بقلم ندوش 🐝
أمسكت السيدة هازار فنجان قهوتها و بدأت ترتشفه بهدوء، دخلت عليها عائشة تسألها عن أمر يخص المطبخ ثم قالت
عائشة: اووه بسم الله ماشاء الله منذ زواج ابنك و أنت مزاجك من حسن إلى أحسن.
هزار: بالله عليك لا تدققي في مزاجي حتى لا يتعكر. رؤية ابني سعيد لا تقدر عندي بثمن، ااه لو يرزق بصبي حتى تقر عيني به.
عائشة: ان شاء الله سيحدث لكن مازال الوقت مبكرا على الأطفال فهما بالأمس تزوجا.
هزار: أعرف جيدا متى تزوجا لكن هو وعدني بحفيد قبل نهاية السنة.
عائشة: استغفر الله سيدتي، هذه أرزاق بيد رب العالمين.
هزار: لا حول ولا قوة الا بالله، معاذ الله أن نعترض على حكمه و قضاءه لكن رب العالمين قال ادعوني استجب لكم و أنا أطلب هذه الأمنية من جلالته عند كل فرض.
عائشة: أعتذر منك سيدتي لكن إنجاب الأطفال شأن يخصهما معا ثم كنتك بدأت حديثا العمل في مستشفى زوجها.
هزار: كما قلت في مستشفى زوجها أي أنها ستكون تحت عناية أكفأ الأطباء في أي وقت و لديها حرية ترك عملها متى أرادت ذلك.
عائشة: يا إلهي أنت أصبحت متسلطة مثل إبنك، هو لم يوافق على خروجها للعمل إلا برفقته حتى لا تغيب عن نظره، لا استغرب حين يحدث الحمل أن يشترط عليها المكوث في الفيلا.
هزار: معه حق إن فعل، هي ليست في حاجة للعمل، زوجها و أبناؤها لهم الأولوية في حياتها.
عائشة: زهرة فتاة مؤدبة و عاقلة كما أنها لا تكسر خاطر زوجها أبدا، العمل سيجعلها تشعر بأنها مهمة.
هزار: معك حق في كل ما قلته و اختلاطها بالآخرين سيجعلها تتخلص من خجلها المبالغ. لقد زاد تعلق إبني بها بعد الزواج و هذا ما يجعلني أقلق عليه.
عائشة: لماذا سيدتي؟!!. أتمنى أن يعيشا حياة هنيئة لآخر العمر.
هزار: عائشة أنت لا تفهميني في بعض الأحيان لكن لا أجد غيرك حتى أثق به و أتحدث معه.. عاكف تعرف على زهرة و تزوجا بسرعة لكن تعلقه بها قد يتحول إلى هوس مرضي، لا يأكل إلا متى أكلت، ينام متى نامت. إذا خرجت معي يظل يوصيني أن أهتم بها لأنها لا تعرف أحد، يسألها عن كل تفاصيل يومها إن غابت عن الفيلا، هذا الاهتمام قد يتحول إلى نقمة على صاحبه. جسور يحب جونول كثيرا لكنهما معا منذ سنوات كثيرة لكن إبني وقع بسرعة فعند أي مشكلة تحدث سيتأثر كثيرا، إنه يغار عليها بشكل يثير الحنق، انزعجت منه الأسبوع الماضي عندما كنا في زيارة لأحد الأصدقاء فأظهر بعض جنونه عليها.
عائشة: مازالوا شباب صغار و نار حبهما مازالت في ذروتها، ستختبرهما الأيام و يعرفا كيف يواجهانها. الفضل لك بعد رب العالمين حتى توجهينه إلى ما يفيد مصلحته.
هزار: إن شاء الله لن أدخر جهدا للحفاظ على استقرار بيته و حياته.
🌼🌼🌼ارتدت ملابس مريحة و سرحت لها عمتها شعرها و جعلته ظفيرة انسابت على طول ظهرها، أخذت دفتر ملاحظاتها وضعته في حقيبة صغيرة ألقتها على كتفها و استعدت للخروج حين استوقفتها العمة و بدأت تقرأ لها دعاء في خشوع ثم مسحت على رأسها فابتسمت الفتاة بخفوت، انطلقت مهرولة إلى الطابق الأرضي فنزهة البحر ستفيد مزاجها الهاديء.
بدأت تنزل درجات السلم قفزا حتى انتبهت إلى زوجة ابن عمها تقف عند آخره، وقفت قبل أن تصل إليها و بقيت تنظر نحوها باستفهام فقالت الأخرى بعد أن تأكدت من خلو المكان
سيلين: أرى بأن عمتك سمحت لك بالخروج إلى الشاطيء.
جونول: ستذهب معي زينب و سيفو.
سيلين: ما متعة الفسحة إذا كنت تحت مراقبة الآخرين، ألهذه الدرجة لا يثقون بك.
جونول: أنا أشعر بنفسي أفضل اليوم فأردت قضاء بعض الوقت في الخارج.
سيلين: لهذا يرسلون معك زينب و سيفو للحراسة، جونول لا تكابري فأنت لم تعودي كما كنت و لا تنخدعي بكلام عمتك، إنهم يخططون لأخذك للعلاج في مكان بعيد.... زوجك من يجهز لذلك.
تراجعت الفتاة خطوة للخلف جعلت محدثتها تدرك أنها بدأت تنسف طمئنينتها، صعدت درجة هي الأخرى و أضافت
سيلين: مع الأسف جسور صار يعتبرك عبيء ثقيل و يبحث عن طريقة ناجعة للتخلص منك، يريد أن يبسط سيطرته على نصيبك من الثروة، وجد الفرصة التي كان ينتظرها منذ سنوات.
جونول، بصوت مرتجف: ما هذا الكلام الذي تتفوهين به، إبن عمي لا يفعل بي السوء أبدا، جسور...
سيلين: جسور شاب وسيم، رجل أعمال ناجح و يقدم مصالحه المادية على أي هدف آخر، بالفترة الأخيرة صار لا يترك القصر لأن حالتك النفسية كانت سيئة فطبيعي أن يفكر في حل يجعله يتفرغ لأعماله دون وجود أي عائق، ربما عند عودتك إلى هنا بعد خمسة أو ست سنوات ستجدين كل شيء قد تغير هنا، الأثاث و الديكور، حتى الأشخاص، ربما يتزوج و ينجب أطفال كثر، مثلا فتاة جميلة تقفز هنا و هناك.
بعيون دامعة عادت بها أفكارها المبعثرة إلى تلك الليلة الساحرة، عادت العائلة من حفل زفاف عاكف و توجه كل فرد إلى جناحه، اتجهت هي إلى المطبخ لشرب كوب ماء فلحق بها جسور إلى هناك، سحب قارورة عصير طازج و أخذ كوبين ملئهما، وضع الأول أمامها و بدأ بارتشاف الآخر،
جونول: جئت بغاية شرب الماء.
جسور: شرب العصير أفضل لك، أنت لم تتناولي شيء طوال الحفلة، هل مازالت معدتك تؤلمك.
جونول: لا لكنني بقيت متوجسة منها فامتنعت عن تناول أي شيء هناك.
جسور: هل أطلب من زينب أن تعد لك شيء تأكلينه.
جونول: لا،لا،لا. إنها الساعة الثانية ليلا و أرغب في الذهاب إلى النوم، أشعر بجسمي سينهار من شدة التعب، لولا أنه زفاف زهرة ما كنت انتظرت إلى هذا الوقت.
جسور: هيا إلى النوم إذا قبل أن تقعي هنا.
تحركت خطوة ثم شعرت بيده تطبق على ذراعها كأنه تذكر أمر جعله يمنعها من الخروج
جسور: انتظري قليلا أيتها الماكرة، ماذا كانت تهمس لك تلك الماكرة الأخرى و المسماة ابنة عمك.
اتسعت عيناها و همست قائلة
جونول: هل تقصد مريم، كان حديث غير مهم... هل كنت تراقبني؟!!.
جسور: أجل كنت أراقبك ففهمت أنني محور الحديث لأنها كانت تتحدث و تنظر إلي ثم لكمتها على كتفها حتى تألمت.
جونول: قلت لك كان حديث خاص بيننا.
جسور: أريد أن أعرف ماهو؟!!
جونول: إنه لا يعنيك.
سد منفذ الخروج أمامها و قال بمكر متعمد
جسور: لن تخرجي من هنا حتى أعرف، هيا تكلمي أو سأتصل بمن ستتكلم بالنيابة عنك.
جونول: ماذا تقول أنت، أختك متعبة و قد تكون غطت في النوم منذ زمن فعيب أن نقلق راحتها بهذه الساعة.
جسور: إذا الحل معك.
تأففت متذمرة من الحاحه و قالت
جونول: قالت لي تمثال الرخام ذاك متى سيتحرك من مكانه.
جسور: ما شأنها هي بتمثال الرخام، هل اشتكيت لها مني؟!
جونول: لا.. لا لم أفعل، كما قلت ما شأنها هي بحياتك.
جسور: إسمها حياتنا يا ابنة عمي.
جونول: هي كذلك... اتركني أذهب إلى غرفتي.
جسور: لم ينتهي اعترافك بعد، أرى ذلك في عينيك، أشعر بأن لب الحديث لم يذكر بعد.
جونول: سأرسله لك في رسالة هيا اتركني أذهب من هنا.
أطبق على ذراعيها و دفعها بلطف إلى الجدار، شهقت و قالت موبخة
جونول: جسور نحن في المطبخ قد يأتي أي شخص فجأة، سيكون منظرنا محرج أمامه.
جسور: ماذا فعلنا حتى نخجل منه ثم أنت زوجتي... مع وقف التنفيذ.
مط حروف آخر كلمة فلمست معاني مبطنة في حديثه فتأتأت بخجل
جونول: لولا أنني أعرف أنك لا تشرب الخمرة لقلت أنها ذهبت بعقلك.
بدأ يمرر شفاهه على شعرها، وجهها من جبينها إلى وجنتيها و أنفها ثم توقف و نظر لها بعيون ملتهبة
جسور: قلت لك لا يوجد غيرك يذهب بعقلي فلا تقولي الحماقات أمامي، لن أتركك حتى تنهي إعترافك.
جونول: أووفف أنت لحوح و مستبد، لقد قالت هيا اتما هذا الزواج حتى تنجبا لي كنة جميلة.
انفجر ضاحكا و لكم الجدار خلفها قائلا
جسور: من أين لها كل هذا الطموح.
جونول: ماذا تقصد بكلامك، هل ترفض أن يكون لنا طفلة.
جسور: لا حبيبتي، لقد قلت لك سابقا أنني انتظر بفارغ الصبر أن نرزق بفتاة تشبهك، بل أكثر من واحدة لكن لن ازوج بناتي لأول عريس يطرق بابي.
جونول: لكنني اتفقت معها، إبنها جسور لن يتزوج إلا ابنتي.
جسور: ما هذا التسلط، أليس للفتاة رأي.
جونول: لا ليس لها رأي، هل كان لوالدتها رأي عندما تزوجت ابن عمها.
احتجت بطفولية فهز حاجبه باستنكار ثم قال
جسور: دعك من طفلتنا الجميلة و أخبريني، هل أنت مازال لديك إعتراض على طريقة ارتباطنا، يمكننا البدء بكل شيء من جديد.
جونول: سيكون تكرار لما حدث، أنت ستختارني و أنا سأقبل مثل البلهاء لأنني أحبك و نعقد زفافنا في الربيع كما هو مخطط له.
جسور: هذا لأن مصيرنا واحد منذ أن خلقنا فلماذا الاعتراض.
جونول: معك حق، هيا نذهب إلى غرفنا فقد تأخر الوقت.
رفض أن يبتعد عنها و بقي يستند على الجدار بذراعيه، التزمت الصمت الحذر فقال بصوت عميق و خافت بعد أن أحكم قبضتيه على خصرها و جذبها إليه حتى ارتطمت بعضلات صدره أين كان فؤاده يطرق مثل الطبل
جسور: نحن طبخنا لكننا لم نأكل بعد. جونولي، لقد استنفذ صبري بسبب تلك القواعد التي تكبلنا، هذا الشوق الذي بقلبي لا ينطفيء مهما تقربت منك.
قبل أن تستوعب مغزى كلامه وجدت نفسها تغرق معه في موجة مشاعر حملها كل حبه و هيامه بها، بثها جنونه و افتتانه اللامحدود بملكة حياته، سيطر على تفكيرها و غزا روحها بتملك وهو يعدها بالبقاء معا لآخر العمر. ما إن وجدت فرصة حتى تركت المطبخ إلى غرفتها و جسمها بالكاد يحملها فقد تحول إلى كتلة هلام لشدة احتراقه. همست بخجل وهي تناظر هيأتها المبعثرة أمام المرآة، حتى المياه الباردة عجزت على تخفيف وهج النار التي مازال يظهر أثرها على وجنتيها المحمرتين (إنه مجنون في هيأة عاقل، يأخذني معه في كل مرة إلى عالم سحري يشبه البحر الهائج في اندفاعه فبالكاد أستطيع مجاراته لشدة قوته لكنني أثق كثيرا في حبه لي).