الفصل الثالث

120 88 10
                                    

التف الجميع حول مشرف المكتبة وفارس بسبب صوت المشرف العالي والغاضب أيضاً؛ فصاحوا جميعهم في وجه فارس لكي يترك الرجل، خاصة أنه ليس من محبي الكتب.

شعر فارس بالحرج الشديد وغادر المكتبة على الفور وقرر أن يعود إلى المنزل، بنفس الطريق الذي سار فيه ليذهب إلى المكتبة، لكنه هذه المرة لم ينتبه للناس ولا السيارات ولا حتى الأصوات العالية التي كانت تشوش تفكيره. كان كل تفكيره في الكتاب ولماذا رفض الرجل أن يعطيه إياه.

بينما كان يمشي غارقاً في التفكير لدرجة أنه أطال الطريق وتجاوز منزله، لم يدرك ذلك إلا بعدما رن هاتفه.

لقد كان طارق، فردَّ عليه وأخبره بأنه أحضر له الكتاب الذي كان يريده،فأجابه فارس بأنه قادم، لكن طارق أخبره بأنه سرقه من مشرف المكتبة لأنه لم يرضَ أن يعطيه الكتاب.

صرخ فارس معاتباً طارق على ما فعله، مما جذب انتباه الناس الذين يمشون في الطريق، فشعر فارس بالحرج، إذ إنه لا يحب أن يكون محط أنظار الآخرين.

أغلق الخط مع طارق وعاد إلى المنزل مسرعًا. بالرغم من بساطة الموقف، إلا أنه يشعر كما لو كان قد ارتكب جريمة وأن الجميع يلاحقونه. بعد لحظات من دخوله الشقة، طُرق الباب فقام فارس بفتحه ليجد طارق أمامه،فقال له: ماذا بك يا فارس؟ ألم تقل أنك تريد الكتاب؟ ها أنا أحضرته لك. ما الذي يزعجك الآن؟

قال فارس وهو ينهره غاضبًا: أجل، لكن لا يعني ذلك سرقة الكتاب.

-يا رجل، لا توجد مشكلة، سأعيده له بعد أن تنهي قراءته، يا صديقي.

-وماذا إذا حدث شيء للرجل يا طارق؟ لقد رأيته كما لو كان الكتاب ابنه. إذا حدث له أي شيء، سأكون أنا المسؤول في أعين الجميع.

-لاتقلق، أنا أعرف هذا الرجل منذ أن كنت صغيراً. كان أبي يحكي لي أنه في يوم الخميس يترك المكتبة ويذهب إلى منزله، ويقضي يوم الجمعة والسبت في المنزل، ثم بعد ذلك يعود إلى المكتبة يوم الأحد مجدداً. لديك يومان لإنهاء الكتاب، ابدأ من الآن حتى تتمكن من إنهائه قبل انقضاء المدة. وداعاً يا فارس.

شعر فارس بالضيق مما فعله طارق، لكنه يعلم أنه يحبه. فقد كان طارق وحيد والديه، ولم يمتلك أشقاء، وتوفيت والدته مبكراً، وكان والده قاس القلب يتعامل معه بغلظة. وكان فارس هو أول صديق له، لكن فارس كان دائماً يتهرب منه لأنه لا يريد أن يكون لديه صديق، ولا يتحمل مسؤولية شيء ثقيل مثل الصداقة. فكان دائماً ما يتهرب منه، لكن طارق كان وما زال يحاول الاقتراب منه.

غريب هذا العالم حين يعطى ما يحتاجه المرء إلى من ليس له حاجة به.

أغلق فارس هاتفه وأطفأ كل أنوار الشقة، كان عاشقًا للظلام.

دخل غرفة نومه وأشعل ضوء مصباح المكتب.

نظر إلى غلاف الكتاب فوجد نفس الصورة التي رآها أول مرة عندما شاهد الكتاب.

كان نفس الشخص وفي داخله مجموعة من الأشخاص تختلف أعمارهم يقفون بجانب بعضهم.

ابتسم للكتاب وفتح لينظر إلى الصفحة الأولى فيه، ثم انتقل إلى الصفحة التالية والتي بعدها بذهول شديد، وانتقل من صفحة إلى أخرى بسرعة، فألقى الكتاب أرضًا وصرخ قائلاً بصوت عال وعروقه بارزة من شدة الغضب: مجرد أوراق بيضاء فارغة.

ما بالداخل في الخارج ليلا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن