الجزء الثامن عشر و الأخير _ زينة الحياة✨

825 49 18
                                    

بقلم ندوش 🐝

الساعة الثامنة مساءا، وصل جسور إلى الفيلا، ما إن تجاوز عتبة المدخل حتى أدرك أن حبيبته في المطبخ تجهز الطاولة كعادتها كل مساء، خرج منذ الصباح الباكر إلى منطقة الساحل لملاحقة الأعمال هناك ثم عاد إلى هنا مسرعا، اقترب موعد ولادة زوجته بل فترة أسبوع تجعلها وشيكة وهو لا يريد أن يكون بعيدا عنها في هذه التجربة الصعبة، وضع حقيبته على طاولة في البهو و توجه إليها، وجدها تضع الصحون على الطاولة و قد فاحت رائحة الأكل في المطبخ، لم تتطور مهارتها في إعداد الأطباق المختلفة لكن تأتي إليها زينب كل يوم فتعد لها كل ما تشتهيه و تترك لها مهمة إتمام التقديم و تزيين طاولتها كما تحب.
طوق خصرها من الخلف و قبل وجنتها حتى شعرت بشعر ذقنه يلسع بشرتها الناعمة من شدة ضغطه عليها،
جسور: كيف حال طفلتي الكبيرة و تلك الصغيرة.
جونول: نحن بخير، لقد عدت، ظننتك ستبيت هناك فغدا أيضا لديك اجتماع مهم مع الوفد الأجنبي.
جسور: لا أخفيك سرا أنني عدت بسبب قلقي عليك، عمتي قالت أنك بدوت لها متعبة هذا اليوم فماذا فعلت في غيابي.
جونول: أوووه عمتي تبالغ كثيرا عزيزي، عندما وصلت إلى هنا وجدتني في الحديقة و قد تعرق جبيني و ثقلت خطواتي فقلقلت علي، بعد أخذ حمام منعش عدت نشيطة مثل قبل.
جسور: ااه يا جونول، لماذا تصرين على القيام بأعمال لا تعنيك، مما تشكو الحديقة حتى تجهدي نفسك فيها.
جونول: لقد استيقظت بعد الساعة العاشرة بقليل، كانت زينب تقوم بأعمال التنظيف فخرجت إلى هناك استنشق بعض الهواء النقي، لقد أصبحت كتلة من الخمول في الآونة الأخيرة لكن يجب علي أن لا أهمل الحركة حتى تكون ولادتي سلسة.
جسور: إن شاء الله ستكون سهلة فلا تقلقي أنت، دعيني أسلم على طفلتي قبل أن تقوم بمعاتبتي.
انحنى على ركبتيه أمامها، قبل بطنها المنتفخ ثم بدأ يخاطب الجنين كأنه يسمعه حتى بدأت زوجته تضحك من تصرفاته، عاود الوقوف و قال بمكر
جسور: أرجو أن لا تتدخلي بين الأب و طفلته.
غمز لها و ذهب لتغيير ملابسه فعادت تنهي ما تفعله، ذات يوم بدأت شكوكها بشأن الحمل تتعاظم فقررت إجراء اختبار في البيت قبل زيارة طبيب مختص، ما إن ظهرت النتيجة إيجابية أمام عينيها حتى أطلقت صرخة استنكار يشوبها خوف و رهبة جعلت زوجها يترك مكتبه و يجري إليها ظنا منه أن خطبا قد أصابها، اعترضته تسير في الرواق و تحمل شيء صغير في يدها وهي تحاول حبس دموعها فكان مظهرها يثير الشفقة وهي تنتحب بصمت، وصل إليها فمدت يدها أمامه قائلة من بين شهقاتها
جونول: جسور... أنا.... أنا حامل.
ارتمت بين ذراعيه و انخرطت في البكاء حتى اهتز جسدها، أخرست المفاجأة لسانه فلم يعرف هل يجب عليه أن يفرح أو ينتظر حتى يفهم الحالة التي أصابت حبيبته، بدأ يربت على شعرها و يهدأها ثم نظر داخل عينيها و قال
جسور: جونولي، مابك، أنت حامل فلا تخافي، هذا الخبر جميل و عليك أن تكوني سعيدة به.
هزت برأسها و دموعها مازالت تنهمر على وجنتتيها
جونول: أنا لست خائفة لكن معرفة الخبر بعثرني و جعلني لا أعرف ماذا أقول، أصابني فرح كبير و خوف معا، إنه حلم جميل و هاهو يتحقق أخيرا.
تنهد بارتياح ثم رفعها عن الأرض بحذر و قال بحماس شديد بان داخل سوداويتيه حتى أصبحتا تلمعان مثل جوهرتين،
جسور: الحمد لله أخيرا وردتي ستزهر لي ورودا صغيرة و جميلة مثلها.
احتضنها بحنان يشوبه الحذر، بدأ يسألها كيف تشعر، هل تعاني من أي أعراض، ثم قرر بحزم أن يذهبا في الحال لزيارة دكتورة نسائية له بها معرفة جيدة.
تأكد حدوث الحمل الذي أسعد قلوب الجميع، بكت العمة و الأم عند تلقيهما البشارة من الزوجين السعيدين فكل واحدة منهما كانت تنتظر ذلك الخبر بفارغ الصبر لكنها آثرت الصمت و التكتم على أمنيتها حتى يحين موعدها... بدأت مرحلة جديدة من الحياة لم تخلو من لحظات قلق و تعب، خوف مستمر على صحة الأم الصغيرة و جنينها. كانت جونول أقل الجميع قلقا فقد بدت أغلب الأوقات سعيدة كطفلة حصلت على لعبتها المفضلة، كانت تنتظر بفارغ الصبر معرفة جنس الجنين حتى تبدأ في رسم أحلامها التي تناسبه. "جوري"، هكذا نطق الأب المستقبلي الإسم بكل فخر فما إن أدرك أن الضيف القادم هي فتاة حتى سارع لإختيار الإسم المناسب لها و بدأ يخاطبها به باللين تارة و بالشدة أحيانا حين يظهر التعب و الإجهاد على الأم حبيبة قلبه.
استفاقت من شرودها على اقتراب الخطوات من المطبخ، دخل جسور و سحب كرسي قريب منها، نظر إلى تجهيز الطاولة بإعجاب ثم قال
جسور: بعد فترة قصيرة سنحرم من رؤية هذا الجمال.
جونول: قبل أن تصدر أحكام مسبقة لماذا لا تسأل صديقيك كيف أصبح الحال معهما بعد مجيء الأطفال.
جسور: طفل فؤاد هاديء و وديع يشبه والده في الطباع، لقد نجا صديقي فمريم كانت لا تطاق عندما كانت طفلة، كثيرة البكاء ليل نهار و كان أبي يضع اللوم على الجميع إلا هي، أما عاكف فقدوم الطفلتين خرب نظام حياته، أصبح بالكاد يستطيع قضاء بعض الوقت مع زوجته.
جونول: حسنة عاكف أن خالتي هزار مولعة بالطفلتين و تتحمل جانب من المسؤولية مع زهرة، منذ يومين خرجنا معا للتسوق فأخبرتني أنها بالكاد تأخذ قسط من الراحة.
جسور: كما تعلمين عاكف متملك بعض الشيء و البنتين سحبتا منه بساط الاهتمام.
التزمت جونول الصمت قليلا ثم قالت
جونول: جسور، هل ستغار أنت ايضا من اهتمامي بالطفلة...
جسور: لماذا أغار من طفلة صغيرة.... لا تبالغي أرجوك.
بعد أن اطمئن باله على زوجته، غرق جسور في النوم كالقتيل و بقيت زوجته تتقلب في الفراش بجانبه، كثرة النوم بالنهار جعلت النعاس يهجرها فبقيت تقلب المحمول و تتحرك هنا و هناك بملل.
كأن أحدهم يهزه بعنف من كتفيه، استيقظ فزعا ليتفاجأ بجنول تتكيء على ظهر السرير وهي تضغط على شفتيها بقوة، فرك عينيه و نظر إليها بانتباه
جسور: جونولي، مابك، هل أنت بخير.
جونول: لا لست بخير، أشعر بألم فظيع في خاصرتي.
جسور: هل تناولت أي طعام من الخارج، لقد طلبت منك أن لا تطلبي الأكل من غير القصر.
جونول: جسور، لا علاقة للأكل بما أشعر به، أنا على وشك الولادة. أرجوك إتصل بعمتي حالا، لن أتحرك من هنا حتى تكون معي.
ترك جوكهان غرفته مسرعا و خرج يستطلع سبب الجلبة التي تحدث في الطابق الأرضي، وجد عمته تنزل الدرج مسرعة وهي تخاطب أمه التي تنزل هي الأخرى من جناحها، ناداهما عما حدث فأشارت له نيرمين بيدها أن جونول في المستشفى.. غابتا خلف باب القصر فعاد إلى الداخل حيث كانت زوجته تنتظره بقلق
جوكهان: أمي و عمتي خرجتا إلى المستشفى، جونول على وشك الولادة، سأغيرملابسي و ألحق بهما.
خلود: دعني أذهب معك.
جوكهان: لا خلود، أنت مازلت متعبة و أمي لن تغفر لك إن رأتك هناك.
خلود: حسنا إذهب و في الصباح تعالى حتى تأخذني لزيارة ابنة عمك.
في قسم الولادات و أمام غرفة الإنتظار، جلست خديجة و نيرمين تنتظران بصبر شديد، كان جسور يذرع المكان جيئة و ذهاب و قد نهش القلق فؤاده، مازالت صرخاتها المتألمة لا تغادر مخيلته حتى ظن أن قلبه يتمزق إلى قطع صغيرة، جلس جوكهان بجانب والدته و وشوش لها
جوكهان: لما كل هذا القلق، جميع النساء تلد.
نيرمين: أصمت لئلا يسمعك، ألا ترى حالته كيف هي، لقد نشف دمه في عروقه من شدة القلق.
جوكهان: أمي، هل لحظات الولادة صعبة إلى هذه الدرجة.
ضربت والدته على ركبته و قالت بحنو
نيرمين: إصبر على رزقك بني، ان شاء الله بعد ستة أشهر ستكون أنت أيضا بنفس المكان مثله، هل سمعت خلود بولادة جونول.
جوكهان: لم أخبرها فقد سمعت بنفسها، لقد أحدثتما ضجة أنت و عمتي أفاقت الجميع، كانت سترافقني إلى هنا لكنني منعتها.
نيرمين: خيرا فعلت، لتلتزم الراحة حتى يثبت ذلك الحمل، لقد أجهضت في السابق فلا تستهن بوضعها المستقر.
جوكهان: أنا أيضا قلت لها نفس الكلام لهذا قبلت مشورتك و إنتقلت إلى القصر حتى تعتنوا بها.
فتح باب الغرفة، فتح باب الأمل بعد لحظات الانتظار الشاقة و المرهقة، أسرع جسور إلى الطبيبة يستطلع حال زوجته فأخبرته بولادة الطفلة و سلامة زوجته مهنئة له و للعائلة، عمت السعادة الجميع فسارعوا لتهنئة بعضهم البعض، نقلت الأم إلى غرفة الافاقة و نقلت الرضيغة إلى قسم المواليد الجدد...
بعد ساعات من النوم المتواصل، فتحت جونول عينيها بتثاقل ثم نظرت حولها، شعرت بشفاه دافئة تقبل جبينها و يد حنونة تربت على رأسها، وصل إليها صوته المحب يطمئنها على صحتها و صحة طفلتها، تنهدت بارتياح فقد مرت اللحظات الصعبة التي عايشتها بصبر، قدمت الممرضة تحمل الرضيعة حتى تنعم بحضن والدتها و تنهل من حنانها، طفلة صغيرة جدا حملت معها سعادة لا توصف حتى عجز والدها عن كبح دموعه عند رؤيتها، كانت لحظات مؤثرة و لا تقدر بثمن، الحبيبة و النسخة الصغيرة منها، حلم آخر من أحلام العمر يتحقق بعد صبر و طول انتظار.
✨✨✨

العروس الصغيرة 🦢 حيث تعيش القصص. اكتشف الآن