- ماذا تقول يا سليم؟ هل ستتزوج من فتاة لا تعرف عائلتها؟ وليس بها أي شيء مميز، وأنت من تتمناك أي فتاة في تركيا أو مصر!
- ولكني يا أبي أتمنى هذه الفتاة وليس أي فتاة أخرى.
قالها وهو ينظر بعطف لوالده ليستعطفهُ للموافقة، فرد والدهُ:
- ألم تكن ترغب في الزواج من ياسمين المصري؟ إنها أفضل، فهي مميزة.
- أبي، لقد بحثت عن ياسمين المصري كثيرًا، وعندما قابلت ياسمين شعرت أنني عثرت عليها، أرجوك يا أبي، لا ترفض زواجي منها، فأنا أبحث عن زوجة وليس عن منصب أو شهرة لأتباهى بها أمام الناس.
سار والدهُ في اتجاه الباب وهو غير راضٍ، ثم قال:
- سأفكر في الأمر، وأنت أعد التفكير بهِ.
تبعهُ سليم وهو يسير قائلًا:
- أبي لقد فكرت بعقلي، ثم استمعت لصوت قلبي، وسأطلبها للزواج بعد عودتي من ماليزيا، أعتقد أن هذه الأيام القليلة ستكون فاصلة في تحديد حقيقة مشاعري وقراري.
لم يرد والدهُ، وكان صمتهُ هو رد في حد ذاته، رد بعدم الرضى عما يسمع.
تلك العيون الحمراء في الظلام تراقب، بل وأصبحت تتجسس على ما يدور بداخل قصر ياسمين من محادثات بعد أن زرعوا أجهزة تجسس في القصر أثناء خروج الجميع للتنزه، ليعرفوا تحركاتها بعد أن يئسوا من الإيقاع بها خارج القصر، فسمعوا سمر تقول:
- أخي والجميع سيغادر في صباح الغد.
نظرت لها ياسمين، وقالت:
- هل تصدقينني لو أخبرتكِ أنني اعتدت عليهم كعائلتي؟ سأشعر بالوحدة عندما يرحلون.
وهنا نظر أولئك المجرمون لبعضهم البعض وقال أحدهم:
- لقد اقترب أجلك أيتها الملعونة.
وتستمر سمر في الحديث، فتقول لها ياسمين:
- لماذا أنتِ مشغولة أكثر هذه الأيام؟
- لأن أُوغلو سافر لماليزيا من أجل عمل ما لم يخبرني ما هو، وترك مسؤولية الشركة كلها على عاتقي، ولكني أقوم بالأمر على نحو جيد على الرغم من أن الشركة شركة ناشئة وجديدة.
ثم لوحت لصديقتها بيدها بودٍ وهي تقول:
- إلى اللقاء، قد أتأخر اليوم إلى المساء في العمل.
يدور في عقلها عدة أسئلة، لماذا لم يخبرها أُوغلو عن سبب سفره؟ ولماذا لم يتصل بي أحمد رغم انقطاعي عنهُ منذ آخر مكالمة؟ أما زال قلبهُ لم يخبرهُ من أكون؟ وإلى متى سأظل بعيدة عن عائلتي؟ وإلى متى أظل أسأل هذه الأسئلة؟
همت بالوقوف لتخرج من غرفتها، فتحت الباب فوجدت شخصًا ما يلبس قناعًا أسود ويهجم عليها، فتصرخ مذعورة وتحاول الهرب، ولكن أين تهرب؟ فاصطدمت بحائط الغرفة، فيقف ذلك المقنع ويزيل هذا الشخص قناعهُ ويضحك ويقول:
- إنها أنا زها، لا تخافي كنت أمزح معكِ.
تجلس ياسمين وتضع يدها على قلبها وهي تلتقط أنفاسها، وتقول:
- "يا شيخة حرام عليكِ وقعتي قلبي".
فتجلس زها بجانبها وتقول:
- أرغب منكِ في خدمة بسيطة كما يقولون بالمصري، وأرجوكِ لا ترفضي.
- ما هي؟
- أود شراء فستان لسمر كهدية، فأنا وزوجي اتفقنا أن نقيم لها حفل عيد ميلاد كمفاجأة لها هذا العام، وهي ستتأخر اليوم بسبب أعمالها، وسيجهز محمد الطعام والقصر في غيابها ليكون الأمر مفاجأة لها.
تترد ياسمين وهي تقول:
- سمر دائمًا هي من تختار لي الملابس، فذوقها رائع.
- إذن فأنتِ تعلمين ذوقها، كما أنكِ في نفس جسمها مما يجعلنا نختار الفستان على مقاسك، وسيكون مناسبًا لها.
وقفت ياسمين وهي تقول:
- سيكون هذا رائعًا، وسأختار لها أنا أيضًا فستانًا هدية، فهي تحب الملابس.
فاتجهت زها إلى باب الغرفة وهي تقول:
- سأخبر محمدًا أن يجهز السيارة ليقلنا إلى المول بالسيارة، وأنتِ تجهزي للخروج.
بينما يقول الذئب لباقي الذئاب:
- بقي يوم واحد، وقبل أن يأتي سواد اليوم التالي سنكون قد أرسلنا روحها مع هذا السواد.
زها وياسمين ظلتا تتنقلان من محل إلى آخر طوال اليوم، حتى قالت ياسمين:
- لم أكن أعلم أن سمر تتعب في اختيار الملابس بهذه الطريقة، فنحن منذ الصباح ونحن نبحث عن فستان ليلائم ذوقها.
فترد عليها زها ضاحكة وهي تقول:
- لا، هذا الأمر يروق لها، فالشراء أمر ممتع لنا نحن النساء، ومرهق لجيوب الرجال.
عادتا في نهاية اليوم بثلاثة فساتين، وهمَّت ياسمين بالدخول من باب القصر، فقالت لها زها:
- لا يا ياسمين، سوف ندخل من الباب الخلفي، حتى إذا كانت سمر عادت لا تكتشف الأمر.
تبعتها ياسمين ودخلتا من الباب الخلفي، وصعدتا والنور منطفئ إلى الطابق الثاني، وبعد أن وصلا إلى غرفة ياسمين قالت لها زها:
- هيَّا ارتدي ذلك الفستان أريد رؤيتهُ عليكِ.
- لماذا؟! قالتها ياسمين بتعجب.
ردت الأخرى:
- أريد فقط أن أتأكد أنهُ يناسبها، هيَّا أرجوكِ هذا آخر شيء أطلبهُ منكِ قبل مغادرتي.
دخلت ياسمين إلى الحمام وارتدت الفستان، وعندما خرجت وجدت زها ترتدي الفستان الآخر ومتزينة، وقالت لها عند رؤيتها: كم يبدو جميلًا عليكِ، هيا سأضع لكِ بعض المكياج، فسمر في الطريق ونود استقبالها.
لم تقتنع ياسمين، ولكنها سايرت زها، وجلست وزينتها، ثم رن الهاتف فقالت زها:
- إنها العلامة، إذن سمر على باب القصر هيا بنا.
أمسكت بها ونزلتا إلى الطابق السفلي والنور منطفئ، ولا تكاد ياسمين ترى حتى درجات السلم الذي تهبط عليه، حتى وصلت إلى منتصف القاعة، فأضاء النور فجأة ورأت حولها والدتها، وسارة، وهاجر، وسمر، وابنتا زها، صاحت بفرح:
- أمي أمي.
وتنبهر أكثر وهي تنظر غير مصدقة ما ترى، ويسرع الجميع في احتضانها؛ والدتها، وهاجر، وسارة، والجميع يلتف حولها مرتدين فساتين جميلة، وتعانقن، وتمسكت أيديهن حولها كوردة قد تفتحت بأوراقها الرقيقة في تناغم وحب.
أنستها فرحة المفاجأة أن تسأل كيف حدث هذا؟
وظلت تحتضن الجميع حتى قالت لها سمر:
- ما رأيكِ في تلك المفاجأة؟ لقد أعددتها لكِ بمهارة وأحضرت لكِ أسرتكِ من مصر، فعائلتي ستغادر هذا المساء، فأحضرت لكِ عائلتك حتى لا تكوني وحيدة.
تقترب منها ياسمين وهي تنظر بامتنان، تحتضنها بحب وهي تقول:
- أجمل مفاجأة لي في حياتي، لا أعرف كيف أشكركِ عليها، وكيف خططتِ لكل ذلك؟
تمسك سمر بيدها وتقول:
- دعكِ من هذا الكلام، اليوم عيد ميلادك، ولكننا لن نحتفل بعيد ميلادك، بل سنحتفل بمرور أربعة عشر عامًا على صداقتنا، وسنحتفل بلم شمل العائلة من جديد، وانظري هناك.
نظرت ياسمين فوجدت سفرة مملوءة بالأطعمة المزينة والحلويات، وتتوسطها كعكة جميلة كُتب في منتصفها (صديقتي أجمل هدايا القدر)، وعلى جوانب الكعكة كتبت كل أسماء العائلتين بخط صغير، والتفت العائلة تحتفل معًا.
وصل هو إلى المطار وما كادت قدمهُ تلمس الأرض حتى أخرج هاتفهُ يطلبها، وصديقهُ ينظر لهُ ويعلم عدم صبره حتى اليوم التالي أو حتى يعود لقصره.
رن هاتفها وهي تتوسط عائلتها لا تود أن تصمت ولو للحظة في حضورهم عن الحديث، فلم تسمع هاتفها الذي يرن، نظر هو إلى الهاتف وكأنهُ يرجوه أن يجيب، فطلبها مرة أخرى وهو ينظر لصديقه ويقول:
- لن أبيت ليلتي حتى أطلبها للزواج، فلقد أرهقت الصبر بحبي لها.
رن هاتفها ثانية ولم تسمع، فطلبها للمرة الثالثة، سمعت سمر وهي تتحدث مع زها الهاتف فقالت:
- هاتف ياسمين يرن، هي لن تسمعهُ، وإن سمعت لن تجيب الآن، سأرى من الذي يتصل بها.
أمسكت بالهاتف وهي تضحك قائلة:
- ذلك العاشق الولهان.
مرحبًا.
تعجب عندما سمع صوتها في الهاتف وقال:
- سمر! لماذا لا تجيب ياسمين؟
ردت وهي تمزح:
- إنها وسط عائلتها الآن، ولم تسمع الهاتف يا أخي، فلا تقلق عليها.
رد باندهاش:
- عائلتها! أهي هنا في إسطنبول؟
- لقد وصلت والدتها وشقيقتيها اليوم، بل في هذه اللحظة بالتحديد.
ابتسم وهو يقول:
- دعيني أتحدث مع والدتها بسرعة.
كانت مترددة وهي تجيبهُ:
- كما تريد، سوف أوصل لها الهاتف.
سارت بالهاتف حتى وصلت أمام والدة ياسمين، فنظر لها الجميع وتوقفوا عن الحديث متسائلين: لماذا تقف هكذا؟
فقالت بتردد وهي تنظر لوالدة ياسمين تارة ولياسمين تارة أخرى؛ لأنها تعلم لماذا يريد أن يتحدث مع والدة ياسمين، وتعلم ردة فعل كل منهما، ثم قالت:
- أحمد السائق يود أن يتحدث معكِ.
فنظرت والدتها بدورها لياسمين التي أشاحت بوجهها للجانب الآخر طالبة النجدة من شقيقتيها.
فقالت سارة:
- أرجوكِ يا أمي، أجيبي ولا ترفضي طلبهُ أرجوكِ.
والتف حولها الجميع وهي تجيب على الهاتف، ووضعت سارة وهاجر أذنيها بجانب أذن والدتهما التي كانت تدفعهما بيدها لتبعدهما عنها، بينما تضحك سمر، وزها، وياسمين على ما يحدث.
والثاني ينتظر على الهاتف يظن أن سمر ستسافر بالهاتف من تركيا إلى مصر، وكان يضع الهاتف على أذنه، بينما ينظر إلى الساعة التي في يده الأخرى، فهذه اللحظات مرت عليه كسنوات، أخيرًا سمع صوتًا يقول:
- السلام عليكم.
فرد:
- وعليكم السلام، مرحبًا يا أمي، أنا.. أنا.. ياسمين.. ياسمين وسمر ينادونني أحمد، وسأعرفكِ بنفسي عندما نتقابل بإذن الله.
لم ترد والدة ياسمين، بل كانت لا تزال مندهشة، لماذا كلامهُ متقطع هكذا، فقال هو:
- أمي أريد أن أتشرف بمقابلتكِ لأطلب يد الآنسة ياسمين.
فشهقت سارة وقالت هاجر:
- أوه ياسمين إنهُ يطلب يدكِ.
وهي تبتسم في سرور، بينما والدتها تنظر لهما بغضب ليصمتا، وتستمر سمر وزها في الضحك، فأكمل هو:- أعدكِ يا أمي أن أبذل ما بوسعي لسعادتها.
أنت تقرأ
نجوم مختبئة
Romanceالْكَذِب كالرذيلة وَإِنّ كَانَّ مِنْ أَجْلِ الْفَضِيلَّة، فَالْغَايَة لَا تُبَرِرُ الوَسيلَّةِ، وَلَكِنّ مَاذَا لَوْ كَانَّ بَيْنَّك وَبَيْنَّ هَدَفَك كَذَّبَة صَغِيرَة؟ هَل ستصعد عَلَى سَلَالِمِ الْكَذِب الَّتِي تَهْوي بِك لِلْأَسْفَل أَم ستتمسك بِ...