رواية
نجوم مختبئةبقلم
منة طارق سليمالفصل الاول
تخطو بأقدامها نحو الطائرة كمن يخطو نحو زنزانة السجن مودعًا شمس الحرية، وتودع بعيونها الباكيتين والدتها وأختيها اللتين تبكيان على فراقها، يُغلق باب الطائرة عليها كإغلاق باب القبر ولا تدري هل تساق إلى الجنة أم إلى النار، وجلست على مقعدها مكبلة بحزنها ويثقل ذلك الحزن شعورها بالندم.
ركوب الطائرة والسفر إلى دولة أخرى كان أكبر من أن تحلم بهِ يومًا، ولم يخطر ببالها أنها عندما تركبها لأول مرة ستكون هربًا من شيء اقترفتهُ وفراقًا لعائلتها. فذكرها هذا بما فعلت والذي أدَّى بها إلى الرحيل، وبغضبٍ فتحت حقيبتها وأخرجت منها رواية كُتب عليها نسيج الشيطان تأليف ياسمين المصري.وانهالت عليها بأصابعها وأظافرها تمزق صفحاتها تمزيقًا حتى مزقتها عن آخرها، فلم تترك منها صفحة واحدة، حتى تحولت الأرض أسفل قدميها إلى فراش أبيض ممزق مغطى بصفحات روايتها، وفي نهاية هذا الفراش رأت أقدام المضيفة فارتفعت ببصرها، جميع مضيفات الطائرة يقفن في ذهول مما فعلت ونظرات التساؤل على وجوههن!
ثم نطقت أحداهن قائلة: آنستي هل أنتِ بخير؟!
فخجلت وأدركت أنها لم تكن بمفردها مع حزنها وغضبها، بل هناك آخرون على متن طائرة الحزن والفراق، ردت بخجل: أجل أنا بخير، آسفة على إزعاجكم.وغير قلمها ودفترها ما كان لها من صديقٍ تحكي لهُ حزنها، ففتحت حقيبتها وأمسكت بصديقها وفتحت صفحة جديدة بيضاء تحاول أن تكتب، فلم تجد القلم يكتب سوى قصتها الحزينة التي تعيشها الآن.
عقلها لا يسعفها بأي من قصصه الجميلة وتخلى عنها الإلهام الذي كان يعشقها فتوارى خلف أحزانها في خجلٍ منها لا يود العودة حتى تهدأ، وبحر خيالها قد جف وفي قاعه لن يتبقى سوى صخور الندم، فهربت من كليهما بالنظر إلى نافذة الطائرة، لتجد الطائرة تُحلق بجانب رحلة حياتها منذ البداية..فتاة بعمر الرابعة عشر بريئة الوجه ينسدل عليه شعر أسود ناعم كثيف جالسة في غرفتها على الأرض فوق حصير مهترئ وأمامها الطبلية عليها دفتر كبير مفتوح وتتكئ بظهرها على الكنبة الممزق فراشها الذي يغطيها وسعيدة وهى تنظر إلى دفترها بعد أن كتبت بهِ عشر قصص جميلة، دفترها الذي اشترتهُ بعد ادخار مصروفها لشهرٍين كاملين، فُتح عليها باب الغرفة ..
ففزعت واغلقت دفترها بسرعة، ولكنهُ كان قد لاحظهُ، تقدم نحوها والدها خطوات وهو يرتدي جلبابه الواسع الصعيدي التقليدي وامسك بالدفتر وقرأ بعض من كلماته، نهضت هى من جلستها وشبكت أصابع يديها في توتر ثم هوى على وجهها الأبيض كالسحابة بصفعة قوية أذابت بياض وجهها ليحل بدلًا من البياض آثار أصابعهِ من الألم، ثم مزق صفحات دفترها بغضب وهو يصيح في وجهها الخائف بعنف قائلا: هل أشقى طوال نهاري لأدفع لكِ مصاريف مدرستكِ لتذاكري وأنتِ تكتبين قصص تافهة عن العشق؟!
أنت تقرأ
نجوم مختبئة
Romanceالْكَذِب كالرذيلة وَإِنّ كَانَّ مِنْ أَجْلِ الْفَضِيلَّة، فَالْغَايَة لَا تُبَرِرُ الوَسيلَّةِ، وَلَكِنّ مَاذَا لَوْ كَانَّ بَيْنَّك وَبَيْنَّ هَدَفَك كَذَّبَة صَغِيرَة؟ هَل ستصعد عَلَى سَلَالِمِ الْكَذِب الَّتِي تَهْوي بِك لِلْأَسْفَل أَم ستتمسك بِ...