بقلم ندوش🐝
انتهت حفلة الخطوبة في فيلا السيد حاتم شقيق رئيس الوزراء، عادت العمة و جسور إلى القصر فما إن همت بالتوجه إلى جناحها حتى استوقفها مترجيا أن تمنحه بعض الوقت للحديث معها، طلبت قهوة لهما و دعته للذهاب إلى مكتب العائلة، نظرات الإرتباك التي ظهرت في مقلتيه دلتها أنه في حاجة ماسة إلى من يستمع إليه، جلسا على أريكة بجانب النافذة ثم طلبت منه أن يفصح عما يجيش في صدره وهي ستستمع له
جسور: عمتي طلبتك حتى أتحدث معك عن جونول و سوء التفاهم الذي حدث بيننا... أريد أن تساعديني.
التزمت الصمت لفترة جعلته يستدرك قائلا
جسور: أنا لن ألومك في موقفك مني لكن ظننت أنني يمكن أن أحظى ببعض الإهتمام منك مثل قبل.
تنهدت بحزن ثم قالت
خديجة: بني، جرح جونول مازال غض، أنت تعرف أنها حساسة جدا رغم أنها تظهر عكس ذلك لكن كل ما نراه ماهو إلا قناع مزيف حتى تخفي ألمها خاصة أمامك أنت، هي لا تريد أن تظهر ضعفها أمامك لأنك المتسبب في جرحها، إصبر عليها بعض الوقت و امنحها مساحة من الحرية حتى تحسن الحكم على قرارها.
جسور: عمتي، الأمر برمته لا يستحق كل هذا الغضب، سوء التفاهم يحصل بين الجميع.
خديجة: استمع إلي جيدا بني، أنت تعودت أن تجد جونول بجانبك أينما ألتفت لأنك إبن عمها و الرجل الوحيد الذي تعرفه فصار من المسلمات بالنسبة لك أن تعود إلى حضنك مهما فعلت معها.
جسور: لا هذا غير صحيح، بل لأنني أحبها و هي تحبني.
خديجة: الحب لا يكفي وحده إن لم يقترن بالثقة و الشعور بالأمان... أنت نفضت يديك من بين يديها و تركتها تتجرع مرارة الخذلان بمفردها فاختارت الهروب من الواقع حل لها ثم فتحت عينيها بعد ساعات في المستشفى، أول شخص يخطر لها في تلك اللحظة الحساسة هي وجودك أنت بجانبها لكن مع الأسف خاب أملها بعد ساعات فقط من حدوث الكسر الأول، أنت بالنسبة لجونول جمعت ثلاثة شخصيات معا، أبوها و عمها و الرجل الذي تعلقت به، عندما تهتز ثقتها بك فقد اهتزت ثلاث أضعاف ما نعتقد.
جسور: أنا لم أحسن معالجة المشكلة كما يجب، ماذا أفعل حتى استعيد ثقتها بي.
خديجة: والله بني لو كان الحل بيدي ما تأخرت عنك لحظة واحدة فأنت غال على قلبي مثلها و أنا أمنية حياتي في هذه الحياة رؤيتكم سعداء معا لكن لا يمكنني التأثير عليها أو توجيهها إلى طريق ما، أخاف أن تظن أنني اضغط عليها لأجل مصالح العائلة.
جسور: لا بأس عمتي، سأحاول أن أحتوي غضبها فأنا لا يمكنني التفريط بها تحت أي ظرف كان.
🌹🌹🌹بعد أن تأكدت من حسن هندامها، حملت زهرة حقيبة يدها و أخذت طريق الخروج، التقت بوالدها في البهو الذي تمنى لها الخير ثم قال
صالح: ابنتي زهرة هل فكرت مليا في هذه الخطوة الحساسة، أنا لن أجبرك على الارتباط بأي شخص مهما كانت صفته.
زهرة: أبي دعني أنظر للموضوع عن قرب، سأتحدث مع عزت و أقيم الأمر بتعقل، من حقه علي أن أعطيه فرصة و استمع له ثم سأمنحه الجواب الذي أراه يصلح بي.. هه من يعلم، لعل أفكاره تعجبني أو نتفق بشكل ما.
وصلا أبناء الخالة إلى مقهى ساحلي فاخر، بدأ الشاب يطنب في وصف فخامة المكان و أنه اختاره خصيصا حتى ينال رضاها، لم تهتم لجمالية ما يحيط بها بقدر تركيزها على الحديث الذي يدور بينهما، بدأ يحكي لها عن عمله و نجاحه فيه ثم تطرق إلى مماطلتها في قبول الحديث معه معتبرا قرار موافقتها على الخطوبة محسوم و أنه الشريك الذي لن تجد له مثيل، تململت في كرسيها بانزعاج عندما لمح لها عن أهمية المكان الذي تعمل فيه و بدأ ينصحها بمزيد والمثابرة و الاجتهاد حتى تنال ثقة مدراءها و تحسن مكانتها هناك و بالتالي يتمكنان معا من بناء عش زوجية أكثر رفاهية من الحياة التي عاشاها، تركته يثرثر دون أن تتدخل في حديثه إلا بكلمات مقتضبة تجيب بها عن أسئلته حول صحتها. تفاجأت بأنه لم يسألها من واجب الاطمئنان عليها لكن حتى يتأكد من نجاح العملية التي أجريت على قدمها ثم صدمها بدعابته القاسية عندما قال لا نريد أن نزف عروس تعرج لكنه تدارك نفسه حين لاحظ احمرار وجنتيها فأمسك يدها وهو يقول (عزيزتي زهرة أنت تعرفين أنني أحب المزاح كثيرا فلا تغضبي مني أرجوك).
سحبت يدها بهدوء و التزمت الصمت، بدأت عدة أسئلة تخامر ذهنها، ألا يعرف أن المزاح لا يجب أن نجرح به من أمامنا، جميع من في حينا يعرفون كم كنت منزوية و كتومة بسبب العرج الذي كنت أعاني منه، هل نسي أنني لا أحب أن ينعتني أحد بالعرجاء، إلا البعض يتعمدون فعل ذلك حتى يقوموا بإذائي.
رن جرس الباب فهرع صالح لفتحه، دخلت زهرة مهرولة ثم قالت معتذرة
زهرة: اتعبتك معي أبي، لقد نسيت المفتاح على الطاولة.
صالح: لا تعتذري يا ابنتي فالأمر بسيط، تعالي اجلسي هنا و أخبريني ماذا فعلت مع ابن خالتك.
زهرة: لقد رفضت طلبه أبي، بلغته قراري بمنتهى الأدب و الهدوء.
صالح: الخير من عند الله يا ابنتي، هل يمكن أن تحكي لي ما حدث بينكما، ما الذي لم يعجبك فيه.
زهرة: كشاب يعمل و ناجح لا يعيبه شيء، هو قادر على فتح بيت كأي شاب من شباب اليوم لكن...
صالح: لكن ماذا يا ابنتي؟!!.
زهرة: مع الأسف أبي، لا يمكنني العيش مع رجل لا يقيم لخاطري وزنا... هل تصدق أنه مازحني قائلا لا نريد أن نزف عروس عرجاء.
بدأت تبكي وهي تدفن وجهها بين كفيها، ربت والدها على كتفيها وهو يحوقل مرارا و تكرارا حتى هدأت ثم قال
صالح: يا ابنتي أنت الآن شفيت و أصبحت حركة قدمك طبيعية مثل الآخرين فما الذي يبكيك.
زهرة: ما يبكيني عدم مراعاته لمشاعري، تظاهر بأنه يمزح لكن للمزاح حدود، ماذا لو ألقى مزحته أمام الآخرين فوضعني في موقف محرج، ماذا لو أصابني سوء ذات يوم و عدت كما كنت، هل سيبقي علي أم سيلقي بي إلى باب بيتك.
صالح: اهدئي صغيرتي، لقد بلغت الشاب قرارك و لا رجعة فيه، أنت معك حق، عزت لديه بعض الغرور منذ أن كان صغيرا لكن ظننت أن الأيام غيرته.
زهرة: لا تهتم أبي، أردت تقييم الموضوع عن قرب و كان عند ظني، لم أكن مقتنعة بالارتباط به لكن لم اشأ أن أظلمه معي.
بدأ هاتفها يرن، كانت المتصلة خالتها التي عبرت لها عن غضبها منها و بأنها خسرت فرصة قدمت لها على طبق من فضة متوعدة بالذهاب غدا و طلب يد فتاة تفوقها جمالا و تعليما، تمنت لها زهرة التوفيق في مشوارها ثم أغلقت هاتفها و وضعته في حقيبتها، نظرت إلى والدها و ابتسمت بهدوء
زهرة: لقد اشتكاني لوالدته و أخبرها بأنني فتاة مغرورة بعد أن بدأت أعمل.
صالح: ليجدوا الخير بعيدا عنا يا ابنتي، هيا ارتاحي قليلا ثم سنتناول العشاء معا، يجب أن تاخذي قسط من الراحة لأنك في الصباح ستباشرين عملك.
🌹🌹🌹