الفصل الحادي عشر

411 24 5
                                    




تسير بسرعة وعقلها يلومها على ما فعلته والدموع تترقرق بعينيها تمنعها من الرؤية الجيدة
تشعر بألم شديد في صدرها لا تعرف سببه ، لأول مرة تشعر بأن روحها تنشطر إلى نصفيين
ارتطمت بجسد قوى فأغمضت عينيها من الألم ، ثم فتحتها على صوت ذكوري رقيق : المعذرة   يا سيدتي أنا آسف ، لم أركِ
فتحت عينيها بصعوبة لترمش مرة بعد أخرى ، لا تستطيع الحديث وتشعر بالدوار
هزت رأسها حتى تفيق و ترمي هذا الدوار الذي بدأ يخيم على رأسها
لتهوى أرضًا بين يدين هذا الشخص الغريب
لا يعلم ما الذى جعله يخرج ورائها ، فهو شعر بأنه جرحها وأغضبها ، لم يخف عليه نظرت الصدمة والغضب الواضحة على وجهها
عند رده عليها لام نفسة لقد كان حادًا معها دون داعٍ ولكن مساواتها له مع أخيها وأخيه جعلته يفقد عقله ويرد عليها بلسان لاذع
لحقها ليراها ترتطم بآخر شخص يريدها أن تحتك به ، ألد أعداؤه تسقط بين يديه فاقدة للوعي ،هرع إليها حتى لا يلمسها هذا الشخص الكريه - بالنسبة له-
وقف أمامه بتحدي وهو يقول آمرًا : اتركها لا تفكر حتى بلمسها
ابتسم بخبث وكبرياء : أتركها هكذا على الأرض
زأر بغضب : قلت لك اتركها
انحنى عليها و وضع يده خلف رأسها ليربت على خدها برفق
: نور ، نور أفيقي ،نور
لم يجد بدًا إلا أن يحملها إلى مكتبه ،فالتقطها كحمل صغير بين يديه برفق وكأنه يحمل كنز ثمين يخشى عليه
ركضت عبير  خلفه وهى تهتف : ماذا حدث يا سيدي ؟
رد بضيق وهو يتقدم داخل مكتبه حاملًا نور بين يديه : لا أعلم يا عبير ، لقد أغمى عليها ، أين كنتِ ؟
__ كنت آتي لك بالفطور سيدي.
وضعها برفق على الاريكة القابعة بمكتبة ، وجلس على الطاولة الموضوعة أمامها حتى يكون بالقرب منها ،التفت إلى عبير :حسنًا ضعيه من يدك ، واتصلى بالطبيب .
خرجت مسرعة تنفذ أوامره ، تأملها بهدوء وهو يلوم نفسه على ما فعله بها ، أزال شعرها الملتصق بجبينها المندى بقطرات من العرق
ليشعر عند لمسه إلى بشرتها أن قلبه سيقفز من مكانه وسيخرج من صدره، ليقدم نفسه لها طائعًا ، ويجلس تحت رجليها ،يعتذر عما سببه لها من الألم ويرجو رضاها ، فكل ما يتمناه الآن رضاها وصفحها، وأن تشعر بما يستعر في صدره
نفض هذه الأفكار على قدوم  عبير وهى تحمل زجاجة عطر : أعتقد أنها ستفيد ، فالطبيب أمامه ساعة على الأقل حتى يأتي إلينا
هز رأسه موافقًا وهو يلتقط زجاجة العطر من بين يدها ويرش على راحة يده قطرات منها ويلوح بيده أمام أنفها
ويقول برقة : نور ، نور أنتِ تسمعينني ، بالله جاوبيني ، نور.
اندهشت عبير من تصرفه ورجاؤه لها فهي لأول مرة تسمع نبرة صوته الرقيقة والنظرة الحانية التي ينظر بها إلى هذه الفتاه
تململت وحركة رأسها ليردف : نور ، نور أتسمعينني؟!
فتحت عينيها بصعوبة والصداع يطن برأسها ، رأت نظرات عينيه الرمادية الدافئة تحوم بوجهها وتتفحصه ، وشفتيه تنفرج عن حديث لم تستوعبه
ربت على خدها مرة أخرى :نور ، إذا كنت تسمعينني أشيري على الأقل برأسك
هزت رأسها ليهتف بصدق جعل حدقتا عبير تتسع بذهول: الحمد لله
التفت إليها : عبير لو سمحت آتي لي بكوب من العصير حالًا
وقفت صامته مندهشة منه ومن تصرفاته ، ليردف : عبير ، تحركي
__ اه ، حاضر همت بالانصراف لتقف ثانيةً : السيد معتز بالخارج
نطق بكره واضح : فليذهب إلى الجحيم .
التفتت إليه غير مصدقه فتنهد بضيق: اجعليه ينتظر من فضلك.
خرجت مسرعة وأغلقت الباب خلفها بآليه
فاقت الآن بالكامل على صوته الغاضب لتنظر حولها وتحاول استعادة ما حدث وأين هي الآن ؟
حينما تبينت أنها بمكتبه هبت واقفه فأمسك بها من ذراعيها : بحق الله ماذا تفعلين ؟ لم تفيقي بعد
اردف آمرًا بهدوء : اجلسي.
زاد كرهها له لأنه محق ، فهي تشعر بأن رأسها سينفجر ولا تستطيع الحركة
أجلسها مرة أخرى على الأريكة فتحدثت بصوت واهن : ماذا حدث ؟
نهض ليجلس على الكرسي البعيد عن مكان تواجدها ، يحاول أن يتحكم بأعصابه قليلًا فرؤيتها بتلك الطريقة تقلب كيانه !!
عندما سألته عم حدث ، تذكر رؤيتها وهى تصطدم بمعتز وتقع بين يديه ليشتعل الغضب بصدره من جديد ، فرد بضيق : من الواضح أن رؤيتك غير جيدة على الإطلاق وتحتاجين إلى نظارة طبيه حتى ترى جيدًا
لوي شفتيه ساخرًا وهو يكمل : أم من عادتك الارتطام بالرجال .
شعرت بالدم يفور برأسها من جملته الأخيرة و نظرت إليه غاضبة من تلميحه إلى تلك المرة بالمطعم فردت بحدة : لا طبعًا ولكنى كنت مشغولة لذلك لم أرى أمامي جيدًا.
__ من الأفضل إذًا ، أن تنتبهي إلى الطريق بعد ذلك حتى لا تفقدي وعيك بين أيدى كل من هب ودب .
نهضت واقفة والغضب يطل من عينيها و صاحت به: ما معنى حديثك هذا  ؟ وما شأنك أنت  ؟
رد بهدوء مميت : شأني أنكِ من موظفين الشركة ، وأنا لا أسمح بحدوث هذه الأشياء في طرقات شركتي
فتحت عينيها من الصدمة: ماذا تعنى ؟
__ لا أعنى شيء ، أنا أنبهك حتى لا يحدث المرة القادمة ما لا يحمد عقباه ، إن الشركة لها قواعد وعليكِ الالتزام بها ومراعاتها .
هتفت بكره : فلتذهب شركتك إلى الجحيم .
هب واقفًا أمامها بنظرة مخيفه : ماذا قلتِ ؟ أعيدي ما قلتيه ثانيةً من فضلك .
تلعثمت مرتبكة و تحشرج صوتها ولم تستطع إخراجه
اردف مهددًا : سأعتبر أنى لم أسمع مقولتك الأخيرة لأنك متعبة ، وليس على المريض حرج ولكنى أحذرك ، انتبهي لما تتلفظين به معي ، فأنا ليس كريمًا دائمًا .
أعطاها ظهره وعاد ليجلس خلف مكتبة
ارتجفت من تهديده ونبرته المخيفة لتتجمع الدموع بعينيها وتنذر بالسقوط، قالت بصوت مخنوق من البكاء  :ما بالك اليوم ؟ لما كل هذا التغير المفاجئ الذى لا أفهمه ؟
ضربت بقدمها الأرض بحركة طفوليه لتقول بدلال غير مقصود: لم تكن كذلك الأمس ولا قبل الأمس .
رفعت نظرها اليه : ماذا حدث ؟ لا أفهمك!
عند سماعه إلى صوتها المخنوق من البكاء التفت ونظر إليها ولانت مشاعره على الفور ،نظر إلى تجمع الدموع بعينيها والذى على وشك الانفجار و كاد أن يحتضنها ليخفف عنها ويخبرها بكل مشاعره لعلها تغفر له ما يفعله بها ،
قال بهدوء: لم يحدث شيء نور .
تنحنح ليوقف سيل المشاعر الذي يسيطر على عقله ويأمره بأشياء لا يستطيع فعلها
__ ما سبب الاغماء ؟!
__ لا أعلم.
__ هل تناولت فطورك ؟
هزت رأسها نافية فتذكر الفطور الذى أتت به عبير من أجله : حسنًا ، اجلسي وافطري معي
__ لن أستطيع ، فلا بد لي من الذهاب .
استدارت وهمت بالمغادرة ،فاوقفها صوته: نور من فضلك اعتنى بنفسك
سمعا طرق على الباب لتدخل من بعده السيدة عبير حاملة كوب العصير
__ العصير سيدي ، ألف سلامة عليكِ يا أستاذة.
خجلت نور من الموقف لتمتم بهدوء: سلمك الله.
__ اتركيه عبير على الطاولة بجانب الفطور .
نفذت عبير آمره لتخرج بعدها من المكتب
نطق برقة مذيبه لعظامها : نور من فضلك ، افطري معي ، فأنا أيضًا لم أتناول فطوري
نظر إلى ساعته : وها نحن الآن في استراحة الغداء
أردف مازحًا : من الممكن أن عدم تناولي للفطور هو ما يؤثر على مزاجي ويجعلني فظا هكذا .
ابتسمت غصبًا عنها على مقولته ، فارتسمت ابتسامته على شفتيه وبدلت ملامح  وجهه فأشرق من السعادة
نطقت برقة : آسفة لن أستطيع لابد أن أذهب الآن
تناول العصير من على الطاولة ليناولها إياه : على الأقل اشربي العصير ، فقد أتيت به خصيصًا من أجلك
تقدم ووقف أمامها لا تفصله عنها غير مسافة قليلة ليمسك كف يدها برقة وحنان ويضع الكوب فيها
نظر إلى عينيها برجاء واضح : من أجلي اشربيه ، حتى أطمئن عليك
وقوفه أمامها أربكها لتأتى لمسة يده وتشعل النيران بجسدها وتكمل نظرة عيونه الدافئة على ما تبقى عندها من الوعى لما يحدث ، فهي الآن تشعر أنها مغمى على عقلها فهي في حالة منتصف الوعى عقلها مغيب ولكن جسدها يشعر بكل ما حوله قلبها يدق بجنون ولا طبول الأفريقيين تنفست لتستطيع التخلص من الارباك وإعادة عقلها إلى الواقع
وهمست : من فضلك أريد أن أذهب إلى مكتبي ، نحن بالشركة أنسيت كلماتك لي منذ قليل ؟!
زمجر غاضبًا : لتذهب الشركة إلى الجحيم .
لم تستطع امساك ضحكتها ، فانفجرت من شفتاها ضحكة عالية تصدح بصوت مميز كزغرودة البلبل
هام بها وبضحكتها فها قد تحققت جزء من أمنيته أن تضحك معه ، ابتسم هو الآخر وهو يراقبها تضع يدها على فمها بخجل : المعذرة لم أستطيع التماسك
__ لا تبالى، هيا اشربي العصير .
ارتشفت بهدوء جزء من العصير تحت نظره :ألن تتناول فطورك ؟
سأل بلهفة : ستأكلين معي ؟
__ لا أريد أن أتناول الطعام الآن.
رد بخيبة أمل : حسنًا ، وأنا أيضًا لن أتناول الفطور.
وضعت الكاس من يدها ليسألها باستغراب : ماذا ؟ أكمليه .
__ سأذهب فمن المؤكد أنني أعطلك عن أعمالك
__ ولكن هكذا سيزداد قلقي عليكِ .
رددت بدهشة : قلقك علي أنا!
انتبه إلى ما قاله ليرد : نعم ، أنتِ أمانه لدى ، ماذا سأقول لعمر إذا اصابك شيء؟
ردت بهدوء : سيذبحني إن علم بأمر الاغماء ، فلقد حاول معي في الصباح أن أتناول معه الفطور ولكني رفضت من الواضح أنني اعتدت على تناول الفطور مع يوسف .
انقلبت عيناه فجأة إلى اللون الأسود و ذهب صفائها الرمادي : هل تتناولين الفطور يوميًا مع يوسف ؟!
ردت بتلقائية : لا ولكن الأيام الأخيرة للتدريب كنا نأتي باكرًا ، فلم يكن يتسنى لي الإفطار في المنزل .
هز رأسه بهدوء عجيب
شعرت بأن التواصل بينهما انقطع اختفى لا تعلم أين ذهب ، فاختفت لمعة عيناه وانطفئ إشراق وجهه ليتجهم فجأة
__ حسنًا سأنصرف أنا
قال باقتضاب وضيق : تفضلي .
ذكرها لأخيه جعله يتذكر غصبًا عنه أن من المحتمل أن يكون يوسف يكن لها بعضًا من المشاعر ليلوم نفسه على تماديه معها ،سمعها تستأذن للانصراف ، أنه لا يريدها أن تذهب ولكنه وافق غصبًا حتى يتخلص من تأثيرها عليه وعلى مشاعره
تعالت صوت طرقات يعرفها هو جيدًا فهي لأخيه العزيز ليدخل الأخير الغرفة مسرعًا
__ نور ، ماذا حدث لك ، أخبرتني عبير أنك فقدتِ وعيك .
لوى شفتيه ساخرًا وهو يحدث نفسه ها قد جاء شيخ الشباب ليطمئن عليها أمام ناظريك يا غبى وصوته مليء باللهفة
احتمل شقائك وعذابك الآن
تذكر جملة أبيه التي طالما قالها له : أنت تتخلى عن أحلامك بسهوله .
سمعها تقول : أنا بخير الحمد لله ، لم يحدث شيء : فأنا لم أتناول فطوري فقط.
رد يوسف : حمدًا لله على سلامتك .
لم يستطع الهدوء ولا السيطرة ليصيح به : أتراها خارجة من المستشفى ، أنها مجرد اغماءه لا أكثر.
التفتت إليه بدهشة فمن يراه منذ قليل لا يراه الآن وهو يصيح بيوسف لم تفهم ما يحدث معه وما به
ابتسم يوسف بهدوء وهو يرى الغيرة واضحة بعينين أخيه، وتأكدت له ظنونه التي ملئت عقله من يوم الزفاف
تمتمت نور : بعد إذنكم .
همت أن تنصرف في أثناء دخول هذا الغريب إلى المكتب في هدوء وتعالي ، أدهشها وتقدم  منها بهدوء
__ كيف حالك الآن ؟ أتمنى أن تكوني بخير .
رفعت نظرها إليه فقد تعرفت على الصوت لكنها لم يتسنى لها معرفة وجهه عند اصطدامها به
أردف بلباقة وتهذيب وهو يمد يده لها ليصافحها : أنا معتز ، من اصطدمت بكِ بالخارج معذرة مرة أخرى ، فأنا لم أركِ وأنا المخطئ أتمنى أن تسامحيني .
مدت يدها إليه : لم يحدث شيء وأنا الأخرى مخطئة فلم أكن بكامل تركيزي .
زفر عقله بضيق وهو يري الشخص الداخل من الباب ليتمتم بحنق : اكتملت
فعند دخوله شعر بضيق في التنفس وأن مستوى الأكسجين انخفض في الغرفة فهو يكرهه وعند تقدمه منها وكلامه معها شعر أنه سيرتكب جريمة ، لتنهار سيطرته عند رؤيتها تصافح يده المدودة
زأر بها : اذهبي إلى مكتبك من فضلك
انتفضت على صوته لتغادر مسرعة المكتب والحزن يسيطر عليها وقلبها مكتوم من الضيق المسيطر عليه
شعرت بالكرة ناحيته ، نعم هي تكرهه وتكره تقلباته المزاجية تنهدت بضيق لتتوجه إلى مكتبها وعقها يردد أنها تكرهه
***
بعد خروجها التفت إلي يوسف : كيف حالك  يا يوسف ؟ أرى أنك تعمل هنا الآن
رد يوسف بهدوء: بخير والحمد لله ، نعم ، أيضايقك هذا الشيء؟
قال بتعالي : لا بالطبع
ليردف باستهزاء : كافح أنت واخاك في الشركة ،وأنا سآخذها في الآخر.
غضب يوسف من جملته ، ليرد ياسين بتعالي وغرور كأنهما خلق له خصيصًا : الشركة من المستحيلات معتز
أكمل والسخرية تقطر من صوته : فلا تحلم بما لا طاقة لك به حتى لا تفيق على كابوس يدمر حياتك.
نظر إليه معتز وعيناه تشتعل بالغضب و التحدي : سنرى .
جلس الى كرسي مكتبه : لماذا أتيت ؟
__ جئت أطمئن على ممتلكاتي ، لا تخف سأنصرف.
ضحك هازئًا : أخاف منك ،لا بالطبع فلتأتي كما تشاء ولكن لا أريد رؤية وجهك الجميل في مكتبي ، تفضل فأنا لدي ما يشغلني .
نظر إليه بغرور وثقة : سيصبح مكتبي في القريب العاجل .
نظرا إلى بعضهما في تحدي وغرور لينصرف الآخر في تعال كالطاووس
هتف يوسف بكره واضح : أصبح كريه ، ليلتفت إلي اخاه : ما الذي حدث ليتغير هكذا ؟
رد ياسين بضيق واضح : لا أعلم فلا تسألني.
__ من الواضح أنك لست بمزاج لتستمع إلي ما حدث ، حسنًا سأذهب إلى مكتبي
لم يرد على أخيه ليردد الآخر : ياسين ، أنت تسمعني !
زفر بضيق : اذهب يوسف ،أتريد الإذن كالصغار .
ابتسم بهدوء : هل أنت غاضب مني لشيء محدد فعلته ؟
__ يوسف أنا ضائق ،فلا تزيد من ضيقي .
__ حسنًا سأذهب أنا ،سلام
أشار اليه بيده وهو يشعر بالضيق والخنقة لرؤية هذا المعتز نظر حوله ،وتأمل مكتبه قليلًا فهو مكتب والده مؤسس الشركة لم يغير به شيء حتى يظل يشعر بوجود والده بجانبه دائمًا
ردد بهدوء :رحمة الله عليك يا أبي.
سقط نظرة على ملف الأوراق موضوع على الأريكة ، استعجب من مكان تواجده هكذا قام من مكانه لينظر ما هذا الملف ، انحنى ولتقطه ليتغلغل عبيرها في أنفه ، سحب الهواء المحمل بعطرها ببطء واستنشقه باستمتاع ، مد يده ليلمس مكان ما كانت نائمة وزفر بهدوء ،وتمدد على الأريكة حدث نفسه :هكذا تعذب نفسك ياسين ، هل سأتخلى عن أحلامي بسهوله ؟ ولكني لا أستطيع أن أدمر أخي وأحلامه ، أفق يا رجل إن أخاك غير مهتم من الأساس ، نعم إن مظهره غير مهتم ولكن من الممكن أنه يخفي مشاعره ، هل تتكلم عن يوسف أنه لم يخفي مشاعره يومًا إن وجهه ككتاب مفتوح للناس ، سأتكلم معه لأعرف إذا كان مهتم بها أم لا نظر الملف القابع بين يديه ، واعتدل في جلسته ونظر بداخله ، أنه ملف العقد الذي كانت تمضيه منه
من الواضح أنها نسيته ، قفزت له فكرة أن يراها مرة أخرى ، هو متأكد أنها غاضبه من صراخه عليها أمام يوسف ومعتز
و لكنه لم يحتمل مصافحتها إلى معتز ، زفر بضيق وحث نفسه  على أن يتحكم  في نفسه أكثر من ذلك.
****
دخلت إلى مكتبها وجلست وهي تشعر بالضيق
__ ما بالك اليوم يا نور ، لم أركِ بهذا الشكل طوال الاسبوع الفائت.
__ لا شيء ولكنى متعبة قليلًا .
__ السيد عبد العزيز سأل عليكِ أكثر من مرة .
عند ذكر السيد عبد العزيز تذكرت ملف العقد ، لابد من أنها نسته في مكتبه ، مطت شفتيها بضيق  وهي تسأل نفسها " ماذا ستفعل الآن ؟! "
لا تريد أن تصعد إلى هناك ، انتبهت من أفكارها على صوت سناء
__أين ذهبتِ ؟
__ لا مكان، أنا هنا نظرت إليها بدهشة : ماذا تفعلين ؟
سناء وهى تلم احتياجاتها بسرعة : أنا مغادرة .
نظرت نور إلى ساعتها : ولكنها الواحدة و النصف .
__ نعم أنا أخذت إذن من السيد عبد العزيز فلابد أن أذهب إلى مدرسة الأولاد اليوم فكالعادة ابني الأصغر محمود يفتعل المشاكل ويورط بها إخوته.
ضحكت نور من شكوى سناء : هداه الله لكِ.
__ ما أجمل ضحكتك
التفتا الاثنان إلى الصوت لتجده واقف بجسده يسد مدخل المكتب ويردف :سمعت أنكِ متعبة ،فجئت اطمئن عليكِ .
نظرت إليه بغضب والتفتت إلى سناء التي ابتسمت في وجهها وعيناها تقول : ألم أخبرك؟
تقدم بهدوء و مشيته تدل على ثقته بنفسه : كيف حالك  يا أستاذه سناء ؟
ردت بسخرية :بخير الحمد لله يا بشمهندس، كيف حالك أنت ؟
جلس بهدوء على الكرسي المقابل لمكتب نور : أنا بخير ، التفت إلي نور وقال برقة مفتعلة : ألف سلامة عليكِ يا نور.
ردت بغضب والشرر يتطاير من عينيها : الأستاذة نور من فضلك .
ابتسم ابتسامة جميلة : ألف سلامة عليكِ يا أستاذة نور
كحت سناء لتقول : حسنًا سأذهب أنا يا نور ، أراكِ غدًا
نظرت إليها نور : بإذن الله.
غادرت سناء المكتب
التفتت إلى الكائن القابع أمامها وقالت بضيق ونفاذ صبر : أي خدمة يا بشمهندس ؟
ابتسم ليقول بثقة : طارق ، ناديني طارق فأنا لا أحب الرسميات .
ردت بحدة وصوت عالٍ : أنا أحبها ،ومن فضلك لا تتعدى القواعد العامة في التعامل معي .
رد بهدوء استفزها : ما هي القواعد العامة للتعامل معك ، أنا لا أتذكر أني درستها في كلية الهندسة .
تجاهلت ظرفه ومزحته الثقيلة على قلبها : من فضلك ، إذا كنت لا تريد أمر يخص العمل فانصرف فأنا مشغولة بعملي ، شرفت مكتبي يا بشمهندس.
تفاجأت بصوته الرخيم : ماذا تفعل هنا يا طارق ؟
نظرت إليه لترى الغضب واضح بنظراته ولكنها غير موجه لها بل موجه للشخص الآخر الذى قام منتفضًا
وتلعثم ليقول : كنت سأنصرف حالًا ، فقط جئت أطمئن على الآنسة.
هزت رأسها في استياء منه وهو يتبع : سرني التكلم معكِ يا أستاذة نور ، شد على جملته الرسمية
ليردف باحترام جم : بعد إذنك.
زفرت بضيق من سماجته  ، وتجاهلت وجود ياسين ووقوفه على باب مكتبها ومدت يدها إلى ملف آخر مزدحم بالأوراق تشغل عينيها به بعيدًا عنه فهي لا تريد أن تراه ، غاضبة منه ومن اسلوبه المتذبذب في التعامل معها
نظر إليها في هدوء وهو مبتسم بزهو ، فهو سمع حوارها مع طارق ، أعجبه عنفوان شخصيتها وردها القوي على طارق مما جعله يلتزم حدوده معها ، تذكر أول مقابلة له معها ووقوفها بوجهه في قوة تخالف طبيعتها الرقيقة
كاد أن ينفجر ضحكًا عندما أمسكت الملف لتتشاغل عن وجوده أمامها ، تأكد من غضبها ولكن عندما بدأت قرأتها ، كادت الضحكة أن تنفلت من بين شفتيه ، فالملف مقلوب رأسًا على عقب وهى تمثل دورها جيدًا ، سيفقد عقله منها إذا ظل واقفًا هكذا
تقدم إلى الداخل في هدوء تنحنح : يا أستاذة ، هل تعلمت القراءة بالمقلوب  ؟!
قال جملته الأخيرة وهو يعدل من وضع الملف الذى بين يديها ، ليردف بضحكة حقيقية : إذن أنتِ فريدة من نوعك وإضافة جيدة إلى شركتنا .
ارتبكت من الموقف السخيف الذي زجت نفسها به ،عند اكتشفاها لأن الملف مقلوب فعلًا ، و مما زاد من ارتباكها اكتشافه للأمر، كادت أن تضحك على مزحته واطراءه لها وخصوصًا أن ضحكته مست قلبها وذكرتها بوجوده في منزلها سيطرت على نفسها لتنظر إليه بغضب وقالت بمهنية : أي خدمة يا سيادة المدير ؟
ابتسم وابتلع الجفاف في لهجتها : أنتِ غاضبة ؟
رفعت عينيها لتنظر إليه فتجد نظرته الدافئة تشملها بذلت مجهودًا اضافيا لتسيطر أكثر على قلبها
ورددت : أي خدمة يا سيادة المدير ؟
تنهد بضيق لمعاملتها له : نعم يا أستاذة ، وضع الملف الذي بيده على المكتب أمامها : نسيتِ أوراقك انتبهي في المرات القادمة .
نظرت إليه بغضب لتقول : هل تلمح أنى مهملة .
__ لا طبعًا ، بل أنصحك نصيحة صغيرة ليردف باستفزاز : بما أننا أصدقاء ، أليس كذلك ؟!
قالها بشقاوة جعلتها تشعر بأنه طفل صغير
ردت بتأنيب : أعتقد أننا في الشركة يا سيادة المدير وأنا مجرد موظفة هنا
عيناها لمعت بالتحدي وهى تذكره بكلامه ليبتسم بهدوء : نعم وأشار  إلى الملف المقلوب : لكنكِ موظفة فريدة من نوعك.
انفلتت منه ضحكة غصبًا عنه فلم يكن يريدها أن تفهم أنه يسخر منها
احمر وجهها من الغضب وضحكته زادتها غضبًا لتقول بحدة : أشكرك على الملف ، أي خدمة أخرى
انحنى ليقرب وجهه منها: نعم .
نظرت إليه لتجد وجهه قريب جدًا منها ، مما جعلها ترتد إلى الوراء
أكمل بصوتٍ خافت : لا تغضبي مني يا  نور ، ستفهمين أسبابي في يوم من الأيام.
اعتدل ليخرج من المكتب ولكنه وجد السيد عبد العزيز امامه ،ينظر إليه  بتعجب والدهشة  ترسم ملامحه : ماذا تفعل هنا ياسين ؟
وجود السيد عبد العزيز أربكه بالفعل واشعره بانه طفل أمسك بجرم اقترفه
أردف السيد عبد العزيز بهدوء : من الجيد أنك أتيت ، فأنا كنت سأذهب إليك ، تعال معي إلى مكتبي .
هز ياسين رأسه موافقًا ليسأل السيد عبد العزيز : نور ،أين العقود ؟
رفعتها : أنها هنا
__ حسنا اعطيها للسكرتيرة الخاصة بي .
__ حاضر سيدي .
غادر المكتب بهدوء ليتبعه ياسين وهو يشعر بأن السيد عبد العزيز يريد ان يحدثه في أمرًا ما ، فلهجته ليس بطبيعية .
***
دلفا إلي مكتب السيد عبد العزيز
ليسأل الاخير بتأنيب : ماذا كنت تفعل يا ياسين ؟
رد بهدوء : كنت آتي بالعقود التي وقعتها .
نظر له متفحصا : ما عمل عبير إذًا لتأتى أنت بالعقود
اردف بلوم : ياسين أنا رأيتك منذ دخولك الى المكتب فقد كنت بالغرفة المقابلة لغرفة نور ، تعاملك معها غريب
أم أنك أصبحت الآن كطارق تحوم حول الفتيات الجميلات ؟!
رد بسرعة : لا طبعًا يا أستاذي ، أنت تعرفني جيدًا ، لم أتعامل هكذا طوال عمري.
__ ولأنى أعرفك جيدًا ، أسألك عن تعاملك الغريب مع تلك الفتاة بالذات ،منذ البداية ، فعندما أجرت المقابلة حاولت التخلص منها ، ثم عندما علمت أنها توظفت هنا كدت أن تأمرني أن أفصلها من الشركة ، والآن كل دقيقتين في مكتبها ماذا يحدث بحق الله أجبني؟!
ابتلع ريقة بصعوبة فهجوم السيد عبد العزيز أربكه : هل ستصدقني ؟
جلس أمامه : ياسين أنت مثل ولدي بالضبط ، رأيتك تكبر أمام عيناي ، فأنا كنت صديق لوالدك وأنا من الأوائل المؤسسين للشركة ، كنت دائمًا مبهورًا بك ، أتمنى أن يكون ولدى مثلك عاقل متزن ذكى ويعتمد عليك ، وعندما عملت بالشركة أثبت حسن ظني بك و حسن ظن أباك أيضًا لدرجة أنه أسند لك جزء كبير من مهامه، فلقد تفوقت سريعًا وقفزت بالشركة من نجاح إلى آخر ، وعندما توليت الإدارة استمرت الشركة من نجاح إلى نجاح ، ولذا أنا دائمًا اثق بك وأكيد أصدقك ، أنا لا أحاكمك بني ، أنا أريد معرفة التغيير الذى طرأ عليك
ساد الصمت بينهما للحظات نظر اليه السيد عبد العزيز له فيهما ليردف : حسنًا ياسين ، لا تخبرني ولكن ، خذ حذرك أنك بالشركة ولا تنسى أنها موظفة هنا وأنت المدير.
نظر إليه بدهشه فكلامه معناه أنه يعرف بمكنونات صدره
ابتسم السيد عبد العزيز في وجهه وقال مديرًا لدفة الحوار : سمعت أن معتز جاء اليوم هنا .
انقلب وجهه لذكر هذا الشخص ليزفر بضيق: نعم.
__ هل قال لك شيء جديد ؟
__ لا نفس الكلام ، فلا يوجد لديه جديد ، فهو يعلم الموقف القانوني لوضعه ، هو يأتي ليضايقني لا أكثر.
__ لا تحزن يا بني سيكل في يوم و يكف عن المجيئ.
__ لا اعتقد ، أنه يحفر من ورائنا ، حتى يتمكن من الإيقاع بي بأي شكل ممكن ويستولى على الإدارة ، فلا تنسي أنه لديه الكثير من الأسهم.
__ إن أوراقك كلها سليمة ياسين فلا تخف.
__ أنا لست خائف ، أنا لا أريد أن تأتيني الضربة من الخلف ، فأريد أن أكون مستعد لكل الاحتمالات
قام من مكانه لينصرف : اعذرني أستاذي فأنا شغلتك معي .
ربت على كتفه بهدوء ومحبة أبوية : لا تقل هذا ، أنا في خدمتك دائمًا بني .
__ سأنصرف .
أوصله إلي الباب ليشد على يده : لا تنسى ما قلته لك .
هز رأسه متفهمًا وانصرف بهدوء

*****
دخل إلى مكتبه فوجده يجلس في استقبال السيدة عبير ، هتف بسعادة واضحة
__ أهلًا عمر ، كيف حالك اليوم ؟
__ بخير الحمد لله ، كيف حالك أنت ؟
__ الحمد لله ، هل انتظرت طويلًا ؟
__ لا شربت فنجان من القهوة فقط ، أقدم لك الأستاذ محمد محامى زميل لي يهتم بالشئون القانونية لشركتي
المهندس ياسين مدير الشركة هنا .
تبادلا كلمات التحية المهذبة فيما بينهما ليقول ياسين : تفضلا إلى مكتبي .
التفت الى عبير : ابلغي يوسف ان يآتي إلي.
__ حاضر سيدي .
*****
دخلوا ثلاثتهم إلي المكتب ليجلس إلى مكتبه ويجلسا الاثنان أمامه تحدثا قليلًا عن العمل
أطرق يوسف الباب بهدوء: هل طلبتني ؟!
__ نعم ، تعال .
تهلل وجه يوسف بالفرح : أهلًا ، كيف حالك يا بشمهندس عمر ؟
قام له عمر واقفًا يصافحه ويرد عليه : أنا بخير الحمد لله ، كيف حالك أنت الآخر
تبادلا التحية وتعرف يوسف على الأستاذ محمد ليقول ياسين لهما
__ حسنًا اترك يوسف والأستاذ محمد يتفقا على الشكل القانوني الذى سنتعامل به ،وتعال أكلمك أنا عن المناقصة وإلى أين توقفت وما المواصفات المطلوبة .
بعد مرور ساعة ...
كان واقفًا يودع عمر بابتسامة : من الواضح أننا سنتعامل بعد الآن كثيرًا.
رد عمر بابتسامة : إن شاء الله .
محمد : سرني التعرف عليك والعمل معك ،يوسف .
__ بل أنا من زدت شرف للتعامل معك ، أنت خبرة لا يستهان بها .
ضحك محمد ليصافح يوسف عمر : ألن تطمئن على نور ، فهي متعبة من الصباح
عقد عمر حاجبية وقال بلهفة و خوف : ما بها ؟
__ لقد فقدت وعيها ظهرًا  ، ألا تعرف أنها متعبة ؟
__ كان واضحًا عليها من الصباح ، ولكن تصل إلى إغماء ، هل تدلني على مكتبها ؟
__ بالطبع ، تفضل
التفت إلى محمد : محمد انصرف أنت ، سأطمئن على نور ثم أنصرف.
__ ما بها ؟
__ إن يوسف يقول أنها متعبة .
__ حسنًا ، سأنصرف أنا وسأطمئن عليها لاحقًا ، سلام.
كاد أن يقتل يوسف لإبلاغه عمر عن خبر مرضها ، فهي لا تريده يعلم حتى لا يلومها ، ولكنه سعيد لأن عمر سيهتم بها فلن يقلق بعد الآن ، وعند سماعه لمحمد يقول أنه سيطمئن عليها لاحقًا ، عمل عقله سريعًا من هذا ، وما مدى قربه منها ، وكيف سيطمئن عليها ؟ هل يرتبط بها بأي شكل سواء رسمي أو غير رسمي ؟
من الممكن أنه متقدم إليها فهو من سن عمر تقريبًا أو أصغر قليلًا ؟ ولكن أكيد كان يوسف سيعلم بالأمر
تنهد داخليًا من أين سأجدها من يوسف ، أم طارق ، أم محمد ، وما خفي كان أعظم
قرر أنه سيكلم يوسف اليوم ، وإذا تأكد مما رآه من عدم اهتمام أخيه بها سيتقدم لها رسميًا
فتح عينيه من الصدمة لما توصل له ، فلم تخطر فكرة الزواج نهائيًا على عقله قبل الآن
حدث نفسه ما المشكلة ؟ سأفرح أمي ،وأفرح أنا أيضًا بحبيبتي ابتسم عندما تذكرها
انتبه على عبير تسأله بلطف : سيدي ، ما بك ؟لما أنت واقف هكذا ؟
__ ها ، لا شيء .
دخل بسرعة وهو يشعر بالخجل من نفسة ، وهو يفكر إذا استمر وضعه هكذا سيجن قريبًا
******
طرق الباب بهدوء: أستاذة نور ، كيف حالك الآن ، معي لك مفاجأة .
رفعت نظرها من الأوراق : أهلًا يوسف ، بخير الحمد لله
دخل عمر وراءه لتهتف : عمر
قامت لتسلم على أخاها ليسلم عليها بحنان فائق : ما بك نور ؟ يوسف يقول أنكِ أصبتِ بالإغماء .
نظرت إلى يوسف متوعده لتقول بهدوء : لا شيء ، مجرد تعب بسيط لا تشغل بالك .
__ نور لماذا أنتِ عنيدة هكذا ، طبعًا تعرضتِ للإغماء لأنك لم تتناولين فطورك في الصباح وأشك أنكِ تناولت الطعام إلى الآن .
__ عمر من فضلك أخفض صوتك قليلًا ، نحن لسنا في المنزل ، وأنا بخير الآن
تنحنح يوسف بحرج فلم يكن يعلم أن عمر سيؤنبها هكذا : حسناً سأترككما .
قالت بنبرة خاصة : شكرًا لك يوسف .
ابتسم ليقول مغيظا لها : لا شكر على واجب
بعد انصراف يوسف
التفت إليها عمر : اجمعي احتياجاتك لتنصرفي معي
دهشت منه : ما هذا عمر ؟ أننى في العمل ، ولا أستطيع الانصراف الآن.
قال بعند : خذي إذن من ياسين .
ابتسمت : عمر هذا هو ما جعلني لا أعمل معك ، لن آخذ إذن وسأنصرف في موعدي
زمجر بها : أنتِ عنيدة جدًا ، انصرفي معي الآن ، حتى استطيع إيصالك إلى المنزل ، فأنا مشغول إلى المساء .
__سأتصرف عمر ، اذهب إلى عملك حتى لا تتأخر
جز على أسنانه من عندها وقال بضيق : حسنًا ، لا تنسي اليوم سنذهب  لشراء الشبكة .
ضحكت بهدوء : لن أنسى أخي ،لا تقلق
قام لينصرف : عمر ،أرجوك لا تغضب مني .
__ أنا لست غاضبًا نور ، أنا قلقًا عليكِ .
__ لا تقلق
__ حسنًا سأذهب ، تغدي جيدًا ، ولا تنتظريني إلى أن آتي ، اوعديني .
__ أعدك.
__ سلام .

*******

عند انصرافه من الشركة لمحها جالسة بمكتبها
طرق الباب بهدوء : ما هذا نور ،ألازلتِ هنا ، لماذا لم تنصرفي إلى الآن ؟ إن الساعة تجاوزت الخامسة .
وقفت بهدوء : سأنتهي من هذا العقد يا سيدي وسأنصرف.
__ لا بنيتي ، العقد ينتظر إلى الغد ، أما أنتِ لا تجلسي هنا بعد مواعيد العمل ، مفهوم هيا لتنصرفي معي.
__ حاضر سيدي .
لملمت أشيائها وأخذت حقيبتها وتنصرف بجانب السيد عبد العزيز .
__ انظري كيف الشركة فارغة إلا من عدد محدود من الموظفين ومعظمهم من الرجال ، لا تتأخري إلى الآن ثانيةً بنيتي .
أرجعت طرف قصتها خلف أذنها وقالت بتوتر : حاضر سيدي.
__ أتمنى أن لا أكون ضايقتك بحديثي ولكنكِ مثل بناتي وأنا خائف عليكِ .
سيطرت على الغصة التي اجتاحت حلقها ، فإن فراق أباها أثر على حياتها جدًا ، اشتاقت إليه جدًا وجملة السيد عبد العزيز أثرت على مشاعرها .
__ لا سيدي لم أتضايق ، ويسرني أنك تعتبرني مثل بناتك .
انفتح باب المصعد لتخرج من مقر الشركة وتودع السيد عبد العزيز لينصرف هو
****

كان في الدور الأسفل في الشركة فرآها واقفه  تنتظر سيارة أجرة 
خرج وراءها : نور ، نور
التفتت إليه : ماذا تريد يوسف ؟
ضحك : أنتِ غاضبة  لأنني أبلغت عمر عن تعبك .
__ نعم ، إن عمر يخاف على جدًا ، وسيؤنبني لمدة أيام على هذه الحادثة
__ آسف ، لم أقصد ،ماذا تفعلين ؟
__ أنتظر سيارة أجرة  توصلني إلى البيت.
__ للأسف لدي بعض الأعمال لابد من إنجازها ، وإلا كنت أوصلتك .
ردت سريعًا : لا لم أقصد هذا .
__ نور ، أنا مثل عمر وليس بيننا هذه الأشياء
__ حسنًا اذهب حتى تنجز أعمالك.
__ نعم ، أراكِ غدًا .
انصرف مسرعًا وهو يبتسم بخبث فلم يشأ إعلامها بأنها واقفه في الاتجاه الخاطئ ولن يمر عليها أي سيارة من هذا الاتجاه ، فلابد من أن تتمشي قليلّا لأول الشارع حتى ينفذ ما برأسه.
****

أحلامي المزعجة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن