في اليوم التالي..
نزل أيهم من غرفته ليذهب لعمله ، وبما ان منى تعلم ان رونق وسعاد لازالتا نائمتان ، فقد اسطنعت هي الاخرى النوم ؛ لتغافل ايهم وتنزل خلفه بخطوات بطيئةٍ وصامتةٍ.
لاحظته يدخل المطبخ ، فأسرعت بصمت ووقفت تنصت
لما قد يحدث.
دخل هو المطبخ ، والقى تحية الصباح.
تفاجات سمر والتفتت وردت عليه التحية.
اقترب منها وقال : كيف حالكِ سمر.
أجابت : بخير..الحمد لله.
قال : اسف لانكِ بقيتي وحدكِ بالمنزل...هل كنت بخير .
أجابته : نعم ..الحمد لله...هل تريد تناول الفطور؟
اقترب اكثر وامسك يدها وقال : سمر...الن تغيري رأيك؟ الن نعود كما كنا؟!
نظرت لعينيه الحزينة وقالت : واين وقتك لو عدتُ لكَ ؟ اشكر الله انني اعفيتكَ من هذا الحب...فانت رجل مشغول حقا بعملكَ وزوجتكَ !
تنهد هو وقال وهو ينظر لساعته : لازلت متمسكة بقراركِ ..لقد تاخرت ..عالاقل ارفعي عني الحظر ولنتكلم براحة .
ابتسمت بسخرية وقالت : أرايت ليس عندك متسع ٌ من الوقت بعد الان...اذهب سيد ايهم لا اريد ان تتأخر عن عملكَ بسببي.
تنرفز وصك اسنانه وقال : اصبحت ِ كالحجارة !
.................................
نزلت منى ، بعد ان خرج ايهم من المنزل ، ووقفت بمنتصف الصالة ، ونادت بغضبٍ على سمر.
فزعت سمر لسماع صوتها وارتبكت وذهبت نحوها والقت تحية الصباح بصوت مرتجف.
لم ترد منى عليها التحية ،بل قالت لها : اين الفطار ؟ تعدت الساعة الثامنة وانت مسترخية !
قالت سمر والعبرة تخنقها : الفطار جاهز..انا مستيقظة منذ السادسة صباحا..كنت انتظر ان تستيقظوا لأعد السفرة .
لم تعلق منى ، لكنها كانت تبحث عن اي سبب لتعنيفها فقالت :
ثم ماهذا الذي ترتدينه ؟انت خادمة وعليك ان تلبسي زيا مناسباً للخدم.
احست سمر بالإهانة وقالت : لم تطلب مني السيدة سعاد ذلك .
تنرفزت منى واقتربت منها وعصرت ذراعها وقالت بحقد :
السيدة سعاد تتصرف بعاطفتها..اما انا فأريد كل شيء مرتب وعلى حسب الاصول.
اطرقت سمر برأسها وهي تحبس دموعها ، ثم قالت :
حاضر..سارتدي زياً خاصاً بالخدم.
وهمت بالانصراف ، لكن منى اوقفتها وراحت تتفحصها ثم قالت : اسمعي مني هذا التحذير...إياك والعبث مع زوجي !
ارادت سمر الدفاع عن نفسها بالكلام ، لكن منى اسكتتها واشارت لها بالعودة للمطبخ وتجهيز الفطار.
فعادت سمر ونزلت شلالات الدموع من عينينها.
كانت تشعر بالألم في قلبها ليس بسبب محاولة منى أهانتها
فحسب ؛ بل لأن منى امتلكت ايهم وامتلكتها هي الاخرى خادمة لها.
......................................................................
نزلت سعاد وقد وصل صوت منى لمسامعها ولا حظت عصبيتها.
القت تحية الصباح قائلة :
-صباح الخير..أ هناك شيء ؟
استعادت منى هدوئها وردت :
-صباح الخير عمتي..لا شيء..انا فقط اعطيت الخادمة بعض التعليمات.
-- بصراحة نحن لا نطلق عليها لقب الخادمة..اسمها سمر ونعتبرها واحدة من العائلة.
-- انتِ امراة على نياتكِ ياعمتي...الخدم اذا اعطيتيهم وجها..سيأكلونك.
ابتسمت سعاد وقالت:
-- انا مطمئنة تجاه سمر...لن تأكلني.
ضحكت منى بإصطناع ، بينما دمها يغلي من معاملة سعاد لسمر. وقالت :
-- وايضا دمكِ خفيف أيضاً يا عمتي.
جلست سعاد وجلست منى قربها واضافت :
-- بالمناسبة عمتي...سأذهب للتسوق وساختار زيا للخادمة..اقصد سمر.
-- ملابسها مناسبة ولا ارى من داعٍ للزي.
-- عمتي ..لماذا لا تهتمين بالمظهر العام ؟ ماذا لو جاءكم ضيوف مرموقين..هل سيكون مظهرها مناسبا امامهم ؟
-- بنتي منى...لا تكبري مثل هذه الامور التي نعتبرها تافهة..وحتى ايهم لن يقبل بذلك !
واحست ان لسانها قد فلت بالكلام.
رفعت منى حاجبها وقالت :
-- ولما ياترى لن يقبل ..لماذا قد يهتم لامر خادمة ؟!
-- لانه كما قلت...نعتبرها واحدة من العائلة !
سكتت منى والغضب قد أكل منها مآكله.
...........................................................
كان ايهم يقلب ببعض ملفات المناقصة التي دخل فيها، وهو يتحدث الى السكرتير بشانها.
جاءه اتصال من صديقه حسن ،طلب منه ان يلتقيه في مطعمهم المفضل...ليعوضوا أمير عن الغداء الذي فاته ذلك اليوم.
لم يكن ايهم يشعر برغبةلمشاركتهم الغداء ،لكن بما انه كان السبب بزعل امير ؛فلابد ان يكون حاضراً معهم ، فوافق.
واتصلت به منى لتخبره انها ستذهب للتسوق برفقة اخته رونق. فلم يبدي مانعاً لذلك.
....................................................................
وبعد انتهاء ايهم من اعماله ، ذهب لتلبية دعوة الغداء مع اصدقائه.
وجد الجميع بانتظاره . سلم عليهم وجلس.
كان رد امير للسلام باهتاً.
فقال ايهم : مابكَ ياصاح..ألا زلت مأخذ بخاطركَ علي؟
رد امير مبتسما : لا ليس هنالك من زعل ..وحقك علي انا الغلطان.
قال ايهم : لا لم تغلط..انا فقط تحسست بزيادةٍ لأني كنت مرهقاً من ضغوط العمل.
فتدخل مهيمن قائلاً : هيا يا رفاق...الموضوع انتهی..اغلقوا الصفحة ولنبدأ بإختيار الطعام.
وبدؤا يختارون من قائمة الأكلات التي يعدها المطعم .
.................................................................
كانت منى ورونق تتسوقان ،ولاحظت رونق ان منى تبحث عن زي خادمة ، فسالتها : لمن تريدين زي الخادمة؟!
فردت منى : هل سيكون لي مثلا؟ بالطبع انه للخادمة سمر.
انزعجت رونق من الفكرة ،وقالت : لكن سمر لا تحتاج لزي ..ملابسها مرتبة.
فقالت منى : الخادمات لدى العوائل العريقة يجب ان ترتدي زيا موحدا !
ضحكت رونق وقالت : هل تتخيلين اننا من عصر الباشات؟ صحيح لدينا خيرات وامورنا المادية جيدة والحمد لله ؛ لكن هذا لا يجعل منا عائلة عريقة !
تنرفزت منى وقالت : لا ادري لما لا تهتمون انت وامك وايهم بالشكليات والبرستيج ؟!
ثم مشت مبتعدة عن رونق ،وهي مصرة ان تجد زيا لسمر !
................................................................
في المطعم...
بدأ الاصدقاء بتناول طعامهم..وقال حسن : يالكم من اصدقاء...
انا أتكفل بالعزومة للمرة الثانية على شرفكما.
ضحك ايهم وقال : لا ..فلتكن هذه المرة على حسابي.
قال مهيمن : برأيي.. لنجعلها كل اسبوع..ونتناوب الدفع بيننا.
قال أمير : او نجعلها قرعة..ومن يقع عليه الاختيار يدفع.
قال حسن : لا ..القرعة غير عادلة...فليكن الدفع بالتناوب.
قال أيهم : مابكم تتجادلون على الدفع...سادفع انا كل عزومة تحددانها.
قطب امير حاجبيه وقال : نحن ايضا اغنياء وليس انت فقط يا أيهم.
قال حسن : مابكما ....اننا نمزح بالتأكيد....ولا فرق بيننا ..هيا اضحكوا واتركوا هذه الحساسية جانبا.
وبعد لحظات صمت سادت المكان..
قال أمير : هل تعلمون يارفاق...لقد وجدت لي حبيبة...آية من الجمال !
وكان ينظر لأيهم..
فصاح حسن : اوووه...العب أمير !
وقال مهيمن : هل سنراها؟
بينما اكتفى أيهم بالصمت.
فقال أمير : مستحيل..لن تروها حتى بأحلامكم !
قال حسن : يااااه...الهذه الدرجة تحبها ؟!
فابتسم أمير بهيام وقال : اكثر مما تتصورون !
تنهد أيهم وخطرت على باله سمر...فقام مستئذناً للمغادرة.
ترجّوه أن يبقى بعض الوقت بعد.
لكنه تحجج بالصداع وسلم عليهم وغادر المكان.
......................................................
عثرت منى على بعض الموديلات من زي الخدم ،ولاحظت رونق
أن منى تختار التصاميم التي لا تناسب سمر وتبدو غير مريحة وذات مظهر غير انيق ،كما لو انها تريد شيئا يقلل من جمال سمر.
واخيرا وقع اختيارها على زي معين .
لم يعجب رونق اختيارها ،فقالت : هناك الكثير من الموديلات الاجمل..اظن ان هذا لا يناسب سمر ..كما انه يبدو كزي ساقي المطعم !
نظرت اليها منى بتحدٍ وقالت : اعرف مايناسب فتاة مثلها..فأرجوكِ لا تناقشيني!
قالت رونق : فتاة مثلها ؟! سمر فتاة طيبة وخلوقة ومرتبة..وتستحق الافضل !
رمقتها منى بنظرة استعلاء ومشت بعيدا عنها.
لحقتها رونق باستسلام !
...........................................
عاد أيهم للمنزل ..ودخل ليجد سمر تناول امه الشاي في الصالة.
لمحته سمر واطرقت بنظرها.
بينما جلس هو قرب امه بعد ان قبل يدها وسالها عن حالها. ،متجاهلا النظر لسمر كنوع من العقاب.
اخبرته انها بخير وسالته إن كان يريد كوبا من الشاي.
فاخبرها انه سيصعد ليغتسل ويرتاح اولا...وربما ينام بعض الوقت. وصعد لغرفته بعد ان لاحت منه نظرة صغيرة لسمر ، التي استدارت لتذهب لمكانها المعتاد..المطبخ !
........................................
بعد ان غادرهم ايهم..
ضل الاصدقاء يتبادلون الاحاديث في المطعم.
وحاول حسن ومهيمن الضغط على أمير ليريهم صورة حبيبته الجديدة ، لكنه كان يرفض .
ساله حسن : اين تعرفت عليها ؟
اجاب امير : لا تتعبا راسيكما ..فلن تعرفا شيئا عن وضعها .
وقال مهيمن : ولما لانراك تراسلها او تكلمها ..الا تملك رقمها ؟!
وضحك الاثنان بسخرية.
فوقف امير وقال لهما : تافهان مثلكما ...يجب ان لا اخبرهما باموري الخاصة !
فقال حسن. : اية امور خاصة....لا توجد خصوصية بيننا...اليس كذلك؟!
قال وهو يغادر : اجل صحيح...ساذهب الآن..لدي موعد آخر .
ضحك الاثنان وقالا : هل هو موعد مع الحب ؟
نظر لهما بطرف عينه وهز رأسه يأساً ولم يجبهما بل لوح بيده وقال : سلام.
..................................
اكملت سمر اعمالها في المنزل والمطبخ ، واتجهت لتستريح بغرفتها.وكان الوقت بعد منتصف الليل.
وباللحظة التي همت فيها دخول غرفتها ،كان ايهم قد دخل المنزل وشاهدها.
اسرع خلفها وناداها .
تجمدت مكانها ، ثم التفتت إليه.
وقف الاثنان يحملقان ببعضهما.
كانت سمر قد اختنقت بعبرتها وتمنت لو انها ترتمي بأحضانه وتجهش بالبكاء.
وكان هو الآخر يتمنى ضمها إليه بكل شوق !
قال : سمر...اشتقت ُ لكِ !
حاولت التظاهر بالقوة وقالت : سيد ايهم...إن كنتَ لستَ بحاجةٍ لشيء...فوفر كلمات الغزل لزوجتك !
اطلق تنهيدة واقترب منها وقال :
-- بالله عليكِ سمر..من اين لكِ بهذه القسوة؟!
-- الزمن كفيل بأن يقسي قلوبنا !
-- الزمن لا شأن له بما يحدث لنا...كل شيء بأيدينا.
-- انتَ محق...كل شيء بأيدينا..وقد فعل كل منا مايتوجب عليه فعله..انتَ تزوجت وعشقت من جديد...وانا اخليت سبيلك من حبي.
ابتسم ابتسامة سخرية وقال :
-- تبا...لن يكون بمقدوري مجاراتكِ في الكلام...تخيلاتكِ قتلت حبكِ لي...مع ان حبي لكِ لازال هو نفسه !
-- هه...بدليل انك لاتنكر حبكَ لها ابدا !
ضل ينظر اليها وهو يشعر انها في كل مرة يضعف فيها ويعود للحديث معها ،تثبت له إنها غير قابلة للتهاون !
وهربت لتدخل غرفتها ، قبل ان تخرج دمعتها وتفضحها.
ضرب الحائط بيده بقوةٍ ثم سار نحو الدرج ليصعد لغرفته ،
ليتفاجأ بوجود منى واقفة بأعلى الدرج.
عرف من نظراتها له انها رأت شيئاً او عالأقل شكت بشيء.
قال:
--مساء الخير.
-- اهلاً...أراكَ اتيت من جهة الممر الخلفي ؟
اكمل سيره حتى تجاوزها وقال :
-- كنت ُ جائعا وبحث عن شيء اكله في الثلاجة.
-- وهل اكلت؟
-- لم اعرف ماذا آكل..وانسي..لقد ذهب الجوع ..اشعر بنعاسٍ شديد.
ودلف لغرفته ، ولحقت به وهي متأكدة انه كان مع سمر.
.....................................................
كان امير مدثراً بفراشة وهو يقلب بهاتفه، ويراقب اتصال سمر بالانترنت.
لم يحتمل اكثر..فقرر ان يبعث لها برسالةٍ على موقع التواصل (الوتساب)
.....................
بعد ان اغلقت باب غرفتها ، رمت بنفسها على السرير.. وراحت تذرف الدموع بصمت.
رن هاتفها برنةٍ قصيرة، لكنها تجاهلته.
ثم رن ثانية وثالثة.
فإنتابها الفضول لترى مصدر هذه الاشعارات ، وكان اغلب ضنها انها اشعارات من بعض التطبيقات ؛ فلم تكن تتوقع ان يراسلها احد بهذا الوقت ، بما إنها اعطت ايهم منعاً من كل برامجها وحساباتها.
نظرت الى شاشة الهاتف ، لتُفاجأ برسائل من رقم ٍ مجهول.
قرأتها من اعلى الشاشة دون ان تدخل التطبيق.
لم تكن تعلم ان امير اخذ رقمها تلك الليلة.
كتب لها :
_مساء الخير
_كيف حالك سمر؟
_هل انتي مستيقظة؟
أنت تقرأ
الحب للشجعان
Romanceتعمل خادمة لدی عائلة ثرية بعد أن فقدت آخر فرد لها بعائلتها وصارت وحيدة. ويقع سيد تلك العائلة بحبها وتبادله المشاعر، لكن القدر لايرحمها، وتجري الأمور معها بقسوة، فهل سيكون هذا الحب منقذها ؟ أم للشجاعة في الحب رأيٌ آخر؟