تصنعت الحزن أكثر، ونظرت لهُ وحاولت التحديق في عيونه لتكون مقنعة، وقالت:
- لقد تم خطبتها لشاب ثري.
شعر بالصدمة ونظر حولهُ بضيق يهرب مما سمع، ثم نظر لها وقال:
- بالتأكيد هذه كذبة، أعرف هذا، أنتِ تكذبين، وختم كلامهُ بالضحك والقهقه بصوت مرتفع .
ردت وهي تتصنع الاندهاش:
- أكذب! هذه هي المرة الثانية التي تتهمني بها بالكذب.
رد ساخرًا منها:
- لقد سلبتكِ حقكِ، أنتِ تكذبِين أكثر من تناولكِ للطعام، وأكثر من ذهابكِ للعمل، أكثر من شرائكِ الملابس، أكثر من أي شيء، واستمر في ضحكه.
وضعت يدها على خدها وفتحت شفتيها بشكل مستدير وقالت:
- آه، أنت تكرر كلامك وتقول مجددًا أنا أكذب!
- لقد كنت أمزح معكِ، والآن أخبريني شيئًا حقيقيَّا عن ياسمين، شيئًا يمكنني تصديقهُ.
وتستمر في مراوغته، فتارة تقول لهُ: هي لن تتزوج مطلقًا، وتارة تقول لهُ: لقد تركت مصر ولا أعلم أين ذهبت، وهو لا يصدقها في كل ما تقول، ويظل يسألها لعلهُ يعثر بين كذبها علي حقيقة تصلهُ واحدة تصلهُ بها.
ويظل الثلاثة هكذا يُخفي كل واحد منهم حقيقتهُ عن الثاني ثم يحاول اكتشاف الثاني بشكل أوضح.
تقضي ياسمين ليلها تبحث في الرسائل المرسلة لها ممن اسمهم أحمد، بل وتقرأ كل تعليق كتبهُ شخص اسمهُ أحمد لكي تعثر عليه ولم يحدث، وكيف يحدث ذلك وهو اسمه سليم، ويرسل الرسائل باسم سليم، وتعليقاتهُ باسم سليم!
وعندما يحيرها الأمر تخبر سمر، فتحاول سمر الإيقاع بهِ، فتقول لهُ:
- هل لديك حساب على الفيس بوك لكي أضيفك لأصدقائي.
يرد الثاني:
- لا لا ليس لدي حساب على الفيس بوك.
فتنظر لهُ كلتاهما نظرة التكذيب الواضحة، فكيف ليس لديه حساب وهو دائمًا يردد:
- أنا أتابع ياسمين على صفحتها، أنا أرسل لها رسائل وستستجيب لي يومًا، أنا.. أنا.. فيسرع هو قائلًا:
- أقصد لدي حساب، ولكن أستخدمهُ فقط في العمل لترويج عن عملي كسائق لمن يريدني توصيلهُ، ولعرض سيارتي الفارهة لتجذب الزبائن.
بالطبع هذه ليست بإجابة، فتضحك كلتاهما كمجاملة لهُ، ثم تقول سمر:
- أنت أكثر كذبًا مني، يا لك من كاذب كبير.
ويعود فيقول لياسمين:
-هل ستظلين بدون عمل؟ فكري في الأمر وأنا سأساعدكِ في العثور على العمل فورًا.
تبتسم ولا تعرف بماذا تجيب، وتستمر في الصمت، وتنظر إلى سمر التي تتدخل قائلة:
- عندما تثبت هذا لي وتساعدني على العمل في الشركة عندها سنثق بك وستلحق ياسمين بي.
رد في سره يا ألله إنها تقف كاللقمة في الزور، كلما حاولت التعرف على البريئة تقفز اللئيمة في وجهي محاولة اقتناص الفرصة.
عادت حياة الثلاثة بشكل طبيعي، وعندما تعود الحياة بشكل طبيعي فهذا غير طبيعي، فدائمًا هناك شيء غير طبيعي مختبئ خلف الطبيعي.
وعاد شبح أسود من الظلام يراقبها بخبث يترقب الفرصة للانقضاض عليها، وبقدر شرهم يرتد عليهم ظلامهم مغلق الطرق أمامهم للوصول إليها، وهي كالنور الذي يتبدد الظلام في وجودهُ، فيغضب الرجل ذو الملامح الصارمة ممن كلفهُ بالعملية وينفجر قائلا وهو يحدق بعيونه بنظرات تكاد تطلق النيران عليه:
- إلى متى سأنتظر؟ لو طلبت رئيس جمهورية أحد الدول لكان قد تم الأمر، والآن لا تستطيعوا الإيقاع بمجرد فتاة غريبة وحيدة لا يوجد بالقرب منها أي من أقاربها!
ويرد الثاني يحاول الدفاع عن نفسه بذل:
- سيدي إنك تود عملية نظيفة بدون أي أثر في دولة غريبة، وتلك الفتاة نراقبها ليل نهار، فقصرها أصبح لا يخلوا من الفتيات، بنات رجال الأعمال، بل وبعض المشاهير، فكيف يمكننا تنفيذ المهمة هكذا؟
- يمكنكم تتبعها عندما تغادر القصر.
- عندما تخرج نجدها بصحبة سليم سليمان الذي يقلها في سيارته في ذهابها وعودتها، وهو أكثر خطورة من السابقين، ففي بعض الأحيان نجدهُ يسير معها ويقلها بالسيارة والحرس الشخصي الخاص بهِ يراقبهما من بعيد، فماذا نفعل الآن؟ ليس أمامنا سوى انتظار اللحظة المناسبة.
غادر الرجل ذو الملامح الصارمة مكتبهُ بغضب وصفع الباب بقوة في وجه المجرم الذي كان يتبعهُ ويسير خلفهُ كالكلب الذي يتبع سيدهُ.
أنت تقرأ
نجوم مختبئة
Romanceالْكَذِب كالرذيلة وَإِنّ كَانَّ مِنْ أَجْلِ الْفَضِيلَّة، فَالْغَايَة لَا تُبَرِرُ الوَسيلَّةِ، وَلَكِنّ مَاذَا لَوْ كَانَّ بَيْنَّك وَبَيْنَّ هَدَفَك كَذَّبَة صَغِيرَة؟ هَل ستصعد عَلَى سَلَالِمِ الْكَذِب الَّتِي تَهْوي بِك لِلْأَسْفَل أَم ستتمسك بِ...