مـريـضٌ مفـقـود.

63 8 5
                                    

London
8/1/2016
1:01 AM

صَخبٌ عَالي بأنحاء الغرفة.
من كل إنش بها يصدر صوت لا أريد سماعه، لا أريد تذكّره.
وأي صوت يؤلم أكثر؟
أيهم يقتلني أكثر؟

صوت أخي يصرخ باسمي والنيران تحاوطنا؟
أو صوت أمي وهي تحتضن جسد أبي وتبكي؟
وربما أصوات زين وهيذر بالجنازة، بكل جنازةٍ... قُرب أذني تواسيني!

كل صوت يقودني لذكرى.
ذكرى مخيفة بقدر أصواتها.
وإن كانت الأصوات تؤلم لهذه الدرجة، فكيف سيكون وقع المشهد مرارًا وتكرارًا أمام عينيّ؟
كيف يمكنني تحمله؟
في كل مرة أستيقظ بها، وكل مرة أنام فيها، كيف يمكنني تحمل هذا الكم من الأصوات والألم كل يوم وكل لحظة؟

وكأن جدران الغرفة حولي تهتز من شدة الصخب وسط هذا الكم من الهدوء، وبعقلي ألف سكين ينغرس به، يجعلني بالكاد بوعيي.

أغرس أصابعي بفروة رأسي الساخنة والمتعرقة وأنا أسحب شعري للوراء، بكل يأس أجاهد لأوقف تلك الأصوات، تلك الذكريات، وذلك الألم.

ولكنها لا تذهب، لم تذهب أبدًا من قبل، ولن تذهب الآن، وهي كل عام تأتي بهذا اليوم لتذكرني بما أنا عليه حقًا، بحقيقتي وماضيّ!
لا تفعل شيء غير الألحاح عليّ لألحق بهم.

صوت أبي وهو يحترق مع المنزل، وأخي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة التي هربت بصعوبة من الحبل حول رقبته، وآخرهم قلب أمي وهي تمسح على رأسي تخبرني بأنها آسفة، قبل أن يتوقف إلى الأبد.

بهذا اليوم كل الأصوات تحضر لتسحبني إليهم، تخبرني بأنني بالمكان الخاطئ، هذا ليس مكاني، مكاني معهم، بيوم كهذا، كان يجب أن أكون معهم، وربما لم يفت الأوان بعد على ذلك.

«هاري حبيبي، منذ متى وأنت مستيقظ؟»

أغلق عيناي بتعب، وصوت آخر يسابق الباقي في أختراقه لرأسي.
أشعر بها تنهض بجزئها العلوي ناحيتي، وبشفاهها الباردة على كتفي المحترق، وهي تحيط ظهري العاري والمتعرق بذراعيها.

«رأسي تؤلمني، هناك الكثير من الضوضاء هنا.»

خرجت الكلمات من بين حرارة جوفي مُهلكة، غير راغبًا بفتح عينيّ، لا أريد لأحد غيري أن يرى تلك الحرائق بداخلهم.

«لا بأس، هذا بسبب حرارتك المرتفعة، سأجلب لك شيء تأكله وبعدها تناول الدواء.»

أمسك يدها بقوة قبل أن تنزل من على الفراش، وأفتح عينيّ أخيرًا، أطالع خضراوتيها بجمود تراقبني بتساؤل، رغم معرفتها ما سأعاود قوله لها.

«لا تفعلي شيء لم أطلبه منك هيذر.
لا أريدك هنا عند خروجي.»

خرجت نبرتي صارمة معها من تجاهلها لما أمرتها به صباحًا، كم مرة عليّ أن أخبرها بالرحيل.
لم نعد معًا، لم تعد تربطنا علاقة، ولا أستطيع أن أكون أناني لدرجة سحبها معي بيوم كهذا لتواسيني، وبعدها أتركها ببساطة.

Bitter Caramel || ّكَـرَامِـيـل مُـر {H.S}حيث تعيش القصص. اكتشف الآن