الفصل الثالث

536 20 0
                                    

رواية
نجوم مختبئة
الفصل الثالث
بقلم
منة طارق سليم

ظل يراقبهما وهما تسيران، فاستمع إلى ياسمين وهي تقول لها: هل تعلمين؟ لقد كان أحمد هنا في الفندق.
تساءل هو من يكون أحمد؟
فقالت سمر: من أحمد هذا؟
- أحمد السائق المصري الذي أوصلنا.
فردت سمر بسخرية:
- هل من الممكن أن تقولي السائق حتى لا أرهق عقلي في التفكير ، ثم تغيير لون وجهها قليلا وهى تنظر لها قائلة: أرجوكِ لا تخبريني أنكِ جلستي معهُ، هل نسيتِ مبادئك وهي التحفظ في التعامل مع الرجال!
ردت ياسمين وهو تمد يدها وتمسك بيد سمر.
- كيف استطعتِ التخمين أنني جلست معهُ؟
- وجهكِ البريء لا يمكنهُ إخفاء أي شيء.
- لأنكِ صديقتي فتفهمينني من قبل أن أتحدث، وأنا كذلك أعرف أنكِ غاضبة لأنني جلست مع سائق، لو كان رجل أعمال أو ثري ماذا سيكون رأيكِ؟

لم ترد بل تنهدت فحسب وأخذت تتفحص هاتفها، فأكملت ياسمين: لكن لقد ذكرتني بالخطأ الذي ارتكبتهُ بالفعل، ما كان عليَّ الجلوس معهُ.
وهو يسير خلفهما ويقول في سره، بالفعل ما كان يجب عليَّ أن أتبعهما، فأنا أخسر أخلاقي دون أن أدري وأتجسس عليهما، ومع ذلك سار خلفهما طويلًا يكتشف هاتين الفتاتين المتناقضتين المتقاربتين.

بعد عدة أيام
كانت جالسة في القصر وحيدة تمسك بالقلم وترجوه أن يعود صديقًا لها، وتعتذر عن خطئها بهِ عندما دعتهُ بالقلم الأسود، وهو لديه عزة نفس غير مسبوقة، فلا يجري بكلماته كما اعتاد معها، ولا يساعدها في استرضاء عقلها ليعود فيكتب، لقد غضب كلاهما منها وتخاصما معها وجفَّ ما بقي من بحر كلماتها حتى اصطدمت بالقاع، وليس في القاع إلا الصخور.
تركت القلم وأخذت تحاول أن تغير تفكيرها قليلًا، طافت في الحديقة مرات ومرات، ثم تحدثت مع أمها وشقيقتيها، ثم عادت تحاول الكتابة فوصلت لنفس النتيجة، لم يعد هناك من شيء تفعلهُ ودارت بعيونها في القصر، ثم أمسكت بالمكنسة وكنست، ثم رتبت كل شيء وغسلت الأطباق، وأخيرًا قررت أن تعد الغداء لها ولصديقتها.

سمعت باب القصر يُفتح، لقد عادت سمر في الوقت المناسب لنتناول الغداء الطازج معًا، وضعت الأطباق على السفرة وهي تبتسم تنتظر خروج سمر من غرفتها لتسعدها بالغداء.
خرجت الثانية من غرفتها وشمت رائحة الطعام فاتجهت مباشرة إلى ياسمين، ونظرت إلى الطعام نظرة حادة، وقالت بنبرة صوت تقترب من الصياح: ما هذا يا ياسمين؟!
ردت الثانية بحذرٍ وتعجب:
- الغداء.
- ومن الذي أخبركِ أن تعدى هذا الغداء؟
- لست بحاجة أن يخبرني أحد.
- إذن أنتِ تعلمين ما عليكِ فعلهُ، ومع ذلك تتخاذلين عن القيام بهِ وتضيعين وقتكِ الثمين في أعمال منزلية تافهة وإعداد غداء يمكنني أنا القيام بهِ بكل سهولة.
- سمر أنا أعلم أنكِ تودين مني أن أستمر في الكتابة، ولكن لا أستطيع أن أكتب، إذن ماذا أفعل الآن؟
- هذا لأنكِ قلقة جدًا وتنسين أنكِ قد نجوتي من الخطر ولا داعي للقلق مجددًا، هيَّا حاولي أن تستعيدي موهبتكِ؛ فهي كنزكِ الثمين.
- لا أستطيع أن أكتب كلمة واحدة، وكأن أحدهم قد سرق عقلي بكلماته وخياله الخصب.
قالت وهي تضع يدها على كتفها برفق:
- حاولي مجددًا، لقد بدأتِ في كتابة روايتكِ الأخيرة قبل أن تحدث هذه المشكلة عندما كنتِ في مصر، والآن قد انتهت المشكلة، عليكِ المحاولة مجددًا.
زفرت ياسمين وقالت
- لا أستطيع أن أعتاد المكان من حولي أو حتى الأشخاص، فكيف تستطيع الألفة أن تصل إلى عقلي فيعود لطبيعته! أو حتى يصل الاطمئنان إلى قلبي فيساعد عقلي في خواطره؟!
- حاولي مجددًا يا ياسمين وهيَّا لنتناول ذلك الغداء.
تناولت ياسمين القليل من الطعام، ثم اتجهت إلى اللاب توب وسمر تحمل الأطباق إلى المطبخ، ثم ذهبت سمر إلى غرفتها تقوم ببعض الأعمال الخاصة بها، وبعد مرور بعض الوقت سمعت ياسمين تصيح: سمر، سمر تعالي إلى هنا بسرعة.
فنهضت من على سريرها وهي تهرول بفزع حتى وصلت إلى ياسمين فوجدتها تجلس بسعادة أمام اللاب توب وتتبسم، فصاحت بها:
- ماذا هناك؟ لماذا كنتِ تصرخين؟
أشارت إليها بيديها وهي تقول:
- انظري هنا.
نظرت سمر إلى اللاب توب، ثم شهقت بفرحٍ وهي تقول: لقد تصدرت روايتكِ الأخيرة أكثر الروايات مبيعًا، يا لهذا الحظ العظيم! ألم أخبركِ بذلك، إذن إحدى رواياتكِ وضعت اسمك وسط مشاهير الكُتَّاب والآن هذه ستضعكِ وسط الأثرياء، وليس هذا فحسب، بل ستروج إلى رواياتكِ السابقة المنسية بشكل أكبر.
احتضنت الفتاتان بعضهما، ثم قالت سمر: إذن هذا الخبر كافٍ لجعلك تكفين عن القلق وتعودين للكتابة، وأنا كما تعلمين سأستمر في كوني صديقتكِ ومديرة أعمالك.
ردت ياسمين: لا تكوني سخيفة، بل صديقتي وأختي، فلولا ما قد بذلتِ من جهد لما وصلتُ إلى هذا النجاح، ألا ترين أننا نعمل كفريق يكمل بعضنا الآخر؟
- هذا صحيح.
- سوف أزف البشرى لأمي وشقيقتي سارة وهاجر.
ردت سمر وهى تغادر الغرفة
- وأنا سأعد عشاءً مميزًا من أجل الاحتفال.
ظلت ياسمين تتحدث مع عائلتها لوقت طويل حتى قالت والدتها: إذا لم تنهِ المحادثة الآن فلن تذهب واحدة منهما للمذاكرة.
ضحكت ياسمين وقالت
- كما ترغبين يا أمي سأنهى المحادثة مع السلامة.
أغلقت اللاب توب وخرجت من غرفتها لتجد سمر تضع على السفرة طبقين من الدجاج مزينين بشكل رائع وملفت، وجاءت سمر وهي تحمل طبقين آخرين وتقول: تفضلي سوف نتناول عشاءنا كأثرى فتاتين في تركيا انظري، وكانت تشير إلى الأطباق.
وياسمين منبهرة وهي تقول:
- حقًا يا سمر! أين تعلمتِ الطهو بهذه الطريقة الرائعة؟
ردت سمر وهى تضع أدوات السفرة
- تعلمتهُ من أخي، إنهُ أفضل طاهٍ في اسطنبول جاء إلى هنا منذ ثمانية أعوام، وكان يعمل في أحد المطاعم، ونظرًا لمهارته فقد صنع خلطة سحرية تجعل طعم الدجاج، والطيور، واللحوم مذاقها رائع بشكل لا يصدق، وقد نصحته بألا يُعْلِم أحدًا بها؛ لأنها بصمتهُ الخاصة، وقد استمع لي، ولذا فقد ذاع صيتهُ في فترة قصيرة وحصل على عمل في فندق فاخر براتب خيالي، وهو من ساعدني للسفر إلى هنا وفي العثور على عمل.
- لماذا لا تعيشون معًا؟!
- كنا نعيش معًا قبل أن ينتقل للعمل في الفندق، وبالتالي انتقل للعيش هناك بالقرب من عمله، وتزوج من أحد الفتيات العراقيات المهاجرة إلى تركيا منذ زمن، وأنا لا يمكنني المغادرة بسبب عملي، والآن لا مشكلة، فنحن نعيش سويًا أنا وأنتِ.
ثم بدأتا في تناول الدجاج، ما إن تناولت ياسمين قطعة صغيرة حتى قالت: لقد كنتِ محقة، هذا الدجاج طعمهُ مذهل.
وأخذت تكمل تناول طعامها وهي تفكر في سمر كيف أنها موهوبة في تعلم الأشياء بمهارة، لغات، تسويق، وحتى الطهو، ومع كل ذلك تظن أنها لا تمتلك موهبة!
فقالت: سمر لماذا لا تفكرين أنتِ وشقيقكِ في فتح مطعم تقدمان بهِ هذه الأطعمة المميزة؟
- سيحتاج للكثير من المال.
- افعلي مثلي وادخري المال واستثمريه، ثم افتتحا المطعم.
- وماذا بعد افتتاح المطعم؟
- تدخرون المزيد من المال، وتفتتحون مطعمًا آخر وثالث ورابع، وهكذا حتى تمتلكون سلسلة من المطاعم وتصبحان أثرياء، أليس هذا ما تحلمين بهِ؟
ردت سمر وقد تقوص حاجبيها
- قد يستغرق الأمر عشرين عامًا لكي يتحقق.
- ولكن لو كتب الله لكما الحياة ستمر العشرون عامًا وتجدون أنفسكم أثرياء، وهذا أفضل من أن تمر وتجدون أنفسكما لا تزالا موظفين تتقضيان راتبًا شهريًّا محدودًا وتضطران للاستمرار بالعمل الشاق لكي يستمر المال، فأنا مر على عملي كروائية تسع سنوات والآن أنا في وضع جيد بفضل الله.
- سيكون شبابي قد رحل وشاب شعري ولن أتمتع بالمال.
- ولماذا تعلقين المتعة حتى تصلين إلى الثراء؟ عيشي الأمر بشكل تدريجي كلما تحسنت أوضاعكِ المالية عيشي حياتك بشكل أفضل.
- أيتها الروائية هيَّا بدلًا من إعطاء النصائح تذكري أن هناك رواية يجب إنهاءها.
ردت وهى تضم شفتيها
- أرجوكِ لا تكوني كأمي عندما كنت في الجامعة، كانت لا تترك دقيقة إلا وتقول لي: ياسمين هيَّا ذاكري، وإذا رأتني أقترب من التلفاز تقول عليكِ المذاكرة وليس مشاهدة التلفاز، وإذا رأتني أتجه إلى أي شيء تكرر نفس الكلمات، والأكثر من ذلك عندما أصبحت رواياتي تحقق لنا دخلًا أصبحت أمي تعيد نفس الأمر بالنسبة للكتابة.
فردت سمر: أنا أتحدث معكِ من أجل مصلحتكِ.
فردت ياسمين وهي تضحك قائلة: هي أيضًا كانت تقول لي هذا، لقد تركت أمي في مصر وكنت غاضبة، والآن أجد نسخة منها هنا، ولكن هل تعلمين؟ لقد ألحت عليَّ في المذاكرة حتى تفوقت في دراستي أثناء الجامعة وأتقنت اللغة العربية التي أفادتني كثيرًا عندما اتخذت الكتابة كعملٍ لي.

***************
كان هو في قصره وجاء إليه أُوغلو لقضاء المساء معًا، وبعد برهة من الوقت قال أُوغلو: إذن كيف سار الأمر مع تلك الكاذبة التي ذهبت لها منذ عدة أيام؟
اتكأ على الكرسي وأخذ يضحك وهو يقول: لقد كانت كذبة كبيرة، وتحولت معي إلى مزحة أكبر، وظنت أنني سائق، وأنا أتسلى بها حتى أرى نهاية كذبتها.
فرد أُوغلو باندهاش: سائق! ظنت أنك سائق؟ يا للسخافة!
- الغريب في الأمر أنني وجدت فتاة أخرى معها عيونها خضراء غاية في البراءة اسمها على اسم حبيبتي ياسمين، هل يمكن أن تعرف لي من هي؟
- أعطني اسمها وأنا أجمع لك معلومات عنها.
- اسمها ياسمين.
نظر لهُ صديقهُ وكتم ضحكتهُ وقال: ياسمين! هذا مفيد للغاية؟ ثم ضحك وأكمل: أهذا كل ما تعرفهُ عنها؟
- أجل كل ما أعرفهُ عنها اسمها ورقم هاتفها؛ لأنها أيضًا تظن أني سائق وهذا يعجبني.
- وكيف أجمع عنها معلومات إذن؟ ولماذا تهتم لأمرها؟
تنهدت بهدوء وقال
- أشعر أن خلفها قصة، كما أنها جاءت إلى تركيا حديثًا، فقد تكون مهاجرة وتحتاج إلى عمل، أنا أود مساعدتها حتى لا تنزلق مع صديقتها الكاذبة، فهي على النقيض منها تمامًا.
ثم أمسك بهاتفه ونظر إليه وكأنه يتمنى أن تتصل بهِ، استوعب ما يفكر بهِ، فقال يغير من تفكيرهِ:
- أخبرني ألم تتوصل إلى أي طريقة للوصول إلى حبيبتي؟ منذ سنوات وأنا أحاول الوصول لها، لقد مللت الانتظار، وزاد شوقي لها..

يتبع

نجوم مختبئة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن