على طاولة العشاء تجلس ماري بجانب اخيها الأكبر امام السيدة نيڤين وابن اخيها.
.
تتناول ماري طعامها في صمت لأنها لم تعتد على الأكل دون عليّ فتشعر بالتوتر..
.
لاحظ يوسف توترها وعلم انها قلقة بسبب تأخّر زوجها. فحاول طمأنتها قائلاً:
لا تقلقي سيعود قريباً وعلى الأكثر سيعود غداً.
.
هينري: إذا اطال زوجها الغياب ستعود معي لبيتي وليأتي زوجها لأخذها حين يعود.
.
ماري: مهلاً الا تعيش في منزل والداك.؟
هينري: الم اخبركِ؟ لقد اشتريت منزلاً مستقلاً عن منزل والدينا بعد مغادرتكِ بيومين، إن الحياة بدونك لا تطاق بصراحة.
ماري: والديك فقط.، لا يعنون لي شيئاً الآن.
.
يوسف: دعنا من هذا، اعذرني هينري، لا استطيع السماح لك بأخذها..، لقد أمنني عليٌّ عليها ولا يمكنني اهمال هذه الأمانة.
.
هينري: يا رجل انا اخوها سأحرص عليها اكثر من زوجها بذاته.
يوسف: اعتذر منك لا يمكنني تركها تغادر معك دون علم زوجها.
هينري: يا صاح أنا وصي عليها أيضاً...
.
تدخل صوتٌ صغيرة يخرج من غرفته فاركاً عيناه:
ابي.. لا استطيع النوم..
.
حاضر انا قادم.
.
يحمل صغيرته الناعسة بين يديه ذاهباً وواضعاً اياه على سريرها وجالساً بجانبها.
.
ابي...
-يا روحاً من روحه.، هل تحتاجين شيء؟
هنالك امرٌ يراود عقلي منذ مدة.
-ما هو.؟
حسناً.. من اين أنا.؟ اعني... اين وجدتني..
-أليس هذا مبكراً عليك قليلاً.؟
رجاءاً... حقاً اريد ان اعرف.!
-لم انوي اخباركِ الآن لكن.. حسناً انها قصة طويلة..
.
قبل عشر سنواتٍ او أكثر، ذهبنا أنا وعمك عليّ في بعثة وسط جيوش آرغاندا إلى آسيا الوسطى في مهمة استعادة لأدواتٍ حربية مسروقة، ذهبنا عبر سفينة واستغرق بنا الوصول يومين فالبحر لبعد المسافة، وصلنا الى وجهتنا وتفرقنا انا وعليّ في مجموعتين استكشافيتين مختلفتين، دخلنا وسط الغابة وعدنا للسفينة بعد ثلاثة ايام من البحث عن الموارد الحربية المتبقية لأنهم استهلكوا اكثر من ثلثي مواردنا بعد الحرب الي نشأت في كوريا..، وقبل ان نبحر عائدين لآرغاندا تذكرت اننا ناقصون فرداً واحداً فنزلت من السفينة بسرعة لأبحث عنه دون علم عليّ واتجهت للغابة حيث كنا مجتمعين ولحسن الحظ انني وجدته بعد بحث ساعة ونص كاملة عنه ولكنه تأذى وبشدة بسبب بعض الألغام المخفية تحت اوراق الشجر فذهبت باحثاً عن معداتٍ طبية وعالجت ما استطعت من جروحه، اخبرته ان ينتظرني قليلاً لأذهب واحضر اي شئ قد يساعدنا من السفينة لكن كانت صدمتي حين نظرت للميناء ولم اجد سفينتنا، لقد ابحروا بدوننا بسبب انني لم اخبر عليّ بنزولي..،
عدت للغابة وكان ظاهراً على وجهي ملامح اليأس لأنني ظننت اننا سنبقى هنا للأبد لأن تلك السفينة مبحرة بأمرٍ ملكي ولن تعود الا بأمرٍ ملكي كذلك.،
واخبرت صديقنا بكل شئ واستسلم للأمر الواقع هو الأخر..، حينها سمعنا صوت أنين رضيعٍ من المنزل الصغير بجانبنا..، نهضت لأرى اين صاحب الصوت وحينها وجدتكِ.، كنت مجروحة اسفل عينك بسبب الزجاج المتناثر من كسري للنافذة اثناء دخولي اول مرة للبحث عن ادواتٍ طبية لمعالجة رفيقنا ذاك.،
حملتك من بين الأقمشة الي كانت تحيطك وخرجت بكِ من الكوخ وذهبت بكِ لرفيقنا واخبرته انكِ كنتي وحدك فالحطام ولم يكن هناك احدٌ فالبيت فساعدني بتعقيم وخياطة جرحك وبقيتي معنا.
.
ماذا حدث بعد ذلك،اعني.. كيف عدنا الى هنا.؟
-على رسلك.
.
ظللنا في تلك المنطقة لمدة ثلاثة أيام وتمكنا من اطعامك بواسطة الأشياء التي وجدناها داخل البيت واعتمدنا على ثمار النباتات في غذائنا..،
وفي فجر اليوم الرابع استيقظت على صوت احدهم يُنادي بإسمينا انا ورفيقنا الأخر، ايقظته وخرجنا باحثين عن مصدر الصوت والذي كان عمك عليّ قد اتى بسفينة صغيرة وحده للبحث عنا..، عندما رآنا اندفع وعانقنا وكاد يبكي..،*قهقهة* يا إلهي كلما اتذكر ملامح وجهه وقتها وخوفه على فقداني..
.
عدنا إلى العاصمة في ثلاثة ايام بسبب صغر وبطئ السفينة التي اتى عليٌّ بها..، ابحرنا ولحسن الحظ استطعت احضار بعض الأشياء الي يمكنني اطعامك بها، لا اعلم لما لكني لم اخبر عليّ بأنكِ معنا واخفيتك طيلة الثلاثة ايام، وحينما عدنا وذهبت بكِ الى عمتي صُدمت من فعلتي لكنها لم ترضى ترككِ بل اخذتكِ الى ولاية مجاورة للإعتناء بكِ جيداً والتأكد من صحتك واحضار مستلزمات طبية للعناية بكِ..، وغبنا مدة ثلاثة اسابيع عن بيتنا فالعاصمة بسبب ان العمة ارادت المكوث قليلاً عند امها في بيتها الصغير..،
.
ووه هل جدتك كانت موجودة في وقتها.؟!
-ولا زالت معنا إلى الآن اطال الله في عمرها.
وصحيح عمر عمتي وقتها لم يجتاز الخامسة والثلاثين، عدنا الى العاصمة وتركتكِ مع عمتي وذهبت للقاء عليّ ولأول مرة لم اجده في مكاننا المعتاد فتوجهت لمنزله ووجدته مستلقياً على سريره ووجهه للحائط، لذا حسبته نائماً وعندما اقتربت من مقبض الباب لأخرج سمعت صوته الناعس يقول:
يوسف..؟ مالذي تفعله هنا.؟؟
.
عندما لفتُّ وجهي لكي اراه وجدته واقفاً خلفي وسيفه موجه لظهري.. كان يحسبني دخيلاً..، بمجرد ان رأى وجهي قفز وعانقني بشدة والدموع في عينيه.. لقد ظن انني انتقلت مع عمتي بالفعل لأنها ارادت الإنتقال من العاصمة حين ذلك.
.
هل كان عمي كثير البكاء.؟
-يا إلهي لو ترينه امام والداه كان كالجبل الذي لا يهزه اعصار لكنه على حقيقته مجرد مراهق يبكي بسهولة كالأطفال. اوه صحيح لا تخبريه بأنني قلت هذا.
.
*قهقهة* بالطبع لا تقلق.
.
.
.
.
.
.
نائمةً براحة وخمول على السرير القطني الناعم تستيقظ على صوت سقوط شئ كبير بجوارها كالقنبلة..،
تنهض بفزع من سريرها وتنظر حولها لتلتقى عينها بالأخر النائم على الأرض كالجثة الهامدة والمنكمش حول نفسه كالقنفذ.
.
هل تعاني من الكوابيس.؟
.
ظلت تنظر للنائم على الأرضية بعد سقوطه من على الأريكة..، اخذت تمسح على شعره البني الناعم بينما تتفقد تنفسه بعينيها.
.
يا رجل مالذي تحلم به... ان خفقانك وتفسك سريعان..
.
حاول حمله بمحاولة جعله يجلس وظهره مسنود إلى الأريكة، إنخفضت واعطته ظهرها وسحبته ليستند عليها وأخذته إلى السرير لتضعه عليه بهدوء، قامت بتغطيته جيداً وعندما ادارت ظهرها للخروج من الغرفة امسكت يدٌ بيدها.
.
لقد إحترت معك انتَ نائم ام مستيقظ.؟؟
.
جلست بجانبه واخذت تنظر له وتلعب بخصلات شعره إلى ان استيقظ.
.
صباح الخير اخي، هل نمت جيداً.؟
-صباح الخير...*تثاؤب* مهلاً.. مالذي اتى بي الى هنا؟
.
استيقظت على صوت سقوطك من على الأريكة فحملتك ووضعتك على السرير لتكمل نومك لكنك استيقظت.
-ووه ماري إستطعتي حملي.؟!
.
حسناً لقد كنتَ ثقيلاً قليلاً لكنني استطعت،
ثم إنك كنت تحملني إلى سريرك عندما كنتُ صغيرة فما المشكلة اذا حملتك من الأرض الى السرير.؟
-اهه إذاً.. شكراً لكِ صغيرتي.
.
هينريي لقد كبرت على هذا اللقب.!
-وماذا إذاً لازلتي مجرد طفلة صغيرة في نظري.
.
يا إلهي...
.
.
.
تقف في مطبخها تعد الفطور لعائلتها الصغيرة ولضيفهم على انغام تغريد الطيور خارج نافذة المطبخ، تراقبها تلك الفتاة من خلف الستائر منبهرة بإسلوب طهيها البارع.
.
نيڤين: تقدمي ماري لا تخجلي.
ماري: ههه.. اسفة على التطفل لقد انبهرت فقط بطريقة طهوك.
نيڤين: هل تريدين ان اعلمك.؟
ماري: اتسألين.؟! بالطبع اريد.!
.
.
.
الناعس الجالس على الطاولة يراقب ذلك الأب الذي يمزح ويلعب مع ابنته في هدوءٍ تام دون حركة.
.
ماري: هينري رجاءاً هلا تساعدني في ترتيب المنضدة.
هينري: ها.؟ آه قادم.
.
.
.
هينري: يوسُف صحيح؟
يوسف: تفضل، هل تحتاج شيء؟
هينري: سأعقد معك اتفاقاً صغيراً.، سأحصل على إذن من عليّ لأخذ ماري معي إلى بيتي، وسأُريكَ الإذن وحينها ستسمح لي بأخذها.
يوسف: هه إن استطعت، حينها يمكنك اخذها.
ماري: آممم عذراً هل تتكلمون على صندوق فراء؟
نيڤين: لا تلقي بالاً لهما، تناولي طعامك فقط.
.
.
الجميع منشغل فيما يفعل، نيڤين تنظف الطاولة وماري تغسل الأطباق ويوسف وهينري في نقاشٍ حاد مع بعضهما البعض في خصوص اخذ ماري والصغيرة تمارس هوايتها في الفنون التشكيلية، والوضع هادئ الى ان نادى كلاً من يوسف وهينري على ماري لإستفسارها.
.
يوسف: ماري تعرفين اين يسكن ويليام صحيح؟
ماري: احفظه اكثر من طريق منزلي.
يوسف: وحصل عليّ على اجازة اسبوعين لأخيك.، إذاً بما انه من العشرة المصرح لهم بالدخول والخروج من القصر الملكي في اي وقت يمكنه الحصول على إذن من عليّ وحينها يمكنك الذهاب مع اخيك دون قلق.
.
ماري: اوه هذا بسيط يمكنني اخذ واحد من الأحصنة والذهاب لبيت ويليام والعودة في غضون ساعة، احم إضافة لثلاث ساعات استضافة من هانا.
.
هينري: تمزحين ستذهبين لهناك بنفسك.؟!!
انا شخصياً اتوه في محاولة الذهاب لبيته.!
يوسف: سأذهب معها.
هينري: انتَ ستتوه وهي ستذهب وتعود بسلام.
ماري: حسناً هذا صحيح.
يوسف: يا رجل هذه غابتي احفظها اكثر من اسمي.
ماري: ليس بالنسبة لبيت ويليام.
يوسف: إذا اعدي نفسكِ سنذهب الآن، وانتَ سيد هينري عجل إذا اردت ان تأتي معنا.
ماري: حاضرة، دقيقتين وسأنتهي.
هينري: تقصد ساعتين.
.
.
.
*بعد ساعتين حرفياً*
.
ماري: لقد إنتهيت.
يوسف: ماذا انتهيتي.؟!! اه اووهه تعنين جهزتي، اعذريني خطأ سمعي.
هينري: اوه المعذرة هل يمكننا الذهاب الآن.؟؟
يوسف: إذاً هيا لقد جهزت لكما حصانين.
هينري: اشكرك، لكن لا حاجة لدي حصان بالفعل.
.
*خارج المنزل*
يوسف: حسناً اين حصانك؟
هينري: انتظر.
.
*قوس اصبعيه السبابة والإبهام واضعاً اياهم في فمة مطلقاً صوت صفيرٍ عالٍ*.
يوسف: ووه يا رجل هل تهتز الارض؟؟
هينري: لا هذه فرسي انظر انها قادمة.
ماري: ووه هل هذه.؟!
هينري: نعم المهرة الصغيرة التي وجدناها قبل بضعة اعوام.
ماري يا رجل.! مهرتي الصغيرة لقد كبرتِ كثيراً.!
يوسف: هل يمكنكما التحدث عن الفرس لاحقاً علينا الذهاب لا اريد ان اصلي المغرب خارج بيتي.
ماري: إذاً هيا انا انتظركما.!.
.
.
.
يوسف: ماري براون هل انتي متأكدة بأن هذه المنطقة بها إنس من الأساس.؟؟
ماري: لا تقلق يستحيل أن اضل الطريق عن بي اخي، واعجبني اللقب تابع مناداتي به.
هينري:*يشعر بالنعاس*.
.
.
.
ماري: إنزلا لقد وصلنا.
يوسف: الا تعتقدين ان الحصان عالٍ عليك قليلاً كيف ستنزلين.؟
.
*يتوجه ناحية اخته ويرفعها كالدمية الصغيرة من على الحصان وينزلها الى الأرض مغطياً شعرها بقبعة ردائها*.
.
هينري: يا فتاة كم طولك؟
ماري: إخرس.
.
يوسف: هل اطرق الباب ام ماذا.؟
ماري: وفر عليك سأفعل بنفسي.
*طرق على الباب*
"....": من هناك.؟
ماري: زرقاءَ العينين.
"....": آه ماري عزيزتي، تفضلي.
ماري: شكراً هانا.
هينري: سلاماً عليكم.
هانا: وعليكم السلام، هينري صحيح؟
هينري: صحيح.
هانا: ويوسف انا اعرفك مسبقاً.
يوسف: مهلا ماذا.؟ هل اعرفك.؟
"....": انت لا تعرفها لكنها تعرفك حكيت عنك لها مسبقاً.
يوسف: اوه سيد ويليام، من اتينا لأجله.
ويليام: تفضلوا بالجلوس اولاً، هل حدث شيء؟.
.
.
ويليام: إذاً مالأمر.؟
هينري: انظر_..
ويليام: لا انتَ على وجه الخصوص يجب ان تنتظر إلى النهاية.
هينري: يا صاح سأقول لما اتينا فحسب لا شيء اخر.!
ويليام: هينري انت اخي الصغير، انا اعرفك جيداً.،
وماري اعلم انكِ سبب المشكلة لذا لا احتاج لسماع شئ منكما، تفضل يوسف.
ماري: هذا قاسٍ يا رجل.!
يوسف: بالمختصر البسيط اوصاني عليّ على زوجته الى ان يعود وهذه امانة لا يمكن اهمالها صحيح.؟ ويليام: هذا صحيح.
يوسف: وعليّ سيغيب مدة يوم او اثنين وسيد هينري يريد اخذ اخته لمنزله لأن زوجها سيغيب و لن يعلم، لذا وبما انك من التايان العشرة نريد منك اخذ أذنٍ من عليّ لذهاب ماري مع اخوها كي لا اخون الأمانة الي امنني عليّ عليها.
ويليام: الهذا انتم هنا.؟ يا رجل كان بإمكان هينري الدخول للقصر بحرية بحكم نسبه للأمير الأول.
لكن بما انكم اتيتم خصيصاً إلى هنا لا بأس سأفعل.
هينري: وأخيراً.!
ماري: لا تستعجل قد يرفض عليّ.
ويليام: لن يفعل إن شاء الله.
.
.
.
يتبع.