الجزء الرابع

914 32 0
                                    

بعد مرور ايام..
طلبت سعاد من أبنها ايهم ، ان يجلس ليتحدثا.
كان منظره  بائساً  مما جعل امه تطلق حسرةً
من قلبها لرؤيته بهذا المنظر ، وتقول :
ــ أبني حبيبي..مابكَ؟
ألتفت اليها وقال مستغربا :
ــ كل الذي حدث وتسأليني مابي؟!
ــ ماحدث يمكن أصلاحه !
قال بأنفعال :
ــ يتصلح بزواجي بمنى ؟!
ــ ولما لا..بنت عمكَ وتحبك..ومصلحتنا معهم.
نظر إليها بتعجب وقال :
ــ أهذه أنتِ حقا من يتحدث هكذا ؟!
ــ إنها الحقيقة يا بني ..كما أن الاهم ان منى تحبكَ
وقد شاهدت بعينكَ مافعلته لأجلكَ !
أطال النظر إليها وعيونه يملأؤها الحزن :
ــ وماذا عن سمر؟!
ــ ابني..سمر فتاة طيبة والله شاهد أني احببتها
كإبنة لي..لكن انتَ ترى الضغوط والمشاكل..عمكَ
لن يتركك بحالك ..حتى لو نست منى..هو لن ينسى !
ــ إذ كان لابد من الزواج بمنى..فسأتزوج سمر ايضا !
رفعت حاجبها مدهوشة وقالت :
ــ ماهذا الكلام؟..ومن منهما ستقبل بذلك؟!
-- ساتزوج سمر من غير علم منى.
--  ماهذه الافكار ال.....مابكَ انت؟!
--  أنا واقع بغرام سمر يا امي..هذا  مابي !
--  آه عليكَ ياولدي... ليت الامر بهذه السهولة!
نهض واقفا وقال :
--  هذا قراري النهائي..إن كان لابد من أن أتزوج منی..فسأتزوج سمر ايضا...حتى لو أضطررت ان اجعل أحداهما في بيت لوحدها !
.......................................................
كانت سمر تسمع مايدور بين أيهم ووالدته من حديث عنها .
واحست بخطوات أيهم تتجه نحوها.
تقدم نحوها ، فتجاهلت وجوده ، جلس على أحد كراسي طاولة الطعام ،وقال :
--  لقد حدثت امي بشأن قراري الاخير..اظنكِ سمعتي كل شيء..كان صوتنا عاليا على ما اظن !
ألتفتت إليه وقالت :
-- ومن قال إني سارضى ان اكون أمراةً ثانية بحياتك؟!
ضرب على الطاولة بيده بقوة ، ارعبتها ،وقال بعصبية :  --سمر..أنتِ تتعبينني هكذا..أنا لازلت متمسكا بكِ حتى الان..اخبرتكِ ان زواجي بمنى مجرد زواج اضطراري ..أما انتِ فانت هي ملكة قلبي وحبيبتي !
--  أيهم ..أنتَ من يتعب نفسك..اتركني..وتزوج بنت عمك..ستحبها بمرور الوقت..مادامت هي تحبك..وسيحبك عمك ايضا..وستعيش براحة وسعادة...لكن إن تزوجتني..  فسيكون الخوف والحيرة والقلق مصيركَ معي !
تنهد واخرج حسرةً كبيرةً ،ثم قام واقترب منها وقال:
--  ترفضين ان تكوني زوجتي إذا؟...لن تقدمي التضحيات؟...أهذا قراركِ النهائي؟
قالت والدموع تتلألأ بعينيها :
--  هذه اكبر تضحيةٍ ساقدمها لكَ !
ابتسم ساخرا ،رغم أن دموعها قد آلمت قلبه ، وقال :  -- شكرا...على التضحية !
..................................................................
بعد يومين ،في منزل عائلة منى..
أجتمع ألاب بزوجته وابنته ،وقال موجها كلامه لمنى :
يبدو ان الأفندي أيهم ..ندم على وقاحته..ويريد ان يتقدم لخطبتك..ما قولكِ ؟
تنفست الصعداء وقالت بكبرياء : بهذه السهولة؟! يرفض الزواج بي ويعترف بحب بنت اخرى ..ثم يتراجع نادما بعد فعلتي الغبية بالانتحار..لا أحتاج تعاطفه !
قال الاب : ليس تعاطفا ..بل عرف قيمتنا الحقيقة..وعاد نادما ذليلا !
فقالت أم منى : ولماذا انت مصر على ان تتزوج ابنتكَ بهذا التافه المغرور؟! حتى بعد ان خذلها !
أخذ نفسا عميقة من سيجارته وطوف دخانها في الفضاء ،
وقال : يجب ان يلقي عقابه..وعقابه سيكون على يدي منى !
استغربت منى قول ابيها ،ثم قالت بعد تفكير : اهاا..يالك من رجل ذكي ياوالدي..اعدكَ اني سأنتقم منه اشد انتقام !
راحت امها تتبادل النظر إليهما ،وقالت : مالذي تخططان له..
انه لايستحق كل هذا الاهتمام..فلنترك امره ونعيش بسلام !
....................................................................
بعد اخذ سعاد لموافقة عم أيهم بان تزورهم ، في منزلهم ،للنظر بموضوع أيهم ومنى .
حاولت إقناع أيهم بالذهاب معها ،لكنه رفض ،واخبرها انه سيذهب بعد ان يرى ما ردة فعل عمه وأبنته ، على موقفه الجديد .
فذهبت بنفسها، وقابلتهم . وقد جعلوا من أنفسهم امامها ،اصحاب كبرياء ورفضوا في باديء الأمر، لكنهم قرروا ان يعطوا ايهم فرصة ثانية ، لخاطر العشرة بينهم !
.............................................................
وفي اليوم التالي..
ذهب ايهم بصحبة والدته ،وقدم اعتذاره لعمه وابنته، وهو يكابد شعوره بالحزن والاحباط.
واتفق الجميع على أقامة الخطوبة بعد يومين فقط.
..................................................................
كانت رونق تجلس في المطبخ ، وتحدث سمر ،التي كانت منهمكة بالعمل بصورة هستيربة .
انتبهت لها رونق وقالت :
--  لماذا انت منفعلة ياسمر؟!
انتبهت لنفسها وهدات من روع نفسها ،وقالت :
-- أنا؟..لا لست منفعلة..أنا فقط احاول أن انهي اعمالي لاذهب للنوم..أشعر بالنعاس!
--  أتركي العمل من يدك واذهبي لتنامي...وفكري جيدا بعرض اخي ايهم...بصراحة..يجب ان تكوني ممتنة له
حين عرض عليكِ الزواج.
فقالت سمر بانفعالٍ :
-- بل زوجةً ثانيةً !
--  وماذا في ذلك؟..من حظكِ انه يفكر ان يجعلكِ زوجةً ثانيةً بدل ان يترككِ هكذا .
انزعجت سمر لتلميحاتها، وقالت :
-- فعلا..من حظي ان يتزوجني بالسر وهي بالعلن..فأنا..
فأنا مجرد خادمةٍ لديه ..بينما هي سيدة القصر !
قالت رونق ،وقد أحست أنها قست عليها بكلماتها :
-- لا اقصد التقليل من شأنكِ  ياسمر..لكن هذا هو الواقع ..وأيهم حاول التمسك بكِ بأي طريقة..لكنك لا تعذريه .
قالت سمر وهي تجلس بيأس :
-- لن يكون سهلا عليه ان ..يخفي زواجنا عن منی..ولست   بالقدر الكافي لمقارنة نفسي بها..فأنا مهما أكن .فسأبقى مجرد خادمة عندها وعند أيهم..لذلك اعفيته من حبي ومسؤليتي..ليتحرر ويعيش معها بسلام.
شعرت رونق بالحزن عليها ،لكنها لم تقل شيئاً ،واكتفت برمقها بنظرةٍ شفقةٍ وتعاطف.
..........................................................
وجاء موعد أقامة عقد القرآن بين أيهم ومنى.
أقيم الحفل في منزل عائلة منى ،وقد اصر ايهم ان تحضر سمر معهم ، حيث طلب من والدته أن تجبرها على المجيء،كنوعٍ من العقاب منه لها.
كان يتظاهر بالفرح والسعادة وهو يكلم أبنة عمه ، التي أصبحت زوجته بعد عقد القران .
كان شعوراً قاسياً على سمر، حتى لو أدركت أنه يتظاهر بالسعادة لأثارة غضبها وغيرتها.
وكان تصرفاً قاسياً منه ،بجعلها تعيش كل هذا الألم والظلم !
.................................................................
انتهى الحفل وعاد الجميع للمنزل ،واتجه كل منهم لغرفته ، ليستريح من تعب وضخب الاحتفال.
دخلت سمر غرفتها ،بعد ان استأذنت من الام سعاد ، التي رمقتها بنظرةِ شفقةٍ ، لكنها لم تبادر لفعل شيء ، من شأنه التخفيف عنها.
أغلقت سمر باب غرفتها ،والقت بجسدها الخاوي ،على السرير وأجهشت بالبكاء.
.................................................
جلس ايهم بتثاقل ،على طرف السرير ، وعصر راسه بيديه .وبعد لحظات سمعت صوت نغمات قصيرة من
هاتفه. نظر الى الشاشة ،فعلم ان الرسائل جائته من منى.
فتجاهلها وألقى بهاتفه بعيدا عنه.
................................................... ......
مرت الايام ، ثقيلة على أيهم وسمر ، لكنه كان يتظاهر بالسعادة ويحاول أثارة غيرتها ،بحديثه مع منى وتعامله الرومانسي المصطنع معها.
كان تصرفه هذا ، يدفع سمر للشعور بالخيبة والحزن الشديد.
كانت تقضي ليلها بالبكاء ونهارها بخدمتهم.كانت منكسرة القلب والنفس والروح ، لكنها حاولت أن تصطنع القوة والثبات..بينما الحقيقة ..أن كل شيء فيها.. آيلٌ للسقوط !
................................................................ .....
كانت هناك الكثير من لحظات الضعف ، التي تنتابهما ، يحاول كل منهما  العودة للآخر..لكن الكبرياء يقف حاجزا بين رغبتهما.
كان كبرياء سمر اشد قوة من كبرياء  أيهم..لأن شعورها بالظلم والخذلان كان أكبر !
فهي لاتملك ما تثير به غضبه لتنتقم لنفسها من تصرفه القاسي معها ، بينما هو قادر على الانتقام وأثارة غيرتها وغضبها بكل سهولة ، بمجرد أهتمامه المصطنع بخطيبته منى !
............................................................
كان جالسا ،في صالة المنزل ، يقلب ببعض أوراق العمل ، عندما جاءه اتصال هاتفي من خطيبته ، انتظر بضع ثواني قبل أن يجيب ، ثم أجابها .
قال :
-- أهلا منى..كيف حالكِ؟
-- بخير !
--  نبرة صوتكِ لاتدل على ذلك !
--  حمدا لله إنكَ تشعر بي من نبرة صوتي !
-- أ تلمحين لشيء ما؟
--  نعم المح لشيء..وهو إنكَ مامن مرة اتصلتَ بي او سا
ألت عني..دائما أنا التي اتصل .
--  آآه..نعم حقكِ ..لكن تعرفين ظروف عملي وانشغالي.
-- يجب ان أكون انا في مقدمة اولوياتك..تذكر هذا جيدا...أنا اولا وقبل كل شيء !
شعر بالنرفزة من كلامها ،لكنه جاملها قائلا ،ومتعمدا أن يسمع سمر ذلك :
-- أكيد ياحياتي..أنت اهم اولوياتي !
.............................................................. . ...
كانت سمر تسمع ..وكان قلبها يتفطر.
لاحظت رونق ، التي تجلس بالمطبخ ،معها ، لاحظت احتقان وجهها ، ورجفة يداها ، وقد سمعت هي الاخرى حديث ايهم مع خطيبته.
قامت رونق واتجهت نحو أخيها ، الذي اكمل مكالمته مع منى.
نظرت إليه بعتب ، وقالت : هلا نتحدث قليلا بغرفة المكتب؟
نظر إليها ووقف كمن لاحول له ولاقوة ،وأستجاب لطلبها .
لاحظت هي الخمول الذي ينتاب اخيها ، ونظرة الحزن التي تغلف عيناه.
جلس أيهم ، وجلست أخته قبالته.
قالت له :
--   أخي الحبيب...لما هذه القسوة مع سمر ؟
حاول أيهم أنهاء  الحديث حين عرف انه حول سمر ، قبل ان تكمل اخته حديثها. وقال :
--  رونق ..اغلقي الموضوع.
--  لا أستطيع ان اقف متفرجة..الفتاة تتعذب..إن كان لابد
لأنهاء العلاقة بينكما..فلتكن بالحسنى..من غير اللائق أن تعذبها وتقهرها بحديثكَ مع منى !
-- هي من بدأ اولا..هي من اوصلتنا لهذه المواصيل !
--  هي تحبك..ولو رأيتها قبل قليل كيف احتقن وجهها ورجفت يداها..لرحمتها.
قال هو : أنا لم افعل لها شيء..منى خطيبتي ومن واجبي الاهتمام بها.
نظرت أليه رونق بطرف عينها وقالت بتهكم : خطيبتك ؟!...صحيح خطيبتك واصبحت حبيبتك الجديدة...لكن مع ذلك اسمع مني هاتان الكلمتان..من حقكَ أن تعيش جو الرومانسية والحب مع خطيبتكَ..لكن ليس من حقكَ ان تكسر قلبا احبكَ ذات يوم !
فقال هو بتوتر :
-- ومالذي فعلته لها انا ؟ تمسكت بها حتى النهاية وهي رفضت البقاء.
قالت وهي تهم بمغادرة الغرفة :
--  لم تفعل شيء.. فقط تتعمد أن تسمعها حديثك الرومانسي مع منى.. وتلقبها بحبي وحياتي ..
كما كنت تنادي سمر !
وخرجت وتركته يلعن نفسه ويلعن سمر كذلك.
..................................................
مرت الايام ثقيلة على قلب سمر وكذلك أيهم .
واقترب موعد الزفاف  ، وزاد انفعال أيهم وتوتره..كيف سيعيش مع امراة لا يحبها ، والمرأة التي يحب على مرآى من عينيه !
كيف سيكون تصرفه مع زوجته بوجود حبيبته سمر ؟ وكيف سيكون تصرفه مع حبيبته بوجود زوجته ؟هل سيفقد السيطرة ويطلق العنان لمشاعره ام سيتحكم بها جيدا؟
والكثير من التساؤلات التي اصابته بالصداع. حتى قرر ان يحدد موعد الزواج باقرب وقت ؛ لينتهي صراعه مع التفكير.
وتم تحديد موعد الزفاف.
وخلال الايام التي سبقت الزفاف ، كان ايهم يقضي اغلب وقته خارج المنزل..لان رؤيته لسمر تتعب قلبه وتشتت افكاره.
.......................................................
وجاء موعد الزفاف ، واحست سمر بعدم قدرتها على البقاء.
فقررت ان تترك العمل عندهم.
جاءت وابلغت سعاد بقرارها ، فصدمت سعاد وتمسكت بها وحاولت اقناعها بالبقاء.
وحتى رونق توسلت إليها ان تترك هذا القرار .
قالت لها سعاد : حبيبتي سمر...انت فتاة وحيدة اين ستذهبين لو تركتنا.
اجاب وهي تحاول ابتلاع الغصة التي في  صدرها : سأذهب لجارتي ام محمد..حتى اجد لي عملا .
امسكت سعاد بيديها وقالت لها : هذا تسرع وتصرف عاطفي..ستندمين عليه لاحقا..فالافضل ان تفكري جيدا..وتتخذي القرار الذي يمليه عليك عقلك .
تنهدت سمر واضافت سعاد : اعلم ان الموقف صعب عليك..لكن يا ابنتي هذه الحياة لاتعطينا كل مانريد.. والقوي فينا هو من ينظر للامور بمنظار الحقيقة والواقع..ويحارب عواطفه إن كانت تدفع به لطريق مسدود...لست اقول انه لايجوز  ان تحبي او تتزوجي من ايهم..انا فقط اقصد ان الانسان عنده خياران..
إما ان يستسلم للامر الواقع ويرمي عواطفه جانبا..وإما
ان يتنازل ويرضى بما يُقَدم له حتى لو كان قاسياً.
فهمت سمر تلميحات سعاد، وقالت لها بيأس : معك حق سيدتي
سافكر في الامر ثانية..والله المعين.
...........................................................
وتراجعت عن فكرة ترك العمل عندهم ؛ ليس فقط بسبب كلام سعاد ، بل كانت فعلا حائرة اين تذهب ..فليس لها احد بهذا العالم سوى جارتها القديمة ام محمد ، وهي اتعس حالا منها
وبلكاد يكفي بيتها لها ولاطفالها .
وقررت ان تقوي قلبها وترضى بقدرها وتستمر بمحاولة قتل مشاعرها تجاه أيهم.
.........................................................................
في اليوم المقرر للزفاف..
انشغل الجميع بالتحضيرات  ، وحاولت سمر بكل مابها من قوة ان تتظاهر بالصلابة وان تعمل بشكل طبيعي.
واقيمت مراسيم الزفاف في قاعة مناسبات.
وامتنعت سمر بشدة  عن الذهاب معهم ؛ فلم تكن تريد ان تقع عيناها بعيني أيهم ؛ حتى لا تنهار.
..............................................................
وانتهى الحفل وعاد الجميع لمنازلهم ، عدا أيهم وعروسته منى ،فقد ذهبا لقضاء اسبوع بأحد فنادق اربيل .
...........................................................

الحب للشجعانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن