second chance

9 1 0
                                    


اشعر بالضوء يخترق الستائر من خلف عينيّ المغلقتين، لم يكن لدي من الخيار سوى ان استيقظ، مددت أطرافي لتستيقظ هي الأخرى، ضربت يدي الأرض بينما كنت ابحث عن هاتفي الذي وضعته تحت الوسادة، مهلاً، الأرض؟ ماذا افعل على الأرض هل سقطتُ البارحة من السرير؟ ببطء أعطيت لعيني الفسحة لتعتاد على الضوء قبل ان افتحهما واحدق بالسقف الأبيض فوقي، ابيض؟ ماذا حدث لسقف غرفتي ذا اللون الأخضر الرقيق؟ جلست بانتباه وكل بقايا النوم ذهبت عني، رأيت غطاءً زهرياً يلفني بدلاً عن الغطاء القرمزي الزغب، مالذي يحدث؟ بسرعة أزلته عني ووقفت، انتظرت الدوار الذي يأتيني عادةً الا انه لم يفعل هذا اليوم.

لابد اني احلم وإلا مالذي يفسر ما أراه امامي الان، امي نائمة جوار الحائط و بجانبها اختي الا انها لم تكن كما رأيتها البارحة قبل ان نخلد للنوم، الفتاة النائمة هنا تكاد لا تكون اكبر من ست او سبع سنوات، نعم نعم لا بد انني احلم وإلا لما كنت عد لهذا المنزل وهذه الغرفة التي قضيت فيها معظم حياتي، دائماً ما اعود هنا في أحلامي، اعتقد اني اشتاق المكان هنا.

بعد ان قررت ان هذا بالفعل حلم، أردت ان اتمتع به قدر الإمكان، فتحت الباب ببطء شديد حتى لا اوقظهم، حتى في الأحلام لا أنسى هذه العادة، أغلقتها بنفس الكيفية، مشيت على الأرضية الغير مستوية من دون ان اتعثر، وكيف لي ذلك وانا التي احفظ هذا المكان عن قلب، وقفت وسط المطبخ انظر على محيطي بحنين مشوب بحزن، لم اعلم اني اتذكر كل هذه التفاصيل بهذا الشكل، البراد يستند على الحائط عن يميني وآلة الطهي أمامه على اليسار في الوسط يستقر الخزانة التي تحتوي كل أدوات المطبخ. كل شيء تماماً كما أتذكره، اتجهت لإكمال جولتي عندما لفتت نظري حركة ما عن يميني، كان مصادرها المرآة المستطيلة المعلقة بجانب البراد، اقتربت وكذلك فعل الانعكاس، انعكاسي، فتاة في الثانية عشرة من عمرها تنظر الي عبر الزجاج، تلمست وجهي، انه كما هو ومع ذلك شديد الاختلاف، عيناي اكثر إشراقاً واقل إرهاقاً ولا حلقات بنفسجية تستقر تحتها، سحنتي اقل شحوباً حتى الثلاث حُفر الصغيرة التي حصلت عليها جراء إصابتي بالجدري ليس لها وجود، ضفيرتان شديدتا السواد و اللمعان تحيطان وجهي، ابتسمت بسعادة، لقد افتقدتُ هذا الوجه.

كنت بطريقي لأنهي رحلتي بمنزل الطفولة عندما سمعت جُلبة تأتي من الطابق الاول حيث اعتاد جداي على العيش عندما كانا على قيد الحياة، بينما أنا وعائلتي شغلنا الطابق الثاني. من عساه يكون؟ الباب أصدرت صريراً عندما فتحتها، كنت انزل مجموعة السلالم السفلي عندما سمعتهم، بقلب يكاد يخترق صدري من شدة الخفقان واعين تكاد تمتلئ بالدمع، اختلست النظر للأسفل ورأيتهم هناك يتجادلون حول شيئاً ما، جدي وجدتي احياء وهاهم امامي. أردت ان اركض لاحتضانهم بينما ما زالت لدي فرصة قبل ان استيقظ، لكن حانت مني نظرة للساعة جعلتني أتوقف، كانت تشير للتاسعة الا عشرُ دقائق. تجمدت في مكاني وما قرأته مرة عن الأحلام أتى مسرعاً ليصبح امامي، لا تستطيع ان تعرف الوقت ولا ان ترى انعكاسك بمرآة وأنت تحلم!! المرآة بالطبع كيف لم انتبه لكن ماذا يعني هذا؟ كيف هذا ممكن انني هنا، حيث كل شيء كما كان قبل عشر سنوات مضت؟! هل يعقل؟ هل عُدت بالزمن لكن كيف؟

نداء اسمي قطع عليّ تساؤلاتي الكثيرة، جدتي كانت تسألني ماذا افعل هنا واقفة هكذا، نظرت اليها وابتسمت كما لم ابتسم من قبل، ليكن حلماً او سفر عبر الزمن، لا اهتم، لقد اُعطيت فرصة اخرى ولن اضيعها مهما كان، ركضت عبر السلالم المتبقية اليها.

بعد ان اجبتها بأعذار واهية تعلل سبب وقوفي هناك، تركت الأمر وسألتني ان كنت اريد تناول الإفطار معها، بدون ذرة تردد رددتُ بالإيجاب، صنعت لي بيضاً مخفوقاً، جبناً وشاياً بدأت واحدة من حكاياتها الكثيرة عن فترة طفولتها، لم انتبه كثيراً لما قالته، كدت بالكاد أسيطر على نفسي من السعادة فقط لأني أراها امامي واسمعها تتحدث، قد يعتقد البعض اني لم اكن احبها وربما أنا لم افعل ذلك بالقدر المطلوب لكن عندما فارقت هذه الدُنيا، وأدركت اني لن أراها مجدداً، علمت انني أحببتها جداً. نحن لا نقدر الأشخاص في حياتنا الا بعد فوات الأوان، عندما لا يكون هناك فرصة للتعويض عن كل ما مضى.

امي نادتني لأعود للأعلى، شكرت الجدة واتجهت لاصعد السلم، بقيت قليلاً عند الباب انظر اليها من دون ان تعلم، احفر شكلها بذاكرتي، شعرها الشائب القصير، وجهها المجعد بقدر ما قاسته من الايام، ويداها المرتجفة الناعمة، اخشى ان لا أراها ثانيةً.

أحدق بالدرجات المتشققة وانا اصعد، تذكرت كيف كنت امضي وقتي جالسة عليها أما لأقرأ او لألعب مع ابناء عمومتي، تبدو كأن هذا حدث منذ زمنٍ بعيداً جداً. سألت امي أين كنت وأخبرتها، بعد ان اطمئت اني تناولت إفطاري أعطتني بعض المهام المنزلية البسيطة وأخبرتني ان انتهي من وظائفي المدرسية قبل ان انشغل باللهو مع الأطفال عندما تأتي عماتي للزيارة لاحقاً. وجدت حقيبة المدرسة الزرقاء تستريح بجانب الحائط، اخرجت كتبي تصفحتها، ضحكت بخفوت عندما تخيلت كيف سيكون رد فعل امي لو اني أخبرتها اني بالفعل تخرجت من الجامعة.

حل الليل ولفّ بعبائته المظلمة الأنحاء وامتلئ المنزل بضجيج أقاربي وصخب لعب الأطفال، كاد المنزل يختنق من ساكنيه الا انه كان يمتلئ بالدفء والحب، أحياناً انتبه على نفسي قبل ان تسقط دموعي على ما كان و ما سيكون.

عندما حان وقت النوم، دعيتُ ان لا يكون هذا حلماً، واذا كان فأنا سعيدة اني نلتُ فرصة ثانية لأعيش طفولتي مجدداً ولو ليومٍ واحد. اغلقت عيناي وغرقت في النوم.

هذيان ليلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن