لحظات كالدهر مرت على فؤاد نور انعقد لسانه فيها تماما عن الحركة...مشاعر شتى هاجمته في ضراوة ولم يكن قادرًا على ضبط أنفاسه المتصارعة..توتره هذا ظهر جليًا لذلك الواقف أمامه فعاد يقطب حاجبيه في تساؤل قائلاً " ماذا بك ؟..تحدث ماذا تريد منا ؟!"
أزاح نور زمرديتيه بسرعة قبل أن تفضحانه والتفت لتلك السيدة قائلاً بصوت مهتز " أرجوكِ اقبلي هذا الأمانة "
لم ينتظر ردها واستدار هاربًا بخطوات سريعة مبتعدًا...صوت كلاهما وصل إليه ..نعته بغريب الأطوار من شبيه أحمد هذا له سمعه أيضا ولكنه استمر نحو فرسه لا يدري كيف واتته القوة ليمتطيه ويغدو به حيث لا يراه هو أمامه...
يداه ترجفان وهو يتمسك بلجام فرسه...ليست يداه فقط بل جسده كله ينتفض وكأنه عصفور صغير عصفت الرياح به وأنتزعته من عشه ..عض شفتيه في توتر مدركًا أن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد كما أراد..ليته ولى وغادر قبل مجيئه..ليته سلم المال وابتعد قبل أن يراه ويسمع صوته..ليته ما جاء حتى وما لبى إلحاح قلبه عليه !
كان يتخبط كالمجنون بعد علمه بحياتها وحيرته مما يجب عليه أن يفعله وكأن هذا كان قليلا عليه ليرتطم به ذلك الحجر موغرا صدره...هو ينزف الآن أكثر مما مضى..ينزف بشدة ويشعر بأن دماءه ستهرب وتغادر جسده بلا عودة...لا مربيته هنا ولا هو قادر على أن يبوح بسره !..كيف يفعلها من الأساس وهو أقنع نفسه طوال تلك المدة بأنه لن يخبره بحياة أمه و لأجله في المقام الأول !
ابتلع ريقه مرتبكا..هو يدرك في قرارة نفسه أنه يسوغ لنفسه الأعذار...يعلم أن أحمد سيغضب إن علم بمعرفته بوجودها وتستره على ذلك...يدري أنه فقط يماطل لأجل مخاوفه ويهرب من مواجهتها...يثق بأن أحمد سيفرح كثيرا إن عاد لأحضانها الدافئة...ذلك الحب الفطري الذي يولد الطفل به تجاه أمه....لا بد أنه سيستطيع تمييز رائحتها ..لابد أن صوتها سيكون مألوفا له ..لا بد أنه سيشعر أنه استعاد جزءًا من روحه المنهكة !
يدرك أنه بسكوته يحرمه كل هذا دون أدنى ذنب..يعلم أنه يسلبه أخر ما تبقى من عائلته ولا حق له ليفعل لكن كيف !..هو مرهق متعب مثقل بالهموم والمشاكل !.. لا يكف عن النجاة من إحداهن حتى يسقط في الأخرى...لا يستطيع أن ينعم بأيام هادئة يكف هو عن التفكير فيها..لا يبدو أنه سيرتاح أبدًا وهو حتى أدرك هذا منذ مدة...
شعر بغصة تخنقه مع اقترابه من قصره أكثر فعض شفتيه في أسف..ليس عليه أن يصارع كل هذا وحده !..ليس عليه أن يختنق ليلا ويهرب نهارا...لما يعاني هكذا كل مرة !..لما تبغضه الحياة هكذا وتصر على إيلامه دونما شفقة !
هو حتى لا يملك ما يملكه أحمد رغم ظهور عكس ذلك...لا يملك ذلك الحب الذي يحاوط أحمد ويزيح عنه ضيقه...لا يملك تلك النظرات واللمسات الدافئة التي ينعم أحمد بها من أمه..لا يملك ضحكات لين وحنانها البالغ...لم يرى تلك السكينة ولا ذلك الدفء سوى بمنزلهم وليس مستعدًا قط لخسارتهم..
أنت تقرأ
لازوريت
Mystery / Thriller«من وصلت روايتي له بشكل أو بآخر.. على رسلك عزيزي تمهل!...حذار أن تظن أنني سأخبرك أن تترك كل ما يهمك أمره خلفك قبل أن تقتحم حروف كلماتي وتغوص في خيالها؛ فلا أضمن أنك ستعود بهم سالمًا.. ولا بأنك ستظل عالقًا في ذلك الثقب الدودي بلا رجعة..فأنا لن أقول...