سمر وياسمين تتحدثان في الغرفة تتناقشان، وتظهرا من نافذة حجرتهما، والغرباء يراقبون بكاميراتهم من السيارة، ومحمد ينظر من نافذة المطبخ، ثم يحوم في الحديقة وفي عيونه الشك.
بعد قليل عاد لغرفتهُ وتناول عصاة مصنوعة من حديد وخرج، فلفت هذا انتباه حسن الذي خرج خلفهُ مسرعا، فالأمر يدل على أنهُ ذاهب لضرب أو تهديد أحدهم.
سار محمد بخطى واسعة خارج القصر وهو ينظر من بعيد إلى تلك السيارة التي يشك أنهُ رآها من قبل في نهاية الطريق المؤدي للقصر، سارع في خطواته في اتجاه السيارة، وفجأة سمع صوت صراخ يأتي من الاتجاه الآخر.
فلتفت ليرى ابنتهُ في الشارع يجري خلفها كلب أحد الجيران، فغير مسارهُ بسرعة وعاد وإلتقط طفلتهُ وهي على بعد شبر واحد من الكلب، وهدئ من روعها، وهي تبكي وترتجف، ووصل إليهما حسن وقال:
- كنت أتبعك وأنت تسير، فلم أنتبه لتلك الصغيرة وهي تخرج من باب القصر.
فتذكر محمد ما كان خرج من أجله فنظر.. فلم يجد السيارة، فعض على شفتيه ودار حول القصر من كل الجوانب، بل وفي المنطقة القريبة فلم يجدها.
سألهُ حسن ثانية وهو متعجب:
- عن أي شيء تبحث؟
حك عيونهُ بيديه وقال:
- لا شيء، يبدو أنني أحتاج للراحة، على الرغم من أنني لا زلت في إجازة!
بينما تجلس هي في غرفتها وتقف سمر فوق رأسها وتقول:
- أرجوكِ فقط اخرجي معنا هذه النزهة، فهي الأخيرة.
- سمر أنتِ تعرفين أنني أخجل من الرجال الغرباء.
- وإن يكن نحن نجلس معًا كنساء، وهما سيجلسان على منضدة أخرى كما كنا نفعل.
- أشعر أنني لا أنتمي لهذه الاسرة وليس لي البقاء بينهم.
ردت سمر وهى تنظر لها بحب
- عندما أترككِ وحيدة أشعر كأني تركت طفلتي، أرجوكِ اخرجي معنا فقط هذه المرة.
تحت إلحاح صديقتها لا تملك سوى الموافقة، وخرجت معهم، واتجهوا إلى أحد الحدائق، حيث تناولوا غداءهم كلٌّ منهم على حدة.
وخرج هو من شركته شارد الذهن يفكر: إلى متى سأظل أشعر بالوحدة كلما توقفت عن رؤيتها؟ هل أصبحَتْ جزءًا من حياتي دون أن أدري؟ ثم راوغ نفسهُ قائلًا:
- هذا طبيعي؛ لأنني اعتبرها بمثابة شقيقتي.
أمسك هاتفهُ وطلبها، ردت:
- ألو.
- أنا آسف لأنني أتصل وأزعجكِ، ولكن أردت فقط الاطمئنان عليكِ.
- أنا بخير، شكرًا على اتصالك.
- هل توقفتِ عن الخروج؟ فلم تعودي تطلبيني لأقلك منذ أسبوع.
ابتسمت وقالت:
- اخرج مع سمر، إننا في حديقة الحي الذي نعيش بهِ.
رد بابتسامة
- أعرف هذه الحديقة الجميلة، أتمنى لكِ قضاء وقت ممتع.
كان قد وصل بسيارته إلى منتصف الطريق، وقف بسيارته في الطريق وهو يطرق برفق بأصابعه على عجلة القيادة ويفكر، ثم أدار سيارتهُ إلى الاتجاه الآخر، وفي دقائق وصل إلى الحديقة.
بالقرب منها محل للزهور، ذهب إليه واشترى باقة من الزهور الحمراء، تناول الزهور من البائع، وتوقف للحظات وهو ينظر لها ويفكر، ثم عاد لسيارته والتقط دفترًا صغيرًا وكتب في إحدى صفحاته (التقيت بكِ لمرات معدودة، لم يتعدَ كل لقاء منها عدة دقائق، ولكن روحي تألفكِ وكأنني أعرفكِ منذ سنوات، فهلا تسمحي لي بمعرفة أي فرد من عائلتك لأطلب منهُ ما يطلبهُ أي شاب يُحب فتاة ويرغب منها أن تكون زوجةً لهُ؟)، ثم وضع الورقة بداخل باقة الزهور، وحمل الزهور وسار وهو في قمة السعادة.
بعد أن أنهى الجميع غداءهُ ذهبت سمر تلتقط صورًا لنفسها في الحديقة، ثم اتبعها محمد، ثم زوجتهُ والأطفال، وأخذوا يلتقطون صورًا، وظلت ياسمين على الطاولة بمفردها، وحسن على الطاولة الأخرى بمفرده أيضًا يفكر:
- ليس من الذوق تركها بمفردها، فذهب إليها وقال:
- هل يمكنني التحدث معكِ قليلًا؟
ارتبكت لمجرد رؤيتهُ، فلم ترد، فأعاد هو كلماتهُ، فتلعثمت في الحديث ولم تجبهُ بنعم أو بلا، بل نظرت في اتجاه سمر.
فأضاف هو قائلًا:
- لا أقصد مضايقتكِ، أنا أعتذر، واستدار ليغادر، وهي تفكر قد يظن أنني مغرورة، فقالت:
- مهلًا، لا تظن أنني متكبرة، أنا فقط من نفس الثقافة التي جئت منها، وقفت من مقعدها وخطت قليلًا أبعد عن الطاولة وهي تقول كلماتها.
استدار لها وقال :
- أجل، أنا أفهم ذلك، لا عليكِ، كنت أود فقط أن أقول أن رواياتك رائعة، فأنا كنت أقرؤها عندما تحضرها أختي زها أو زوجها.
ردت بخجل
- أشكرك على هذا الثناء الجميل.
- لدي إحدى روايتك هنا، هل تشرفيني بتوقيعك لها ؟
استمر الحديث بينهما لدقائق وهما واقفين.
سليم يبحث عنها في الحديقة: أين هي؟ أين هي؟ زوجتي المستقبلية أين هي؟
ظل يبحث عنها حتى رأى سمر مع شقيقها، فتبسم عندما تأكد انهنفس الطباخ الذي قابلهُ في الفندق، إذن ياسمين قريبة من هنا، دار بعيونه يبحث عنها ثم توقفت عيونه وهو ينظر مصدوم لذلك الشاب الذي يتحدث معها.
تغير لون وجهه ولا يستطيع أن يصدق عيونهُ، تجمد في مكانه للحظات كصنم، ثم كسر صمتهُ بغضب ساخط وألقى بالزهور في أقرب سلة مهملات وغادر الحديقة دون أن ينظر خلفهُ، ركب سيارتهُ وقام بوضع رقمها في قائمة الرفض هي وصديقتها، ثم أغلق هاتفهُ وعاد لقصره، يشعر بغضب ممزوج بخذلان وحزن.
على قدر الحب يكون الألم عند الجرح ممن أحبابنا، وعلى قدر الثقة تكون الكسرة أعنف وأقسى فيمن وثقنا بهِ وخذلنا.
عقلهُ يفكر: كيف أنسى ما قد رأيت؟ وكيف أخرجها من حياتي كما أدخلتها؟ ظل صامتًا بدون حراك، ثم أمسك بدفتره ينظر إلى رقم أحد الصحفيين ويحاول البحث عن ياسمين المصري، وعاد يرسل لها الرسائل من جديد.
لم يتناول غدائهُ، أو عشاءهُ، أو إفطارهُ، وذهب إلى شركته ينهي أعمالهُ بدون أن يتحدث، وعندما وصل لهُ أُوغلو رأى على وجهه ما يخفي، فقال:
- ماذا هناك يا صديقي؟
نظر له الآخر بجفاء وقال:
- أنت تأتي إلى هنا كثيرًا، ماذا عن فرع الشركة الثاني الذي تديرهُ؟
- إنهُ يسير على أفضل حال، وسمر رائعة في توظيف الأشخاص في أماكنهم و..
فقاطعه سليم قائلًا:
- سمر لا زالت مبتدئة في الإدارة، ولا يجب عليك الاعتماد عليها بهذا الشكل، حتى وإن أظهرت براعة.
فهم أوغلوا الآن أنهُ يواجه مشكلة في حياته وليس في العمل، فغير الحديث إلى السفر القادم الذي يجهزان لهُ، وتابع الاثنان النقاش عن العمل.
وعندما كانا في طريقهما للخروج قال سليم:
- إنك تؤدي كل المهام بشكل رائع وصديق وفي، ولكنك فشلت في مهمة وحيدة لم تنجزها حتى الآن.
- ما هي؟
- لم تعثر على ياسمين المصري.
- لا عليك يا صديقي، سوف استمر حتى أوقع بسمر فتخبرني عنها.
ضحك سليم بسخرية وقال:
- سمر الكاذبة توقع بمئة شخص ولا تقع.
- لا أنا سأوقع بها لأنها تثق بي، ولا تعرف أنني أعرف حقيقتها.
لاحظ إعجاب صديقهُ بها الذي ظل يتحدث عنها، فقال :
- أحذر منها، انها كاذبة، وقد تكذب في مشاعرها أيضًا، كما إنها ترغب في الزواج من شخص ثري، إنها تحب المال لا الرجال.
لم يعجبهُ كلام سليم لأنهُ بدأ يفكر، بينما قلبهُ يتحدث، فقال:
- لماذا أنت غاضب منها هكذا؟ لقد كنت تعتبرها شقيقتك هي وصديقتها.
رد بحزن واضح في صوته وكأن صوت القلب هو الذي يتحدث، وكأن المشاعر هي التي تنطق وقال:
- تبدو بريئة خجولةُ، وقد رأيتها مع شاب بالأمس في الحديقة تقف معهُ وتتحدث وتبتسم.يتبع
أنت تقرأ
نجوم مختبئة
Romanceالْكَذِب كالرذيلة وَإِنّ كَانَّ مِنْ أَجْلِ الْفَضِيلَّة، فَالْغَايَة لَا تُبَرِرُ الوَسيلَّةِ، وَلَكِنّ مَاذَا لَوْ كَانَّ بَيْنَّك وَبَيْنَّ هَدَفَك كَذَّبَة صَغِيرَة؟ هَل ستصعد عَلَى سَلَالِمِ الْكَذِب الَّتِي تَهْوي بِك لِلْأَسْفَل أَم ستتمسك بِ...