نكمل روايتنا بِـلون الدم.
بقلم/سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٣٣..
_______________________________
-كانت زوجتك على وشك الإجهاض قبل قليل.
-إنها تجهد نفسها فِي الآوانِ الأخيرة نفسيًا وجسديًا، وهذا ظاهر مِن الكدمات على وجهها.
-عليك الاعتناء بِها جيدًا، وإن لمْ تستطعْ علينا حجزها هُنا فِي المشفى لضمان سلامتها هِي والطفل.
مسحَ عَلى وجهه بِالكَامل يشْعر بالضيق ليومِئ برأسه للطبيب، ويسأل عما إن كان يستطيع رؤيتها.
-ستساعدها الممرضة وتأتي لك.
غادر الطبيب بَينما هو جلس على مَقْعد الانتظار أمام غُرفة الكشف التي تبقى فِيها، لمْ يكن متفاجئًا عندما عَلم بِحملها بل كان قلقًا، فعندما أتت لزيارته فِي المشفى وأفصحت عَنْ ذَلك السر كان سليم يُسجل لـها وهذا أول ما سمعه عندما فاق مِن غيبوبته، شعر بِالحَيْرَة والخوف وقتها، لطَالمَا كان يسعى لبناء أسرته، ولكِن الظروف ليست فِي صفه؛ لذا قرر إخفاء أمر معرفته للوقت المناسب.
خَرجت مِن الغُرفة تساعدها الممرضة؛ لأنها ما زالت تشعر بقليل مِن الألم ومَل أن رأته ينهض حتى اِسْتدَارتْ تُعطِيه ظهرها لتنبس بهمس وحرج للممرضة:
-هل يمكننا سَلك طريقًا أخر؟
-أوَليس زوجك؟
اِسْتمع ليل لـها وتقدم مِنها يبتسم للممرضة ويُحِيط بيدٍ خصر جُلَّنار والأخرى على كتفها لينبس قائلا:
-لا بأس، يمكنني تولي الأمر مِن هُنا.
نظرت الممرضة إلى جُلَّنار التي أغلقت مقلتاها حتى لا تَلتقِي بخاصته وما زالت تنحني للأسفل، غادرت الممرضة لتعتدل جُلَّنار فِي وقفتها تِزيل خُصْلاتها للخلف فِي محاولة مِنها لتقليل توترها ولكِنه يزداد؛ لأنه لا يِشيح بَصره عَنها لتشعر بالحرج وتهتف بضيق وحزم:
-ألا يمكُنك النظر إلى مكان آخر؟
-أنتِ وجهتي.
إجابته ألجمتها لتَبعُد بَصرها عَنه تقول:
-أشعر بالتعب أريد العودة.
كاد أن يتحدث بعَباراتٍ لم تسمح لهُنَّ بالخروج:
-ولا طاقة لي للحديث.
انحنى يضع ذراعه أسفل ركبتيها والأخرى أسفل ظهرها لتعترض بقولها:
-أفلتني، يمكنني السير.
لم يأبه لحديثها بل حملها وتعمَّد قُربها مِنه لعله يعوَّض فترة غيابها عَنه ولكِنها كانت فكرة غبية؛ لأنها سُرعان مَا اِسْتَسلمتْ تضع رأسها عند كتفه ويديها تُحِيط عُنقه، وهذا جعله يرفض إبعادها.
توقف أمام سيارته ونظر نحوها، كانت تغلق مقلتاها فظن أنها نائمة حتى فتحتهما ونظرت إليه ثم للأرجاء ليخفضها بالأرض ويفتح لها باب السيارة، تبادلت النظرات بَينه وبَين الباب لتحسم قرارها وتصعد إليها ليركب جِوارها يقودها متجهًا إلى مطعمه، لقد طَبَّق فكرتها بجعل المطعم مفتوحًا فِي الليل أيضا فقط لتكون زبونته كما أخبرته فِي السابق، ولكِن يبدو أن بعض الأشياءِ تتغيَّر بعد مرور الزمن.
كانت صامتةً تنظر للشوارع مِن النافذة، كُل شيء حُر طليق سِواها.
أطلقت تنهيدة قوية ولكِنها فُوجئت بيده على معدتها يقول:
-هل تشعرين أنك بخير؟
رفعت رأسها إليه لتجده يتبادل النظرات بَينها وبَين الطريق أمامه لتنتبه إلى قيادته الحَذرة على عكس كل مرة، أجابته بنبرة خافتة مُضطربة أثر ردة فعله الغير متوقعة:
-بخير.
علمه بالخبر أربكها فمعاملته تِلك لا تخبرها عما ينوي فعله، لتنسى ما أتى وتحدث عَنْه إليها قبل فقدانها للوعي.
توقف أمام المطعم وترجل مِن السيارة ليتجه إلى بابها وقد خلع سُترة خفيفة كان يرتديها، وضعها عليها لتُخْفِي أكتافها المكشوفة وحتى لا تُصاب بالبرد، مشاعرها كانت أكبر مِن محاولتها لصدّه عما يفعله ويخلقه داخلها، إنه يجعلها تقع فِي حُبَّه مِن جديد.
دلفا للداخل ليختار طاولة فِي زاوية بعيدة عن مَرمى العين، وقد جعل ظهرها للجميع حتى لا يرى أحدًا وجهها.
كانت تستجيب لما يفعله كالمُغيبة رُبما أرادت لـ ليلة واحدة فقط نسيان الحقد، الكره، إراقة دمائه والمشاكل التِي فِي اِنتظارهما عند العودة.
ليُشِير للنادل ليأتي لـه وتساءل:
-هل هناك شيئا ترغبين فِي تناوله؟
نفت برأسها بينما هو همس للنادل ببضع كلمات ليغادر ويعود بعد قليل يحمل على صينية كأسًا مِن العصير ليضعه أمامها ويضع فنجان مِن القهوة أمامه.
عاد ليل بظهره ليستند إلى المَقْعَد بأريحية ويرتشف القليل مِن فنجانه فِي حِين أنها تَقْبض على ثوبها أسفل الطاولة، وجدته يضع صورة أمامها ليخفق قلبها أثرها، إنها صورة لجنينها عبر جهاز 'السُونار'.
اِبْتسمت بتلقائية وهِي تلتقطها وقد اِسْتحوذتْ عليها مشاعر الأمومة والتعلق كما شَعَر هو عندما رأها للمرة الأولى بكى تأثرا لتِلك المشاعر التي خَالجته وتَحملُه للمسؤولية اِتجاهها أكثر ثم ابتسم بِفرحة ليطلب مِن الطبيب صورة أخرى لتبقى واحدة مَعه وأُخرى مَعها.
-هل تعلمين عُمره؟
نظرت إليه لتحاول تذكر ماذا أخبرها الطبيب عند زيارتها له قبل مُدة ولكِنها نست، ليُجيب هو بدلا عَنْها:
-ثلاثة أشهر.
عضَّت على شفتيها فِي حَرج، تِلك المعلومات يجب أن تكون هِي مَن على دِراية بِها، قاطعهما وضع عدة أطباق أمام كلٍ مِنهُما وكانت وجبتها المفضلة بالرغٔم مِن تأخر الوقت عَلى تناول الكفتة، توقفت كل مشاعرها ليبقى شعور واحد فقط وهو الجوع.
بدأت فِي تناول الطعام بِنهم بينما هو يتابعها بنظراته، لقد جعل طبقها المُفضل الوجبة الرئيسية فِي القائمة، وكُلما أتى لـه محتاجًا أو فقيرًا حتى وإن كان طفلًا قدَّم لـهما تِلك الوجبة.
بالمعنى الحرفي أنهت ما وُضِع أمامها بالكامل ولم تنتبه أنه لمْ يَمس الطعام أبدًا، تنهدت بقوة وهي تشعر بأنها تكاد تفرغ ما في جوفها لتنظر لـهُ وتخجل مِن نظراته السابحة بِـها.
-هل تريدين المزيد؟
-لا.
وضعت يدها على معدتها وهي تشعر بأنها حقا ستُفرغ مَا تناولته نظرًا لكثرته، اتكأت بيدها على الطاولة تقول:
-سأستخدم الحمَّام.
نهضت لتتجه إلى الحمَّام النسائي الموجود، ولكِنه كان مزدحمًا قليلًا لتَخْرُج مِنه وتجده يستند بكتفه إلى الجدار المجاور لها.
تساءل:
-لِمَ خرجتِ بتِلك السرعة؟
-إنه مزدحم، وأشعر أنني على وشك التقيؤ لا أريد إزعاج إحداهُنَّ.
قبض على يدها واتجه نحو غُرفة الإدارة حيث غُرفته والتي لا يأتي لـها سِوى يوم أو يومين فِي الأسبوع ورُبما فِي الشهر كُلَّه، ليجعلها تستخدم حمَّامه الخاص ولحُسن حظها لمْ تفرغ ما فِي جوفها ولكِنها كانت تشعر بالألم والثِقل أثر تناولها لكمية كبيرة، فكانت تشعر بالجوع.
خرجت له وقد غسلت وجهها بالماء ولمْ تجففه لتجده جذب عدة مناديل وشرع في تجفيفه، إنه يعاملها بطريقة مُختلفة عَنْ السابق.
هل يُعقل أن كل هذا بسبب حملها لطفله فِي أحشائها أي أنه لا يفعل هذا لـها؟
أجابت على نفسها بالتأكيد لن يهتم بالمرأة التي أطلقت رصاصة عليه وفضحت عائلته و...
قاطع حبل أفكارها قبّلته أعلى جبينها وضمها لصدره.
لمَ أصبح التنفس ثقيلا هكذا؟
-لنذهب.
أومَأت له ليغادرا معًا باِتجاه منزلهما.
_______________________________
كان ثلاثتهم يجلسون فِي غُرفة المعيشة، سليم يجلس هادئًا ينظر لأبيه الغاضب والذي كاد يقتلع جميع خُصْلاته مِن شدة غضبه، يضرب الطاولة والمقاعد بقدمه يتصل بِـ ليل، ولكِنه لا يُجِيب وكذلك جوهرة التي اخْتفتْ.
-هل كنت تعلم بفعلة أخيك؟
-لا.
هكذا أجابه بِبساطة بالرغْم مِن كونه يعلم الآن أنه مَع جُلَّنار، وذهب مَعه لإجبار فهد وآسر على التنازل.
في البداية تحدثا بِطريقة سليمة، ولكِن عناد فهد وغروره جعلهما يتحدثا باللكم والركل والتهديد بفضح جميع علاقاتهما الغير مشروعة وإفلاس عائلتهما.
تميم كان صامتًا لا يتفاعل مَعهما ما يفكر فيه هو الانتقام مِن جُلَّنار، ولكِنه لا يعرف طَريقها وتَنَازل ليل كان مفاجئًا له بعض الشيء بالرغٔم مِن إصابته والتِي كانت جُلَّنار سببًا فيها.
على الجهة الأخرى، كانت جوهرة تمكث فِي المنزل الذي أعطته لها جُلَّنار.
كان هادئًا وبعيدًا عَنْ لعنة منزل عائلة الجندي وكان لديها رقم واحد فِي هاتفها الجديد والذي تركته لها جُلَّنار صاحب المهمات الصعبة والذي يُفدِيها بجسده ورُوحه بالمَعنى الحرفي 'مارك'.
شعرت بالتعب لتنهض مِن فَراشها تتجه للخارج تُحضر كوب ماء لها، كانت تسير خُطُواتها بتعسر لترتشف القليل مِن الماء وتعود مرة أخرى لغُرفتها، ولكِنها تعثرت فِي السجادة واِخْتلَ توازنها لتسقط بالأرض، وأصبحت الرؤية ضبابية غير واضحة لترفع يدها نحو الخزانة الصغيرة التي تجاور السرير فِي محاولة مِنها لأخذ هاتفها حاولت مرارًا حتى سقط.
حاولت الاتصال ولكِن خانتها يدها لتسقط بالأرض وتغلق مقلتاها تستسلم لتِلك الدوامة التي سحبتها للظلام.
_______________________________
توقف بسيارته أمَام باب المنزل، كادت أن تترجل مِنها حتى نبس بقوله:
-أريد معرفة كُل مَا قصده أبي فِي القسم.
عادت لأرض الواقع مرة أخرى وتَحَطم سقف طموحاتها، كانت سعيدة للغاية بتِلك اللحظات البسيطة بينهما والتي تجمع ثلاثتهم لأول مرة ولكِن لطَالمَا كانت سعادتها لا تدوم طويلًا.
وضعت يدها على مَقْبض الباب وفتحته لتغادر ولكِنها وجدته يمنعها بقبضته على ذراعها، لتنظر إلى يده ثم إليه برجاء مخفي يغلفه الجمود ليقول:
-مِن حقي معرفة الحقيقة، ليس مِن حقك إخفائها عَنْي.
-وهَل أنت مستعد لسماعها؟
تنهد يومئ برأسه ليس مستعدًا إن كانت جارحة، ولكِن لطَالمَا كانت الحقيقة مؤذية؛ لذا يلجأ الجميع للكذب.
-كُفِّي عَنْ المرَاوغة وأخبريني.
أغلقت الباب مرة أخرى ونظرت للأمَام إنها لا توِّد جرحه، هتفت تقول:
-ولكِن لدي شرط.
-ما هو؟
-تخبرني ماذا قصدت بحديثك اليوم.
-إن كنتِ تنتقمين لنور، فانتقامك ذهب هباءً.
-نور لمْ تُغْتَصب بل هِي مَن ذهبت إلى تميم بإرادتها.
هكذا قالها ببرود واِسْتطَاعتْ رؤية الشماتة بعينيه، وكأنه يخبرها حطمتِ سقف منزلنا مِن أجل كذبة صغيرة ولكِن تِلك الكذبة كانت تُؤنبَها وتُؤذِيها بالرغْم أنه لا ذنب لها.
التحقت بنفس الجامعة التي كان تميم ملتحقًا بِها لمْ تعلم أن هذا كان لسُوء حظها، كانت جامعة حكومية ورأى ليل أنه مِن غير المناسب اِلتحاقه بِجامعة خاصة ستجعله فاسدًا أكثر مِمَا هو عليه نظرًا لالتحاق زملائه بِـها وحينها لن يركز على دراسته، ولكِنه فِي كلتا الحالتين كان يميل للفساد.
كانت ترى الفتيات يتجمعون مَعه أينما كان لتتمنى واحدة مِنهما أن ينظر لـها نظرة راضية حتى، ولرؤية الانبهار فِي عينيّ الفتيات زُرِعَ داخلها اِنبهار خَفي عَنْ قدرته لجعل هذا القدر مِن الفتيات يقعنَّ له، مِنهُنَّ مَن كانت تقع لنفوذه وسلطته والتي ترجع لعائلته، ومِنهُنَّ كانت تقع لوسامته فِي حين هِي وقعت لكلاهما، ولكِنها أخفت الأمر داخلها لسنة كاملة حتى اصطدمت بِه فِي إحدى المرات وعلى غير العادة ساعدها فِي اِلتقاط أغراضها؛ رُبما لأنها كانت جميلة فقط لا غير وتركها ليغادر.
عُرِضَ عليها العمل كخادمة مِن قِبل زميلتها لمساعدة عائلتها والتِي كانت تنام كُل ليلة دون عَشاء؛ لتوفير نصيبهم ويستطيعوا تجميع مصاريف جامعتها، كادت أن ترفض فِي البداية حتى علمت أن العمل سيكون فِي منزل عائلة الجندي لتوافق على الفور.
وقفت أمام المنزل تنظر لـه باِنبهار وحينها نمى داخلها طموح حول الاستحواذ على تميم وإيقاعه بشباكها، بدأت فِي يومها الأول حتى رأته يدلف للداخل لتصطدم بِـه عَنْ عمد ليتفاجئ مِن كونها أتت لهُنا.
تساءل:
-ماذا تفعلين هُنا؟
-أنا أعمل لديكم مِن اليوم.
لا ينكر إعجابه بجسدها وجمالها، ولكِنه نفى الأمر ليغادر ويصعد بَينما هِي بدأت تتعمد إيقاظه فِي الصباح وتقديم الطعام له حتى أنها لمْ تنتبه لدراستها ولمْ تذهب إلى جامعتها لترضي كل مِن يُسرا وجوهرة حتى السيد فؤاد.
كانت تسعى لكسب رضائهم جميعًا حتى يكون الوصول لزوجة أحد أبنائهم ليس مسْتعصيًا، نست محاولات والديها فِي توفير مصاريف جامعتها على حساب صحتهم وجلب لها أفضل الثياب وأجملهُنَّ بينما هي لمْ تلقِ بالًا لكل هذا، كانت تريد أن تصبح كـ جُلَّنار سيدة ذات سُلطة ونفوذ لطَالمَا أخبرتها أفنان عَنْها، وكانت تشاهد صورها وأخبارها خِلسةً.
كانت تتعمَّد لبس كل ما هو ضيق ومُرتب وهذا جعل تميم ينجذب لـها على عكس ليل الذي لمْ يلقَ اهتمامًا بِـها أبدا، حتى أنه كان لا يتواصل مَع عينيها مباشرةً؛ رُبما لأنه كان يرى محاولاتها وتصرفاتها الزائدة عَنْ اللزوم، ولكِنها لم تهتم بِه على عكس تميم الذي كانت تراه لقمة سائغة.
بدأت الملامسات تحدث بَينهما عند تقديم الطعام وأثناء محاولاتها لإيقاظها، وكُلما قاومته كُلما زادت رغبته بِها وهذا جعلها سعيدة نوعًا ما، أن تصبح مرغوبة مِن قِبل رجل كـ تميم.
رُبما كل ما فِي الأمر كان عليها أن تصبح مرغوبة فِي عينيّ نفسها.
كُلما كانت تذهب لتنظيف غُرفته كانت تجلس على الأريكة تضع قدمًا فوق أخرى تتخيَّل نفسها سيدة هذه الغُرفة، ولم تقتصر مخيلاتها على الغُرفة وصاحبها بَل المنزل كُلَّه.
كانت تقف أمام خزانته تحمل قميصًا له لتستنشق رائحته، وجدت يدًا تُحِيط خصرها لتفزع وكادت أن تسقط حتى أدارها نحوه تستند إلى الخَزانة خلفها بَينما هو يده تتحرك بِـ حُرية على جسدها يهتف قائلا:
-لقد عُدّت باكرًا لرؤيتك، اِشْتقتُ لكِ.
اِبْتسمَتْ بخجل وخفضتْ عيناها عَنْه حتى هتفت تقول بِما جعله مصدومًا هُنيهَة:
-تميم، أنا أحبك وإن كُنت حقًا تشتاق لي لنتزوج.
حقا! هكذا كان تعبيره يُخمَن داخله أنها بلهاء وغبية، هل تظن أنه قد يتزوج بواحدة مثلها تُغْرِي الرجال بجسدها وتصرفاتها حتى أنها سمحت له بلمسها لمْ يجبرها حتى، اِبْتسمَ بخبث وهو يقرب وجهه مِن عُنقها يهمس:
-بالطبع علينا الزواج.
-ولكِن أولا عليكِ التخرّج.
هتفت بحماس وهي تتعلق بسُترته:
-حقا!
أومَأ برأسه يقول وهو ينظر لداخل عينيها يكذب بكلِ أريحية واستخفافًا بِها وبعقلها:
-بالتأكيد، ولكِني لا أستطيع الصبر حتى التخرّج.
-لنُقِيم خِطبة فقط إذا.
كم هي ساذجة! لمْ تشعر بلمساته على جسدها أم تتغاضى!
وَالآن تتحدث عَنْ الزواج والخِطبة كيف لها لا تعلم نواياه هو أو أي رجل، هذه غريزة بداخلهما جميعًا؛ لذا وُضعَتْ الحدود بينما هي مَن حطمتها بتصرفاتها العقيمة تِلك.
-ما رأيكِ أن نتزوج وحدنا ثم نخبر العائلة فيما بعد؟
-ماذا!
هتفت بِها بذهول وكأنها لمْ تستطع رؤية هذا مِن قبل، ولمْ يُخِيل عليها أن تؤول الأمور لهذا الوضع، تلعثمت فِي كلماتها لتجده يضع سبابته على ثغرها يقول:
-ألا تثقين بي؟
-بلى.
كانت الكلمة الأكثر غباءً التِي نطقت بِها على مَدار حياتها، الثقة فِي رجل نواياه غير مُرضية لله وللمجتمع.
هتف يقول وهو يُطَمئنهَا:
-إذا لا تخافي، لن أؤذيكِ.
-أنا لا أستطيع كبح نفسي أكثر عَنكِ؛ لذا أريد الزواج مِنكِ اليوم قبل الغد.
حاولت الاعتراض ولكِنه يحاصرها بقوله:
-أم أنك تُريديني أذهب لامرأة أخرى.
-لا بالتأكيد.
-علَىَّ التأكد مِن حُبّك إذا، حتى أحارب عائلتي مِن أجلك.
عادت لتبتسم بخجل مِن جديد، ولكِن بأي خجل تشعر ويده تجول على جسدها بُـ حُرية!
همس فِي أُذنها بالميعاد والمكان ليقول بخبث:
-اذهبي قبل أن يرانا أحدًا.
-ولا تخبري أحدًا عمَّا حدث بيننا.
-عائلتي لن تتصرف بطريقة سِلمية إن علمت.
أومَأت بِرأسها وغادرت خجلًا وكأنها عروس، ولكِنها لم تكن سِوى مجرد ساذجة وقعت أسيرة لأفكار عقيمة.
أتى ذلك اليوم الموعود وقد اِسْتَعدتْ وكأن بالفعل اليوم زفافها ليُقَابلها فِي المكان الذي أخبرها عَنْه.
تقابلا وأخذها مغادرًا لمنزل صديقه، كانت يدها ترتجف ليضحك عليها ساخرًا مِنها فِي داخله اِبتلعَتْ لُعابها وهِي تجده يحملها ليدلف بِها للداخل، كان يهتف داخله أنه لا بأس بقليل مِن تِلك التصرفات السخيفة فِي نظره؛ لتَطمَئِن له.
كاد أن يَبنِي بِـها حتى أوقفته تقول:
-ماذا عَنْ زواجنا؟
-ألا تثقين بي؟
ابتعد عَنْها يُمَثل غضبه وضيقه يقول:
-استعدي لنرحل.
جرت نحوه تَقْبض على ذراعه ترفض تقول:
-بلى، أثق بِك.
-لا تغضب مني.
-ولكِن عِدني أن تتزوج بي حتى وإن عارضت عائلتك زواجنا.
اِتسعَتْ اِبتسامَته وأردف يقول:
-أعدك.
وعود كتلك بالتأكيد لن يَفِي بِها، إن كانت تثق بِه فهو لا ولن يثق فِيها أبدًا إنها فتاة قدمت له جسدها وأغلى ما تملكه على طبقٍ مِن ماس وليس ذهبًا حتى، إنها مَن فرطت فِي نفسها بتِلك الطريقة.
في الصباح اِسْتيقَظتْ تَرسم البَسمة على وجهها بخجل ظنًا مِنها أنه يجاورها أو يستند إلى الوسادة جِوارها يتأملها يا لها من أحلام وردية! عكس الواقع الأسود الذي ستعيشه الآن، لم يكن موجودًا لتخاف وتشعر بالرِيبة عندما وجدت ورقة بيضاء بجانبها وبعض الورقيات المالية.
لتقرأ ما كُتِبَ بقلبٍ منكسرٍ قامت هِي بكسره وتحطيمه قبل تميم...
«أنتِ لستِ سِوى رخيصة في نظري سيدة نور، كانت ليلة جميلة بالتأكيد لن تنسيها ولكِني أعتذر مِنكِ سأنساها ما أن أتعرف على أخرى، كُوني عاقلة ولا تفتعلي المَصائب، وأيضا لا أريد رؤيتكِ فِي منزلنا مجددًا.»
بَكت بشدة على ما أصابها، لتجد الباب يُفتَح ويظهر فهد يهتف بخبث:
-هل اِسْتَيقظتْ الجميلة؟
قامت بلف الغطاء حول جسدها العاري تقول بخوف:
-ماذا تريد؟
نظر نحو المال ثم لها ليُجيب:
-لا تقلقِ، سأعوضك أكثر مِنه.
فُزِعَت لتتراجع للخلف ليقْبض على قدميها يجذبها نحوه حاولت الصراخ، ولكِن الآوان فات هِي مَن ألقت نفسها فِي شِباكهم بعد أن انتهى فهد دلف آسر لينتهك جسدها هو الآخر وللمرة الثالثة، بَينما هِي كانت مُغيبَة ولمْ تستيقظ سِوى فِي مساء اليوم.
نظرت حولها ووجدت الكثير مِن المال جوارها، كان المكان فارغًا ليس بُه سواها تلتف بمَلاءَةٍ بيضاء تخفي جسدها المُدنس، وكانت هي أول مَن دَنسه بِأفكَارها ورَغبَاتها واِسْتسْلامهَا لوغدٍ كـ تميم.
كيف ستخبر أمها بِما حدث مَعها وهي قد أخبرتها أن هناك عريسًا قادم لرؤيتها الأسبوع القادم، نهضت تبحث عَنْ ثيابها سريعا ترتديها وقد أخذت المال لتغادر تعود إلى أمها التي ما أن رأتها حتى شهقت بقوة وصرخت باِسم زوجها الذي أتى في عجلة مِن أمره ووقع قلبه بين قدميه يقول:
-ماذا أصابك؟
لتبدأ فِي نَسج تِلك القصة الخيالية لتبرر فعلتها وأنها ليست مذنبة هو مَن اختلى بِها، هو مَن أجبرها على الذَّهاب وهددها، هو مَن انتهك جسدها دون رحمة.
كانت تبكي بقوة حتى جعلتهم يصدقونها، وقاموا برفع شكوى نحوهما وفضحتهم كانت تتحدث وكأن الأمر حقيقيًا، زيّفت الحقيقة ونكرت معرفتها بنواياه.
وبالفعل كانت حاملًا كادت أن تُثْبتْ أبوته ولكِن فؤاد مَن تدخل حينها وقام بإجهاضها واستطَاع إخراج ابنه مِن القضية، لا يعلم ليل أ مِن سْوء حظه أو حُسنه أنه كان فِي رحلة عمل حينها.
الألم تِلك المرة ليس فِي معدتها بَل قلبها تشعر بوخز فِيه، هِي مَن ضحت بكُل مَا تملكه فِي سبيل جعلها تعيش بهناء وسرور ظنًا منها أنها أنانية؛ لأنها قررت الحصول على زوج كـ ليل في حين أنها أؤذيت على يد أخيه.
هَل كانت ضحية لكذبة اِخترعتها نور وقامت بتحركيها كأداة انتقام فقط.
ماذا عَنْ سمر؟ هل هِي الأخرى خدعتها؟
كانت أنفاسها تأخذها بثِقل تنظر للأمَام بفراغ، نبست بذهول ومحاولة لكتم عَبراتها:
-أريد الذَّهاب.
-أنا أختنق.
فتحت الباب لتنزل مِن السيارة وتتجه للداخل ليتبعها، كانت حالته غير مُبشرة بالنسبة لـه كان قلقًا وخائفًا عليها وعلى طفلهما رُبما كان عليه التأني.
طرقت على الباب بقوة لتجده يُخْرِج مِن محفظته المفتاح ويضعه فِي فتحته ليُدِيره لليمين فيُفتح الباب، دلفت للداخل تلقي بجسدها على الأريكة وتخلع سترته تلقيها جِوارها تشعر بالاختناق يمتد لعُنقها لتبدأ فِي تدليكه، كانت تقف سمر قلقة مِن حالتها ليُشير لـها ليل أن تذهب لغُرفتها ولكِنها كانت تود إخبارهما بِمَا حدث لـ جوهرة، فقد هاتفها مارك ولكِنها لم تستطع.
وقع بصرها إلى الصور كيف تضحك بعد أن حصلت على الثراء الذي كانت تحلم بِه وكل هذا بسبب تغفيلها، جذبت الصور تقطعهم لأشلاء كثيرة وتلقيها بالأرض، ولكِن الأمر لم يقف لهُنا قامت بدفع الطاولة بكلتا يداها لتشد على خُصْلاتها بقوة، نظرت نحوه لتهتف بصراخ:
-هل يمكنك الرحيل الآن؟
أجابها بأكثر نبرة باردة لديه:
-الطبيب طلب مِني الاعتناء بكِ وبطفلنا.
كادت أن تصرخ فِيه مرة أخرى حتى هتف يقول وهو يقترب مِنها يُمَسد على معدتها:
-صراخ أمك يزعجك أيها الصغير، صحيح؟
-هل يمكنكِ خفض صوتك قليلا، طفلنا يريد النوم.
-إذا لا تجعلني أصرخ وغادر.
-ألا تسمعيه! يُريدني أجاوره في الفراش.
-أليس كذلك، أيها الصغير؟
ارتجف جسدها عندما جثى على إحدى ركبتيه يُقبِّل معدتها لتضع يدها على كتفه تستند إلى عندما شعرت بدوار ليرفع رأسه نحوها يتساءل:
-هل أنتِ بخير؟
نهض ليُحِيط وجنتيها بيده يقول:
-هل يمكنكِ التفرغ لطفلنا ولا تنشغلي بشيئا أخر، سأقوم بحل كل الأمور التي تزعجنا.
-أنا وأنت لا يمكننا الاستمرار معًا.
-جُلَّنار، أنتِ زوجتي وتحملين فِي أحشائك طفلي لن أتخلَّى عنكما أبدا.
-أعتذر على قطع تِلك اللحظة ولكِن السيدة جوهرة مُحتجزَة فِي المشفى.
نظرا لـها ليتبادلوا النظرات فِيما بَينهما بينما هو هتف بذهول:
-أمي!
.
بقلم/سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_______________________________
والآن بعد أن كُشفَت الحقيقة، ما رأيكُنَّ؟تسريب من الفصل القادم...
سَيكون لخنجري الذِي لا مَفر مِن اِسْتخَدَامهُ بِكل رِواية تَصْنعُها أفكاري وتَكْتبهَا أناملي نصيبًا في الفصل الرابع والثلاثون؛ لذا أطلب مِنكُنَّ التخمين مَن سينال شرف الموت بخنجري.
مع العلم، لكل مشترك في التخمين محاولة واحدة وسأعطيكم لُغز سهل وبسيط تعرفونه بِه...
•الجميع يراها دافئة كالشمس، ولكِن قد تُصبح الشمس حارقةً.
أنت تقرأ
بِـلون الدم
De Todoلكُلٍ مِنْا جَوارحهُ التِي تَنزَف دَاخلهُ بِقوةٍ مِنذُ سنوات وَلكِن لا أحد يراها؛ لأننا نَحكمُ الغَلقُ بِشدَّةِ وَكأننا نخافُ أنْ يَسْقطَ نَزِيفُنا بالأرضِ، فيتلطخ بِه أحدٌ. هو قَررَ مُشارِكتها لِنَزِيفها بأنْ يكونَ إناءٌ تُفْرِغ بِداخلهُ مَا كَتمته...