الجزء الثاني _ محطات ⛱️

1K 63 6
                                    

بقلم ندوش 🐝

جهز أبريق الشاي ثم وضعه جانبا، تجول بين أصص الزهور يتفقدها و ينظر في ذات الوقت إلى رأس النهج يراقب القادمين باهتمام، لقد اقتربت الساعة من الرابعة مساءا و حان موعد عودة صغيرته من عملها، مضت عشرة أيام تغيرت فيها حياتها بعد سنة الخمول التي قضتها في البيت، أنهت دراستها الجامعية بنجاح رغم الظرف الخاص الذي تعاني منه لكنها عانت من تعب الجراحة التي خضعت لها ثم تلتها حصص العلاج الطبيعي القاسية حتى غدت فتاته كالورقة الضعيفة، إصابة قدمها في صغرها خلفت لها أثر كبير في حياتها فقد جعلتها مرهفة الحس مثل قطعة كريستال الرقيقة و تتجنب الاختلاط بأقرانها لئلا يتعرض لها أحدهم بكلمة تجرح شعورها و تشعرها بنقصها. قضى العم صالح عشرون سنة بعد وفاة زوجته وهو يعتني بطفلته و يراعيها كأنها إحدى عينيه، نذر حياته و جهده لتوفير العيش الكريم لها و صون كرامتها و الحفاظ على راحة قلبها....
صرير عجلات لفت انتباهه ثم توقفت سيارة فاخرة أمام محل الزهور، نزل السائق و إتجه للباب الخلفي من أجل فتحه، ظن أن القادم تلك السيدة الموقرة بسبب شعار العائلة الذي وضع على اللوحة المنجمية لكن خالفه التوقع هذه المرة، تحركت الآنسة قبل وصول السائق إليها و نزلت من الكرسي الخلفي، فتاة يافعة في بداية العشرينات من العمر، بشرة بيضاء يانعة، عيون داكنة و شعر غرابي و غزير عقص في شكل ذيل حصان، كانت ترتدي سروال جينز رمادي اللون مع قميص قطني بنفس اللون و بزينة مميزة، تحركت بخفة و رشاقة في اتجاه المحل ثم وقفت عند المدخل و وقف السائق غير بعيد عنها وهو عاقد ذراعيه على صدره القوي العضلات، ألقت على الرجل الستيني تحية السلام ثم تحركت خطوة في اتجاه مجموعة زهور التوليب الجميلة، وقفت بجانبها و بدأت تداعب بتلاتها بحنو (منذ أن بدأت تدرك جمال الأشياء وهي تعشق هذا النوع من الزهور لما يحمله من معاني سامية عن الحب الصادق و الإخلاص و الإيثار، اهتمت لجمال الزهرة و شدتها قصتها الاسطورية، إذ يحكى أنه في زمن بعيد جدا كان هناك أمير في بلاد فارس أحب فتاة و تعلق قلبه بها لكن شاء القدر أن يضع حدا لحياة حبيبته التي قتلت فجأة فعاش في حزن شديد على خسارتها. و في حالة يأس و بؤس، امتطى جواده ذات يوم و انطلق به مسرعا فوقع في منحدر خطير لتنمو زهور التوليب في الأماكن التي لامس فيها دمه الأرض، كانت رواية من ضمن روايات كثيرة اطلعت عليها عندما كانت في سن المراهقة حين تختلي بنفسها في غرفتها و تحلم بمجيء فارسها الشجاع)، استفاقت من شرودها على صوت صاحب المحل الذي سارع للترحيب بها مخفيا عنها حقيقة معرفتها
صالح: أهلا وسهلا بك، كيف يمكنني خدمتك انستي.
جونول: جئت لرؤية هذه الزهور يا عم.
صالح: طبعا، يمكنك اقتناء ما يعجبك، أنا هنا في خدمتك، يمكنني مساعدتك في الاختيار إذا شئت.
جونول: هل تعرف كل زبون يقوم بشراء الزهور من محلك.
صالح: طبعا يا ابنتي، الزهور مثل الأشخاص كل نوع يناسب روح صاحبه.. أنت هل تحبين زهور التوليب؟!
جونول: أجل هي زهوري المفضلة لكن لا أعلم كيف يعرفون أنني أحبها، ترسل إلي كل أسبوع من قبل شخص مجهول لهذا جئت إلى هنا حتى تساعدني في معرفة من يكون.
صالح: تفضلي انستي أرجو أن أتمكن من مساعدتك.
جونول: منذ سنتين تصلني باقات الزهور من هذا المحل، أريد أن أعرف من يرسلها إلي؟!
صالح: من أنت انستي؟! حتى أعرف زبونتي الجميلة من تكون؟!.
جونول: جونول تركمان.....هذا هو إسمي بالكامل لكن الباقة تصلني بإسم "وجه القمر"، عمتي خديجة من أطلقته علي.
صالح: أهاا. يا آنسة، أنا يصلني الطلب فأرسله إلى صاحبه و أقبض ثمن خدمتي، لا أدقق في أسماء الأشخاص لأنها لا تهمني.
جونول: لكن أنا تهمني معرفة من يرسلها إلي لهذا ما إن توصلت إلى عنوان المحل حتى قدمت إلى هنا.
صالح: للأمانة يا ابنتي الطلب يأتي عن طريق الهاتف و المال يرسل إلى حسابي المصرفي كل رأس شهر بعدد الباقات التي ترسل إليك.
جونول: أعطني رقم الهاتف الذي تواصل معك في الأسبوع الماضي.
أخرج هاتفه و بحث عن الرقم الذي اتصل به آخر مرة، وضع الجهاز في يدها فنظرت إلى شاشته ثم مطت شفتيها بسخرية
جونول: إنه يتصل من هاتف عمومي و بالتالي لا يمكنني معرفة من يكون، هل تستطيع الامتناع عن إرسال الباقات لي مرة أخرى.
صالح: كما تشائين انستي، هذا حقك.
ودعت صاحب المحل و خرجت مسرعة، تجاوزت المدخل وهي تهم بوضع نظاراتها الشمسية حين اصطدمت بجسم رفيع يهم بالدخول إلى هناك، تناثرت الأشياء من الفتاتين و سارعت كل واحدة تعتذر من الأخرى، كان الوقوع على الأرض من نصيب زهرة فسارعت الحريفة لمساعدتها و جعلها تقف على قدميها وهي تكرر اعتذارها لها.
⛱️⛱️⛱️

العروس الصغيرة 🦢 حيث تعيش القصص. اكتشف الآن