حياة زائفة

848 63 126
                                    

بذلك الجناح الشاسع وعلى ذلك العرش المُذهب جلس ذو الخمسين من عمره والذي خط الشيب بشعر رأسه وترك تجاعيده البسيطة في نواحي وجهه يطالع الواقف أمامه بأعين تستعر غضبًا...كلماته تلك التي تخرج من بين شفتيه تشعل جوفه وتلك الجرأة التي يتحدث بها تزيده حنقًا وغيظًا...

لم يتمالك نفسه أكثر لينهض يسيطر غضب جامح على جوارحه ..رفع يده عاليًا وللمرة الأولى في حياته يسمح لها بأن تهوى على وجنة وحيده مُسببة التفاته وجهه للجهة الأخرى مع ذلك الصوت الذى دوى مُحدثًا ارتجاجًا بقلب كلاهما ..

شهقة مكتومة خرجت من بين شفتي الآخر وأنفاسه تسارعت مع خفقان قلبه بقوة...احمرار وجنته القاني هذا مع آثار أصابعه جعل ملامح الملك تلين ولكنه إستدار برصانة موليًا إياه ظهره وبصوت خشن محتد قال " أخرج حالًا من أمام وجهي! ..وعُد إلى صوابك وإلا أعدتك أنا "

تحسس الأصغر وجهه في غير تصديق وهو يتمتم بألم وحزن شديدين " أمرك يا أبي..أعتذر بشدة لما بدر مني "

دق الباب ليفتح الحارس ليسرع هو بخطواته مُبتعدًا...تساقطت دموعه رغمًا عنه وصفعه لها هكذا يعجز عن إستساغته ..هو لم يضربه قط في صغره فكيف وهو بالعشرين من عمره...

عادت كلمات أمه بالأمس ترن في أذنه وهي تردف
" والدك سيكون هنا مساءًا ...بالغد أرغب بأن
تباشره بما اتفقنا عليه...ليعطيك ذلك القصر الغربي ويجعله تحت إمرتي ..وعمتك البغيضة تلك تنتقل إلى القصر القديم "...ابتلع ريقه بصعوبه نادمًا على تنفيذ ما طلبته فكل شيء حدث بسببها !

كان ينوي الخروج كعادته هاربًا لبعض الوقت ولكن قدميه تسمرتا وهو يلمح ذلك الذي يدلف داخل إسطبله...عاد بخطواته للخلف وبأعين متسعة في صدمة ليتأكد من هوية من يراه...تسارعت نبضات قلبه ومد يده يمسح دموعه بخشونة وتردد أكثر مما يجب فعله...كاد ينسحب للوراء ولكن إلتفاتة بسيطة منه جعلته يتسمر بمكانه ورماديتي الآخر تتسع مع اقتطاب حاجبيه بدهشة لرؤيته ها هنا...امتزجت حروف كلاهما وكل منهما يهتف بحروف تائهة 
" أنت ؟!"

قبل ثلاثة سنوات ....

ارتفعت الشمس وتوسطت كبد السماء مانحة الدفء في كرم لكل سكان تلك المدينة.. تعالت زقزقة العصافير مُحلقة حول تلك الأشجار الغناءة والتي تلتف حول ذلك القصر المهيب وتملأ جنباته وتظله بمختلف أنواع الأشجار والزهر لتزيد من جماله وضوحًا وفتنة..

كان كل شيء يبعث على الراحة والسرور لكن ذو الأعين الزمردية ذاك وقف مُسندًا راحتيه على سور شرفة نافذة جناحه الواسع وبحاجبين مقطبين في ضيق وضجر يطل من عينيه الناعستين..

بدا شاردًا للغاية حتى أنه لم يشعر بأي من الطرقات البسيطة والتي تلاها دخول تلك السيدة التي سارت في وقار نحوه..ترتدي ثوبها البترولي و التي نُسجت خيوطه بعناية خصيصًا لها..جُمع ذيله مشكلًا عدة طيات وثنيات كذلك..وزُخرفت أكمامه الطويلة والواسعة بخيوط ذهبية رقيقة وبراقة وبياقة عنق مرتفعة كما تحب هي..

لازوريتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن