير الحمل كانت زهرة ترفض لقاءك أو التحدث معك. النساء في تلك الفترة تكن حساسات جدا و لا يعرف كيف يفكرن.
عاكف: لكن الرفض شعور مؤلم جدا خاصة عندما يأتي من الإنسانة التي تسكن كل خلية فيك. أعترف أنني كنت مخطيء من رأسي إلى أخمص قدمي لكن.... يا إلهي كلما أتذكر ما حدث أكاد أصاب بالجنون، لقد دفعتها على الأرض بقسوة و لولا لطف الله كنت قتلت طفلي بيدي.
جسور: أهدأ عاكف و لا تجلد نفسك بهذا الشكل، لقد عرفت الآن من قام بتلك الخطة القذرة و.....
عاكف: لقد عرفت بعد فوات الأوان، بعد أن خسرت زوجتي و دمرت حياتي، لقد جعلتها تخاف مني و تخشى الحديث معي، أنت لا تعرفها مثلي بل لا أحد يعرف كم هي رقيقة و حساسة كأن قلبها صنع من الزجاج، أنا فقط من كنت أجيد التعامل مع عفويتها و خجلها لكنني دمرتها رغم معرفتي بها.
جسور: هل قامت والدتك بزيارتها عند معرفة حملها.
عامف: في لمح البصر طارت إلى بيت والدها تطمئن عليها، أمي أصبح شغلها الشاغل فقط ذلك الحفيد الذي سيولد حتى أنها طلبت مني أن لا أقترب من البيت خوفا على سلامة الجنين و والدته.
جسور: اووو خالتي هزار لا ترحم أبدا.
عاكف: ربما معها حق فأنا قد أرتكب حماقة أشد فداحة من تلك التي في المرة الأولى لأنني لا أثق بنفسي في هذه الفترة.
دخلت هزار مثل الإعصار إلى بيت اصدقاءها، استقبلها الوالدان بترحيب كبير لكنها ردت عليهما ببرود ثم طلبت رؤية نيلوفر، جاءت الفتاة تقفز فرحا فقد ظنت أن خطتها تسير على ما يرام، وصلت البارحة من السفر فأخبرتها والدتها أن عاكف يعاني مشاكل في زواجه و قد ينفصل عن زوجته. ارتمت على السيدة تحتضنها لكن الأخيرة ابتعدت عنها و قالت
هزار: كنت في بيت والد زهرة قبل أن آت إلى هنا... إنها حامل.
نزل الخبر على نيلوفر نزول الصاعقة لكنها التزمت الصمت فتحدثت والدتها ببراءة
الأم: تهاني الحارة لك و لعاكف، ربما مجيء الطفل سيصلح الأمور بينهما.
هزار: كيف ستنصلح الأمور و ابنتك تدس أنفها في حياتنا، كيف ستنصلح الأمور وهي تدبر المكائد لتنسف زواج إبني. كيف تتحدثين عن صلاح الأحوال و المقربون منا يتمنون الشر لنا، بوجودهم أصبحنا لا نحتاج إلى أعداء في حياتنا.
الأب: ما هذا الكلام هزار، لا يعقل رمي اللوم علينا من سيدة محترمة مثلك.
هزار: الذي لا يعقل هو الحقد و الغل الذي في قلب ابنتك، جملة الأفعال المخجلة التي قامت بها، ذلك المستوى الدنيء الذي وصلت إليه.
نيلوفر: ما كل هذه الاتهامات خالتي هزار، أنا....
قبل أن تكمل حديثها عالجتها السيدة بصفعتين دوى لهما المكان و جعلا جسد الفتاة يترنح للخلف وسط صدمة الأبوين من عنف صديقة العائلة، خرج صوت نيلوفر باكيا في حين قالت هزار
هزار: هذه الفتاة المحترمة تواطئت مع ذلك الدكتور النكرة عامر و حبكت خطة خبيثة حتى تظهر أن كنتي تقوم بخيانة زوجها، استغلت شدة غيرته عليها ففجرت حياته و دمرت عش زوجيته، استأجرا ممرضة وضيعة سرقت وشاحها ليتصور و فبركا صورة أنه يأخذه منها...زرعت الفرقة بين الزوجين و شوهت سمعة امرأة مثلها دون أن يرف لها جفن.
نيلوفر: لأنه أنا من تحبه و ليس تلك الفتاة، إبنك تم خداعه من قبل تلك الانتهازية.
هزار: بل أنت هي المخادعة الخسيسة، لطالما رأيت فيك الكنة المناسبة له لكن حمدا لله أنه لم يجعلك من نصيبه. صحيح المال لا يشتري كل شيء، خاصة معدن المرء النفيس.
تركت المكان و قد شعر الوالدان بالخزي و القهر، أقترب الأب من ابنته ثم صفعها هو الآخر وهو يوبخها بقسوة لأنها جلبت له العار بفعلتها المشية، جرها من شعرها إلى غرفتها متوعدا إياها بالترحيل من البلد لفترة طويلة وسط صراخها و بكاءها المتواصلان.
🌺🌺🌺