عهد جديد

446 32 75
                                    

صوت خافت وحاد يتكرر ويتوالى دون توان بشكل رتيب..رياح باردة تتسل من فرجة النافذة ولكن حبات العرق تتسارع منزلقة على جبينه ..دقات قلب تتضطرب و تتخبط في كل جهة دون هدى باحثة بأعين هلعة ..شفتان ورديتان تنفرجان ببطء لتخرج منهما أنفاسه الساخنة...صدره يعلو ويهبط في عنف وأهدابه الكثيفة ترتجف لكن صوت دقات قلبه لم يخفت..

هو يقف وحيدا ها هنا يلتفت يمنة ويسارة بشفتين يزاد ارتجافهما كل ما أيقنه هو وحدته وخلو المكان حوله...ظلمة تغلفها ظلمة وعتمة تحتل صدره وتطبق على أنفاسه...لم تسئم زمرديتيه البحث عنها ولم يمنعه انهاكه الشديد هذا مصرا على ألا يهدأ قبل ان يرتمي بأحضانها.. تلك البرودة القارسة تعتصر جسده وتجبره على الصراخ مجددا باسمها لعلها تجيبه..

أخذت صرخاته تعلو وتعلو حتى كادت تمزق حنجرته ولكن العزلة تحكم وثاقها في شماتة وتردد صدى صوته لا أكثر لتزيد حسرته...يلتفت حوله عدة مرات وتتقدم خطواته بشكل اسرع دون ان يبتغى مكانا سواها..يواصل بكل الحاح مناداة اسمها والبحث عنها رغم قدماه العاريتين التي تترجانه ان يتوقف..

بُح صوته أخيرا وخفتت حدته ولكن خوفا شديدا انتاب جوارحه واخذ يتزايد متسببا في ارتجاف يديه بقوة ليخفض عينيه باستنكار نحوهما لعلهما تخجلان من اهتزازهما وعدم مسنادته في حالته تلك ..لم تهدأ رجفته ولكن مقلتيه اتسعتا رغما عنه في شدة فكلتا يديه قد تخصبت بدماء قانية لزجة..

دهشته لم تستمر سوى لثوان محدودة قبل ان يتحول ذهولة إلى ضحكات عالية مجنونة تزامنت مع تراخي قوته واستناده على ركبتيه ارضًا...
تساقطت اولى دموعه مع ملامسة أنامل كفيه المبللين لوجنتيه في حسرة...ذلك الشعور اللاذع بالذنب يمزق فؤاده بلا رحمه ويقطعه إربا.. تلك الهمسات التي تواصل الطنين بأذنه تؤلمه جدا حتى ان يديه انتقلنا إلى اذنيه تغطيانها بقوة مع رغبة عارمة تصر عليه أن يقتلعهما فهو صدقا لم يعد يتحمل!

" اصمت.. يكفي...اصمت ارجوك.. توقف لا اريد السماع.. يكفي! ".. كلمات خافتة متوسلة بأحرف مهتزة أخذت تتردد من بين شفتيه دون وعي منه...تواصل يديه الضغط على اذنيه رغم رجفتها فذلك الصوت اللائم أصبح أقسى وتلك النبرة الغليظة باتت أشد وأعنف..

دموع تنهمر ودقات قلب تواصل التسارع في جنون.. هزة ازدادت حدتها تغلف انحاء جسده وشفة تمزقها أسنانه في ندم مرير...ظلمة تبتلع كل ما حوله على نحو عجيب وتقترب منه كاشرة عن أسنانها في وحشية ليختفي ذلك الضوء الخافت تماما من امام عينيه الكحيلتين...

توقف كل شيء حوله فجأة..فقط شهقة قوية اخترقت حنجرته مع انتفاضه جسده العنيفة لتُفتح زمرديتيه على آخرهما تطالعان جناحه أمامه في لهفة...رفع يديه المرتجفتين نحو ناظريه بتوجس ولكن نبضات قلبه تنهدت براحة فما من دماء قد علقت براحته..

شعوره ذاك بالراحة تلاشى فور عصف اخر ما يذكره به...يذكر جيدا كيف عاد متخبطا إلى أحمد.. يذكر تماما كم كان متوترا ضائعا يرجو امانه...كيف كان نادمًا مُدركًا قبح ما فعله بأحمد.. كان يعانقه.. كان يواسيه.. كان سيعتذر...لكن ذلك الهراء الذي تفوه به أحمد ألقى به وهشم كيانه..

لازوريتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن