أجوف

450 41 177
                                    

ظل نور على حاله وقد تيبست ذراعيه متمسكة بمن كانت له الدفء والوطن...هو أحبها كثيرا ولم يشعر بقدر حبه هذا سوى الآن ..لم يتوقع قط أن يناديها بأمي ولكنه فعل بعد فوات الآوان وهذا ما يصر عقله وكيانه على رفضه...

لم تفلح محاولات أحمد بإبعاده عنها بل لم يعد صوته حتى يصل إليه وكل ما يسمعه هو همسه هو بأمي مراراً وتكرارا ..نزف قلبه بشدة حتى أن دماءه فاضت إلى عيناه فغدت حمراء قانية ودموعه تواصل التسبب في حرقة زمرديتيه وقلبه..

لم يعد صوت بكائه واضحًا وكأنه لم يعد قادرًا على إخراجه حتى ..فقط شهقاته الخافتة هي ما بقيت مُعلنة عن جزعه وحزنه...لم يهتم بتلك الدماء التي لطخت ملابسه ولا برائحتها التي أصبحت كريهة مثيرة للفزع والاشمئزاز...

أحمد يجلس أمامه مُرهقًا وقد تعب لمقاومة نور وعدم استماعه له...هو فقط يحاول تخليص جثتها من بين يديه وهو يصرخ به بأن يتركه ويخرج ثم يعود لينتحب مرة أخرى ..كل شيء هنا يثير غثيانه بشكل لا يوصف ويجعلان ملامحه تتجعد رغمًا عنها..

شعر بأنه لم يعد قادرًا على التحمل أكثر فنهض مُصممًا ألا ينتظر ولو لثانية واحدة...نور سيفقد عقله إن ظل هكذا وعليه أن يستفيق سواء شاء أم أبى ..
وقف خلفه وقام بسحبه من تحت إبطيه بقوة والأصغر لم تكن لديه القدرة على مقاومته وهو خائر القوى هكذا أمامه وإن ظلت عيناه مُعلقة بها وشفاته تتحرك بوهن هامسة باسمها ...

كان يودعها بنظراته مُدركًا أنها المرة الأخيرة ..
كم كان الأمر قاسيًا مُفجعًا وجسدها ساكن هكذا بلا حراك أمامه...أنفاسها منعدمة ووجهها شاحب بشفاة غادرتها الدماء ..كل إنش بها يحطمه ويزلزل كيانه أسفًا وندمًا وعقله لا يرحمه ولا يكف عن لومه وإلقاء الذنب عليه...

هو كان السبب...هو من تسبب بمقتلها...هو من جعلها تخبره بكل شيء...هو من أفشى سرها وذكر اسمها سهوًا منه...هو أحمق وتسبب بمقتلها دون أدنى ذنب منها...كيف كان شعورها وتلك الطعنات تُغرس بها...
كيف كانت نظراتها وهي ترى بريق النصل أمامها...

هل كانت تنتظره هو ؟!..هل كانت تتوقع مجيئه هو ولربما فتحت الباب بوجه مبتهج مشرق وابتسامتها تزين ثغرها ؟..أأصابتها الخيبة وهي لا تراه أمامها ؟
أكانت تنتظر عودته كثيرًا وماتت هكذا دون أن تظفر بلقياه ؟!

أخذ ينفي برأسه رافضًا في لوعة والآخر يواصل سحبه للخارج بقلب يرجف شفقة وخوفًا عليه ..
لم يكد يخرج من المنزل حتى أفلته واستدار يغلق الباب بسرعة وكأنه بإغلاقه هذا يمحو ما حدث...

" أنا السبب...ماتت بسببي...أنا السبب "

همهمات نور المتواصلة وهو يغمض عينيه بقوة مواصلًا النفي برأسه جعلته يندفع نحوه بعصبية لم يستطع كبحها...هو خائف...خائف أشد الخوف على رفيقه الذي بات الآن شقيقه ...لا يريده ضعيفًا واهنًا هكذا !..يشعر بدمائه تفور بعروقه وهو يرى انهياره هكذا أمامه..

لازوريتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن