نكمل روايتنا بِـلون الدم.
بقلم/سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٢..
____________________________
كانت الرؤية ضبابية بالنسبة لـها لا ترى سوى هيئة شخص يُخرجها من السيارة ملامحه مشوشة بينما هو ينظر يمينا ويسارا يبحث عن أحد ليساعده ولكن ذلك الطريق هادئ في العادة ليلا تقدم من السائق والذي كانت جروحه أعمق من جُلنار ليحاول إخراجه هو الآخر ليطمئن على نبضهُ ويهاتف الإسعاف ليخبرهم بطبيعة الحادث وعدد المصابين تم نقلهما في سيارتيّ إسعاف وأثناء وضعها على نقالة المرضى فتحت جفنيها مرة أخرى لترى ذلك السقف الأبيض المليء بالأضواء المزعجة لعينيها لتغلقهم مرة أخرى كانت تشعر بالدوار تستمع لأحاديثهم ولا تقوى على الاستجابة.
أُصيب طارق بـكسر في ذراعه الأيسر وبعض الجروح الطفيفة في وجهه، بينما هي أُصيبت بجرح في رأسها بالإضافة لالتواء في معصمها الأيمن.
أتى صباح جديد عليهم، بينما جُلنار ما زالت في المشفى وأبيها عُمر كان يتساءل عنها منذ أن أبصرت عيناه شمس اليوم أجابه مارك:
-لـم تعَدْ للمنزل حتى الآن.
-هاتفها على الفور.
-سيدي أخشى.
قاطعه بحزم:
-هاتفها كما أمرتك.
حاول مارك الاتصال بهاتف جُلنار ولكن موظفة الاستقبال أجابت بدلا منها ليبدأ مارك في التحدث بالأجنبية ولم تستطع تلك الفتاة التواصل معه لينظر مارك لـعُمر يقول:
-إنها فتاة غريبة تتحدث بالعربية.
-أعطني هذا الهاتف.
ليتحدث هو بدلا منه مع تلك العربية:
-مرحبا، أيمكنني مهاتفة جُلنار المصري؟
-إنها ما زالت نائمة، لقد تعرضت لحادث في الأمس.
-في أي مشفى؟
ليشير لـمارك أن يأتي بورقة وقلم ليُسجل اسم المشفى، أخبرته الموظفة عن المشفى لتتساءل:
-ماذا تقرب للمريضة؟
-أبيها.
-لا تقلق، جروحها طفيفة على عكس سائقها.
أغلق عُمر المكالمة ليردف قائلا:
-خُذني لـها.
-سيدي، أخشى أن تنزعج السيدة جُلنار.
-لا تجعلني أكرر كلماتي.
استقلا سيارة أجرة ليخبر عُمر السائق باِسم المشفى ويتوقف أمامها بعد فترة ليُحاسبه مارك فقد أعطته جُلنار بعض المال حتى يذهبوا لمعاينة الطبيب.
أفاقت جُلنار لتدلف الطبيبة لداخل الغرفة لمعاينتها والاطمئنان عليها لتتساءل بقولها:
-مَنْ جلبني إلى هنا؟
-لقد هاتف أحدهم الإسعاف وأبلغ عن الحادث.
-وطارق؟
-السائق كانت إصابته أشد منكِ، لقد كُسرت ذراعه.
-متى يمكنني الخروج؟
-في مساء اليوم.
-شكرا.
غـادرت الطبيبة بينما جُلنار بحثت عن هاتفها ولـم تجده كادت أن تستخدم ذلك الجرس لمُناداة الممرضة حتى تسألها عن الهاتف لتجد أباها يقتحم الغرفة ويجر مارك مقعده لتتساءل بسخرية:
-ما الذي جعلك تأتي لتطمئن على ناكرة المعروف!
-لـم يَحِنْ موعد الشّمَاتَة بعد فلـم أفقد ساقيّ مثلك.
-سيدتي، السيد عُمر قل.
قاطعه عُمر وهو يردف:
-كنت أتمنى أن أجدكِ فاقدة كلتا ساقيكِ حتى تُصبحي مثلي عاجزة.
-لا تقلق، فأنا أشبهك في كثير من الأشياء.
-مارك، بما أنكم في المشفى خذه لمعاينة الطبيب ثم عودوا للمنزل.
-سأخرج مساء اليوم.
-ولكني لن أكون قادرا على فهمه سيدتي.
زفرت بضيق لتغلق جفنيها وتعتدل في نومتها حتى يَحِين موعد الرحيل بينما عُمر ظل في تلك الغرفة يطالع النافذة تلك الأجواء وتلك الرائحة تُشعره بالحنين لذكريات مضى عليها سنوات.
كانت تعدل ثيابها فقد حان موعد مغادرتها لتتجه للخارج تسأل عن غرفة طارق وتذهب لتطمئن عليه وجدت زوجته تجلس بجانبه لتلقي التحية بينما هو ما أن رآها حتى اعتدل على الفور لتنظر له زوجته باستنكار وتنظر خلفه لترى جلنار تتقدم منهم متسائلة:
-ما أخبارك؟
-بخير، سيدتي.
-أعتذر إن كنت فقدت السيطرة على السيارة.
-لا بأس، يكفي أننا بخير.
-يمكنك أخذ إجازة لحين تعافيك.
-ولكن الافتتاح.
-سأتولى أمره.
قاطعت زوجته حديثهم قائلة بحنق من اهتمام زوجها بجلنار ومعاملته اللطيفة معها:
-ألا يمكنك صرف مكافأة من أجله وأجل أبنائه!
-هاتفني طارق ما أن تصبح مستعدا العمل.
تركتهم جلنار دون حتى أن تعيير اهتمام لزوجته لتشهق الفتاة وهي تنظر لطارق تقول:
-أحقا لم تعرني اهتماما!!
-تلك الفتاة غبية وقبيحة أيضا، لا أعلم لم تتعامل بكل هذا الغرور وهي لا تمتلك قدرا كافيا من الجمال.
-سعاد، يكفي حديث أحتاج للراحة.
-الآن فقط تحتاج للراحة أما عندما تأتي السيدة جلنار تعتدل على الفور.
تركها وأعطاها ظهره يغمض جفنيه يبتعد عن ثرثرتها الفارغة، بينما جلنار تقدمت من مقعد أبيها لتقبض على مقتضية وتجره للأمام وبجوارها مارك استقلت سيارة أجرة لتخبره بعنوان المنزل.
دلفت لحمام غرفتها تقف أسفل المياه المنهمرة بثيابها لتبدأ في خلعها قطعة تلو الأخرى وارتداء معطف الاستحمام وتتجه للخارج حيث خزانتها تختار ثوبا أبيض اللون طويلا يصل لكاحلها بحمالة رفيعة على أكتافها جلست على تلك الأريكة تجذب الحاسوب الخاص بها على قدميها تطلب هاتف جديد بدلا من ذلك المحطم وتبدأ في متابعة أخبار الافتتاح عبر التحدث لمن كان مسؤول من بعد طارق، بعد فترة قصيرة كان قد وصل الهاتف لتخرج لاستلامه وتجد كلا من أبيها ومارك يجلسان سويا في الصالة لتطالعهم بحذر وتتقدم نحو الباب تفتحه وتستلم الهاتف لتعود لغرفتها مرة أخرى تخرجه وتخرج شريحة الهاتف القديم تضعها بداخل الجديد، ليتعالى رنين هاتفها وتتعجب عند رؤية هوية المتصل لتجيب عليه:
-جُلنار، أنرتِ مصر.
-شكرا، ماهر.
-متى الافتتاح؟
-لم أحدد بعدا.
- قررت الاستقرار هنا؟
-لم أقرر بعدا.
-حسنا، جُلنار من الصعب الحديث معك.
-اتصالك يُثير رِيبتي.
-حسنا، أيمكنني مقابلتك؟
-لِمَا؟
-لدي عرض عمل جيد وفرصة كبيرة.
-أي؟
-صراحةً أحتاج لمساعدتك، فذلك العمل يحتاج مني الكثير من الأموال وأنا لست قادرا الآن على تحمل تكاليفه بمفردي.
-ولكن تلك الفرصة ذهبية لي ولكِ إن وافقتِ.
-ماهر.
قاطعها بنبرة رجاء:
-أرجوكِ لا ترفضين قبل أن تقابليني.
-سأقنعك بهذا العمل على الفور.
-حسنا، سأنتظرك مساء اليوم في منزلي، سأرسل لك عنوانه.
-شكرا على تلك الفرصة.
أغلقت المكالمة تُفكر في حديثه عما إن كانت حقا ستستقر هنا أو ستغادر مرة أخرى ليتردد على عقلها رجاء أمها لها لتتساءل عن نوعية تلك المصيبة التي تجعلها تأتي إلى عندها وتطلب منها المساعدة، لتعود بِفِكرها مرة أخرى إلى ماهر ذلك الذي تعاملت معه من قبل في أمريكا والحقيقة كان عمله باهرا بالنسبة لها لذا؛ ساعدته في بناء عمل باِسمه وفي المقابل أخذت أسهم باِسمها ليعود إلى مصر بينما هي بقيت في أمريكا.
استمعت لصوت أنثوي بالخارج لتعقد حاجبيها وتغادر غرفتها لترى ما يحدث وعن ماهية ذلك الصوت لتجد فتاة بسيطة تقف أمام أبيها تجيب على أسئلته لتتساءل:
-مَن تلك الفتاة؟
التفتت الفتاة لها لتبتسم وتقترب منها تجيب:
-أنا عزيزة، جلبني السيد طارق لأعمل في خدمتكم.
-أنتِ السيدة جلنار؟
حركت رأسها بالإيجاب لتردف متسائلة:
-هل أخبرك طارق بماهية عملك؟
-نعم سيدتي.
-حسنا.
أشارت جلنار بسبابتها لممر بجانب الغرف يقود للمطبخ وغرفة الخادمة ومرحاض صغير:
-هناك غرفتك والمطبخ يمكنك البدء من الآن.
اتجهت عزيزة نحو إشارة يد جلنار لتدلف لتلك الغرفة كانت متوسطة الحجم يتواجد في زاوية الغرفة سرير يتسع لشخص واحد وخزانة ثياب مكونة من باب واحد بالإضافة لمرآة طويلة معلقة في الحائط وطاولة صغيرة بمقعده لتضع فوقها زينتها، قامت بوضع حقيبتها على السرير لتخرج منها ثوب متهالك كحقيبتها طويل يصل لكاحلها لتصنع خصلاتها على هيئة جديلة للخلف وتتقدم من المطبخ لتبحث عما يمكنها طبخه لغداء اليوم.
لتبدأ في إخراج المكونات من الثلاجة وتشرع في صنع الطعام، كانت تجلس جلنار على الأريكة أمام أبيها تضع قدم فوق أخرى تطالع التلفاز كل منهما يطالع الأخر بطرف عينيه.
___________________________________
كان ليل يقف في مطبخ مطعمه يَعِّد بعض الطعام باستمتاع ويراقبه الشيف باِبتسامة؛ فهو يعتبره بمثابة ابن لطالما تعلَّم ليل على يده.
ليستمعا لصوت ضجيج بالخارج، خلع مريلة المطبخ وغادر ليرى ما سببه استمع لصوت مألوف شعر بالضيق عندما وجد أخوه تميم يلكم أحد الموظفين، ويردف قائلا:
-ألم أخبرك أن هذا مطعم أخي؟
تقدم ليل ليقف أمام تميم الذي اعتدل في وقفته يقول:
-لِمَا لا تختار موظفينك بعناية، يا أخي؟
تقدم ليل من موظفه الملقي أرضا وساعده في النهوض يتساءل بضيق:
-أخبرني ماذا حدث؟
-لقد أتى مع زملائه ومعه بعض زجاجات الجعة، حادثته بهدوء أنه غير مقبول شرب الخمر هنا ولكنه أصر.
-لذا طلبت منه المغادرة ولكنه أبى، أعتذر سيد ليل ولكني لم أكن أعلم بأنه أخوك.
-لا بأس.
تقدم من طاولة أخيه ليقوم بكسر كل زجاجات الخمر أرضا وجذب خلفه تميم ليتقدم للخارج ويدفعه بقوة يتساءل:
-ألم أخبرك بأني لا أقبل الخطأ في مطعمي؟
-تعلم جيدا قواعد ذلك المكان، إنه ليس مكانا لتفريغ شهواتك هنا.
أردف تميم يبرر موقفه:
-ولكن لا بأس بشرب زجاجة أو اثنين داخل مطعمك، أليس أنت أخي؟
-تعلم أبي قلل من مصروفي.
-بدلا من إنفاقها على تلك الزجاجات وتلك المسخرة، عليك استثمارها.
-ثم هذا المطعم لن أسمح لك تلطخ سمعته.
-لن أسمح لك أن تلطخ اسمي، يا تميم.
-اذهب الآن، لنكمل حديثنا في المنزل.
-وإن علمت أنك لم تعود للمنزل صدقني حينها سأتصرف معك بشكل جاد.
-أنت وأبي تكرهونني دائما.
غادر تميم غاضبا فقط لأن أخاه منعه من اقتراف الذنب والخطأ، بينما عاد ليل ليعتذر لموظفه ويزود من مرتبه ليدلف لغرفة مكتبه مع الشيف ناجي يتنهد بعمق من تصرفات أخيه ليردف ناجي:
-لا تحزن، بالتأكيد سيعلم أنك خائف على مصلحته.
-تميم يتصرف دوما بتهور.
-سيتعلم بالتأكيد سيتعلم.
-أعطه القليل من الوقت.
-تميم لا يتعلم، أنسيت ما اقترفه قبل شهور؟
تنهد ناجي هو الآخر فتميم دائم التهور لا يفكر قبل اقتراف الفعل وما أن يفعل مصيبته حتى يجري يختبئ داخل اسم عائلته ويتركهم هم ينظفون فوضته وأكثر من ساهم في ذلك الأمر عمته وأبوه.
ربت ناجي على كتف ليل ليقول:
-هيا، لا تتكاسل عن عملك لتنهي إعداد الطعام.
ابتسم ليل لناجي ونهض ليتجه للخارج حيث المطبخ ويكمل عمله الذي يفعله بحب واستمتاع لطالما كانت هوايته منذ الصغر.
_________________________________
نهضت من على مائدة الطعام تزامنا مع رنين جرس الباب لتتجه عزيزة لفتحه بينما ماهر كان يعدل هيئته ليتفاجئ بسرعة الاستجابة ويبتسم باِرتباك عندما وقعت عيناه على جُلنار:
- أهلا، ماهر.
- مساء الخير.
تقدم ماهر للداخل ليصافح عمر ويمد يده لجُلنار مبتسما بينما هي أشارت للخارج تقول:
- احضري فنجانين من القهوة في الخارج، يا عزيزة.
تقدمته للخارج ليتبعها وهو يردف بداخله أنها أكثر مجنونة قد يقابلها في حياته، جلست على ذلك المقعد واضعة قدم فوق أخرى صامتة تحثه بعينيها على الحديث.
-جُلنار، حقا إن وافقتِ على عرضي لن تندمي.
-ألن تخبرني بماهية هذا العرض؟
-حسنا، كما تعلمين إنكِ تقومين بالتصدير لعدة بلدان.
-بينما شريكي يستورد، لذا شريكي سيستورد ما تُصَّدرِينه أنتِ.
-أما عني سأكون حلقة الوصل بينكما، كما أن شريكي سيكون من أهم العملاء لديك.
-صدقيني لن تندمي.
-ماهر، لا أفهمك جيدا.
-أنت ما دورك في تلك الصفقة؟ سوى أنك ستكون عميل مزدوج.
-كما أنني لا أعلم الطرف الأخر جيدا.
- اعتبر أنني لم أعد، كيف كنت ستُدبر أمورك؟
-ومِمَن كنت ستستورد؟
أجاب ببساطة واِبتسامة سِمجَة:
-منكِ.
-حقا! وفي أي تخصص سأُصَدِر؟
-إنهم يستوردوا في قطع الأثاث وكما تعلمين أبيك يمتلك أكبر مصنع لتصنيع الأثاث في الغرب.
-كانت تلك مهنته الأولى.
-وعلمت بأنك قمتِ بتطويره وأصبح يتم تصنيعه على يد خبراء من مختلف البلدان.*
-لا أعلم ماهر، ولكني أعتقد أنك كنت تخطط لتلك الصفقة منذ زمن إنك تعلم كل ما يتعلق بي وبهذا العمل.
-إن وافقتِ سيتم عقد الصفقة بوجود كلاكما وبعدها سأكون أنا المسؤول أنتِ لن تبذلي جهدا كبيرا.
-فكري، ولكن أبلغيني بموافقتك في أقرب وقت.
نهض ماهر يستعد للمغادرة ولكن جُلنار تساءلت:
-ما اسم الطرف الآخر؟
-ياسر الجندي.
تركها ماهر وغادر بينما جُلنار أخرجت هاتفها تبحث عن اسمهِ لتأتي بشجرة العائلة بأكملها يبدو أن عائلة بتلك الاسم تمتلك قدرا كبيرا في تلك البلد في عدة مجالات.
لتقوم بمهاتفة طارق الذي أجاب على الفور معتدلا في جلسته بينما زوجته سعاد تنظر له بتعجب ودهشة ولكن ما أن سمعت اسمها من بين شفتيه حتى ترجمت الأمر:
-نعم، سيدة جُلنار.
-حسنا، طارق تعلم بأني أعتمد عليك كليا في العمل لذا كنت أريدك أن تبحث في أمر مِن أجلي.
-كما تأمرين.
-أريدك أن تبحث عن رجل يُدعى ياسر الجندي، فقد عُرِضت علَيّ صفقة من قِبلهم.
-أريد أن اطمئن.
-حسنا، على الفور سأقوم باللازم.
-شكرا، يا طارق.
أغلقت الهاتف ليجد سعاد في وجهه تتساءل بضيق وحنق:
-لِمَا تُهاتفك باِستمرار؟
-لأنها تُحبني، ارتحتِ!!
جحظت عينيّ سعاد وكادت أن تنهال عليه بالضرب حتى أردف:
-مِن أجل العمل بالتأكيد.
-لِمَا تغارين منها بهذا الشكل؟
-إنني لا أغار منها، إنها ليست جميلة إنها قمحاوية البشرة وعينيها متسعة ولونها بني إنها فتاة عادية وليس هناك ما يُميزها.
كانت تجلس على ذلك المقعد البلاستيكي داخل شُرفتها يُداعب النسيم بشرتها القمحاوية يُعيد خصلاتها البُنية للخلف كانت حدقتي عينيها متسعة بطبيعتها وعينيها بُنية اللون تجعلك تغرق بداخلهم من شدة جمالهم كانت تمتلك قدرا كافيا من الجمال على الرغم من ملامحها البسيطة المختلطة بين أبيها وأمها، ابتسمت عند رؤيتها في النافذة المقابلة لأم تحتضن ابنتها وتقنعها بالذهاب للنوم تحولت ابتسامتها تدريجيا لعبرات تداركتها ما أن هبطت على وجنتيها لتزيلها على الفور تزامنا مع طرق الباب بالخارج:
-تعالَ.
دلف مارك لداخل الغرفة ليلمح طيفها داخل الشرفة ويتجه نحوها لتنظر له بينما هو أردف متسائلا:
-أنتِ مُتفرغة؟
-لا بأس يمكنك التحدث بالعربية ما دام أبي خلد للنوم.
-أنتِ بخير؟
-نعم، أنا بخير.
-أ قررتِ الاستقرار هنا؟
-لم أقرر بعدا ولكن يبدو بأني سأستقر.
-ماذا يُريد هو؟
-لا يرغب في الحديث معي عن هذا.
-مارك، أنا أعتمد عليك في كل ما يتعلق به، لذا لا تخذلني.
جثي مارك على إحدى ركبتيه يحني رأسه للأسفل يردف قائلا:
-لا يمكنني خذلانك حتى وإن أردت، يكفي أنك جمعتني من الشارع وجعلتِ مني إنسانا.
ربتت على خصلاته وأردفت قائلة:
-يمكنك المغادرة.
نهض مارك وغادر متجها نحو غرفته، فمارك يتحدث العربية بطلاقة ولكن جُلنار كانت تريد معرفة كل ما يدور مع أبيها من خلفها، لذا أقنعته بأن مارك لا يتحدث سوى الإنجليزية حتى يمكنه التحدث بأريحية أمام مارك بأريحية وحينها سيخبرها بكل التفاصيل عن عُمر.
أغمضت جفنيها وعادت لتفتحهم مرة أخرى ليقع بصرها إلى تلك السيدة الواقفة أمام بوابة المنزل لقد استطاعت تمييزها فإنها تمتلك نفس عينيها البُنية وتلك النظرة نهضت لتنظر إلى نافذة أبيها وتجدها مُغلقة وتتجه للخارج تفتح الباب بعنف وغضب تتجه نحوها لتقوم بفتح البوابة الخارجية وتتحدث بصوت منخفض حاد غاضب:
-ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟
-ألا تخجلين أبدا!!
-أنا أخجل بدلا مِنك.
-أعتقد أنك تُريدين بعض المال لتغربي عن وجهي.
- أنتِ لا تُعطيني الفرصة للحديث.
ارتفعت ملامح السخرية والدهشة على وجهها لعدم تصديق تلك السيدة وتساءلت أهناك فرصة حتى للحديث!، لتُقاطعها:
-أنتِ خسرتِ تلك الفرصة عندما تَخلِّيتِ عنا.
-كل ما يمكنكِ فعله الآن، التواري عن الأنظار حتى تموتي.
تركتها وغادرت لتعود أدراجها لداخل المنزل تجد أباها في انتظارها لتتفاجئ وتغلق الباب خلفها في الحال بينما هو تساءل:
-ما الذي كنت تفعلينه في الخارج؟
-كيف خرجت من سريرك؟
-لقد ساعدتني عزيزة.
نظرت خلفه لتجد عزيزة تتساءل:
-أتحتاجين شيئا قبل خلودي للنوم؟
-يمكنك الذهاب.
اتجهت نحو أبيها تقبض على مقبضي مقعده، بينما هو كرر سؤاله عليها مجددا لتجيب قائلة:
-ذهبت لاستنشاق بعض الهواء.
-أهناك ضريبة؟
تقدمت من الفراش لتساعده على الانتقال إلى السرير وتضع الغطاء على جسده لتلتقي أعينهم كلٍ منهما مشاعر مخفية عن الآخر لـم يستطيعا تفسيرها.
ابتعدت عنها لتعيد خصلاتها للخلف تقول:
-عليك أن تنام، فليس هناك أحد لمساعدتك طوال الوقت.
تركته وغادرت، بينما هو لعنها بصوت مرتفع:
-ناكرة معروف.
دلفت لغرفتها مجددا لتجذب هاتفها، وتتردد كثيرا بالاتصال بذلك الذي وصاها بِـه طارق ليحل مكانه حتى يتعافى:
-مرحبا، أنا جُلنار المصري.
انتفضت ذلك الرجل من مكانها حينما استمع لاسمها ليردف باِرتباك:
-السيدة جُلنار! أهلا بكِ.
-أهناك خطب ما؟ أخطأت في شيء؟
-لا لا تقلق.
-أنا أريد منك أن تسديني خدمة.
-كيف يمكنني مساعدتك؟
-حسنا، أريدك أن تأتي لي بعنوان أحدهم.
-أخبريني باِسمه فقط.
-أفنان، أفنان حمدي عز الدين.
-هذا كل ما أعرفه عنها.
-ولكني أحتاج العنوان في الصباح.
-حسنا، سأبذل قصارى جهدي.
أنهت المكالمة وضربات قلبها تتزايد لا تعلم عما إن كانت فعلت الصواب لا تعلم لـم هناك صوت بداخلها يؤنبها، رقدت على سريرها حاولت النوم، ولكنها لـم تستطع لتنهض وتجذب حاسوبها تبحث عن ما يُدعى ياسر الجندي
_________________________________
عادت إلى منزلها تحمل الخيبات على كتفيها، إنها لا تستمع لها تعلم أنها جرحتها، وتركت ندبة عميقة داخل قلبها، ولكن ليس هناك، ولكن إنها مذنبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى أنها مؤذية، تساءل ذلك الرجل الجالس على ذلك المقعد المتهالك الركيك:
-أين كنتِ؟
لم تَجِبُ ليعلم هو الإجابة من صمتها:
-رفضتك، ألم أخبرك أنها سترفضك؟
-سترفض كل ما يتعلق بكِ.
-عوضا عن الجري خلف ابنتك الأولى عليكِ حماية ابنتك الثانية.
-على الأقل كوني لها أما.
-جُلنار فقط يمكنها مساعدتنا بنفوذها.
-ماذا ستفعل نفوذها؟ أستعيد شرف ابنتك! أم ستعيد لي سمعتي الطيبة واِسمي! أو ستعيد لكِ ابنتيكِ! رُبما تبصق في وجهك ما أن تعلم سبب جريك خلفها طوال تلك المدة ما أن أبصرت عينيكِ على نفوذها واِسمها.
-أنتِ لستِ أما، لقد خسرتِ كلتا ابنتيكِ.
-لم تستطيعي أن تكوني أما لكليهما.
-على الأقل كوني بجانب ابنتك التي تحتاجك.
بدأت الفتاة في تلك الغرفة بالصراخ، فارتفعت أصواتهما في الخارج إنها تكره الصوت العالي، جرت أفنان للداخل تحتضن ابنتها التي بدأت في الصراخ والتشنج تبكي بقوة، وتستنجد بأبيها ذلك الذي لم يستطع سماعها أو حمايتها.
-أرجوكِ اصمدي قليلا.
-سأجلب لكِ حقك، أعدك.
بعد ساعات متواصلة من صراخها وغضب الجيران على عدل والدها استطاعت أن تهدأ وتدخل في سُبات عميق مستسلمة لذلك العالم المُظلم الذي ينتظرها في أحلامها؛ فهي فتاة أصبح ليلها مثل نهارها لا فرق بينهما.
_________________________________
هبطت من سيارتها ليقترب منها مساعد طارق المُدعو أيهم، بينما نظرات الجميع توجهت نحو تلك السيدة الغريبة عن المنطقة، وتلك السيارة التي لأول مرة تدخل ذلك الحيّ الشعبي، بينما أيهم أشار بسبابته نحو إحدى العمارات المكونة من ثلاثة طوابق وجدرانها متشققة بالكاد تتماسك حتى لا تسقط على من فيها تقدمت للداخل، ويتبعها الأطفال منبهرين من تلك السيدة صاحبة الملابس الأنيقة والغالية وصاحبة السيارة الفارهة بالإضافة لحذاء بكعب عالِ تمشي باِتزان تنظر حولها تفحص المكان لتأتي قطة مسرعة تهبط من الدرج لتصرخ جَلنار بفزع وكادت أن تسقط ليساندها أيهم متساءلا:
-أنتِ بخير؟
حركت رأسها بالإيجاب، وأكملت خطواتها حتى وقفت أمام باب الشقة في الدور الثاني ليردف أيهم:
-ذلك هو المنزل.
قبل أن تطرق عليه كان فُتح من قِبل أفنان التي جحظت بعينيها بدهشة وتفاجئ لتفرك عينيها تتساءل عما إن كانت ما تراه صحيحا.
.
بقلم/سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
__________________________________
أنت تقرأ
بِـلون الدم
Randomلكُلٍ مِنْا جَوارحهُ التِي تَنزَف دَاخلهُ بِقوةٍ مِنذُ سنوات وَلكِن لا أحد يراها؛ لأننا نَحكمُ الغَلقُ بِشدَّةِ وَكأننا نخافُ أنْ يَسْقطَ نَزِيفُنا بالأرضِ، فيتلطخ بِه أحدٌ. هو قَررَ مُشارِكتها لِنَزِيفها بأنْ يكونَ إناءٌ تُفْرِغ بِداخلهُ مَا كَتمته...