الفصل الخامس

361 16 0
                                    

رواية
نجوم مختبئة
الفصل الخامس

ثم ظهر من بعيد عدد من سيارات الشرطة، وعندما وصل إليها وجد الطريق مغلقًا، فسأل أحد رجال الشرطة الذي كان يمر بجانبه:
- ماذا هناك؟
فرد الشرطي:
- لقد انقلبت إحدى سيارات نقل البضائع منذ قليل، وبفضل الله ليس هناك خسائر في الأرواح، ولكن سيستغرق الأمر بعض الوقت لإزالتها من الطريق.
لم تفهم ياسمين أي كلمة، ولكن سمر صرخت بضجر:
- سوف نتأخر على حنة صديقتي بسبب هذا الحادث، ونظرت إلى ياسمين وقالت بغضب:
- وأنتِ مجنونة لا تحبين التأخر بالخارج في المساء، ماذا أفعل الآن؟
أما هو فكان أكثر ضجرًا، يفكر كم ستكلفهُ كذبتهُ وفضولهُ بسبب هذه الكاذبة وهو عالق الآن معها في السيارة.
ولكن سمر كانت تزداد غضبًا كل دقيقة وتصيح:
- سوف يفسد مكياجي وستفوتني الحنة.
وجد هو في غضبها تخفيفًا من ضجرهُ في هذا الملل، يبدو أن الانتظار سيطول وهو لم يعتد الانتظار، حتى في المطار يركب طائرتهُ الخاصة ولا يضطر إلى الانتظار، فكر قليلًا: سوف أتناول هاتفي وأتظاهر أن عليَّ الذهاب من أجل أن أنقل شخصًا آخر وأعود بهما إلى قصرهما.
فمد يدهُ يلتقط هاتفهُ فاصطدمت يده بشيء ما، ما هذا؟ لم أكن أذكر أنني أحضرتها معي، فأمسك بالرواية وراح يقرأ، فلقد وجد وسيلة أخرى تسليه وتجعلهُ يستمتع بوقته وبغضب سمر.
وهي تزداد غضبًا دقيقة بدقيقة وتقول: ضاعت الحنة، لقد ضاعت، ثم نظرت لهُ فوجدتهُ هادئًا جدًا ويقرأ، فقالت في تهكم:
- أنت تقرأ الآن؟
رد من دون أن يرمقها حتى بنظرة واحدة، وقال:
- هل لديكِ اقتراح آخر؟
فأرادت أن تسلي بهِ وقتها، فليس هناك شيء تفعلهُ، والجميع عالق في السيارة، فقالت بتكبر:
- ماذا تقرأ؟
ردَّ بملل:
- أقرأ رواية نسيج الشيطان لياسمين المصري.
نظرت كلاهما للأخرى وتبسمتا في رضى، فقالت سمر:
- أعرف هذه الرواية وكاتبتها، صاحبتها مجنونة!
فنظرت لها ياسمين وعيونها تهدد: انتظري حتى نعود، والأخرى تضحك من نظراتها.
أما هو فقال بشدة:
- لماذا تقولين عنها هذا الكلام السخيف؟
انتبهت للهجته الغريبة وقالت بسخرية:
- ولماذا غضبت من أجلها هكذا؟ آه، لقد نسيت، بالتأكيد تعتبرها شقيقتك!
- لا أنا لا أعتبرها شقيقتي، ولكن لماذا تصفينها بالجنون؟
فردت وهي تنظر في عيون ياسمين مباشرة.
- هي لا تخرج للأضواء والشهرة، ولا تقابل الجمهور، ولا يعرفها حتى معجبيها، أليس هذا جنون؟
كانت تنظر لياسمين وهي تقول كلماتها، وقد راقت لها التسلية بهما.
فقال هو: إنها فتاة خجولة، وتحب أن تعيش حياتها بشكل هادئ، وليس من الضروري أن تخرج للأضواء؛ لأنها تفسد الحياة الهادئة.
فأكملت سمر بسخرية:
- إذن هناك اثنين في هذا العالم على نفس القدر من الجنون؛ ياسمين المصري، وأنت.
نظر لها وقال:
- بل هناك ثلاثة أشخاص مجانين.
فنظرت لهُ بتعجب وقالت:
- ومن يكون المجنون الثالث؟
ضحك وقال:
- كيف لا تعرفينهُ؟! إنهُ صديقكِ سليم سليمان، أليس هذا ما يفعلهُ؟ يختفى عن الأضواء؟
انفجرت ياسمين بالضحك وهي تنظر لها وقالت:
- لقد أوقع بكِ، هيَّا أجيبيه.
فنظرت لنافذة السيارة تفكر بإجابة و صاحت بفرح:
- الطريق قد فُتح، هيَّا قد السيارة.
وبدأ هو يقود السيارة وهي تفكر كيف تدافع عمن تدعي أنهُ صديقها؟
لم تجد أي إجابة والطريق لا يزال طويلًا، فقررت العودة للتسلية بياسمين وبهِ فقالت:
- يعجبك غموضها أيها السائق أليس كذلك؟
فرد بنبرة صوت راضية:
- لا ليس غموضها، بل أفكارها جميلة جدًا، تعبر عن إنسانة رقيقة المشاعر، أشعر بذلك وأنا أقرأ رواياتها.
قالت وهي تلهو بخصلة من شهرها: هل تعلم أيها السائق.. فجذبتها ياسمين وهي قالت:
- اسمهُ أحمد.
فأكملت سمر:
- هل تعلم أيها السائق الذي اسمهُ أحمد! هي صديقة لي، وأعرف اسمها الحقيقي، وأين تسكن.
فنظرت لها ياسمين تحاول أن توقفها، فتوقفت السيارة فجأة واصطدمت كلتاهما في ظهر الكرسي الأمامي، وصاحت سمر وهي تعيد شعرها الذي انكب على وجهها:
- ماذا حدث؟
فتدارك هو أنها شتتهُ قليلًا عن القيادة بقولها، ولكن خجل من أن يخبرهما بذلك فقال:
- لقد كانت إحدى القطط تمر فجأة أمام السيارة.
نظرت ياسمين من نافذة السيارة تبحث عن القطة! وأكمل القيادة وهو يفكر:
- كيف أصدق تلك الكاذبة فيما تقول؟ فهناك مثل فرنسي يقول "الكاذب لا يصدق حتى في قول الحقيقة".
ونظر للخلف وقال بتلقائية تامة:
- حقًا أم أنكِ تكذبين؟
ردت بغضب:
- أكذب! أنا أكذب! إنت لا تستحق ما كنت سأخبرك بهِ عنها.
وظهر الرضى على وجه ياسمين واتكأت على مقعد السيارة تستريح، ولم يتحدث أي منهما باقي الطريق، ولكنهُ ظل يفكر فيما سمعهُ منها، وعندما وصلا نزلت سمر أولًا وهي مسرعة من السيارة، بينما كانت ياسمين تخرج الأجرة من حقيبتها وتمدها له، وتقول: تفضل.
ردَّ هو:
- وهل يأخذ الشقيق من شقيقته مالًا!
فابتسمت وقالت:
- وهل تستغل الشقيقة شقيقها؟
كانت على وشك الخروج من السيارة، ولكنهُ أوقفها قائلًا:
- هل يمكنني أن أسأل سؤالًا واحدًا فقط؟
- بالطبع تفضل.
- هل حقًا سمر تعرف ياسمين المصري؟
تعجبت هي من سؤاله، فهذا معناه أنهُ يشك أن سمر تكذب وهى غريبة عنه..
نسيت أنها لم تجبهُ وهو ينظر لها ينتظر الرد، فسمع كلاهما صوت سمر تقول:
- هيَّا أيتها الكسولة، وهي تقف على باب أحد الفيلات القريبة وتشير بيدها، فأجابتهُ بسرعة دون أن تدري وهي تنزل من السيارة:
- أجل تعرفها، ولكن أرجوك لا تسألني عنها مجددًا.
وما إن خطوت خطوات قليلة حتى شعرت بخطأ ما قامت بهِ، ما هذا الغباء! ما كان يجب أن أخبرهُ بهذا حتى لا يسألها مجددًا.
اتجه هو إلى فندق لصيق بالفيلا؛ لأنهُ متأكد من إنهما لن يظلا طويلًا وستود ياسمين العودة للقصر، اندمجت سمر في حفلة الحنة مع الفتيات، بينما ياسمين كانت تكتفي بالمشاهدة، فهذا أقصى ما يمكنها فعلهُ، كانت سمر تثرثر عندما سألتها إحدى الفتيات قائلة:
- ألستِ أنتِ من يلاحقها سليم سليمان؟!
ردت بسرورٍ:
- أجل أنا.
بينما تنظر لها الفتاة الأخرى بانبهار وتقول:
- أخبريني إذن كيف تقابلتما؟ وكيف علمتِ أنهُ سليم سليمان؟ فهو غامض للغاية.
اتكأت سمر على مقعدها ووضعت قدمًا على قدم، وقالت:
- كنت مدعوة إلى أحد الأمسيات التي أقامها أحد رجال الأعمال المصريين هنا في أحد الفنادق، فأنا أعرفهم جميعًا، وكان في الحفل عدد من الأثرياء من أصول مصرية، وكان هناك شاب مصري يواجه مشكلة في التواصل مع أحد الأتراك؛ لأنهُ لا يتقن التركية، ولذا تدخلت وترجمت لهُ وحللت المشكلة، فأنا أعشق مساعدة الناس، وكان كلاهما ممتن لمساعدتي، وعندما انتهيت وجدت شابًا وسيمًا أنيق الملابس ينظر إليَّ ويبتسم، فتجاهلتهُ تمامًا، فجميع الشباب يقومون معي بنفس الأمر! ولكنهُ اتجه إليًّ مباشرة وقال:
- إذن أنتِ مصرية؟
فأجبتهُ بدون اهتمام: أجل، حتى أنهي الحوار قبل أن يبدأ، ولكنهُ كان متعلقًا بالحوار بطريقة عجيبة وقال بسرعة:
- وأنا مصري أيضًا.
وظل يلح حتى يطيل الحديث معي، وقال عندما رآني أحاول أن أتهرب بعيدًا عنهُ قال:
- لم أعرفكِ بنفسي بعد، أنا سليم سليمان، وظل يفخم في نفسه لكي يثير إعجابي، ولا أعرف بعد ذلك كيف حصل على رقم هاتفي وعنوان قصري، ويظل يطاردني ليل نهار؛ لأنهُ يرغب بالزواج بي.
وقفت ياسمين من كثرة الملل وسارت بعيدًا عن الأحاديث التي لا تفهمها، والتقطت هاتفها تكتب لتعبر عن مشاعر الوحدة التي تنتابها منذ مغادرتها مصر.
زاد مللها ووحدتها، فاتجهت إلى سمر، وقطعت حديثها قائلة:
- أنا آسفة على مقاطعتكِ، ولكن أنا سأعود للمنزل، ويمكنكِ البقاء كما تشائين، وأمسكت بالهاتف تتصل بهِ.
رن هاتفهُ فابتسم عندما رن لأن الأمر كما توقع فأجابها:
- سأصل في دقائق معدودة.
أما سمر فكانت تتناقش مع نفسها، ليس لديَّ مزيد من المال لأعود بسيارة فارهة، لو تأخرت سيكون عليَّ أن أسير طويلًا حتى أصل إلى الحافلة، وهذا ليس لائق، إذا لم يشاهدني أحد في المرة السابقة فقد يمسك بي هذه المرة.
فأجابت صديقتها التي كانت تقف تنتظر قائلة:
- سأعود معكِ، ولكن اجلسي حتى.. قطع حديثها هاتفها وهو يرن، فقالت ياسمين:
- ها قد وصل، هيَّا بنا.
أمسكت سمر بحقيبتها وهاتفها وهي تتأفف قائلة:
- لا أفهم كيف يصل في دقائق معدودة! أليس هذا غريبًا؟
رد ياسمين وهى شاردة
- ليس هذا فقط، ألم تلاحظي ملابسه الأنيقة، وساعتهُ إنها باهظة الثمن، والهاتف! كيف لشاب يعمل سائقًا أن يعيش بهذه الرفاهية المبالغ فيها؟
ضحكت سمر وهي تستمع لهذه الكلمات من صديقتها البريئة؛ وقالت:,
- هذا ليس بالأمر المبهر، تذكري ما أقوم بهِ لتعلمي أنهُ من السهل أن تبدى غنية وأنتِ فقيرة، ربما يسعى للزواج من فتاة ثرية ويتبع خطة كخطتي، ختمت كلامها وهي تخرج من الفيلا، بينما ياسمين تفكر فيما سمعت، ثم قالت:
- لا أظن ذلك، هو يبدو تلقائيًا ويميل للتواضع.
كانتا قد اقتربتا من السيارة، فصمتت كلتاهما، وما كادت سمر أن تجلس في السيارة حتى بدأت بالتسلية بهِ قائلة:
- تأتي بسرعة البرق، أليس هناك أحد يستخدمك غيرنا؟
دار بعيونه بضجر وهو يفكر في نفسه، ها قد بدأت مجددًا، أستطيع أن أفحمها، ولكن قد يكشف أمري، ولكن لا مشكلة من إسكاتها قليلًا، فرد:
- إذا كان يزعجك الأمر فلن آتي لأقلكما مرة أخرى، كما أنني جئت لأقل الآنسة ياسمين، أعرف أنها لا تألف الغرباء بسهولة.
شعرت في كلامه ببعض الغلظة، وكأنهُ تهديد صريح بألا ينقلها، وهي تود أن يبدو كسائقها الخاص، لذا قالت لتلطف الحديث قليلا:
- عندما تحدثت عن ياسمين ذكرتني بياسمين المصري صديقتي الثانية، إذا كنت من معجبيها إذن سأزف لك البشرى، سوف يُنشر لها لقاء بعد الغد مع صحفي اسمهُ حسين حداد، وستعلن هي عن هذا الحوار غدًا على صفحتها في تمام الساعة التاسعة بتوقيت القاهرة، لقد أخبرتني صديقتي بذلك.
وياسمين تدفعها من الأسفل بقدمها لتتوقف، وتحاول ألا يبدو على وجهها أي تغيير.
تمالك نفسهُ هذه المرة واستمر في قيادة السيارة باتزان، ورد ببرود:
- سنرى.
أرادت سمر للحوار أن يستمر معهُ بالطبع للتسلية، وهو يقطعهُ بكلماته المختصرة ونبرة صوته الحادة، فقالت:
- أخبرني إذا توصلت لياسمين هل تطمح أن تكون صديقًا لها؟
رد وهو يتنهد
- لا، أنا لا أرغب في صداقتها.
- إذن لماذا أنت مهتم بها؟
- أنا مهتم بها لأنني أحبها وسأتزوجها عندما أعثر عليها..
يتبع

نجوم مختبئة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن