مستلقي بإهمال على الفراش الصغير الذي وضعه مؤخرًا بغرفة المكتب ليظل بجانب طاولة التصميمات الهندسية فهو غالبًا لا يخرج من هذه الغرفة إلا إلى خارج القصر ليرى المستجد بموقع بناء المجمع التجاري ، توقف عن الصعود الي الدور العلوي تمامًا وجعل أحد الخدم ينقل له أشياؤه الضرورية إلى غرفة المكتب التي تحولت لسكن خاص به ، استثنى من أشياؤه أي شيء يذكره بها ولكنه لم يستطع أن يخلع دبلة زواجه أو ساعته التي تلتف حول معصمه لتخبره دائمًا بقيدها الذي مازال يربطه بها من آخر مرة رآها بها عند المشفى وهو اتخذ قراره بأن يبتعد عنها جُرح بشده منها وهي ترتجف لرؤيته وتدخل إلى سيارة عمر سريعًا هروبًا منه ، يعلم أن ما فعله معها كان قويًا وقاسيًا ولكنه يعشقها ألم تفهم هذه الغبية أنه يعشقها حد النخاع فهي تجري بأوردته تعيش بخلاياه ، حاول مرارًا أن يخرجها من راسه ومن أفكاره لم يستطع ،حاول أن يتناسها ويغمس نفسه بعمله ، فأضحى لا يفعل شيء بحياته إلا أن يعمل لا يخرج إلا إلى العمل ولا يجلس إلا للعمل ،وجباته لا يتناولها باستمرار إلا عندما تتشاجر معه أمه ولا يقابل يوسف إلا للضرورة عندما يحتاجه أخاه لعمل مهم لن يستطيع انجازه ، توقف عن زيارة الشركة إلا في الأمور الهامة جدًا قرر ذلك اليوم أن يكف عن مهانة نفسه واهدار كرامته وعندما تريد أن تتحدث معه أو تقابله فلتتصل به أو تأتي إليه فهذا ليس أمرًا عسيرًا عليها ، فإذا كان هو قضى ثلاثة أشهر يحاول أن يراها ولو من بعيد ، يحاول أن يخبرها بأهميتها في حياته فالفرصة أمامها هي الآن لتثبت له أنها تحبه كما يحبها هو ، الفرصة أمامها لتثبت له أنها تريد أن تستمر في هذه الزيجة التي لم تبدأ ،ما يخفف عنه فعلًا حدة يومه هي إنجي فهي تصمم على اختراق يومه وتأتي ومعها طعام الغذاء وتجلس لتقص له عن طفلها الذي لم يأت بعد للدنيا ، يبتسم على جنونها وعندما تفشل في محاولتها المستمرة لإضحاكه تنصرف بهدوء بعد أن توصيه بالكف عن التدخين والاهتمام بصحته وتناول الطعام حتى لا يضطر لمواجهة نوارة هانم والمشاجرة معها ، عند تذكره لمشاجراته مع أمه زفر بضيق وفكر أن ينهض من الفراش قبل أن تأتي وتسمعه ما لا يرضيه زفر بضيق وهو يشعر بكسل شديد في جسده ، فعلى الرغم من استلقائه على الفراش ما يقارب الساعتين إلا أنه لم يغمض له جفن ، التفكير يأكل عقله وذكراها تنهش روحه هذه ليست أول مرة لا يستطيع النوم بها فلقد مر عليه شهر ونصف لا يأخذ من النوم إلا القدر القليل ، فعندما ينهكه التعب يسقط مهدودًا وينام ما يقارب الساعتين ليستيقظ على رؤيته لها بأحلامه، شهر ونصف لا يعلم كيف مروا عليه وأيامًا قاسية وليالي طويلة ينهك نفسه بالتصميمات والعمل والقراءة وينظر إلى الساعة ليجدها لا تمر ينظر إلى تاريخ اليوم ليشعر أنه بطيء كالسلحفاة لا يتحرك من موضعه ولكن أقسى أيامه فعلًا كانت أيام العيد ، سخر من نفسه وهو يتذكر كيف أمر العاملين يوم خروجها من المشفى بترتيب الجناح وتنظيفه وأمر الطباخ بأن يعد لها ملوخية الجمبري التي تعشقها لتتناولها على الافطار في آخر يوم برمضان كان يهيئ نفسه أنها ستعود معه ، ستعود معه لتقضي العيد معه . أنه أول عيد يأتي وهما زوجين ، لم يشك للحظة واحدة أنها ستهرب منه بهذه الطريقة ، أغمض عينيه ألمًا يشعر بجرح غائر في قلبه جرح ينزف باستمرار لعب بهاتفه ليأتي بصورتها يوم كانا باليخت وهي ترتدي فستانها القطني كانا فرغا من السباحة ووجنتاها موردتين من الخجل لما فعله بها تحت المياه نادى عليها لتبتسم له بخجل
فالتقط لها هذه الصورة ، مرر سبابته على صورتها بحنان وأدارها على خدها بحب كما كان يفعل سابقا
ليتمتم بألم : لم تتذكريني يومًا واحدًا نور ، يومًا واحدًا من الخمس واربعون يومًا الماضية ، كيف تعيشين نور بعيدًا عني ، هل تتألمين مثلي ، هل تفتقديني مثلما أفتقدك ، هل اشتقت إلي مثلما اشتقت إليكِ ، اشتقت إليكِ نور ، بل ذبت شوقا وحبا .
زفر بضيق ليكتم تنفسه وهو يشعر بأحد يدخل إلى الغرفة علم فورًا من سيدخل بهذه الطريقة بالتأكيد أنها أمه أغمض عينيه بقوة وادعى النوم حتى لا تتشاجر معه بسبب طعام الإفطار الذي لم يتناوله شعر بها تتحرك بالغرفة وترتبها وتتجه إلى الستائر لتفتحها فيغمر ضوء العصاري
الغرفة ، توقفت أمامه وقالت بقوة : أنا أعلم أنك مستيقظ ، كف عن التمثيل وانهض أريد أن أتكلم معك .
زفر بضيق وفتح عينه ليرسم ابتسامة رسمية على شفتيه :
__صباح الخير أمي .
نظرت إليه بحده : صباح الخير الساعة الرابعة عصرًا !!
ابتسم بدبلوماسية وجلس بهدوء : مساء الخير أمي .
نظرت إليه بقوة ونقلت نظرها الي صينية الطعام الموضوعة على المائدة الصغيرة ليشيح بوجهه بعيدًا عنها
قالت بقوة : وبعد ياسين ؟
نظر لها باستفهام : ستستمر على هذا الحال إلى متى ؟
جز على أسنانه غضبًا لتكمل : هل فنيت عمري كله على تربيتك وتربية إخوتك ليصبح بكري وابني الغالي هكذا ؟
زفر بقوة : ماذا تريدين مني أمي ؟
__ أريدك رجلًا .
انتفض واقفًا من الكلمة لتكمل بقوة : انهض واذهب إلى زوجتك وآتي بها ، لا ترتكن إلى أحزانك هكذا ، أريد ياسين العظيم كما يلقبونك وهم يرتجفوا من سيرتك
أين هذا الياسين .؟ أخبرني ، ما أراه شبحًا لك ، تنغمس على هذه الطاولة بالساعات تصمم مبانيك وتدخن بشراهة ، أنت تدخن من قضيت سنوات شبابك كلها لم تجلس بمكان يدخن به أحد آخر ، تفني صحتك وعمرك لماذا ، لأنها لم تريد مقابلتك ، أجبرها على مقابلتك والتكلم معك ، فهي زوجتك أيها الأحمق .
أخفض رأسه وقال بصوت منخفض : لا تستحق أمي .
زفرت بضيق وذهبت إليه : بل تستحق بني ، أنها نور ابتسمت وهي تكمل : جنيتك الحبيبة .
احتضنت كفه بيدها وقالت: لقد سألت عنك.
التفت إلى أمه بسرعة : هل تكلمت أمي ؟
ابتسمت : لا أنا من اتصلت أسأل عنها وعن عمر وعليا وطلبت منها أن تأتي اليوم ولكنها رفضت بتهذيب وقالت أنها ستأتي قريبًا .
ابتسمت : وظلت صامته لبضع دقائق لتسأل ببطء عنك وعن صحتك وهل عدت من سفرك أم لا ؟
عقد حاجبية : سفري ، لم أسافر.
__ من الواضح أنه يوجد سوء فهم ياسين ، ولكنها وعدتني أنها ستأتي قريبًا ولكنها خائفة أن تأتي وأنت هنا ، وطبعًا تحافظ على كرامتها فهي أكيد تنتظر أن تذهب إليها وتصالحها .
انتفض واقفًا : لن اذهب اليها أمي إلا عندما تتصل بي وتخبرني أنها تريد مقابلتي ، فأنا سئمت جملة عمر حول أنه لن يجبرها على مقابلتي .
__ أنه خائف على شقيقته ياسين .
__ هل سأؤكلها أمي ، أنها زوجتي ، زوجتي من حقي أن اقابلها ولو بالقوة ، ولكني لن أفعل ذلك فلست أنا من يفرض نفسه على أحد لا يريده ، حتى لو حياتي بيده .
تنهدت بألم : حسنًا بدل ملابسك وأحلق ذقنك فنادين وصلت منذ قليل ونهى على وصول وسنتغدى اليوم كلنا معًا فاليوم رأس السنة واحتمال كبير أن يقضوا سهرتهم هنا .
تركته وخرجت ليتجه إلى النافذة وينظر إلى الحديقة ، ألن ينتهى عذابه هذا ، تنهد بألم وارتسمت ابتسامة السخرية على وجهه وهو يعد نفسه لمقابلة عائلته .
***
__عمتي لا أفهم إصرارهم على البقاء هنا هذه المرة الخامسة التي آتي إليكِ لأقنعك أن تأتي وتمكثي معنا ولكنكِ ترفضين ، أعطي لي سببًا واحدًا لبقائك هنا بمفردك .
تنهدت السيدة صفية : لن أستطيع أن أنتقل بعد هذا العمر يكفي أني انتقلت إلى هذه الشقة التي استأجرتها أنت وبعدت عن القصر الذي تربيت به .
نظرت اليه بلوم : فأنت لا تريد إصلاح القصر .
ابتسم بهدوء : لا والله عمتي ولكنه لن ينفع معه الترميم فالقصر متصدع بشكل قوي وأي عمل لترميمه سيؤدي إلى انهياره الكامل، إذا كنتِ تريدين أن نهدمه ونبنيه من أول وجديد سأفعل ما تأمرين به .
ربتت على يده : اسمع عمر ، أنت وشقيقتك تمتلكان كل شيء الآن، فافعل ما تريد .
ابتسم بسخرية : لا عمتي بل نور من تمتلك كل شيء ، لا أفهم ماذا كان يريد من فعلته هذه ، أن يجنب ورثك وورث أبي كودائع بالبنك ويكتب كل شيء باسم نور بيع وشراء ولا يؤول إليها إلا بموته ، لماذا فعل ذلك عمتي ، لا أفهمه وأشعر بالحيرة كلما فكرت بهذا الأمر ؟!
نظرت إليه وابتسمت : كان ينقل أمواله وامبراطوريته إلى ابنته عمر .
جمد وجهه لتكمل بتأكيد : نعم عمر فهو كان مقتنعًا بالفعل أنها ابنته ومن صُلبه ، منى نفسه بهذا الأمر وكذب الكذبة ليصدقها ولأنه خبيث ماكر أقنعنا أنها ابنته بالفعل وأغشى أبصارنا فلم نرى حقيقة أنها تشبه أبي لا أكثر ولا أقل كان دائمًا ونحن صغار ينتفخ كالطاووس وهو يخبرنا أن حسنه وجماله عائدان إلى والدته لدرجة أننا نسينا أنه يشبه أبي بشكل مرعب ، ومع تغيرات أبي التي تحدث على مر الزمن وترسيخ فكرة أن حافظ يشبه والدته ، أتت نور لتعلن عن صفات لم تكن بأي من والديك ، لن أنكر أني كنت أتعجب من الشبه الكبير الذي يربطها بوالدتك وكنت أتساءل كثيرًا ألا تأخذ أيًا من صفات محمد ، توقفت عند لون عيناها وشعرها وطابع الحسن لأتجمد ، كرهتها منذ شهورها الأولي لتبيني أن هذه ورثتها من صفات حافظ الذي كان يتباهى بها ، اخترت أن أصدق أنها ابنته فأنا كنت أبحث عن سبب يخدش كمال والدتك الذي يتغنى به محمد ، نظرت إليه بألم وأردفت : كنت أشعر بالغيرة تمزقني من هذه الحسناء الصغيرة التي استولت على أخي الحبيب الذي يشملني بحنانه وعطفه ورعايته ، فاخترت أن أصدق أنها خدعت محمد وأنها لم تكن تستحق قلبه .
انهمرت دموعها : لم أتوقع أبدًا أنها تعرضت لهذا الموقف المروع.
تمتم بغضب : لم يكن أحدًا منا يتوقع ما فعله بها عمتي أريد أن أسألك عن شيء عمتي وأرجو أن تجاوبينني .
__ تفضل حبيبي .
__ هلا أخبرتني بما حدث بين نور وعمي ؟
نظرت له في دهشه : لماذا ألم تخبرك شقيقتك ؟
تنهد وهو يتذكر ذلك اليوم الذي أعطى لنور مذكرات أمه لتقرأها وكيف قضت ليلتها تبكي ولم تفتح الباب له ولا لعلياء ، وجدها بالصباح التالي مرتدية ملابسها ومستعدة للخروج.
تلقى اتصالا من عليا بعد الظهر وأخبرته أن يأتي سريعًا فنور أتت من الخارج وأغلقت غرفتها على نفسها ولا ترد عليها وصل إلى البيت وطلب منها أن تخرج من غرفتها لتتكلم معه والعجيب أنها خرجت وملامحها هادئة وكأنها كانت نائمة وعندما سألها أين ذهبتِ ردت بهدوء أنها ذهبت لتراه ولكنها لم تقص له ما حدث بينها وبينه ليفاجئ باتصال عمته وهي تخبره أن حافظ مات وتريده معها لإكمال الأوراق وتجهيزات الدفن ، عندما أغلق الهاتف وأخبرهم نهضت نور بهدوء ودخلت إلى غرفتها ذهب وراءها ليجدها تصلي وسمع بكائها واضحًا لم يشأ أن يسألها ثانيةً عن هذا الأمر المثير إلى الشجون ولكن ما صعقه حقًا أن المحامي أبلغه بوجود وصية لعمه ولابد أن يجتمع الورثة لفتحها ، وهذه كانت الصاعقة بحق ، فعمه نقل كل شيء يملكه إلى نور بيع وشراء بعد أن جنب ورث عمته وورثه هو كودائع بالبنك تنبه على صوت عمته : عمر ، هل تسمعني ؟
التفت إليها : نعم عمتي
__ كنت اسالك الم تخبرك نور عما حدث ؟
هز رأسه نافيًا لتغمض عينيها وهي تقص له ما حدث
***
كانت انتهت لتوها من التحدث مع الطبيب الشاب المسئول جديدًا عن حالة أخيها ، فلأن حالة حافظ ميؤوس منها أخبرتها الممرضة أن رئيس القسم أسندها لأكفأ الأطباء الموجودين بالمشفى ، ذهبت إليه وتحدثت معه بشأن حافظ
__ لا أستطيع أن أعدك بشيء سيدتي ولكني سأفعل ما بوسعي ، والله يوفقنا ونستطيع أن نخفف عنه قليلًا .
تركها الطبيب وذهب لتتجه إلى غرفة حافظ ، لا تنكر أنها فزعت عندما رأته فآثار الحروق شوهت وجهه الوسيم وغطت جزء كبير من جسده ، الطبيب السابق أخبرها أنه لا يفهم كيف صمد جسده كل هذه المدة مع كل هذه الأضرار التي سببها الحريق لجسده ،وكأنه ينتظر حدوث شيء ما وهو ما يجعله متمسكًا بالحياة بهذه الطريقة .
تنهدت وهي تنظر إليه رغمًا عنها قلبها رق إليه فعندما تأتي إليه نوبات الألم تقفز الدموع من عينيها شفقةً وحزنًا ، وتدعو الله بسرها أن يرحمه من هذه الآلام ، فجسده لا يستجيب للمسكنات إلا نادرًا .
شهقت بخوف عندما رأتها أمامها واقفة وكأنها تبحث عن غرفته ، توجهت إليها بهدوء وحاولت الابتسام ولكنها لم تفلح
لتبتسم نور بتوتر وتقول بصوت مخنوق : أريد أن أقابله عمتي .
أشارت لها لتتجه نور سريعًا وتدلف إلى الداخل دلفت ورائها ووقفت تنظر من بعيد إلى ابنة أخيها التي تجمدت واقفة أمام جسد حافظ المستلقي على الفراش واستعمت إلى همهمته الدائمة باسم نور ، خلعت نظارتها الشمسية ونظرت إليه بغضب وكره عميق نابع من روحها نطقت نور بحده وهي تجلس على ركبتيها أمامه وتنظر بعينيها المتورمتين من أثر بكاء ليلة البارحة وقالت بصوتٍ قاسي : هل تريدني أنا أم تنادي على أمي أيها البغيض ؟
اتسعت عينا صفيه عندما رمش حافظ بعينه اليمنى فعينه الأخرى ذهبت من أثر الحريق .
سألته نور مرة أخرى بصوتٍ قاسي : هل تسمعني أم أن ربي رحمك من عذابي ؟
ازدادت دهشة صفية وهي تراه يفتح عينه السليمة ويحاول أن يرسم ابتسامة ودودة على وجهه المشوه ليقفز الكره من عيني نور ويرتسم الاشمئزاز على وجهها وتقول بصوت منخفض الكره يقطر منه : كم أنت بغيض عمي .
رد بهدوء وتمهل : أنتِ ابنتي .
ضحكت ساخرة : لا لم أكن ابنتك يومًا ، أنا ابنة محمد المصري اسمًا وفعلًا ولم أنتمي إليك إطلاقًا ، وما أشعر به ناحيتك هو الكره والنفور ، كما كانت مشاعر أمي تجاهك كرهتك وبغضتك وانتمت إلى محمد حتى بموتها ، فضلته عليك ، وأنا جئت لأقل لك أني لن أسامحك يومًا على ما فعلته بها ولا بي ، وأخبرك أني سأظل أكرهك إلى آخر يوم بعمري ، أيها البغيض .
نطقت آخر جملة بكره شديد لتغادر الغرفة بقوة
واقفة بتجمد كالتمثال لا تصدق أن نور الرقيقة يصدر منها ما صدر تنبهت بعدها على صوت حافظ يعلو وهو ينادي باسم نور ، ليعلو طنين الأجهزة فجأة ويندفع الطبيب إلى الغرفة ومن بعده الممرضات ويحاولون إسعافه ليصفر الجهاز صفارة طويلة لا تنقطع إلى أن يغلقه الطبيب ويعلن وقت الوفاه
ارتفع حاجبي عمر بدهشه وعمته تكمل : مات بعد انصرافها مباشرةً عمر ، وكأنه لم يحتمل كراهية شقيقتك له ولا اخبارها له بأنها ليست ابنته وأنها ابنة محمد .
هز رأسه بتعجب وهو يفهم الآن سر ارتياح نور والهدوء النسبي الذي حاوطها بعد ذلك
نظر إلى عمته : حسنًا هيا عمتي ، تعالي معي اليوم فقط فاليوم رأس السنة و غدًا ستبدأ سنة جديدة ومن الطبيعي أن لا تقضي هذا اليوم بمفردك .
ابتسمت بوجهه وربتت على وجهه بحنان : لا تشغل رأسك بي بني اذهب إلى زوجتك وشقيقتك ولا تهتم بي ، فأنا قضيت عمري كله بمفردي .
قال بإصرار : عمتي .
نظرت له بحب : عمر اتركني على راحتي .
نهض عمر وقال على مضض : : حسنًا عمتي ، سأنصرف حتى أستطيع الوصول قبل الليل .
احتضنته بين ذراعيها : تعود سالمًا حبيبي ، أبلغهما سلامي وطمئني عليك عندما تصل .
انصرف ابن أخيها وهي تنظر إليه من النافذة ، تريد أن تكون بجواره ولكنها لا تستطيع أن تغادر بلدتها الحبيبة مسقط رأسها ، قضت حياتها كلها هنا عاشت هنا وستموت هنا ، لتندفن بنفس المكان الذي اندفن به أحبائها والديها ومحمد وأخيرًا صلاح تنهدت وهي تتذكر عندما أبلغتها الممرضة أن حافظ نفل إلى طبيب آخر وأخبرتها بمكانه لتبحث عنه وتلتقي بأحمد شقيق صلاح الصغير الذي كان شابًا يافعًا عندما تزوجت صلاح
ابتسم بوجهها : السيدة صفية ، أهلًا بكِ ، كيف حالك ؟
ابتسمت مرحبة : أهلًا أستاذ أحمد ، كيف حالك أنت وحال صلاح؟
خفضت صوتها وهي تسأل عن حاله ليخفض أحمد رأسه ويقول بحزن : صلاح توفي سيدتي ، البقاء لله .
اتسعت عيناها ألمًا : متى ؟
هز رأسه بحزن : السنة الماضية .
أطرقت حزنًا وهي تتمتم :البقاء لله .
رد بهدوء : ونعم بالله ، انتظري التفت إلى غلام صغير وأشار اليه بيده ليسرع الصبي إليه
ابتسم وهو يشير إليه : هذا صفي .
نظرت إلى الصبي الذي لا يزيد عمره عن الثالثة عشر وسألته : اسمك صفي ؟
رد الصبي بمرح : نعم صفي الدين صلاح الدين .
نظرت إلى أحمد الذي ابتسم بدوره : أنه ابن صلاح الوحيد وأنا أقوم برعايته أكمل بحزن والدته توفت وهي تلده وأخي توفي السنة الماضية لأقوم برعايته وسط أبنائي ولكنه يظل أبكر ابنائي .
ابتسمت بحب للصغير لتلتف اليه : ماذا تفعل هنا ؟
اتسعت ابتسامته : أشهد ولادة طفلي الخامس والأخير .
ابتسمت : ما شاء الله تبارك الله ، حفظهم الله.
سألها باهتمام : وأنتِ سيدتي ؟
ردت بهدوء : أزور أحد أقاربي هنا .
أكملت : مبارك لك بقدوم الطفل الجديد ، وأرجو منك أن تطمئني على صفي وعلى أحوالك كل فترة .
أعطت له عنوان الشقة التي استأجرها عمر وطلبت منه عنوانه ، وانصرفت وتركته ولكن قلبها تعلق بالصبي الصغير الشبيه بوالده إلى درجة كبيرة ومن حينها وصفي يأتي لها كل اسبوعين لزيارتها والجلوس مع السيدة العجوز التي يحبها ولا يعلم لماذا كما أخبر عمه لذلك لن تستطيع أن تترك الإسكندرية فلبها متعلق بالصبي الصغير .
دمعت عيناها وهي تفكر هل الطفل الذي اجهض كان سيأتي جميلًا هكذا مثل صفي .
حدثت نفسها : الآن لا يهم كل ما يهمني الآن هو عمر وطفله القادم ، وصفي وكيف أستطيع أن أوفر له الحنان والرعاية الذي فقدهما بموت والدته واليتم الذي شعر به بموت صلاح ، فليقدرني الله وأعوضه عما فقده .
***
اجتمعوا ليلًا في الصالة الواسعة ليتبادلو الحديث والصغار يركضون أمامهم ويلعبون ، القصر يضج بالحياة وهو يبتسم على نكاتهم ويتبادل الأحاديث معهم ولكنه يشعر بالفراغ يتصاعد بداخله والحزن يكتنف حواسه
تكلم مع يوسف في أمور تخص عملهم ، وأعلنت نهى خبر حملها للجميع الأمر الذي جعله سعيدًا حقًا ، فهو حزن على شقيقته كثيرًا المرة الماضية عندما مات طفلها الصغير وها هي الآن تعود كما كانت ، بارك لها ولعمرو وهو يبتسم ،رن جرس الباب لينضم ياسر وأسرته لهم ،واكتمل عقدهم بحضور معتز الذي جلس بجانب شقيقته يستعلم عن أخبارها وخاصةً أنها بشهرها الأخير مع الوقت عادت الأمور إلى نصابها بينه وبين معتز ، ابتسم ياسر وهو يقترب منه وهمس : ما أخبارك يا صديقي ؟
ابتسم بدوره وهز رأسه : بخير الحمد لله .
نظر له ياسر بنظرة عميقة ليكح الآخر ويشيح بوجهه بعيدًا عنه مال إلى الإمام وأخرج علبة سجائره ليضع إحداها بفمه ويشعلها ، تنبهت له أمه وزمت شفتيها وتأففت بصوت مسموع ليقول ياسر بهدوء تعال ياسين لنقف بالشرفة حتى لا تؤذي أحدًا من المتواجدين بدخان سجائرك هذه .
سحبه ياسر من يده ليذهب معه مضطرًا فهو لا يريد أن يتشاجر مع والدته والعائلة جميعها مجتمعه بعد أن غادرا هتفت نادين بدهشة : أصبح مدخنًا الآن !!
ظهر الضيق على وجه يوسف لتلوي نهى فمها بضيق وهزت نوارة هانم رأسها إيجابًا لتسأل نادين : لماذا ؟ ماذا حدث لينقلب ياسين هكذا ؟
زفرت نهى بضيق نظرت إلى شقيقتها التي اعتلى الضيق وجهها لتلف إلى والدتها وسألت بصوتٍ منخفض : هل نور لازالت غاضبة أمي ؟
قالت نهى بنبرة يملأها الضيق : نعم ولا احد منا يدري ماذا حدث بينهما لتبقى بعيدًا عنه كل هذه المدة ؟!
قال يوسف بهدوء : من المؤكد نهى أن أخاكِ أغضبها فعليًا وإلا ما سكت عن غيابها كل هذا الوقت .
أشاحت بوجهها ضائقة لتسأل نادين : لماذا لم تتدخلي أمي وتصلحي ما حدث بينهم ؟
ابتسمت الأم : إن شاء الله ستحل الأمور قريبًا وإذا لم أتأكد من إخطاء ياسين بحقها وإلا ما كنت تدخلت ندى .
قالت نهى بعصبية : إذن أريد أن أعلم ما فعله شقيقي لتعاقبه بهذه الطريقة متناسية كل شيء بينهما .
زمجر يوسف بضيق : نهى ، أعتقد أنكِ سألتِ ياسين نفسه وهو لم يشأ أن يخبرك بما يحدث بل طلب منكِ وبصرامة أن لا تتحدثي معه مرة أخرى في هذا الأمر ، أليس كذلك ؟
قالت بضيق : أرى أنك محامي السيدة نور الخاص يا أستاذ يوسف .
قال بهدوء : نهى أرجوك لا تدعي عاطفتك تسيطر على عقلك وتتحكم بك ، أعلم جيدًا أنكِ تحبين أخاكِ ومتحيزة له ، ومن منا لا يفعل ذلك ، ولكن نور لم تخطئ بحق ياسين إلى الآن ، ثم إن ياسين لم يذهب ليرضيها ويعيدها إليه ، هل تقبلين على نفسك عندما تغضبي من زوجك أن تعودي إليه من تلقاء نفسك ؟
زمت شفتيها لتسأل نادين : ولماذا لم يذهب إليها ؟
رد يوسف بضيق : لا نعلم ، ثم من فضلكم أغلقوا هذا الموضوع الممل الذي لا تنفك نهى أن تتكلم به لتوترنا وتحرق أعصابنا .
رد عمرو بمرح : لا تؤاخذها يوسف فهرمونات الحمل تتحكم بها ، غمز بعينه ليكمل : وأنت أدرى .
ضحك يوسف وهو ينظر إلى إنجي : نعم أنا أدرى .
تأففت إنجي بضيق: ماذا تقصد ؟ أنا متعبه بما فيه الكفاية فلا أستطيع التفكير بما تقوله ولا ما وراء المزحة .
انفجر معتز بالضحك على شقيقته التي لم تعد تحتمل أحدًا
وقال من بين ضحكاته : يوسف هل تريد المبيت اليوم على الأريكة الخارجية ؟
ليضحك يوسف بانطلاق : وما الجديد منذ اسبوع وأنا أقضي ليالي عليها فالفراش لم يعد يكفينا نحن الاثنان .
انفجروا بالضحك لتلوي جيجي فمها غاضبه : ولدك السبب .
نهض من مكانه وقبل رأسها : أعلم حبيبتي ، يأتي على خير ، فأنا ضقت به ذرعًا ، أريد أن أنام بفراشي .
جلجلت ضحكة أحمد : هل تريد النوم إذن اقبل بنومة الأريكة أفضل من أن يأتي صغيرك فأنت لن تستطيع النوم بسببه أبدًا .
شحب وجه يوسف لينفجروا ضحكًا عليه
عمرو : نعم أذكر إلى الآن أول أيام يمنى كنا لا نذوق طعم النوم بسببها بكائها المتواصل .
أحمد : نعم ، أعلم هذا جيدًا ، أتعلم إسلام كان أهون من شقيقتيه فعندما كانت تبدأ إحداهما بالبكاء تنفجر الأخرى معها .
التف يوسف إلى زوجته : لم نتفق على هذا جيجي .
ضحكوا على وجه يوسف الشاحب ونظرته القلقة لتنظر إليه جيجي ضائقة ليبتسم لها فأشاحت بوجهها بعيدًا عنه
معتز: أغضبتها حقًا يوسف .
لم يحرك عينيه مع وجهها : تعلم جيدًا أني أمزح معها ، فأنا على استعداد أن أسهر مع هذا القادم لتغفو عينيها هي .
صفر عمرو بإعجاب لتقول ندى : أنا لو منك أسجل له حتى لا يتملص بعد ذلك ويقول لكِ أنا متعب لا أستطيع السهر اليوم مع ولدك ، أتذكر أحمد .
نظر أحمد إلى السقف وقال : جميلة هذه الثريا أمي .
انفجروا ضاحكين على المشادة المرحة التي نشأت بين أحمد وندى وهو يؤكد أنه كان يسهر بالصغيرتين وهي تنفى ما يقوله
قالت نوارة هانم : هيا يا أعزائي لتتناولوا العشاء
التفت إلى مريم : أخبري ياسر وياسين أن العشاء جاهز .
__ حاضر عمتي .
***
سحب صديقه إلى الخارج ونزع السيجارة من بين شفتيه بحنق : ماذا هناك ياسين ؟ أنت تدخن ، لم أصدق عندما أخبرتني نوارة هانم !!
ضحك ساخرًا : إذًا اتصلت بك أمي لتشتكي لك من بكرها الذي أصابه الجنون ؟!
تنهد ياسر : لا ياسين ، بل أنا من اتصلت بها لأطمئن عن أحوالك فمنذ آخر يوم كنت به عندي لم تتصل بي إطلاقًا وكنت أظن أن نور عادت إليك ولذلك نسيتني وانشغلت بها .
زفر بضيق ليكمل : وفوجئت عندما أخبرتني والدتك أنها لم تعود إلى الآن .
نظر له : إذن أنت من أخبرت أمي أنها كانت بالمشفى .
هز رأسه نافيًا : لا طبعًا
نظر امامه واتكئ بمرفقيه على حد التراس : إذن من أين علمت بهذا الأمر ؟
__ لا أفهم ياسين ، تكلم بوضوح ؟
قال بحنق : لا أعلم ياسر ، أتت امي منذ ما يقارب الشهر وأسمعتني ما لا يرضيني بأني لم أخبرها بظروف نور الصحية وكيف أخفي عنها أمرًا كهذا ، وغضبت مني وخاصمتني أيضًا .
نظر له بدهشه : ولماذا لم تخبرها ؟
__ لم أخبر أحد ياسر بماذا أخبرهم ، بان نور دخلت المشفى بانهيار عصبي من فعلة حافظ السوداء لا طبعًا لم أتكلم بهذا الأمر مع أحدًا غيرك .
ربت على ظهره : إذن اهدأ وأخبرني بالمستجدات
زم شفتيه ليقول من بين أسنانه : لا شيء ،منذ خروجها من المشفى لم أراها .
نظر له ياسر بتشكك : هل استطعت كل هذه المدة ياسين ، أن لا تذهب إليها ؟
أشاح بعينيه بعيدًا عن صديقه حتى لا يلمح السعادة التي تراقصت بهما وهو يتذكر كم كان سعيد الحظ عندما سنحت له الفرصة من خمسة أيام أن يبقى بجانبها طوال الليل فعندما قرر أخيرًا أن يذهب ليراها غصبًا عن عمر حتى لو أدى الأمر إلى أن يتشاجر معه وجد باب الفيلا مفتوح ليرتعب أن يكون حدث شيء لأحدٍ منهم دلف إلى الداخل وهو يبحث بعينيه عن عمر لينادي بصوت مرتفع قليلًا : عمر لم يرد أحد عليه ، فاستنتج أنه لا يوجد أحد هنا ، أمره قلبه بأن يصعد إلى غرفتها ليشعر بتواجدها حوله حتى لو هي لم تكن موجودة ، دلف إلى الغرفة ليشعر بالشوق يجتاح خلايا جسده كلها ليقفز قلبه من صدره عندما يراها نائمة أمامه على الفراش ،صعق ليتجمد بوقفته ولا يعلم ماذا يفعل لينتبه على صوت عمر وهو يتكلم : كيف لا تتذكرين هل أغلقت الباب أم لا عليا ؟!
نطقت علياء بضيق : لا أذكر عمر ، أنا متعبة جدًا
__ انتهي عليا ، سأنزل لأتأكد .
تحرك سريعًا ليختبئ بظلمة الغرفة قبل أن يصل عمر إلى باب الغرفة ويراه وهو واقف متجمد مكانه ، دعا بسره أن لا يدخل عمر إلى الغرفة ويراه حتى لا تحدث مشكلة كبيرة بينهما ، ولكنه اندهش عندما مد عمر يده ليغلق الباب دون أن يدخل إلى الغرفة زفر بارتياح بعد ان سمع خطوات عمر الصاعدة ودخوله إلى جناحه الخاص ليتحرك من مكانه ببطء شديد وهدوء أشد وهو يكتم تنفسه خوفًا من أن تفضحه أنفاسه وتستيقظ صارخة كآخر مرة كان بجوارها ، نظر إليها بحب وشوق كتمه بداخله وجلس بجانبها على الفراش ،وأمضي ليلته وهو يتأمل ملامحها الجميلة التي اشتاق إليها ولكنه لا يعلم كيف غفت عينيه ليستيقظ بالصباح على صوت علياء الهادئ وهي تخبره بأنه لا بد أن ينصرف الآن قبل أن يستيقظ عمر أو نور وتحدث مشكلة أكبر من المشكلة الناشئة بينهما من الأساس .
ربت على كتفه لينظر إليه : من الواضح أنك رأيتها من وقت قريب ياسين .
ضحك ياسين بهدوء : ألا أستطيع أن أخفي عنك شيء ؟
هز ياسر رأسه نافيًا ليسمعا صوت مريم : العشاء جاهز يا شباب .
***
اقترب من نادين عند انتهاء العشاء وسألها بهدوء : هل ما زلتِ غاضبة ندى ؟
ابتسمت بهدوء : لا معتز أنا أخبرتك أني واقفة بجانب إخوتي وها هما الاثنان مرحبان بوجودك بوسط عائلتنا ،وأنا لن أعترض على استرداد صديقي .
ابتسم بهدوء : ما أخبارك أنتِ مع هذا الشقي ؟
ضحكت : بخير ، وأنت ؟
تنهد : شقيقتي المصون وابنة عمتي الغالية اتفقا الاثنتين على أن يزوجوني ، وعندما حاولت الاعتراض بوزت إنجي في وجهي وقالت بغضب حقيقي قل أن ذوقي لا يعجبك فأنصعت إليهما ، فأنا لا أريد مضايقتها هذه الأيام ، يكفيها أنها ضائقة من الأساس بسبب ثقل الحمل عليها .
نظرت له باستنكار : هل ستتزوج من أجل ألا تضايق إنجي .
ابتسم بمرح : لا طبعًا ، لقد قابلتها مرتين وراقت لي أنها مرحة ومتفهمة ذكية لبقة لم تتزوج من قبل وفي الثلاثون من عمرها ، سنها مناسب إلي .
نظرت إليه بتردد ليبتسم : تريدين أن تسأليني عن مشاعري أليس كذلك ؟
حولت نظرها عنه : لا بل أريد أن أعتذر لك فما فعلته كان بسببي، خسرت زوجتك وطفلك بسببي .
ابتسم : لا نادين لم يكن بسببك ، كان بسبب أخطاء جسيمة وقعت بها أنا وحنان ، وعلى الرغم من اعترافي بأني أخطأت في حقها إلا أني اكتشفت مؤخرًا عندما تكلمت مع السيد عبد العزيز ومع مريم أن حنان التي سعيت ورائها لم تكن من تخيلتها ولذلك قررت أن أمضي بحياتي ، سأتزوج لأستقر بحياتي وأؤسس أسرة وأنجب أطفالًا ، وداليا تريد ذلك أيضًا ، نحن متفقان إلى حدٍ ما ولنا نفس الأهداف .
ابتسمت بسعادة : اسمها داليا ؟
هز رأسه : نعم ، زميلة مريم بهيئة التدريس وطبعًا لاقت استحسان إنجي .
عند نطقه باسمها دوت صرختها بأنحاء القصر ليسرع اليها وجد يوسف بجانبها : ما بك ؟ ماذا حدث ؟
أمسكت به بقوة : أنا ألد يوسف .
***
__ هل ما زلتِ مستيقظة نور ؟
سألتها وهي تنظر إليها من أعلى السلم
__ تعالي تناولي فطورك
نظرت إليها لترى ما تفعله في المطبخ : لا أريد أن أفطر ثم ماذا تفعلين ؟ لا تخبريني بأنها أحد المعجنات أو الفطائر أو الكعك ، فبطريقتك هذه سأصبح فيلًا ضخمًا إلى أن ألد .
ضحكت نور : ما أفعله من أجلك حبيبتي لابد أن تتغذي جيدًا حتى يأتي الطفل قويًا ويتمتع بصحة جيدة .
__سيأتي ضخما بسبب عمته التي تهرب من مشاكلها إلى طهو أنواع مختلفة من الطعام
نظرت لها بلوم لتكمل علياء : لا تنظر إلي هكذا ، ألا ترين مظهرك بالمرآه ، لا تستطيعي النوم إلا بالمنوم ، تظلين مستيقظة بالثلاثة أيام إلى أن تأخذي حبة دواء منومة فتغرقي في بئر النوم وإن انهارت الدنيا فوق رأسك لا تشعري بما يحدث حولك ، ثم لماذا لا تتفاهمين مع ياسين إلى الآن ، ولا تخبريني بخرافتك عن كونك قوية أو ضعيفة ، فأنا لا أصدقك ، أنتِ بخير الحمد لله ، وتستطيعين التكلم معه كما تريدين وأن تفهمي ما غيره هكذا ، ثم لا تقولي أنه يريدك أن تبتعدي من حياته فهو كاد أن يقيم بالمشفى بسببك ولولا موقف عمر منه لما كان ينصرف عندما يراه، ماذا تريدين منه أكثر من ذلك نور ، أخبريني ؟!
خفضت بصرها لتكمل علياء : لا ولم تقفي عند هذا الحد بل أحرجتِ السيدة نوارة أكثر من مرة تتصل وتطلب منك أن تذهبي إليها لتتكلم معك فترفضي ، ثم أخيرًا لا تذهبين لإنجي لتباركي لها على مولودها !
نظرت إليها بدهشة : ماذا ؟ هل وضعت إنجي مولودها ؟
نظرت إليها بلوم : نعم ليلة رأس السنة ، ألم يخبرك عمر ؟
هزت رأسها نافيه لتنطق بهدوء : سأنتظر إلى أن يذهب عمر وسأذهب معه .
__ عمر ذهب البارحة ، لا تخافي نور فياسين لن يجلس برفقة زوجة أخيه في المشفى ، اذهبي وقومي بواجبك تجاه إنجي ويوسف فالاثنان أصدقاءك.
هزت رأسها موافقةً لتبتسم علياء بسعادة وتكمل : هيا اذهبي تأنقي وتزيني لتصبحي مثل القمر.
نظرت إليها بدهشة لتكمل علياء : هل تريدين أن يخبر يوسف أخاه بأنكِ حزينة وتنتظري منه مكالمة تليفون لتعودين إليه ؟
نظرت إليها بغضب لتبتسم : هل ضايقك كلامي نور ؟
انكري إذا استطعت ، أنا صديقتك وأكثر من شقيقتك فلا تكذبي علي .
قالت بتردد : كنت سأتصل به اليوم ، ولكني مترددة ولا أعلم ردة فعل عمر .
ربتت على كتفها : عمر يريد صالحك نور ، وإذا أردت العودة إلى ياسين لن يرفض أبدًا ، هيا اذهبي حتى لا يفوتك موعد الزيارة الصباحية .
انصرفت من أمامها لتبتسم عليا وهي تتذكر يوم ما دخلت غرفة نور بالصباح الباكر لتطمئن عليها ووجدته نائم جوارها كطفل صغير ، كادت أن تشهق بقوة لولا أنها وضعت كلتا يديها على فمها لتمنع شهقتها من الخروج حتى لا يستيقظ أحدًا منهم ، وقفت جامدة بمكانها وهي بحيرة من أمرها ماذا تفعل الآن ، فلا تعلم ماذا سيكون ردة فعل عمر إذا وجد ياسين هنا ذهبت سريعًا الي غرفتها وارتدت إسدال الصلاة وعادت إلى الغرفة ونادته بهدوء وأخبرته أن ينصرف قبل أن يستيقظ عمر وتحدث مشكلة بينهما كانت تعلم أن نور لم تشعر به بسبب المنوم الذي تأخذه لتنام فهي لا تستطيع النوم إطلاقًا والبارحة عندما كانت برفقة عمر ليباركوا ليوسف وإنجي مولودها تناهى إلى مسامعها ويوسف يخبر إنجي أن ياسين سيأتي غدًا في الزيارة الصباحية ليبارك لها وأكد عليه أن يكون الطفل مستيقظًا فهو يريد أن يراه هذه المرة حينها قررت أنها ستضغط على نور حتى تذهب بنفس الوقت ولن تخبر عمر حتى لا يخرب مخططها فتأخير نور كل هذا بسببه هو ، فهو يشعر نور أنه لا يحبذ فكرة رجوعها لياسين ولذلك هي مترددة وتنتظر أن يأتي ياسين إليها .
***
ينظر إلى هذا الطفل الجميل وهو مبهورًا بجماله ورقته الآخاذة ، ليقول يوسف بمرح :الحمد لله انه يشبه إنجي .
نظر اليه : نعم ، فالعالم لا يحتمل اثنين منك جو
عاد إلى الصغير ليقول يوسف بحماس : احمله ياسين لا تقلق .
هز راسه نافيا : لا أحبذ أن أحمل الأطفال وهم بهذا الحجم فأنا أخاف أن اؤذيهم .
وضع مظروفًا صغيرًا بجانب الصغير ليهتف يوسف : ياسين .
قال بمرح: اخرس ، لا أريد أن أسمع صوتك إطلاقًا ولا تتدخل بيني وبين ابن أخي .
ابتسمت إنجي : شكرا ياسين .
نظر إليها : علام جيجي ، أرجوكما أن تصمتا
نظر إلى اخيه وقال بسخرية : لا يوجد للرجال اجازة للوضع يوسف ، اليوم آخر يوم لإنجي بالمشفى وأرجو أن يكون آخر يوم بإجازتك أنت أيضًا .
ابتسم : إن شاء الله سأذهب إلى الشركة غدًا لا تقلق ، ثم إن معتز متسلم الأمور بدلًا مني ، ولا تقلق فهو لم يعد متهورًا كما كان .
قطع حديثهم صوت طرقات رقيقة لتطل برأسها الجميل من الباب وتقول وهي تبتسم : السلام عليكم .
***
تأنقت كما طلبت منها علياء ووضعت قليلًا من الزينة التي تظهر جمال عينيها ووجهها وأخذت معها باقة من الورود وهدية من الذهب للمولود الجديد وذهبت إلى المشفى لم تسال عن الغرفة فعلياء أعطتها كل التفاصيل عن المشفى والغرفة بل وصفت لها المشفى من الداخل
طرقت الباب بهدوء وطلت وهي تبتسم : السلام عليكم .
جمدت الابتسامة على شفتيها عندما رأته أمامها وكادت أن تتراجع وتخرج من الغرفة ولكنها ثبتت بمكانها ولكنها لم تستطيع أن تنظر إليه فخفضت بصرها على الفور
نهض يوسف مرحبًا وهو ينظر إلى شقيقة بطرف عينه
ابتسم باتساع : مرحبًا نور ، كيف حالك ؟ تفضلي .
ابتسمت بتوتر : الحمد لله ، مبارك ولي العهد يوسف.
ضحك يوسف بسعادة حقيقية : بارك الله فيكِ .
تقدمت باتجاه إنجي وانحنت لتسلم عليها وتقبل وجنتيها
وقالت بسعادة حقيقية : مبروك جيجي ، آسفة لأني تأخرت عليكِ ولكني لم أكن على علم أنكِ وضعتِ يوم رأس السنة .
ابتسمت إنجي : لا تعتذري نور ، المهم عندي أنكِ جئتِ لتباركين لي .
تنحنح مقاطعًا الجو الحميمي الذي نشأ بينها وبين أخيه وزوجته : سأنصرف يوسف ، فأنا تأخرت .
جلست بهدوء على المقعد بجانب إنجي وخفضت بصرها
نظر إليه يوسف بغضب وهو يقف خلف نور وأشار له برأسه أن يسلم عليها لينظر إليه ياسين بقوة ويرفع له حاجبه الأيمن وقال بجمود : مبروك إنجي ، إذا احتجت إلى أي شيء فلتؤمري به فأنا بالخدمة، سلام .
خرج من الغرفة ليتبعه يوسف ويمسكه من ذراعه : هل جننت ياسين ؟
نفض ذراعه من يد أخاه بقوة وقال بجمود : يوسف احترم نفسك ولا تنسى أبدًا أني أخاك الكبير .
زفر بضيق : لم أنسى أبدًا ياسين ، ولكنك تعاملت مع زوجتك (شدد على كلمة زوجتك بقوة ) بقلة تهذيب وذوق .
هدر بصوت منخفض : يوسف ، لقد طلبت منك من قبل ألا تتدخل، فمن فضلك لا تتدخل .
تركه وذهب ليهز يوسف رأسه بقلة حيلة وتمتم : لا أفهمك ياسين، ولن أفهمك مهما حييت .
دخل الي الغرفة ثانيةً ليجد نور تحمل الطفل بين ذراعيها
وتبتسم له : جميل إنجي ما شاء الله تبارك الله ، حماه الله ويحفظه ، ماذا أسميته ؟
رد يوسف بفخر : محمود
أتبعت إنجي : على اسم جده فهو أول حفيد من الذكور ، أليس كذلك يوسف ؟
ضحك يوسف : أشعر أنكِ ضائقة من اسمه .
هزت رأسها : لا إطلاقًا .
ضحكت نور ليقول يوسف بغيظ : ألا يعجبك اسم والدي ؟
ردت سريعًا : لا حبيبي ولكني كنت أريد له اسما مختلفًا
صراحةً كنت سأسميه نور .
صمتت نور عن الضحك ونظرت لها بدهشة لتتبع الأخرى : نعم كنت سأسميه نور الدين ، فاسمك يروق لي كثيرًا
ردت نور بهدوء : لا اسم محمود أفضل بكثير .
هتف يوسف : أسمعتِ أتمنى أن تكوني اقتنعت ولو قليلًا .
ضحكت بمرح : أنا اقتنعت من المرة الأولى ولكني أحب أن أتشاجر معك .
اقترب منها وجلس بجوارها : ستذهبين بما تبقى من عقلي جيجي
ابتسمت نور : الله يحفظك لها وتظل تتشاجر معك إلى الأبد .
وضعت الطفل بين ذراعي إنجي : مبارك إنجي .
وضعت العلبة المخملية بلفة الطفل الزرقاء
ليصيح يوسف : لا هذا كثير ، ما بالك أنتِ وزوجك كل منكما يأتي بهدية للطفل ؟!
لكزته إنجي بكوعها لينتبه إلى ما قاله ونظر إلى نور التي شحب وجهها فجأة : المعذرة نور لم أقصد .
ابتسمت بمجاملة : لا يوسف لا عليك ، سأنصرف أنا حتى لا أتأخر .
نظرت إليها إنجي وهي تسلم عليها : سأنتظرك بحفل السبوع نور
هزت رأسها : إن شاء الله ، إلى اللقاء يوسف .
خرجت من الغرفة وهي تشعر بقلبها يئن ألمًا ، إلى هذا الحد ياسين أصبحت لا أهمية لي ، إلى هذا الحد لم تشتاق لي ولا مرة ، تتساءل مرارًا وتكرارًا لماذا لم يأتي إليها ولا مرة بعد خروجها من المشفى تجمعت الدموع بعينها وبغمرة انفعالاتها
لم تنتبه إلى الطريق فوقفت لترى إلى أين المفروض أن تذهب لتشعر بيد قويه تسحبها معها إلى داخل المصعد الذي كانت واقفة على مقربة منه
***
أنت تقرأ
أحلامي المزعجة
Любовные романыتردد صوت صراخها ليصم الآذان و يعم أرجاء المكان وهى تهتف ساعدوني أرجوكم هلا يأتي أحد ليساعدني ،تحاول أن تبقى في مكانها ولا تسقط أكثر في هذه الحفرة العميقة ،فهي لا ترى أي بصيص من الضوء ،عاودت الصراخ ولكن لا محال فلا يوجد أحد يستطيع سماعها وقوتها في ال...