ارتدى ملابسه سريعًا ونزل ليقود سيارته بسرعه جنونية لم يعتدها وهو يدعو أن يكون الخبر خاطئ قابله أحد العاملين بالموقع وهو يجهش بالبكاء ليسأله :
__ ماذا حدث ؟
بكى العامل بقوة : البقاء لله البشمهندس مات .
هوى جالسًا على أقرب كرسي وهو يشعر بضيق ثقيل وحزن جاثم على صدره ، لا يفكر بشيء غير نور كيف ستتقبل الخبر وكيف سيبلغها ، عقله إلى الآن لا يصدق أن عمر مات ، هذا الصديق الرائع والأخ المتفاني سيذهب ويترك أخته الوحيدة خلفه ، تخيل واقع الصدمة عليها وأنها ستتحول إلى مخلوقه أخرى غير نور حبيبته فارتباطها بأخيها مختلف عن باقي الناس ،فعمر لها الأخ والأب والسند والعزوة هو من تبقى لها من عائلتها أغمض عينيه بألم لحالها وهو يشعر بالغصة تسيطر عليه فبرغم معرفته القصيرة بعمر إلا أنه كن له حبًا وتقديرًا واحترامًا كبيرًا ، هو الآخر لا يتخيل أنه سيأتي يوم لا يرى به عمر وابتسامته الحنون تزين وجهه في ظل ألمه انتبه ليد توضع على كتفه : لماذا أتيت ؟
انتفض من الصوت لينظر إليه بدهشة وعندما تأكد أن عمر الذي أمامه قفز واقفًا ليحتضنه بحب أخوي وسعادة شديدة
وهو يقول : حمدًا لله على سلامتك ،ابعده عن جسده ليسأله : أنت بخير ، لم يحدث لك شيء ؟
دُهش عمر من ردة فعله ليبتسم : الحمد لله ، لماذا أتيت ؟! أنا هنا بدلًا منك ، اذهب إلى عروسك ولا تقلق .
تنهد براحة : أقلق ، لقد مت قلقًا عليك ، ماذا حدث ؟
وهذا العامل يتكلم عن مهندس توفاه الله، من هو؟
تغضن وجه عمر بحزن شديد : أنه المهندس كريم ، شاب بمقتبل حياته ، عمل معي منذ شهرين وتوفى اليوم .
شد ياسين على كتفه : البقاء لله ، ماذا حدث عمر ؟
__ لا أعلم ، ولكن حصل انهيار للدور الأرضي جعل البناية تهوى بشكل مرعب .
عقد ياسين حاجبيه : الدور الأرضي ولكن المفروض أنك ستكمل الدور الأخير وتنهي التشطيب .
__ لا أعلم ياسين ، ولكن ما حدث كارثة حقيقة .
__ كم عدد المصابين ؟
__ الحمد لله ليس كثيرًا ، ثلاثة من العمال وإصابتهم طفيفة الوحيد الذي توفى هو كريم .
__ إذا كان انهيار البناية من الأسفل ، فالخطأ من تنفيذ شركتي أنا ، سأحقق بالموضوع ، وأعلم من المتسبب به ،وحينها لن أرحمه .
__ لا تشغل رأسك ، اذهب وأنا سأتكفل بالأمر .
__ ولكن السيد عبد العزيز أخبرني أنك كنت بالداخل !
ابتسم : نعم كنت بالداخل ، ولكني خرجت لأكلم علياء
مكالمتها انقذتني ، خبط جبهته بيده : نسيتها ، لابد أنها ستُجن من قلقها علي سأذهب لأكلمها وأطمئنها .
__ أنا الآخر سأذهب إلى نور ، فأنا خرجت بدون أن أبلغها إلى أين سأذهب كنت خائفًا عليك ولم أرد ابلاغها إلا بعد أن أتأكد أنك بخير .
__ أبلغها سلامي ، ولا تقلق فأنا هنا مكانك بالضبط .
أشار له ياسين بيده مودعًا وانصرف وهو يشعر براحة أنه بخير ولكنه قلقًا عليه ، من الواضح أن عمه لن يتركه سليمًا .
***
خرجت من دورة المياه لتجد الغرفة فارغة تعجبت من عدم وجوده وفكرت أنه نزل إلى الأسفل أو مر على غرفة والدته ارتدت ملابسها وهي تشعر بالتعجب منه ومن تصرفه فهي لا تفهم لماذا تركها ونزل بمفرده نزلت إلى الأسفل لتجد الصالة الواسعة فارغة هزت كفتيها بتعجب التفت لتجد أحمد بوجهها مبتسمًا بسعادة :
__ مرحبًا بك نور .
ابتسمت بدورها وهزت رأسها محييه إياه : مرحبًا أستاذ أحمد .
ضحك بقوة : لا لم أناديكِ بالأستاذة نور لتناديني بالأستاذ أحمد ، من فضلك ارفعي الألقاب فأنتِ زوجة أخي إلا لو تردين وضع للحدود بيننا .
ابتسمت : حاضر ، أين الأولاد ؟
تنهد بتعب : ذهبوا إلى النادي ،ارسلتهم مع السائق لأتخلص منهم فهم أصبحوا مزعجين للغاية .
__ حفظهم الله وحماهم .
ردد بصدق : أمين إن شاء الله
أشار لها إلى الحديقة : تعالي نجلس قليلًا بالحديقة فالجو رائع اليوم .
شعرت بالحرج من رفض دعوته فأسلوبه الرقيق المهذب أجبرها لتوافق ،تعجبت كيف يتحمل برودة زوجته وهو الحيوية تشع منه تقدمت بداخل الحديقة لتساله : ألم ترى ياسين ؟
__ خرج منذ قليل ، وكان مسرعًا .
عقدت حاجبيها وهي تفكر خرج بمفرده واليوم سفرهم
من الممكن أن يكون ذهب إلى الشركة .
جلست معه لتنضم إليهم بعد قليل إنجي ورحب بها أحمد بحفاوة سألتها : كيف حال يوسف الآن ؟
__ أنه بخير الحمد لله ولكن المسكنات تجعله ينام أوقات طويلة .
تجاذبوا أطراف الحديث لتعالوا ضحكاتهم بسبب مرح أحمد الزائد وأسلوبه المبهج في الحديث مع اسلوب إنجي المرح تفاجئوا بوجودها بينهم لتنظر اليهم وهي تجز على أسنانها غضبًا : أرى أنكما تستمتعان برفقة زوجي المرح دائمًا .
نظر إليها ليبتسم : أهلًا عزيزتي ، تفضلي اجلسي معنا .
توتر الجو بسبب نظرتها الباردة وغضبها الواضح لتقول إنجي بمرح : سأذهب لأرى يوسف ، أكيد استيقظ .
نظرت إليها بكره واضح : الآن تذكرتي زوجك !
ردت نور : خديني معك ، بعد إذنكما .
انصرفتا من أمامها لتهمس إنجي : انها مجنونة .
ابتسمت نور باتساع : بل غيورة .
نظرت لها إنجي بتعجب : غيورة ، هل تشعر أصلًا لتغير أنها باردة المشاعر ؟!
__بالعكس ، إنها تخفي مشاعرها ، أنا متأكدة أنها تحب أحمد جدًا، ولكن يوجد شيء غير طبيعي بينهم ، ولكنها شعرت بالغيرة من جلوسنا معه لذلك أتت لتكدر الجلسة علينا وتجعلنا نبتعد عن زوجها.
ابتعدت نور عنها متجه ناحية المطبخ ضحكت إنجي : إلى أين تذهبين ؟ السلم من هنا .
__ سأذهب إلى المطبخ ، أريد أن أصنع شيئًا لياسين .
__ أمسموح لنا بتذوقه ؟ أم أنه خاص بياسين باشا ؟
ضحكت برقة : أنه خاص بياسين باشا ، ولكني سأجعلكِ تتذوقين منه
***
واقفة تنظر له بغضب ليبتسم هو باستفزاز :
__ اجلسي ، لم يتبق غيرك أليس هذا ما تريدينه ؟
نظرت له بغضب وقالت من بين أسنانها : لا أريد شيئًا ولا يهمني مع من تجلس ولا مع من تتكلم .
اتسعت ابتسامته وهو يقول بنبرة واثقة : نعم أنا أعلم ذلك جيدًا ، فلطالما أسمعتني إياه ، ولكني أعلم جيدًا أنكِ كاذبة .
ارتبكت وتغيرت ملامحها للتساؤل : ماذا تقصد ؟
وقف ليقترب منها وهمس بأذنها : أعلم جيدًا أنكِ تحبينني أليس كذلك ندي ؟
احمر وجهها وحاولت السيطرة على خفقات قلبها المتمردة : أنت زوجي ، طبيعي أن أحبك .
نظر لها وأجبرها على النظر إليه : بل تحبينني من قبل أن نتزوج، وأنا أعلم ذلك جيدًا ، لا تنكري .
بلعت ريقها بصعوبة ليكمل هو بصوت عاشق : أتظنين أنني صبرت كل هذا الوقت وأنا غير متأكد أنكِ تحبينني صبرت على معاملتك الباردة معي وعلى لا مبالاتك وأنا غير متأكدًا من حبك لي، كانت تصبرني نظراتك الغيورة ومراقبتك لتصرفاتي وتأملك لي وأنا جالس أعلم حبيبتي أنكِ تهيمين بي حبًا من صغرنا ، كما أعشقك يا شمسي المشرقة .
أزاحت عينيها وخفضت رأسها وأجبرت نفسها على أن تقول : أنت توهم نفسك بأشياء غير حقيقية تتخيل أشياء غير واقعية .
جز على أسنانه غضبًا ليمسكها من ذقنها بقوة ويجبرها على النظر إلى عيناه : انظري إلي وأخبربني أنكِ لا تحبيني .
نظرت له بقوة وقالت بنبرة غاضبة : اتركني.
شع من عيناه التصميم وضغط على ذقنها : أخبريني تحبيني أم لا؟
شعرت بألم في فكها والغل يتزايد في نفسها لتنظر إلى عينيه وتقول ببرود : لا أحبك.
سقطت يده بألم وقال بهدوء وهو يتمزق داخليًا : لا استطيع أن استمر في هذه الزيجة بعد الآن ، ورقة طلاقك ستصلك في اقرب وقت .
انصرف من أمامها لتتسع عينيها رعبًا وهوت جالسه على أقرب كرسي لها .
***
دخل إلي حديقة القصر وهو يشعر بأن الثقل الذي كان يحمله تبخر ولكن القلق يحاوط عقله يفكر كثيرًا بالحادثة ويشعر أنها غير طبيعية ، أكيد مدبرة ولكنها هذه المرة تقصده هو أو يوسف فالمشروع يخص شركته ، هل من المعقول الحادث مدبر لعمر وعمه من وراء حدوثه ، يشعر بقلق فعلي على كل من حوله ، زفر بتعب ليبتسم وهو يتذكر ليلة البارحة ليشعر بأن التعب والقلق انزاح عن كاهله وأن السعادة تتوغل بجسده وتحمله ليطير إليها أسرع خطاه ليتناهى إلى مسامعه صوت بكاء مكتوم تعجب وعقد حاجبيه ليتبع الصوت بهدوء ليجد نادين جالسة بأحد كراسي الحديقة وتبكي راعه مظهرها اليائس وانخلع قلبه من صوت بكائها ووجهها الحزين ليتقدم منها مسرعًا : نادين ، ما بك ؟ لماذا تبكين ؟
رفعت رأسها اليه ونظرت بعينين حزينتين إليه وقالت بصوت مخنوق : أحمد سيطلقني .
صاح بحده : نعم !
أمسكها من معصمها بقوة ليوقفها أمامه : ماذا تقولين ؟
هل جننتِ ، ماذا حدث ؟ هل تطاولتِ عليه ولذلك سيطلقك
تشاجرتما ، أخبريني ، ماذا حدث ؟
بكت بنحيب حاد لترتمي على صدره وتبكي زفر بضيق وغضب مكتوم ليربت على رأسها : تعالي إلى الداخل وقُصي لي ما حدث .
دخل بها إلى القصر وأجلسها على أقرب أريكة له وأحاطها بذراعه وحنان بالغ ،وجد يوسف نازلًا أمامه ليسأله
بدهشه : ماذا تفعل أيها المجنون ؟ الطبيب حذرك من الحركة !
__ مللت ياسين من الجلوس بالغرفة ، وأنا أستعمل العصا وأحمل على رجلي الثانية .
نظر إلى نادين بتفحص وقال بحزم : لماذا تبكين ، هل حدث شيء؟
ارتعش جسدها وزاد نحيبها ليقول ياسين بغضب : تقول أن أحمد سيطلقها .
اتسعت عيناها من صدمة الخبر ليهرول إلى أخته متناسيًا إصابة رجله أمسكها من ذراعها وقال بقوة : انظري الي .
نظرت إليه : هل هذا صحيح أم مزحة ؟
قال ياسين بضيق : يوسف ، هذه الأمور لا مزاح بها .
قال بنبرة جليدية وهو ينظر لها : سأقتله إن أردت ندى
ليكمل صائحا :هل وصلت أن يطلقك ونحن الاثنان موجودان دون أن يُعلمنا بالأمر أو يخبرنا ، لماذا هل أخذكِ من الشارع ؟
قال ياسين : اهدأ قليلًا يوسف .
صاح بغضب وصوت قوي : لا لن اهدأ ، ولن أراعي أنه ابن عمي ، فهو لم يراعي أي شيء ،لم يراعي أولاده، لم يراعي هذا البيت الذي اكتنفه ، ولا أمي التي ربته كواحد منا ، لم يراعي أخوتي له ولا صداقتك له ، لم يراعي شيء ياسين ، وأنا الآخر لن أراعي شيء .
قال ياسين بصرامة : اصبر لنفهم ماذا حدث ؟ أحمد ليس متهورًا ليفعل شيء كهذا دون أسباب .
قال يوسف بغضب : يا سلام ، حتى إن وجدت الأسباب
نحن الاثنان موجودان ، وإذا أخطأت نادين بحقه يتكلم معنا ويرد إلينا الأمر ، لا يطلقها هكذا .
هز ياسين رأسه بمرارة فأخاه محقًا وأحمد تجاوز كل الخطوط بفعلته هذه التي لن يسامحه عليها ربت على رأسها الموضوعة على كتفه : أخبريني ، ماذا حدث ندى ؟
ردت بنبرة متألمة : أنا مخطئة ، مخطئة .
اجهشت بالبكاء ليسحبها يوسف إلى حضنه ويضمها إلى صدره بيده السليمة : حتى حبيبتي لو أخطأتِ ، ليس من حقه أن يفعل أمرًا كهذا
مسح دموعها بيده : لا تبكي ، هذا الاحمق لا يستحق دموعك ولكن تماسكي ، حتى لا يشعرون أولادك بشيء .
هزت رأسها إيجابًا ليكمل ياسين : ندى لا تخبري أحدًا حتى نفهم ما يحدث من حولنا .
نظر له يوسف غاضبًا ليرمقه ياسين بنظره قوية جعلت الآخر يشيح بوجهه عنه سألها بهدوء : إذا لم يطلقك ، هل ستستمرين معه ؟
صمتت قليلا : نعم ياسين ، ولكن
قاطعها بحزم : إذًا تريدين العودة إليه لا يوجد لكن تذكري أولادكم ندى ، إنهم يستحقون تضحيتك .
هزت راسها لتنصرف من بينهم
لينظر له يوسف بقوة : هل ستجبرها على الاستمرار معه ياسين ؟
ابتسم بوجه أخيه ليقول بفخر : كل يوم اكتشف بك صفه جديدة يوسف ، وسبحان الله كلها صفات جيدة ، أصبحت رجلًا كبيرًا مسئولا ويعتمد عليك حقًا .
نظر له بغضب : لا تغير الموضوع ياسين ، أجبني من فضلك .
اتسعت ابتسامته : لا تتهور يوسف فهذا أحد عيوبك ، ولكنه ليس عيب ، بل هو اندفاع الشباب ، ولا ألومك عليه ، كلنا مررنا به .
جز على أسنانه غضبًا ليقول ياسين بهدوء : لا يوسف ، بل هو لن يطلقها ، أنا متأكد من ذلك أحمد يعشقها ، ولكن أنا متعجب مما قالته، وأريد ان أعرف الأسباب لتكتمل لدي الرؤية ليس إلا.
أكمل بهدوء : وحتى لو ندى مخطئة كما قالت سأعلمه أن يفكر مائة مرة قبل أن يقول لها شيء كهذا أو أن يفكر مجرد التفكير به ، ومائة مرة أخرى حتى يراعي كل ما عددته أنت سابقًا ، ولكن بهدوء وروية فلا تنسى أن أبناؤه هنا بالقصر ، ولا أريد لأي شيء أن يؤثر عليهم .
ابتسم يوسف بإعجاب ، كان يظن أنه سيترك حق نادين ولكن من الواضح أن أحمد وضع نفسه بمأزق لن يستطيع الخروج منه
سأل : إذن ستأخذ حق نادين منه ؟
__طبعًا ، ولكن سأخذ حقه أيضًا ، فمن المؤكد أن أختك المصون ساعدته ليصل إلى هذه النقطة ، كل ما أريده الآن أن أعرف ماذا حدث ببينهما ، أدار بصره إلى ما وراء أخاه لتتسع ابتسامته فهي قادمه نحوهم سأل يوسف بتعجب : ما الذي يجعلك تبتسم هكذا ؟!
لم يعيره انتباهه فعيناه متعلقتان بجنيته الحبيبة ليلتفت يوسف وينظر وراءه ليضحك بقوة ، انتبه ياسين على ضحكته لينظر له نظرة قوية ،ابتلع يوسف ضحكته : سأنصرف قبل أن تضربني أو تطردني أو تقذف بي من الشرفة .
قال مازحًا : نحن بالدور السفلي، لن يحدث لك شيء ، ثم إنك مكسورًا من الأساس ، لا تحتمل أكثر من ذلك .
قهقه يوسف ضاحكًا لتقول برقة : أسعد الله ايامك يا جو ، أضحكني معك .
قال بمزاح : زوجك السبب ، اجعليه يخبرك بما كان يقوله لي ، سأذهب إلى زوجتي الحبيبة قبل أن يقتلني بعيونه .
ابتسمت : ابلغها أني انتظرها لتتذوق حلي الباشا .
التفت إليها وقال بحيرة : ماذا؟
__ هي ستفهم ، أبلغها فقط ، وأني سأنتظرها بالأعلى ، حتى لا تتعب أنت من النزول إلى هنا .
هز كتفيه بعدم فهم : حاضر كما تريدين .
انصرف يوسف من أمامها لتشعر بيده القوية تجذبها من خصرها وتجلسها بحضنه قبلها بعمق على رقبتها
__ اشتقت إليكِ .
مطت شفتيها غاضبة ليسأل هامسا : جنيتي الحبيبة غاضبة ؟
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه ليبتسم ابتسامة ساحرة جعلت قلبها يرفرف عشقًا له وهو يردف : أنتِ غاضبة بالفعل .
قالت بدلال آسر : نعم ، لماذا تخرج دون أن تخبرني إلى أين أنت ذاهب ، ثم لا ترد على هاتفك ، قلقت عليك ياسين .
اتسعت ابتسامته : المعذرة حبيبتي ، ولكن يوجد خبر سيء هو ما جعلني أخرج سريعًا ، ولم أرد أن تقلقي بسببه .
سالت باستفهام : ماذا حدث ؟
__ لا شيء ، أمور تخص العمل ، لا تشغلي رأسك
أخبريني ، ما حلي الباشا هذه ؟
ضحكت برقة طبيعية : أنه سر بيني وبين إنجي ،ستعرفه بعد قليل .
__ سر ، تخفي عني نور ، سأغضب منك ، هيا أخبريني .
قالت وهي تمرر ظهر أصابعها الرقيقة على ذقنه : هل تستطيع أن تغضب مني ؟
نظر لها بهيام : لا ، ولكن أريد ان أعرف .
__ الليلة ستعرف .
زفر بضيق : أريد أن أعلم قبل البقيه ، إن لم تخبريني سأغضب بحق .
قبلة وجنته برقه : وأنا سأرضيك .
قبل أن يحكم ذراعيه عليها قفزت واقفه لتسرع خطواتها وتصعد إلى الأعلى اتبعها بعينيه ليتنهد بحب كبير هم بأن يتبعها ليجده يدلف من باب القصر ،تقدم أحمد نحوه وهو يبتسم ليرمقه ياسين بنظره غاضبة قوية ، تعجب أحمد منها ليساله : ما بك يا عريسنا ؟ هل أنت متضايقًا من شيء ؟
رد بنبرة هادئة قوية : هل أغضبت نادين ؟ لقد وجدتها تبكي .
عقد أحمد حاجبية : تعال ياسين ، أريد أن أتكلم معك .
تقدم معه إلى غرفة المكتب ليدخلا سويًا جلس على مكتب والده ليقص عليه أحمد ما حدث بهدوء وختم كلامه : كنت أهددها فقط ياسين ، أنا لا أستطيع أن أبتعد عنها ، أنت تعلم جيدًا أني أعشقها ولكنها قهرتني بردها البارد الكاذب ، أعلم جيدًا أنها تحبني ولكني لا أعلم لماذا تنكر ذلك ، كأنه أجرمت يوم أن أحبها قلبي .
تنفس ياسين ليتخذ قراره : حنان أخبرتها أنك تحبها وتريد الزواج منها .
ارتسمت ملامح الصدمة على وجه أحمد : نعم ، لا أفهم
أعد من فضلك ثانيةً !
__ أمي سمعتها وهي تخبرها أنك تحبها وتريد أن تتزوجها
وأنك لن تلتفت إليها أبدًا ، ومن الأفضل لها أن تنساك أو تظل تحلم بك لأنك لن تحبها أبدًا .
قال أحمد غاضبًا : ولماذا صدقت ما قالته هذه ؟
ضغط شفتيه بشده حتى لا يتفوه بشيء غير لائق
ليرد ياسين : لا أعلم هذه هي الحلقة المفقودة ولكن عندما أبلغتني أمي أنها ترفض الزواج منك ، ربطت بين الحدثين ولذلك ضغطت عليها لقبول الزواج ، فأنا أعلم أنها تحبك منذ صغرها .
اقترب منه ليربت على كتفه : تعامل مع الأمر بحكمة أحمد
فهي منهارة من البكاء ،ولأول مرة بحياتي أراها تبكي بهذه الطريقة ، أليس هذا دليلًا على حبها لك؟
وقف أحمد وهز رأسه موافقًا ليكمل ياسين : ولا تصطدم بيوسف حتى أتكلم معه فهو غاضبًا منك جدًا .
__ إن شاء الله .
صعدا سويًا إلى الأعلى ليقابلا يوسف متجهًا ناحية غرفة المعيشة بمساعدة زوجته ليقف منتصبًا وينظر له
بغضب :
__ ماذا تفعل هنا ؟
نظر له احمد مبتسمًا ليتكلم ياسين سريعًا : اذهب أحمد لتفعل ما تريد ،انصرف أحمد بسرعه ليتجه هو لآخاه ومسكه من ذراعه : أنت تعال معي لنرى ما هو حلي الباشا هذا .
ضحكت إنجي : ألا تعلم ما هو ؟
ابتسم وهو يساعد أخاه على الجلوس : لا نور تقول أنه سر بينكِ وبينها .
ضحكت مرة أخرى لتدخل نور إلى الغرفة وهي مبتسمة لالتقاطها جزء من الحديث : إنجي من فضلك اصمتي قليلًا
ولا تخبريهم .
نظرا إلى بعضهما بحيرة ليهمس يوسف : ماذا يحدث ؟
رد الآخر هامسًا : لا أعلم شيء ، من الواضح أنهما تتآمران علينا .
ضحك يوسف لينظر إلى نور : ماذا ننتظر ؟
__ ننتظر باقي الأسرة الكريمة .
قالت جملتها وهي مبتسمة ليزداد ياسين تعجبًا من أمرها
يشعر أنها تخفي شيئًا عنه ، نظر إليها لتتصل عيناهما ويشعر أنهما بالغرفة لوحدهما حاول أن يبث لها ما يعتمل بصدره لتبتسم له فسعادتها لا توصف اليوم أخيرًا بدأت تفهم ما يبثه إليها بعينيه بدأت طلاسم لغة عيناه تنكشف وتستوعب ما يقوله لها
قطع نظراتهما دخول أولاد نادين العاصف للغرفة واتبعهم نهى وزوجها وابنتهم ليكتمل الجمع بوصول نوارة هانم
ابتسم بهدوء ووقف ليرحب بأخته وزوجها
قالت نور لنهى : أبلغى نادين أننا ننتظرها .
هزت نهى رأسها بالإيجاب لتذهب إلى جناح أختها .
***
وصل إلى الفيلا بعد العصر ، دخل وبحث عنها بعينيه سريعًا فلم يجدها ليتجه إلى الدور العلوي وجدها مرتدية ملابسها : السلام عليكم .
__ وعليكم السلام .
__ إلى أين أنتِ ذاهبة ؟ أرى أنكِ مرتدية ملابسك .
__ نعم ولكني أنتظرك إلى أن تأتي ، بسنت أبلغتني أن علي مريض منذ يومان ، فارتديت ملابسي لأذهب إليه وكنت أنتظر وصولك .
__ سأبدل ملابسي وأذهب معك .
__ لا استرح أنت وتعال لتأخذني ليلًا إنه ببيتنا .
__ لماذا ليس ببيته ؟
__ لا أعلم .
__ حسنًا انتظري .
__ عمر استمع الي أنت متعب استرح قليلًا ، وتعال إلي ليلاً وأنا سأستقل تاكسي .
نظر إليها بقوة :علياء انتهينا ، سأوصلك ، انتظري قليلًا .
وصلا إلى بيتها ليصعدا إلى الأعلى ليجدوهم جميعًا موجودين دخلت بسرعة سألت عن أخيها: بسنت أين علي؟
__ بغرفته ، أنه مريض للغاية ، تفضل عمر ، ادخل .
دلفت إلى الداخل بسرعة ليتبعها عمر بهدوء
تقدمت منه لتحتضنه : ما بك حبيبي ؟ بماذا تشعر ؟
نظر لها بألم : لا شيء ، أصبت بالبرد ، لا تقلقي .
رتب على رأسها ليشعر بضيق في تنفسه وألم بقلبه سببه رؤية صديقه الوحيد . اقترب عمر مبتسمًا : كيف حالك يا صديقي ؟ ألف سلامة عليك
اغتصب ابتسامته : سلمك الله ، أنه دور برد عادي ،ولكن علياء مشاعرها رقيقة
شعر بتوتر يشوب علاقته بصديقه ليقول لعلياء : أخوكِ بخير والحمد لله اصنعي لي كوب من الشاي بدلًا من الغداء الذي لم أتناوله .
نظر لها علي : هل أتيتِ به قبل أن يتناول غداؤه ؟
همت لترد ليقول هو : اذهبي علياء ، واصنعي لنا كوبين من الشاي .
انصرفت وهي تشعر أن عمر يريد الاختلاء بأخيها
خرجت وأغلقت الباب خلفها ليستدير هو وينظر إلى علي :
__ ماذا بك صديقي ؟ ولماذا أنت هنا ليس ببيتك ؟
تنهد بقهر وهو يفكر كيف سأخبرك عن وجعي هذه المرة وأنت السبب به ، لا تكذب على نفسك علي هو لم يخنك أبدًا بل هي من خانتك فكرت به وهي زوجتك وهو لم يرفع عينه لها أبدًا حتى من قبل أن تخبره بحبك لها ولكني لا أستطيع إخباره أيضًا ابتسم بألم : لا شيء ، تشاجرت مع ..
لم يستطع نطق اسمها لتدمع عيناه ويشيح بوجهه بعيدًا عنه .
اتسعت عينا عمر صدمته من مظهر صديقه وألمه الذي تجسد بوجهه قفز ليجلس بجانبه : ماذا حدث علي ؟ أخبرني بالله عليك ، مظهرك لا يبشر بالخير .
تكلم بقهر وحزن : طلقتها عمر .
هتف : لماذا ؟ ماذا حدث ؟ المشاكل تحدث دائمًا علي وأنت عاقل ورزين طوال عمرك ، وتستطيع تخطي الأزمات بينكما .
__ إلا هذه الأزمة عمر ، أنها فوق طاقتي .
__ اهدئ الآن ، وكل شيء سيُحل ، وإذا تريد تأديبها على ما فعلته ، لا بأس اهجرها ، انفصل عنها لا تطلقها ، تذكر ابنتك علي ، فهي من ستظلم بينكما .
أدار وجهه بعيدًا عنه وهو يتذكر ما سمعه منها فهي اتصلت به مرارًا وتكرارًا ولم يرد عليها باليوميين الماضيين إلى أن أرسلت له ان يكلم جنى اتصلت ثانيةً ليرد على ابنته وبعد أن اطمئن عليها تكلمت معه وترجته واستحلفته بالله أن يسمعها حلفت أغلظ الأيمان أنها لم تخنه وأنها تكره عمر أصلًا بل لم تحب أحدًا غيره ولكنها كانت تبحث عن كرامتها بسبب أمنية أمه لزواجه من نور أغلق بوجهها الهاتف فهو يعلم جيدًا طريقة تفكيرها وأن غرورها هو من اهانه عمر بعدم الالتفات إليها ، ولكنه يعلم أيضًا أنها لم تقترب من عمر قبل زواجهم أو بعده فهي بالكاد كانت تصافحه عندما تراه ، فعمر نفسه شعر أنها لا تطيق وجوده عندما يزورهم بالبيت ففضل عدم زيارته بمنزله وكانا يتقابلان بالمقاهي وببيت عائلته ، ولكن ما يمزقه فعلًا أنها لم تكن كما تخيلها ، اكتشف بعد سنوات من معاشرته لها أنها إنسانة اخرى مختلفة عن حبيبته ، غارت من نور ومن أمنية أمه أن يتزوج بها ، لتحاول أن توقع بين نور وعلياء ، حاولت مرارًا أن تمتلكه وتبعده عن عائلته ولم يستجيب لها أبدًا كان يلاحظ كل هذا ولا يفكر به بل كان يبرره بحبها الجنوني له
ليكتشف أخيرًا أن عقلها مشغول بعمر وبكيفية رد كرامتها المبعثرة لأن عمر لم يلتفت إلى حُسنها وجمالها الفتان زفر بضيق ليرتب عمر على رجله : ألن تخبرني يا صديقي بما يعتمل بصدرك ؟ أشعر بأنك مهموم وحزين
فضفض لي قليلًا حتى تسترح .
قال بألم : ليس الآن عمر ، جرحي لم يبرأ بعد والبوح الآن كالكي سيزيد ألآمي .
تألم لمشاعر صديقه الحزينة ليكمل علي : أشعر بالتعب عمر بل اشعر بالسقم ، ولا أعلم ما الدوى .
تنهد عمر : كلما كان الألم أقوى ، كلما شفيت أسرع علي ستنهض واقفًا كالجبال ثانيةً علي ، صدقني .
__ لم أخبر أحدًا بطلاقي لأية
نطق اسمها بصعوبة شديدة لينفطر قلب عمر عليه
ليكمل : سأردها ثانية ،من اجل ابنتي كما قلت .
__ جيد علي ، ابنتك أغلى من أي شيء آخر ، تذكر ذلك دائمًا .
***
انصرف سريعًا من أمام يوسف حتى لا تحدث مشكلة بينهما هو بغنى غنها ، هو كان يهددها فقط لم يفكر قط أن كلمته ستترك أثر بنفسها وتجعلها تبكي وتخبر أخويها بما قاله لها دخل إلى الجناح وهو يقرر أنه سيتعامل مع الأمر بحكمة ولكنها تستحق التأديب قليلًا فبرودها وهي تخبره أنها لا تحبه جعله يشعر بغيظ فعلي منها ومن كذبها ، فهو متأكدًا من حبها له فتح غرفة النوم ليجدها جالسة بوسط الفراش وتبكي
نظرت إليه لتقول بغضب : لماذا أتيت ؟
نظر لها غاضبًا وهو يفكر انها لن تتغير أبدًا اتجه ناحية دولاب الملابس وأتى بإحدى حقائب سفرهم وفتح الدولاب
ليخرج منه ملابسه ، قفزت من الفراش لتتجه خلفه
أمسكته من ذراعه: أجبني ، لماذا أتيت ؟
نظر لها : سأخذ ملابسي وأنصرف .
هطلت الدموع من عينيها : إذن أنت مُصر على ما قلته لي من قبل ؟
__أنتِ أيضًا مُصرة على ما قلتيه لي من قبل ؟
نظرت إليه بحيرة ليسأل بهدوء: لم تحبيني قط نادين ، أليس كذلك؟
انفجرت بوجه تصيح : بل أحببتك طوال عمري ولكنك فضلت علي امرأه أخرى كانت تختار بينكم أنتم الثلاثة كما تختار بين أحذيتها .انتفض من تشبيهها السيئ ليمسكها من ذراعها ويقول بقوة :
__ أخفضي صوتك وتكلمي بأدب .
أزاحت يديه بقوة من عليها : لن أخفض صوتي وسأتكلم كما يحلو لي ، ولعلمك لم تحبك قط ولم تكن مفضل لديها ، لم تكن تراك من الأصل لأنك كنت أقل من مستوى أحلامها .
ضغط يديه بقوة حتى لا يفعل ما يجعله يندم بعد ذلك ليتركها ويتجه إلى ملابسه مرة أخرى لتصيح ساخرة وتشيح بيدها : اذهب ، لن أتمسك بك بعد الآن ، فأنت لا تستحق حبي لك .
توقف ليتنفس ويسيطر على أعصابه ليتجه إليها بحركة سريعة ويمسكها بقوة من ذراعيها :
__ بل لم ألتفت إليها أبدًا نادين ، أنتِ من ملئت عقلي وقلبي من صغري ، ولم تكن تعني لي شيئًا أبدًا أنتِ من أحببتها وسأظل أحبك طوال عمري .
قالت بصوت مهزوز : كاذب .
زفر بضيق : لماذا تصدقينها إلى الآن ؟ لماذا لا تصدقي ما أقوله أنا لكِ ؟
__ أنا لا أصدقها أصدق ما شاهدته بعيني .
نظر لها بحيرة لتكمل : أنا رأيتك أحمد وأنت تتقرب منها كل يوم ، وأوقات أجدكما تتهامسان ، وما جعلني أتأكد مما قالته لي أني وجدتك ذات يوم تحتضنها بين ذراعيك .
فكر قليلا ليتذكر ما تتكلم عنه: لا ندى كل هذه ليست دلائل على ما تقوليه أنا كنت أتعامل معها بطبيعية كنت أشفق عليها بسبب ظروفها واليوم الذي تتذكرينه و اتخذته دليلًا على حبي لها يوم رسوبها بسنتكما الأخيرة وكنت أخفف عنها لا أكثر رفع ذقنها لينظر إلى عينيها : ألم تستطيعي التفرقة بين احتضاني لها ، والشوق والحب الذي أحتضنك بهما ؟
أحبك ندى ، ألا تستطيعي الشعور بي ولو قليلًا ؟
انهمرت دموعها ثانيةً ليحتضنها برفق : أرجوكِ ندى توقفي عن البكاء ، أحبك ندى ، بل أعشقك وما يوجد برأسك هذا أوهام لا أساس لها .
لفت يديها حول خصره ليبتسم بسعادة وتغمره الراحة التي ينتظرها من بدء زواجهم : ألن تسمعيني ما أنتظره من أول زواجنا ندى ؟
دفنت رأسها بقوة اكبر بحنايا صدره ليبتسم بسعادة أكبر
دق الباب لتبتعد عنه أمسكها من ذراعيها لينظر إلى عينيها ويقول بحنان : انتظري سأفتح أنا .
اتجه ناحية الباب ليفتحه ويجد نهى أمامه ابتسمت
ليرد عليها : مرحبًا نهى ، تفضلي .
__ لا نحن ننتظركم بغرفة المعيشة لا تتأخرا فجميعنا مجتمعون اليوم .
نظر لها : حالًا ، سنأتي حالًا .
عاد إليها لتنظر إليه من خلال المرآه : إنها نهى تقول أنهم ينتظروننا اقترب ليضع يديه على أكتافها ويقبل رأسها بعمق لتبتسم له لتقول بتردد : لماذا كانت تكذب علي إذن ؟
تنهد بحيرة : لا أعلم ندى : فهي كانت غير طبيعية ولذلك ياسين كان يتعامل معها بحنان فائق ، ولكني لا أعلم لماذا كانت تفعل هذه الأشياء ؟
سألها بألم : إلى الآن لا تصدقيني ندى ؟
ردت سريعًا : لا أبدًا ،أصدقك ولكن عقلي لم يتوقف عن التفكير بها .
أوقفها من ذراعيها ليضمها إلى صدره ويضع ذقنه على رأسها وينظر إليها بالمرآه : انسي ندى ، انسيها تمامًا .
هزت رأسها موافقة لتقول بابتسامة : أنا جاهزة ، هل تعلم لماذا هم مجتمعون اليوم ؟
__ لا ، تعالي لنرى .
وصلا ليكتمل جمعهم لم يفته نظرة يوسف القوية ، ولكنه تغاضى عنها ، يكفيه ابتسامة ياسين المطمئنة ،جلسوا جميعًا لتبتسم نور بمرح ليدخل أحد الخدم وهو يحمل كعكة عيد ميلاد كبيرة لتجلس بجانبه وتضع بيده علبة متوسطة الحجم وتقول : كل عام وأنت بخير حبيبي .
همست بآخر كلمة حتى لا يسمعها أحد ليشعر بدهشة ممزوجة بسعادة كبيرة منها
هتف أحمد : أنه عيد مولدك يا صديقي .
قال يوسف بحرج :لقد نسيناه تمامًا .
تكمل نهى : لا تغضب ياسين ، ولكنك لم تحتفل به منذ موت والدنا رحمة الله علية
اقتربت منه نادين لتقبل وجنتاه : كل سنة وأنت طيب ياسين
قالت نور بمرح : ولكن أمي تذكرته .
ابتسمت نواره هانم : لن أنسى أبدًا ، أنا أتذكر مواعيد ميلادهم كلهم ، ولكن نور من صنعت الكعكة بنفسها
وبمفردها .
شهقت نهى : حقا ، أريد تذوقها .
ابتسمت نادين : من الواضح أنها شهية .
تعجب يوسف من ابتسامة نادين النادرة ليسأل نور : هذا هو حلي الباشا ؟
ضحكت هي وإنجي لترد الأخيرة : نعم ، ولكنها لم تخبرني بسبب صنعها لحلي الباشا .
نظر لها لتتصل عيناهما ثانيةً أخبرها بحبه وهيامه بها
لتحمر وجنتيها بخجل أرادت أن تحول نظرها بعيدًا عنه
ولكنها لم تستطيع ليفيقا على صوت يوسف المرح :
__ يا بشر ، نحن هنا ، افتتح الكعكة يا باشا ، حتى نستطيع تذوقها .
سألت بصوت يكاد يسمع : هل تريد أن اضع لك شموع بها ؟
ليضحك ضحكة سعيدة قوية : لا ، يكفيني أنكِ صنعتها من أجلى .
بعد أن تناولوا الكعك اقترب ياسين من عمرو : عمرو أريدكم أن تأتوا وتجلسوا معنا الفترة القادمة .
__ لماذا ؟
__ لنجتمع كلنا ، أنها رغبة أمي ورغبتي أنا أيضًا لفترة من الوقت ، ولأطمئن عليكم .
هز راسه بعدم اقتناع : حاضر ياسين ، كما تريد .
جلس يوسف بجوار أخته : نادين هل حُلت المشكلة بينكِ وبين أحمد ؟
ابتسمت بوجهه : نعم ، أنا أخطأت بحقه يوسف وهو أتى وتفاهمنا، لا تشغل رأسك .
__ إذن أنتِ راضية
،وستستمرين معه ؟
__ طبعًا يوسف ، وليس لأجل الأولاد بل لأني أحب
قضمت كلمتها ليتلون وجهها بحمرة الخجل لتقول بارتباك : هو زوجي ومن الطبيعي أن أستمر معه .
ضحك يوسف : لماذا ابتلعت مشاعرك ندى ، هل تتوقعي أني سأثور مثلًا لو أخبرتني أنكِ تحبين زوجك والد أطفالك لا أنا مختلف ، ولن أشعر بالضيق بل سأشعر بالسعادة من اجلك ومن أجله هو أيضًا ، وإذا احتاجتني بأي وقت أنا موجود لا تترددي ، نحن الاثنان بدلًا عن والدنا ولا تفكري مجرد التفكير أننا سنبدي أحمد عنكِ، أنتِ أختنا الغالية ومكانتك لا يضاهيها أحد.
قالت نهى بعد قليل : يويو ، نريد معرفة ما أهدتك به نور .
لم يجبها ليضحك يوسف عليها وهي تعيد : ياسين ، افتح الهدية لنعرف ما هي ؟
قام واقفًا ليقول بهدوء : لا ، وسأذهب لأنام ، لا تنسى عمرو تصبحون على خير .
قال يوسف : ياسين صحيح غدًا موعد استلام الشحنة الآتية من الجمارك ، ولابد أن يذهب أحدنا لاستلامها ، وأنا لا أستطيع كما تعرف .
نظر له : لا أعلم يوسف ماذا أفعل بك ، فأنت تهدم سعادتي دائمًا سألغي سفري مرة ثانية لأجلك .
سأل يوسف : لماذا تلغيه ؟ بدلًا من أن تذهب إلى الجونة ، اذهب إلى الساحل الشمالي ، مُر على الإسكندرية بطريقك واستلم الشحنة صباحًا واذهب إلى مارينا ليلًا .
تهلل وجهها فرحًا ليتنهد ياسين : حسنًا ، تصبح على خير .
نظر لها لتومئ برأسها إيجابًا لتتكلم الأمر بهدوء :اذهبي بنيتي ، لتأخذي قسطًا من النوم أنتِ الأخرى ، فأمامكما طريق طويل غدًا .
تمتمت : تصبحون على خير .
اتبعته بهدوء لتدخل إلى الجناح فلا تجده نظرت حولها وهي تشعر بتعجب من عدم وجوده سألت نفسها أين ذهب لتتجه إلى غرفة النوم وتشهق بفزع من حمله لها
همس بأذنها : أحبك نور ، أحبك يا جنيتي الحبيبة لا أستطيع أن اصف مدى سعادتي اليوم ، مفاجأتك لي هي الهدية الحقيقية .
ابتسمت لتقبله برقة على خده : كل عام وأنت بخير حبيبي .
قال بهيام : كل عام وأنتِ معي حبيبتي
***
وصلا إلى الإسكندرية لتقول بفرح : أخيرًا عدت لمسقط رأسي .
ابتسم لسعادتها : متى انتقلتما نور إلى القاهرة ؟
__ كان عمري بالخامسة ، أو أوشك على إتمام السادسة لا أذكر عمري بالضبط ، ولا أذكر ذكرياتي هنا أيضًا بل شاهدت الصور فقط ، ولكني فرحة لأن أبي كان يحبها كثيرًا وكان يقص لي عنها كثيرًا ماذا سنفعل الآن ؟
__ سنذهب إلى أحد الفنادق لأحجز لكِ غرفة ، وأذهب أنا إلى الميناء لأستلم الشحنة ، ثم أعود نتناول الغداء ونكمل طريقنا إلى مارينا .
بوزت : لماذا تتركني بالفندق وحيده ؟ أريد أن أذهب معك عقد حاجبيه لينظر إليها بطرف عينه : تريدين مني أن آخذكِ إلى الميناء وأنتِ ترتدين هذا الفستان !
نظرت إلى فستانها الصيفي بألوانه الصاخبة وذراعيه المكشوفتين وقبعتها البرتقالي الواسعة وقالت بدلال : ماذا به ؟ أنه جميل وطويل .
ابتسم : لم أقل أنه سيء ، بل هو جميلًا عليكِ ، ولكن لن تذهبين به أبدًا إلى الميناء ثم بالنسبة إلى ذراعيك العاريتين وصدرك المكشوف ، لم تدريجهم بوصفك للفستان .
ضحكت برقة : أنت متزمت .
__ نعم ، أنا معترف بذلك .
اقتربت منه ليقول بحزم : لا تحاولي رأي لن أغيره .
ضربت بقدميها أرض السيارة : لا أريد الجلوس بمفردي لنذهب الي الفندق وأستبدل ملابسي وأذهب معك .
قال بهدوء : لا نور ، انتهينا ، ولن أتأخر عليكِ .
لمعت عينيها : إذن أوصلني إلى قصرنا أجلس مع عمتي وأسلم عليها وأطمئن على حالتها الصحية فهي مرضت ولذلك لم تحضر عرسنا ، وأنت أنهي عملك وتعال لتأخذني بعد ذلك .
فكر قليلا لا يعلم لماذا لا يطمئن لتلك الزيارة ولكنه لن يستطيع الرفض : أتعرفين العنوان ؟
تهلل وجهها فرحًا : نعم ، فأنا حفظته من الورود التي أرسلتها عمتي في يوم عرسنا
أملته العنوان ليذهب بها رأسًا إلى هناك عندما اقترب من القصر نظر إليه بتعجب : عائلة والدك ثرية !
ابتسمت : نعم ، الن تأتي معي ؟
__ لا عندما آتي بعد الظهر سأدخل لأسلم على عمك وعمتك .
توقف عند البوابة وقرأ (قصر عبدالله المصري) كلم الحارس : هل السيدة صفية موجودة ؟
وقف حارس القصر : نعم سيدي .
قالت بمرح : أبلغها أن الآنسة نور هنا .
ذهب الحارس من أمامهم
نظر لها وقال مازحًا : أين هي الآنسة نور ؟
احمر وجهها بشده وأشاحت بوجهها عنه لتقول بارتباك
__ لم أعتد على ألقابي الجديدة .
اقترب منها ليحتضنها : ستعتادين حبيبتي ، يا زوجتي العزيزة .
قبلته لتنزل من السيارة : هل ستنتظر لتراني أدخل أيضًا وألوح لك .
__ نعم .
جاء الحارس سريعًا : السيدة تنتظرك بالداخل ، تفضلي .
لوحت له مودعه وأسرعت إلى الداخل تبعها بعينيه إلى أن انغلق باب القصر عليها ليتنهد وهو يشعر بعدم اطمئنان ، تحرك لينجز عمله سريعًا ليعود إليها ويهدئ من قلقه قليلًا عندما اقترب من الميناء رن هاتفه ليجده عمر
ابتسم : مرحبًا ، كيف حالك يا نسيبي العزيز ؟
__ بخير الحمد لله ، كيف حالك وحال نور ، هل وصلتم بالسلامة ؟
__ نعم ، وأنا اتجهت إلى الميناء الآن .
ردد بتعجب : ميناء ، أي ميناء؟
__ ميناء الإسكندرية
اتسعت عيناه رعبًا : ألم تسافروا إلى الغردقة ؟
__ لا فأنا لدي بعض الأعمال بالميناء سأنجزها ونذهب فيما بعد إلى مارينا .
سأل والقلق يقفز من صوته : أين نور يا ياسين ؟
__ نور تركتها عند عمتك ، هي طلبت أن تذهب لتراها .
صرخ بحده : نعم ، عود وآتي بها ، هل هذه أمانتي لك ياسين ؟
تعجب ياسين من ردة فعله : لم أفعل شيء عمر ، إن نور من طلبت أن تزو عمتك وأنا لم أرى مانع بذلك !
شعر بأنه تخطى حدوده فياسين لا يعلم عن الأمر شيئًا
__ المعذرة ياسين ، ولكن أستحلفك بالله ، عد وآتي بها من هناك، لا تتركها دقيقة زيادة هناك ، أرجوك ياسين .
اندهش ياسين من رجاؤه له ليقول بتعجب : حاضر !
لف بسيارته ليعود ويأتي بها من هناك والأسئلة تقفز برأسه عن السر وراء إصرار عمر على ان يعود بها الآن .
***
فتحت لها بوابة القصر أحد الخادمات لتخطي إلى الداخل مبتسمة ، تقدمت لمنتصف الصالة لتدير بعينيها في المكان لتشعر بقلبها يقبض فجأة عندما وقعت عيناها على صورة كبيرة لشاب بمنتصف الثلاثينات تزين الحائط
انتفضت من نظرة عيناه لتشعر بجسدها كله يجتاحه البرودة لترتجف بشدة تنبهت إلى يد توضع على كتفها لتنتفض مرة أخرى : بسم الله عليكِ حبيبتي ، ما بك ؟
التفت لتجد عمتها بوجهها ابتسمت بتوتر : أهلًا عمتي ، كيف حالك الآن ؟
ابتسمت لها بود : بخير ، مبارك زواجك حبيبتي لم أستطع الحضور أرجو أن يكون عمر أبلغك بظروف مرضي .
__ نعم وعلمت أيضًا من الورود التي أرسلتها هي والجواب لذلك جئت لأطمئن عليكِ .
نظرت اليها مستفهمة وقال بدهشة : ورود ؟!
__ نعم استلمت الورود التي أرسلتها إلي ، كانت رائعة عمتي ، شكرًا لكِ .
تغاضت عمتها عن هذه النقطة لترحب بها ثانيةً
وتسالها : أين زوجك ؟
__ ذهب إلى الميناء ، لينجز بعض الأعمال له هنا .
__ حسنًا ، ستتناولان الغداء معنا .
__ لا أعلم مواعيده عمتي جئت فقط لأطمئن عليكِ وأسأل عنكِ .
__ نورتين حبيبتي .
...
وصل إلى القصر ليدخل ويركن سيارته بالداخل نزل مسرعًا منها، فعمر نجح وبجداره أن يزيد القلق الذي شعر به عليها طرق الباب بهدوء : ليفتح اليه بعد وقت قصير مر عليه دهر من الزمن
__ قال بهدوء : أريد مقابلة السيدة صفية .
أفسحت له الخادمة الطريق : تفضل .
دلف إلى الداخل ليتنهد براحة فهي تجلس أمامه هي وعمتها ابتسم بهدوء لتنهض السيدة صفية وترحب به بحفاوة :
__ أهلًا تفضل بني ،نورت وشرفت .
ابتسمت له متعجبة من عودته السريعة ليتقدم ويصافح السيدة صفية باحترام وتهذيب ويقترب منها وينحني مقبلا إياها احمرت لتقول بخجل : عدت سريعًا .
ابتسم ولا يعلم بماذا يجيبها ن أخذ يدعو على عمر بسره ، فهو لا يعلم لماذا كل هذا الرعب الذي سببه إلإلي
ليقول بتوتر : لم تصل الشحنة بعد إلى الميناء فجئت
لأصحبك الي الفندق .
نظرت السيدة صفيه له بعتب : فندق والبيت موجود ياسين لا لن أرضاها .
__ المعذرة سيدتي ، ولكننا ذاهبين لمارينا لقضاء بضعة أيام هناك .
__ إذن تقضوا اليوم معنا وتنصرفوا بعد ذلك .
ابتسم ياسين بتكلف وهو لا يعلم بماذا يجيبها لينقلب وجه ونظراته الودودة إلى كره كبير تصلبت يده التي تحاوط أكتاف نور ليجز على أسنانه غضبًا .
جالس بشرفة غرفته يتناول إفطاره ليسترعي انتباهه وقوف سيارة أمام القصر تنبه لها لينخطف قلبه لرؤية من تنزل منها هتف بحب : نور ، لقد عدتِ حبيبتي .
دخل سريعًا إلى غرفته ليبدل ملابسه ويحلق ذقنه ويرش قطرات من عطره القوي الذي طالما أخبرته أنها تعشق رائحته لينزل إلى الأسفل بعد وقت ليس بقصير ليجد شاب جميل الطلعة يُقبل وجنتاها انتفض من رؤيته ليسأل نفسه : من هذا الشاب ؟ وماذا يقرب لها ؟
ظل يشاهد ما يحدث أمامه ليتقدم منهم بهدوء
شعرت بغصة تجتاحها وضيق يجثم على قلبها بقوة فهذه الرائحة قوية وكريهة على نفسها بقدر ما هي قوية انتبه إليها تتمسك به بقوة ليلتفت إليها : ماذا بك ؟
قالت بارتباك : لا شيء .
أعاد نظره إلى هذا القادم نحوهم وهو يدعو أن لا يكون هو ولكن هيهات هو حافظ المصري بشحمه ولحمه
قالت السيدة صفية : أهلًا حافظ ، انظر من عندنا أنها نور .
نظر له بحدة ليساله : ماذا تفعل هنا ؟
قالت بارتباك وتوتر سيطرا عليها : عمي ، كيف حالك ؟
رد ياسين هازئًا : جئت اخذ زوجتي .
انتفض داخليًا من جملته : زوجتك ، أين هي ؟
قالت صفية بتوتر : ما بك حافظ ، نور هنا .
أشارت له بيدها لينتبه إلى الفتاه التي تشبه حبيبته ولكن بها شيء مختلف ليتذكر أنها ابنته ، جاء يقترب منها ليضمها ياسين إلى صدره بتملك عجيب نظر إليه غضبًا :
__ ابتعد عنها .
__ أنها زوجتي .
وقفا بوجه بعضهما كلًا منهما متحديًا للآخر لتلاحظ نور مدى الشبه بينهما نفس الطول والعرض وتقاسيم الجسد والوجه أيضًا ولكن هناك فارق ملحوظ هذا وجه حبيبها الذي يشعرها بالاطمئنان ، وهذا وجه عم لا تعلم عنه شيء وتتعجب من شعور النفور التي يتملكها وهي تنظر إليه سحبت زوجها من ذراعه لشعورها ببدء صدام بينهما :
__ هيا ياسين ، حتى لا نتأخر ، سلام عمتي ، أراكِ على خير .
نظر إليه بتحدي وكره لينظر إليه الاخر بغضب وقسوة لينصرف ياسين معها ويغلق باب القصر خلفه بعنف .
***
أنت تقرأ
أحلامي المزعجة
Romantizmتردد صوت صراخها ليصم الآذان و يعم أرجاء المكان وهى تهتف ساعدوني أرجوكم هلا يأتي أحد ليساعدني ،تحاول أن تبقى في مكانها ولا تسقط أكثر في هذه الحفرة العميقة ،فهي لا ترى أي بصيص من الضوء ،عاودت الصراخ ولكن لا محال فلا يوجد أحد يستطيع سماعها وقوتها في ال...