الفصل التاسع والعشرون

75 61 7
                                    

نفس غرفة المشفي الذي كان فيها أول مرة عندما حاول الانتحار ونفس شعاع الضوء الذهبي ودقائق الغبار التي كانت تقع علي الكرسي البنيّ.

دخلت الممرضة وقالت له:ماذا بك يا سيد فارس؟
ألا يوجد مرضي غيرك في الإسكندرية؟

دخل تامر وجلس بجانبه وقال له:ماذا حدث يا فارس؟

-لقد مات الطبيب تامر وأندلس وفرات.
كلهم اختفوا في لمح البصر.
لماذا لا يدوم معي الناس يا تامر؟
هل كُتب عليّ الوحدة وأن أعيش بمفردي بين الأربع جدران؟

-لا تقل هذا يا فارس.
إنه إختبار.
أرجوك، لا تيأس.
إنه نصيب ومكتوب يا فارس.

دخل راغب وقال:معقول!فارس.

نظر إليه فارس قائلاً:ماذا تفعل هنا؟

قال له تامر:هذا هو من كان يلعب معنا جولة الشطرنج يا فارس.

جلس راغب علي السرير وقال له فارس:لقد مات الطبيب تامر يا راغب.

قام راغب بحضن فارس الذي كان يبكي بشدة وكأنه لا يستطيع أن يتصور أنه مات بالفعل.

دخل الطبيب وقال لتامر بأن فارس يعاني من انهيار عصبي شديد يجب أن يرتاح أو يتم عرضه علي طبيب نفسي إلا أن تامر رفض بالرغم من أن الطبيب أكد على ذلك ولكن تامر كان يدرك أن وجود طبيب نفسي سيجعل فارس يتذكر الطبيب تامر.

هدأ فارس قليلاً بعدها دخل عم إسماعيل ومعه ولاء فقام له تامر من علي الكرسي وجعله يجلس مكانه.

قال عم إسماعيل:الأمر صعب للغاية بل في غاية الصعوبة.
أعلم شعورك عندما تفقد شخص كان يهديك بالنور وسط الظلام يا فارس،ولكنك لم تفقد الضوء يا فارس لقد قال لك الطبيب تامر بأنه عندما تتغير يجب أن تتغير من أجل نفسك وليس من أجل الآخرين وها أنت الآن ترجع لنقطة الصفر مجدداً لأنك خسرت الناس الذين تحبهم.
أعلم أنها ليس خسارة هينة بل إنها خسارة فادحة ولكن فعلاً إن كنت تحب الطبيب تامر وفرات وأندلس يجب عليك أن تكمل لقد كانوا يتمنون أن يتم شفاؤك.

-لقد كنت ذاهب لأخبرهم بأني أصبحت جيداً وتم شفائي ولكن.........

-قضاء الله يا فارس ولعله اختبار من الله لك ليري إن كنت ستكمل في طريقك أم ستيأس من أجلهم ومن أجل نفسك يا فارس.
أكمل وعد مجدداً حتي يظهر مجهود الطبيب تامر عليك.

قالت ولاء:الأيام ستجعلك تنسي يا فارس.
أهم شيء فقط هو أن تعود كما كنت وتتغلب علي نفسك وكل شيء سيكون بإذن الله بخير.

قال راغب:لقد قمت بإنجاز عظيم يا فارس.
لا تتراجع عما فعلته من أجل أي شيء آخر ولا يجب أن ترمي مجهود الطبيب تامر إلي البحر بعد كل ما فعله معك وكذلك فرات وأندلس.

تنفس فارس نفساً عميقاً ثم هدأ قليلاً.

أراد أن يغادر المشفي فساعداه تامر وراغب واقترح راغب أن يذهبوا إلي منزله الكبير لكي يغير فارس من بيئته ولكن فارس أصر علي الذهاب إلي منزله فانتظراه بالأسفل لكن ولاء صعدت معه.

فتح فارس باب الشقة وأخذ كتاب رفقاء الليل وقام بفتحه فوجد يائس وخائف ومكتئب وحزين وعاجز تلك الصفات التي لطالما أرادت قتله اختفت الصفات الأخري من الكتاب،قالت ولاء:هل يمكنني رؤية الكتاب؟

-لا يا ولاء،سوف يؤذيك.

-كيف من الممكن أن يؤذني كتاب؟

-انظري إليّ وأنت ستدركين كيف.

أمسك فارس الكتاب وأخذ ملابسه وكانت ولاء تساعده قالت له قبل أن ينزلا:أريد أن أتحدث معك عن ما فعلته روميساء.

-لا أكترث بالأمر يا ولاء.

-فارس أنت مختلف عن أي شخص رأيته في حياتي لقد اعتقدناك مجنون لم أكن أعرف أن الأمر به سحر أو أنه أمر خارج عن إرادتك.
أنا أعتذر لك يا فارس.

-ليس هذا الوقت المناسب يا ولاء.
يجب أن أستعيد نفسي أولاً.

خرج فارس من الغرفة وسبق ولاء في النزول بينما هي كانت خلفه تشعر بالذنب اتجاهه.

وجد تامر وراغب ينتظرانه أسفل المنزل فاتجه إلى راغب لكي يذهبوا إلي منزله،ولكن ولاء لم تستطع الذهاب معهم،فأخبرت فارس بأنها ستأتي لكي تطمئن عليه من فترة لأخرى.

ركب فارس وتامر سيارة راغب واتجهوا إلى منزله.

كان قصرا كبيراً محاط بجدار أبيض اللون عدا البوابات الأمامية فقد كانت حديدية مطلية باللون البنيّ.

أمر راغب حراس الأمن بفتح البوابات فلبوا أمره وبمجرد أن فتح الحراس البوابات أطل القصر الفخم.

صارت السيارة في الطريق الذي يوجد على جانبيه أعشاب خضراء وزهور تنشر عطرها في المكان.

نزل ثلاثتهم من السيارة واتجهوا إلى داخل القصر.

كانت جدران القصر مطلية باللون البنيّ المريح والثرايا تتدلى من السقف لتنير المكان بضوء خافت لا أكثر.

بدت الأجواء مظلمة قليلاً ولكن راغب أضاء بقية الأنوار حتي انتشر الضوء في القصر بأكمله كما لو كانت الشمس تحت سقف هذا القصر.

جلس فارس وسط راغب وتامر على أريكة بنية وسيقانها حديدية وأمامهم طاولة ذات سطح زجاجي وسيقان حديدية.

كان فارس ممسكاً بكتاب رفقاء الليل وينظر في الساعة التي توجد أمامهم كانت ساعة خشبية طويلة ساقها وكان في ساقها باب حوافه خشبية وباطن الباب من الزجاج ليُظهر البندول ذو اللون الذهبي الذي يتحرك يميناً ويسارًا،ذهاباً و إياباً وكان مع اهتزازة كاملة للبندول تمر ثانية وفي أعلي ذاك العمود الخشبيّ كانت الساعة تغوص في قبعة خشبية رأسها مزخرفة وكانت عقارب الساعة تسير محدثة صوت بسبب البندول الذي يتحرك بالأسفل وكنت الأرقام مكتوبة باللغة اللاتينية القديمة.

كان فارس ينتظر الساعة الثامنة حتي يقابل رفقاء الليل وينهي هذه المعركة حتي يفي بوعده للطبيب تامر.

نظر إلى تامر وراغب ثم قال لهما:لا أريدكما أن تذهبا و لكن أريدكما أن تصبرا علي ما ستريانه معي.

قال راغب:لا تقلق أنا معتاد علي ذلك.

نظرا كليهما إلي تامر فقال:سوف أصبر.

ما بالداخل في الخارج ليلا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن