على المحك

384 46 120
                                    

دقائق عديدة مرت ظل هو ساكنًا فيها إلا من إرتجاف جسده واصتكاك أسنانه ببعضها كما لو أن الثلوج مازالت تهطل والرياح مازالت تعصف به منذ كان هو فقط بالسابعة من عمره...

سيطر الخوف عليه وتملكته تلك الحيرة التي أصابته عندما حاول وكثيرا إيقاظ تؤامه ولكنه لم يستجب له رغم نداءاته الكثيرة...شعوره بدماء الآخر الدافئة تبلل ملابسه وتلامس جسده زاد من فزعه وهلعه..

عادت شفتيه ترتجف وهو يتحسس وجه الآخر بخوف كبير متمتما وبصوت متهدج ساخط "نور... نور...أفق هيا أرجوك...من فعل هذا بك ؟!...لماذا يا نور لماذا ؟!"

وجه نور الشاحب وآثار تلك الدماء العالقة بشفتيه دفعاه أخيرًا إلى النهوض مغالبًا خوفه...عليه ألا يستسلم ويتركه هكذا ليفارق الحياة كما فعل شقيقه ...ليس بعد أن أنقذه نور من وحدته التي أوشكت بالفعل على قتله وسلب ما تبقى من روحه...
لن يستطيع أن يكون ناكرًا للجميل هكذا ..ليس عليه ذلك !

ركض به بأقصى ما يملك نحو قصره الذي خرج غاضبًا منه في الصباح ولكنه يهرع إليه مساءًا حاملًا بين ذراعيه رفيقه الوحيد غارقًا في دمائه...

توقف لشدة تعبه يلتقط أنفاسه التي احتبست في رئتيه متناسيًا لفظها...نبضات خافقه تسارعت بشدة حتى شعر أن قلبه سيتوقف من فوره ولكنه لم يأبه به سوى لثوان معدودة قبل أن يعدو مجدداً دون تردد...

لاح له القصر قريبًا فتمتم بكلمات متقطعة من بين أنفاسه العالية " لا تخف...وصلنا...اصمد..قليلا لأجلي"
لم يتلقى ردًا بالطبع وهو لم يكن ينتظر سوى سماع أنفاسه فرغم خفوتها إلا أنها تطمأنه ولو قليلاً...

استقبله الحراس بفزع لتلك الدماء التي تغطي كليهما لتجحظ عيناهما فور رؤية الأمير بين ذراعيه فتحدث تلك البلبلة والفوضى التي هزت كل أركان قصره...

هو ترك نور للحراس الذي أسرع بعضهم في كل الاتجاهات لإخبار الملك والملكة ولإحضار الحكيم...
وتهاوى جسده مُستندًا على يديه أرضًا وتسابقت أنفاسه في سرعة ورغم ذلك شعر بأنه يختنق وأن الهواء لا يمر حتى على رئتيه...

اقتراب الحراس منه وصوت أحدهم الذي أخذ يحادثه بدى بعيدًا جدًا فشفاته فقط من تتحرك ولا يصدر عنهما أية كلمات مفهومة...دوار شديد فتك به وتلك اليد التي تجذبه من ذراعه لم يشعر بها ورؤيته أخذت تتشوش و تتموج ليستسلم أخيرًا فاقدًا وعيه..

ثارت جلبة عالية بالأعلى وامتلأ القصر بالهمهمات عن موت ولي العهد وأصرت إحداهن أنها رأته يلفظ آخر أنفاسه بينما صاحت أخرى بأن ملابسه كلها اكتست بالأحمر ولا بد أنه فارق حياته...

سار الملك بخطوات واسعة و بفزع شديد نحو جناح وحيده لتصطدم مقلتيه بجسده المدمي على سريره وتلك الدماء التي تلطخ جسده والملاءه أسفله ...
توقف برهة على بابه مصدوما ولكنه تجاوزها بسرعة راكضًا نحوه مناديًا بإسمه...انحنى يتفحصه بعينيه المتسعة وهو يصيح " أهو على قيد الحياة؟!"

لازوريتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن