نكمل روايتنا بِـلون الدم.
بقلم/سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٣٨..
_______________________________
فتحت مقلتاها ليقابلها السقف الأبيض لترفع يدها نحو معدتها المُسطحة وتعتدل فِي جلستها تشعر ببعض الصُداع يجتاحها، فهِي لمْ تَنْم جيدًا ليلة أمس.
خفضت ساقاها للأسفل ونهضت تتجه إلى الحمَّام تقضي حاجتها وخَرجتْ تقف أمَام خَزانتها تبحث عَنْ ثوبٍ يُلائِمها ووقعت يدها على ثوب أحْمَر اللون لترتديه وتدنو ترتدي حذاءها الأسود لتَخْرج مِن غُرفتها تبحث عَنهُمَا لتستمع لضحكات إحداهُنَّ واِتْجهتْ نحو مصدره وهتفت الفتاة مَا أن رَأَتْهَا:
-أبي، أمي اِسْتَيقَظَتْ.
ألتفت برأسه نحوها ليَرَاها تستند إلى الجِدار بكتفها لينهض ويعتدل فِي جلسته حيث كان يدغدغ اِبْنته بِعُنقها ومعدتها، هتفت متساءلة:
-لِمَ لمْ توقظني؟
-كانت ليلة أمس مرهقة لكِ.
غمز لها باليُسرى ولمْ تَرَه اِبْنته لَيَالِي ولكِنها تساءلت بعدم فهم:
-ماذا تقصد، يا أبي؟
هتفت جُلَّنار بضِيق وهي ترفع سبابتها فِي وجهه:
-أخبرتك ألا تتحدث عَنْ تِلك الأمور أمَامها.
-جُلَّنار، اهدئي إنها بعُمر الرابعة بعد.
-لمَتى ستظل تخبرني بهذا!
-لَيَالِي، تعالي إلى هُنا.
تقَدمتْ تِلك الفتاة الجميلة بِعُمر الرابعة تحمل جمال أمها وطباع أبيها، أحاطت جُلَّنار وجهها بكلتا يداها تقول باِبتسامة:
-اِذهبِي للجد والجدة.
-أمي، دوما أبي يجعلني أنام عند الجد والجدة وأنتِ ترفضين، لِمَ أنتِ مُصِّرة على ذهابي تِلك المرة!
-بالفعل يا جُلَّنار، لِمَ تُرِيدين لَيَالِي تذهب للجد والجدة؟
-أهناك خطبًا؟
-ليل، لا تَغْضبنِي أنت الآخر.
-لا يدور كُل شيء حول مَا تفكر بِه.
ضَحك وقدْ ألتقط هاتفه يُجِيب عَن اِتصال أمير الذِي ذَهب فِي إجازة مَع زوجته حياة، بَينما لَيَالِي اِسْتَمَعت لحديث أمها وتركتها لتغادر المنزل وتتجه إلى المنزل المجاور لهُم تطرق على بابه ليُفتَح، ألقت التحية على سمر وركضت للداخل تصرخ بحماس:
-جدي.
-جدتي.
-عمي.
-أين الجميع؟
هتفت سمر تقول وهِي تكتم ضحكاتها مِن ذَلك المُختبىء فِي الجوار:
-لا أعلم، يا لَيَالِي.
-كيف لا تعلمين! أمي تقول أن سمر تعرف كُل شيء.
-صدقيني لا أعلم أين الجد.
-لأبحث عَنْه إذا.
كادت أن تصعد للطابق الثاني حتَى وجدت مَن يُهاجمها بالخلف يحمل بيده مسدسًا مملوء بالماء يصوّبه نحوها وقد أغرق بلوزتها لتصرخ قائلة:
-جدي، لقد غششت مجددا.
-لم أغش، الحرب يجوز فيها كُل شيء.
-جدي، نحن لسنا بحرب.
-بالطبع حرب، ما دام هناك فائزًا وخاسرًا بالتأكيد هناك حرب وعلى أحدنا كسبها.
-سأخبر أبي بأنك تغشني.
-أخبريه، ستقف الجميلة بصفي.
-جدي، أخبرتك عدّة مرات أمي اِسمها جُلَّنار وليست الجميلة.
-أنتِ تغارين مِنها.
-جدي!
-لَيَالِي.
اِسْتَمعَتْ لنداء جدتها لتجري نحوها وتجدها تجلس على مَقْعَد الأريكة أمَام التلفاز تَقْبض على خيط صوف وتقوم بنسجه لتكوين بلوزة شتوية مِن أجلها عانقتها تقول:
-جدتي، جدي غشني ثانيةً.
-كل مرة يضربني مِن الخلف.
ضحكت وربتت على خُصْلاتها تُقَبِّل جبينها تقول:
-ما رأيك بِها؟
-جميلة، جدتي.
-أين عمي وزوجته؟
-إنهما بالأعلى.
-لا تزعج...
قبل أن تُكمَل جملتها كانت ركضت لَيَالِي للأعلى تطرق على بابهما وهِي تستمتع بمضايقة عمها الذِي تأفف يقول بحنق:
-مَن؟
-إنه أنا يا عمي، لَيَالِي.
-لَيَالِي هل أنجبتك أمك لتزعجيني!
-أبي دوما يختفي مَع أمي داخل غرفتهُمَا وكذلك أنت، ماذا تفعلون؟
-اللعنة! لم يكن أبوكِ منحرفًا وكذلك أمك، مِن أين لكِ تِلك الجراءة!
ضحكت تِلك النائمة جِواره بَينما هو أزال الغطاء بعُنف ينهض لينتعل حذاء خفيف يُلبَس داخل المنزل ويتقدم نحو الباب يفتحه باِنفعال يتساءل:
-ماذا تريدين؟
-مِيا لا تفعل ما تفعلينه.
-مِيا عاقلة، ولكِني اِبنة ليل الجندي وجُلَّنار المصري بالتأكيد لن أكون عاقلة.
تركته وتقدمت للداخل بَينما هو ظل واقفًا مندهشًا مِن تصرفاتها التِي لا تناسب عمرها، ألتفت يجدها تصعد على فراشه تعانق زوجته التِي اِبْتَسمَتْ لها ما أن رَأَتْها.
-زوجة عمي أنتِ الأفضل.
-حقا! وماذا عَنْ عمك؟
-لستْ سيئا.
-زينة، اِنهضِي لنُبَدّل ثيابنا.
-لكي يستمتع ليل يزعجنا باِبنته.
-لا تِلك المرة أمي هِي مَن أخبرتني بأن أتي.
هتفت زِينة بقولها عندما رأت سليم عاجزًا عَن الرد:
-لَيَالِي، لا يصح أن نفصح عَنْ أسرار المنزل والعائلة.
-ولكِنكم مِن العائلة.
-أمس أبي...
قاطعتها يد سليم التِي وُضِعَت على ثغرها يقول بحنق مِن تصرفاتها وإخراجها لأسرار كُلٍ مِن ليل وجُلَّنار:
-لا أريد أن أعرف، لست مهتمًا بمَا يفعله أبوكِ وأمك.
-رجاءً اُخْرجِيني مِن حياتهم.
-رجاءً.
نزع يده وكاد أن يبتعد عَنْها حتى هتفت تقول:
-إذا سأخبر زِينة زوجتك.
زفر الهواء مِن حوله بضيق بَينما زِينة ضحكت بقوة ليتركهُنَّ ويتجه نحو الحمَّام لتمسد خُصْلاتها برفق تتساءل:
-أَ تناولتِ الفطور؟
-أبي حضَّره مِن أجلي، يقول أن ليلة أمس كانت متعبة لأمي.
اِسْتمعا لصوت سليم مِن الداخل يصرخ فيها بقوله:
-لَيَالِي، اُخْرجي مِن حياتنا لسنا مهتمين.
-لم أكن أخبرك أنت.
-أين مِيا، يا زوجة عمي؟
-ذهبت للمدرسة.
-حسنا، لِمَ تبقين لوقتٍ متأخرٍ فِي الفراش كأمي؟
فُتِح باب الحمَّام بعُنف ليقول وهو يرمي المَنْشَفَة مِن يده:
-أغبى قرار ندمت عليه هو أني أسكن فِي منزل يجاورك، أنتِ ثرثارة يا لَيَالِي.
-جدتي تخبرني بأنه عندما أنجبتني أمي جذبني الطبيب مِن لساني.
-كان عليه قصّه.
-صحيح يا عمي، كيف أنجبتني أمي؟
-زِينة، سيقولون قتل اِبنة أخيه لأنها ثرثارة اُخْرجِيها مِن هُنا قبل أن أقتلها أو أقتلني بدلا عَنْها.
-أبي يجاوبني على كُل أسئلتي لِمَ أنت ليس مثله!
-لأنني لست أباكِ، اِذهبي لعنده.
-كان ثرثارًا مثلك فِي صغره.
على الجهة الأخرى، كانت تصرخ بِه وهي تقف أمَامه بَينما هو يضع راحة يده أسفل وجنته ينتظرها أن تنتهي:
-وبأي حق تعطيها عنوان منزلنا؟
-إنها تأتي لهُنا كما يحلو لها وكأنه فندق.
-جُلَّنار، إنها شريكتي فِي العمل ليس إلا.
-ليل، لا تكن باردًا معي.
تقدم مِنها يُحِيط وجنتاها بكلتا يداه يقول بضيق:
-جُلَّنار، تعلمين كيف كانت ظروفنا المادية مِن قبل؛ لذا اضطررت لمشاركتها حتى يمكنني فتح سلسلة المطاعم هُنا وفِي الخارج؛ ولأني فِي الغالب أمكث هنا جِوارك بالمنزل لا تستطيع رؤيتي؛ لذا تضطر للمجيء إلى هُنا.
-وإن كان يضايقك مجيئها لأقابلها بِمنزل سليم.
-هل ترى هذا هو الحل المناسب؟
أومَأ برأسه لها بَينما هي باغتته بجملتها:
-أريد أن تلغي شراكتها، يا ليل.
-هل جُننتِ!
طُرِق الباب ليتركها ويتجه نحوه يفتحه لتَرَاها، اِبْتسم بتردد لها يدعوها للداخل بَينما هِي تعقد ذراعاها أمَامها وحاجباها بقوة لتلقي التحية عليها:
-مرحبا، سيدة جُلَّنار.
لمْ تَجبْ إليها ليوكزها ليل بذراعه لتُجيب على مضض ويتجهوا ثلاثتهم نحو غرفة المعيشة ليبدأ ليل فِي مراجعة بَعض الأوراق معها وغيرها مِن الأعمال بَينما هِي تجلس كالمرصاد فِي مَقْعَد منفصل عَنْهم تُراقب كُل حركاتها حتَى سقط مِنها القلم لينخفض يلتقطه ويُعِيده لها، حَمحَم يقول:
-لو تُحضّرِين العصير، يا جُلَّنار.
-لقد نفد.
-لا بأس سيدة جُلَّنار، يمكنني شرب القهوة.
اِبْتَسمتْ جُلَّنار وهتفت تقول:
-أعتذر لا يمكنني إعدادها سمر تفعلها، ولكِن للأسف هي ليست هُنا اليوم.
-جُلَّنار!
هتف باِسمها بضيق بَينما هِي رفعت حاجبها للأعلى بترقب لجملته التالية ولكِنه حافظ على هدوئه ليقول:
-سأقوم بإعدادها لكِ، سيدة نرمين.
نهض ليل يتجه نحو المطبخ ولكِنها رَأَتْ التحذير والتهديد بعينيه، ما أن اخْتَفَى مِن أمَامهما هتفت السيدة نرمين بسؤالها:
-أنتِ ربة منزل؟
-لا.
-إذا لِمَ تجلسين مَعي أنا والسيد ليل عندما نعمل؟
-لا أستطيع التركيز بسببك.
-حقا! هل أزعجك سيدة نرمين؟
-قليلا.
اِبْتَسمتْ جُلَّنار وأعادت ظهرها للخلف ترفع يدها نحو جبهتها تدلكها لأكون دقيقة إنها تحاول التحكم فِي قبضتها، فهي تتخيل الآن أنها تَقْبَض على خُصْلات تِلك السيدة تجرها زحفًا للخارج ليس مِن المنزل فقط بل مِن حياة ليل أيضا، قبل أن تنفذ تِلك الفكرة كان قد خرج بالقهوة ووضعها أمام نرمين التِي شكرته كثيرًا ومدحت فِي طعمها.
رغْم أن العمل اِسْتَمَر لساعات ألا وأنها لمْ تفارقهم للحظة كُلَّما رفع بَصره وجدها تنظر لهم بأَعين ثاقبة يقسم بأنها كادت أن تخترق جسد نرمين وتقتلها.
-لنُكمَل لاحقا، سيد ليل.
-حسنا، يا آنسة نرمين.
-أشكرك على تعبك.
-لا بأس، أنا سعيدة.
اِبْتَسَم لها وكاد أن يرافقها حيث الباب حتَى قَبضَتْ جُلَّنار على يده تنظر إلى نرمين وتقول:
-سأرافقها أنا.
كاد أن يعترض حتَى هَمَست أمَام وجهه بكلماتٍ قاطعة تخبره ألا يرافقهُنَّ، سارت مَعها حتَى الباب بل رافقتها للسيارة وأغلقتْ خلفها باب المنزل حتى لا تسمح لـ ليل أن يَرَاهُنَّ، مَدّت نرمين يدها تصافحها لتبتسم جُلَّنار وتتجاهل يدها الممدودة بل اِقْتَربت مِنها حتَى التصقت بالسيارة مِن خلفها بتعجب مِنها لتشعر بيدها تَقْبض على ذراعها وتهتف أمَام وجهها بنبرة حادة ثابتة قوية:
-اِجْعلي عيناكِ تلزم حدها حتى لا أقلعهم لكِ.
-هَل يزعجك بقائي جِوار زوجي!
أزالت ذَلك الغبار الوهمي مِن كتفها لتقول بأكثر الكلمات رعبًا لتِلك السيدة أمَامها:
-هل تعلمين قدر الدّماء التِي أَرقْتَهَا لأبقى مَعه؟
-لا أريد رؤيتك جانبه ولو على بُعد أمتار حتى ولو على سَبيل الصُدفة، لست الفتاة التِي تَرَى أُخرى تلاحق زوجها وتصمت.
كُلَّما حاولت الرد على كَلماتها ومجابهتها تفشل، كانت تُحِيطها هَالة مُخِيفة تَبُثْ الرعب داخل قلبها لا تعلم كيف علمت بمخططها وأنها حقا أُعْجَبَت بِـ ليل ومجيئها لهُنا كان مِن أجل التَقَرب إليه.
-جُلَّنار!
دفعت ذراعها وتحكمت بتعابير وجهها لتُصْبح هادئة وتبتسم إلى نرمين التِي أقسمت داخلها أنها مجنونة لتقول:
-أنرتِ، سيدة نرمين.
-إلى اللقاء.
شحب وجه نرمين وهذا أَكد لـ ليل أن جُلَّنار لم تكن ترافقها وحسب لتغادر على الفور وتسير إلى باب سيارتها تفتحه وتصعد إليها فِي عجلة مِن أمرها حتَى لمْ تستمع لكلماته لتنطلق وتختفي مِن أمَامهُمَا.
ألتفتت إليه كانت تعلم أنه غاضب وكاد أن يتحدث حتى خَرجت كلماتها جادة غير قابلة للنقاش:
-إما تِلك الفتاة فِي حياتك إما أنا، يا ليل.
قالتها بتِلك السهولة وغادرت للمَنزل المجاور تركته فِي حَيْرَته وذهوله مِن معاملتها تِلك.
-أمي ماذا كُنتِ تفعلين طوال هذا الوقت لقد حلَّ الليل!
-كان أبوكِ لديه عمل وأنا اضطررت للبقاء مَعه.
-عمي سليم كان يضايقني.
رفعت بَصرها نحو سليم الذِي هتف يقول وهو يعقد حاجباه باِسْتنكار:
-أنا! لقد أزعجتيني بتساؤلاتك وحديثك الذي لا يناسب فتاة فِي الرابعة مِن عُمرها، والآن بُت مَن يضايقك!
-خَسِئتِ!
-ماذا بكِ، يا جُلَّنار؟ لِمَ تبدين منزعجة.
تساءلت زِينة التِي نهضت تقترب مِنها وقدْ اِنتبه الجميع لتعابير جُلَّنار المنزعجة وعدم حضور ليل مَعها.
-لا شيء، أنا بخير.
أخذتها زينة وتقدمت مِنهُنَّ جوهرة ليصعدوا للأعلى بَينما الجد اِقْتَربَ مِن سليم وهو يُطالع المكان يمينًا ويسارًا حتى شعر سليم بالرِيبة مِنه وتعجب مِن تصرفاته، ليباغته الجد بمسدس صغير أَخْرجه مِن خلف الوسادة يصوبه نحوه يقول:
-سأبللك اليوم.
-جدي!
نهض سليم بَينما الجد خلفه يصوّب نحوه بالماء وهُو يجري هُنا وهُناك وخلفه لَيَالِي، بَينما مِيا كانت نائمة فِي الأعلى منذْ أن عادت مِن مدرستها.
-يا جدي، تِلك الحركات لا تناسب عُمرك.
-خَسِئت! ماذا تقصد؟
-تعال إلى هُنا.
-لَيَالِي، اِنْقذِيني مِنه.
أثناء جريه صُدِمَ بِـ ليل ليختبئ خلفه ويغرق قميصه لتختبئ لَيَالِي خلف جدها تقول:
-أبي غاضب.
-جدي! هل ترى هذا وقت مناسب للعب بالماء!
تركهم ليل واتجه للداخل يجلس على الأريكة أمَام التلفاز ينظر حوله بحثا عَنْها ليقترب مِنه سليم ويجلس جِواره يقول:
-إنها بالأعلى.
-ماذا حدث؟
-لا شيء.
-أنت وزوجتك متشابهان.
بالأعلى، كانوا يحاولون معرفة مَا حدث ولكِنها صامتة لطَالمَا كانت تكتم الخلافات داخل منزلها ولا تُخْرجها أبدًا حتى أنهم علموا بالصدفة مِن قَبل أنهم كانوا مُقْدمِين على خُطْوة الطلاق بَعد إنجاب لَيَالِي والأمر كان غير واضحٍ.
لتعود بذاكرتها بَعد الأيام الأولى مِن إنجابها لِـ لَيَالِي، كان يلاحظ تغيرها مَعه وبرودها فِي التعامل حَتَى أنها بدأت فِي تجاهله وتجاهل حديثه بلا مبرر بعد أن اِسْتَسْلمتْ له فِي تِلك الليلة بَعد مقتل فؤاد على يد جوهرة، ظن بأن الحياة باتت مستقرة ولكِنها خالفت توقعاته.
كانت لَيَالِي نائمة فِي سرير خاص بِها يجاور سريرهُمَا، كان يتفقدها باِبتسامة واسعة وهو يمرر إبهامه على وجنتها المُنتفخة كم كانت لطيفة!
خَرَجتْ مِن الحمَّام لتنتقل بِبَصرها نحو يده التِي تُلاعب اِبْنتهُمَا لتردف تقول:
-لا توقظها.
-لا تقلقي، إن اِسْتَيقَظتْ سَأسهر مَعها لنْ أَتعبك.
رفع بَصره نحوها يَبْتسمْ ثم نظر لتِلك المَلاك التِي تَرقُدْ فِي سَلام تبتسم مِن حِين لآخر لتجعل الابتسامة تنمو تلقائيا على وجهه، اِتجهَتْ جُلَّنار إلى طاولة الزينة تستخدم فرشاة الشعر تصفف خُصْلاتها لتشعر بيديه تطوق خصرها يُقَبّل عنقها البارز أمَامه هتف يهمس بشوق:
-اِشْتقتُ لكِ.
باغتته بقولها الغير مناسب لتِلك اللحظة:
-ليل، لنتطلق.
-أنا لا أريد أن أُكمَل تِلك الحياة معك.
أغلق ملقتاه بضيق ومَلل مِن تكرارها للموضوع ليبتعد عَنها ويجلس على الفراش يخلع حذاءه ويلقيه بعُنف يقول:
-تعيدين نفس الموضوع مرارًا وتكرارًا، ألا تَسْأمِين!
-لا، لن أَسْأَم حتى نتطلق.
-أنا لا أريد أُكمَل فِي تِلك الحياة، ألا تُعِير لرغبتي اهتمامًا!
-وَأَ تِلك رغبة يمكنني إعارتها اهتمامي!
-أنا تحدثت للمحامي سنذهب فِي الغد لنتطلق.
-وسَأتولى تربية لَيَالِي ولن أمنعك مِن رؤيتها.
-حقا! هل الموضوع بتِلك البساطة!
-أنا لن أحرمك مِن رؤية اِبْنتك.
نهض يقترب مِنها وقد تحولت ملامح الغضب والضيق لأُخرى لينة هادئة وعينان يغلفهما الحب يُحيط خصرها بيده ويدفعها للحائط مِن خلفها يقول:
-أنا أخشى فقدانك أنتِ، يا جُلَّنار.
-سَأرسل لك الموقع فِي الغد، لنُنهِي الأمر كُلَّه.
شهقت حينما ضرب الحائط جِوارها بقبضة يده يصرخ بِها يقول:
-حسنا، إن كان هذا ما تريدينه لنفعله، يا جُلَّنار... لنفعله.
اِرْتَفعت صرخات الصغيرة لتجري جُلَّنار إليها تحملها بَين ذراعيها تربت على ظهرها بَينما هو ألتقط حذاءه وغادر، عانقت اِبنتها بقوة تبكي هِي الأخرى لتهمس مِن بَين عَبراتها:
-آسفة... آسفة.
أتى اليوم التالي وكانت ترتدي ثوبها بِلونه الأزرق يختلط بالأبيض وارتدت نظارة شمسية تخفي خلفهُمَا عيناها التِي سهرت الليل بِرُمَتهُ فِي اِنتظار عودته ولكِنه لمْ يَعُد، غادرت الغُرفة وقد تركت اِبنتها لَيَالِى مَع جوهرة التِي تساءلت:
-لأين، يا جُلَّنار؟
-سنتطلق أنا وليل.
هكذا قالتلها ببساطة وغادرت تستقل سيارة الأجرة التِي طلبتها وقد راسلته فِي الصباح تخبره عنوان مكتب المحامي وقدْ رَأَها ولم يَجِبْ.
كانت غير مُنتبهة للطريق وتنظر لهاتفها حيث الصور التِي تجمعها بِه وتجمع ثلاثتهم معًا، اِبْتَلعت لُعابها وقدْ تمردت إحدى عَبراتها على وجنتها لتُزِيلها، ذعرت حينما أُحِيطت سيارتها بسيارتين ليتوقف السائق مُجبرًا.
نظرت حولها كان الطريق فارغًا مِن المارة والسيارات لتشعر بالتوجس والقلق، تقدم أحد الرجال مِن باب السائق وأخر مِن بابها، كان مُلثمًا لتردف متساءلة:
-مَن أنت؟ ماذا تريد؟
وضع سبابته على فمه يُشِير لها أَلا تتحدث لتقول بقليل مِن القوة:
-إن تجرأت واِقْتَربتْ مِني سأبلغ عَنك.
-زوجي لن يتركك حيَّا إن أصابني مكروهًا.
جذبها للخارج لتصرخ فيه ولكِنه اِنْحَني يحملها على كتفه لتصرخ وهِي تُسَدد له عدّة لكمات على ظهره تصيح:
-أفلتني الآن.
-لن أذهب معك لمكان.
-اُتْركنِي.
وضعها بالسيارة وجاورها يمنعها مِن محاولاتها لفتح الباب بَينما هِي هتفت تقول:
-لن أسمح لك، اُتْركنِي.
-ا...
قاطعها بوضعه كيس قماشي أسود اللون على وجهها وشعرت بوخز فِي ذراعها وسُرعان مَا ثقلت رأسها لتسقط أسيرة بَين ذراعيه.
بعد مُدة، كانت تُحَرك رأسها يمينًا ويسارًا دلالةً على قُرب اِنْتهَاء المخدر واِسْتيقَاظها.
فتحت جفناها بثِقل لترفع يدها نحو مقدمة رأسها تضغط عليها برفق لتشعر بالألم، اِعتَدَلتْ فِي جلستها لتنظر حولها كانت الحِيطان خشبية يعلُوها سقفًا خشبيًا تستطيع رؤية لون السماء الأزرق كثوبها مِن خلال الثغرات بَين الخشب.
خفضت ساقاها بالأرض والعجيب أن حقيبتها موجودة، إن كانت قد خُطفَت حقًا بالتأكيد سيَحرص الخاطف على إخفاء أغراضها، فُتِح الباب وكل ما رَأَتْه حذاء أحدهم لترفع بَصرها مِن أسفل لأعلى حتى توقفت عند وجهه... إنه ليل!
زفرت بِـ راحة ولكِن سُرعان مَا غضبت تقول:
-هل خطفتني حقا!
-نعم.
اِسْتند إلى الجِدار مِن خلفه يضع يده بجيب بنطاله، لتنهض وتتقدم مِنه تقول بحنق:
-تِلك تصرفات طفولية، يا ليل.
-لا أحد يُضاهيكِ بتِلك التصرفات.
-اخْرجَنِي مِن هُنا، يا ليل.
-ليس قبل أن أحصل على أجوبتي.
-أنتِ بالفعل مخطوفة، يا جُلَّنار.
عقدت حاجباها حديثه مُرِيب كَيفَ لرجل أن يخطف زوجته ولماذا وعَنْ أي أجوبة يتحدث؟
أردف يقول:
-لنبدأ بسؤالنا الأول...
-ليل!
-هل تحبيني؟
هتفت بنفاذ صبر لتقول وهِي تَقْبَض بيدها على سُترته:
-ليل، هل أنت واعي؟
-اُخْرجَنِي مِن هُنا، يا ليل.
-لَيَالِي بالتأكيد تحتاج لي.
-السؤال الثاني...
-هَل تَظُنِين لَيَالِي ابنتنا تحتاج لكِ فقط؟
-ليل!
أجاب عَنْها قائلا بشيء مِن الحِدة:
-إن كُنتِ تستطعين نطق اِسمي يمكنكِ الإجابة عَنْ أسئلتي.
-بماذا تهذي؟ لقد اِخْتَطفتنِي، يا ليل... فقط لأُجِيب عَنْ أسئلتك أم لكي أفوت موعد مقابلة المحامي للطلاق.
-جاوبي ولا تُماطلي، يا جُلَّنار.
اِبْتَعَدتٔ عَنْه تُعطِيه ظهرها وهي تغرز أصابعها داخل خُصْلاتها تضغط عليهم بعُنف هتفت تقول:
-لا، لا أحبك.
-ولَيَالِي تحتاجني أنا...
صمتت قليلا ستكون كاذبة إن قالت أن لَيَالِي تحتاجها فقط، لَيَالِي تحتاجه أيضًا حتَى هِي تحتاج له وتودّ البَقاء مَعه ولكِنها حاولت... حاولت نسيان كُل مَا حدث وفتح صفحة جديدة مَعه، ولكِنها ترى كل الأشياء بلون واحد فقط لا تراه حُبّ كما يعتقد بل تراه دماءً.
هِي أراقت الكثير مِن الدماءِ ودمرت عائلته، كَيفَ يطمئن لها وينام جِوارها كل ليلة يخبرها بكلمات العشق والغرام!
-لَيَالِي تحتاج لك أيضا.
-تِلك الإجابة أسعدتني كثيرًا، لنكرر السؤال الأول مرة أخرى.
-هل تُحبِيني، يا جُلَّنار؟
-ماذا أعني لكِ؟
-أريد أن أذهب.
كادت أن تتجه نحو الباب حتَى دفعها بعيدًا عَنْه لتتراجع للخلف فِي خُطُواتها وهُو يتقدم حتَى سقطت على الفراش ليعتليها يُكرر سؤاله ثانيةً وهُو يدفن وجهه بِعنقها لتَضطرب وتتعالى نبضات قلبها هتفت بضعف:
-ليل.
-أرجوك، لا تضغط علَىَّ.
-أنا أحتاج لكِ، يا جُلَّنار، ولَيَالِي تحتاجنا معًا.
-نحنُ لا يمكن أن نكون أنا أو لَيَالِي شيئا دونك.
دفعته ليستلقي جِوارها بَينما هِي اِعْتَدلتْ لتقول بنبرة كانت مليئة بالضعف والتِيه:
-ليل، أنا لا أستطيع اِفْهَمنِي أنا لا أسامح نفسي على ما فعلته بِك، وبعائلتك، وبِـ نور وغيرهم.
-أنا منذْ أن ظهرت بحياتك وهي دُمرت.
-أنا مُدمية، يا ليل... أخاف عليك أن تُدنس بِي.
-أخاف أن أمسك يدك، فتُلَطخ.
-حاولت، صدقني.
اِغرورقَتٔ عيناها بالدموع لترفع يدها نحوها تُزِيل بكفيّ يدها عَبراتها التِي تجمعت، اِعتَدَل ليجاورها ونبس يقول بكلماتٍ جذبت اهتمامها:
-هُناكَ خُرَافة تَقول: أنَّ كُل اِثْنَين قُدِّرَ لهُم أَن يَجْتمِعُوا يكونُ كُلُّ مِنهُمَا مُرْتبطٌ بِالآخر عَبْر خَيطٍ أَحْمَر اللَّون يُسَمَّى سُوَار الحُبّ أو القَدَر.
-أنَا مُسْتَعِد لِأُؤْمِن بِتِلك الخُرَافة مِن أَجْلِك.
-مُسْتَعِد لِأُلَطِّخ بالأحمر فِي سَبِيلك، إِنَّ كَان حُبًّا أو دِماءً.
-اَغْمِرِينِي بالأحْمَر، يا جُلَّنار... وَلكِن لا تَتَخَلِّي عَني.
عيناه، نبرته الدافئة، لمسة يداه على جسدها، كلماته التِي كانت بمَثابة عناق ويدٍ تُرَبط على قلبها المتألم، كل شيء بِه يجعلها تستسلم وتقع له مِن جديد.
اِنْتَبهتْ مِن شرودها وذكرياتها على ضحكات الجميع حولها نظرت إليهم بعدم فهم لتهتف جوهرة:
-أنا محظوظة أن اِبني لديه واحدة تحبه مثلك، تشرد بِه طوال الوقت.
نظرت لهم بضيق لتستأذن مِنهم وتغادر بَينما زينة اِقْتَرَبتٔ مِنها تقول:
-جُلَّنار، ماذا بكِ؟
-لا شيء.
-أنتِ أخبريني ماذا عنكِ أنتِ وسليم؟
خجلت زِينة لتنظر للأرض تتذكر كَيف ساندتها جُلَّنار حينما أتت لهُنا وقد طلبها سليم للزواج على مضض بسبب إصرارها.
كانت تسير باِبْنتها فِي محاولة مِنها لتهدئتها وتكُف عَنْ البُكاء لترى سليم يُطالع إحدى الصور بِهاتفه والتِي كانت لفتاة تعجبت كثيرًا عندما علمت هُوية الفتاة والتِي كانت زِينة.
ربطت الأحداث ببعضها لطَالمَا كان سليم يعاتبها بنظراته ويشعر بالخذلان مِمَا فعلته بأخيه، أخبرت ليل بما رَأَتْه ليتنهد ويخبرها بأن سليم يحب زِينة منذْ الصغر ولكِنها لمْ تهتم له.
كان الجميع يجلس بمنزل ليل يتناولون الغداء معًا، بعد إِصرار العائلة كُلَّها على الجد أن ينتقل للعيش معهم وبعد محاولات عدّة كانت فِي الغالب تنتهي بطرد الجد لـ جُلَّنار وليل مِن منزله ولكِن في الأخير رَضخَ لرغبتهم، هتفت باِسمه:
-سليم.
-ماذا؟
-ما رأيك أن تتزوج؟
بَصَق الطعام مِن فمه يُطَالِعها بدهشة لحديثها المفاجئ ليصيح الجد بحماس، بَينما جوهرة تساءلت:
-هل هُناك فتاة بِـ بِالك؟
-نعم.
-مَن هِي؟
تساءل وقدْ اِرتَفعَ حاجبه باِسْتنكار لتقول اِسمها الذِي بعثر كيانه وجعل مِن قلبه يخفق بقوة لينهض باِنفعال يقول:
-اللعنة! ماذا تقولين، يا جُلَّنار؟ هل تعيّ ما يَخْرج منكِ.
-أريدك أن تتزوج زِينة.
-أبدًا.
-سيخطبها ليل لك.
تِلك المرة بصق ليل طعامه هل حقا تعيّ ما يَخْرُج مِنها!
كانت تحبه هُو وفرقت بَينه وبَينها وأذتهُمَا كثيرًا وتودّ مِنه أن يخطبها لأخيه!
-هل جُننتِ!
-إذا سأدعو أنا السيد ياسر وعائلته وأتحدث إليه حول الزفاف.
-توقفي.
-جُلَّنار.
-لن أتزوج بِها.
-تعالي إلى هُنا، أيتها المجنونة.
-أحْكَم السيطرة على زوجتك، يا ليل.
-إنها تخلَّت عَنْ عقلها قبل مدّة.
ركضت للخارج لتُخْرج هاتفها وتتصل بِـ ياسر الذِي أجاب بَعد لحظاتٍ لتدعوه لزيارتهم وتعاتبه لكونه لمْ يحضر ولادة لَيَالِي بَل اِكْتَفَى بزيارة زينب وجودي لهُمَا.
-سيد ياسر، رُبما ما أقوله غريبًا ولكِني أطلب مِنك زِينة لـ سليم.
دُهِش وأصابه الذهول للحظات ظن أنه لم يستمع لها ولكِن نبرتها كانت واضحةً ليعترض، ولكِنها جُلَّنار التِي لا تستسلم لتقنعه بأسلوبها المميز وختمت حديثها:
-نودّ أن نُعِيد ترميم العائلة؛ لذا رجاءً أقبل دعوتي سأنتظرك أنت والعائلة دون أن ينقصها فردًا.
أخبر ياسر زوجته زينب التِي فرحت كثيرًا بعودتها، فرغْم أنها اِسْتَقَرتْ هُنا لسنوات ألا أن بقائها فِي موطنها الأصلي له متعة خاصة، ولكِن ما أن أخبرها بطلب جُلَّنار الغريب كما زَعَمَ الجميع لُجمت وبهتت مَلامحها قليلا، فسليم أخبرها مِن قبل أنه يحمل مشاعرًا لـ زينة وكم كانت سعيدة وفكرت بخِطبتهُمَا ولكِن حينما فاجئتها زِينة بحُبّها لـ ليل صُدِمَت وصمتت؛ لأن سليم كان غادر ولم يَعُد.
ذهبت زينب إلى غُرفة زِينة التِي اِعتَدلت مَا أن رَأَتْها لتَبتسم لها وتسمح لها الجلوس على سريرها، رغْم تحذير ياسر لها ألا أنها قَصَّت عليها رغبة جُلَّنار وكانت الدهشة مِنْ نصيبها، لا يوجد عاقلًا قدْ يؤيد رغبتها، زِينة اِرتَبكتْ لتضع ظفر إبهامها بفمها وتتساءل:
-هَل تِلك رغبة جُلَّنار فقط؟ سليم لا يعرف؟
-لم يخْبرني أبوكِ، ولكِنها دعتنا كُلَّنا لزيارتهم وأصرت.
-زينة، أعلم أنك تحبين لي...
قاطعتها زينة بنهوضها تتقدم مِن النافذة وتعارضها:
-لا، لا أحب ليل.
-هذا ما توهمت بِه، كُنت أظن أنني أحبّه؛ لأنه كان يرفضني.
-وحينما ظهرت جُلَّنار بحياته ورَأَيتْ حُبَّه لها شعرت بالغيرة، لِمَ يحبها وأنا أمَامه لسنواتٍ!
-ولكِني علمت بعدها أننا لا نختار مَن نحب، ولكِننا نختار مَع مَن نكون.
نهضت زِينب لتقترب مِنها تعانقها وتُقَبَّل جبينها لتقول بمرح رغْم الدموع بمقلتيها:
-إن علم أباكِ أنني أخبرتك، رُبما يرفض عودتي معكُنَّ.
ضحكت زِينة لتتركها زينب وتغادر ولكِنها ما أن فتحت الباب حتى صُدِمَت بجودي وسندس اللائي كانا يتجسسنَّ عليهُنَّ، كادت أن تهرب حتى قبضت زينب على ياقة بلوزتها لتنبس بقولها:
-إن أقسمت لكِ أنني وقفت هُنا بمحض الصُدفة لن تصدقيني، صحيح؟
-وهَل تظني أنني قد أصدقك!
-تِلك الأفعال تَخْرُج مِنك، يا سندس!
قالتها بنبرة معاتبة لتعانقها سندس وتعتذر مِنها لتتبعها جودي وهِي ترفع رأسها إليها تتساءل:
-هل حقا سنعود؟
أومَأت برأسها لتشدد عليها بأحضانها، حجز ياسر التذاكر وجهزت زينب الحقائب بَينما زينة كُلَّما قَرُبَ الميعاد يخفق قلبها وتخاف مِن تِلك الخُطْوة لتتراجع بِاللحظة الأخيرة وترفض.
كانت تجلس بغُرفتها حتى وجدت جودي تقتحم خصوصيتها وتضع الهاتف أمَامها وتبتعد بضعة خُطُوات لتنتقل زِينة بِبَصرها مِن الهاتف إليها لتقول جودي:
-لا يجب أن تجعلي أحدًا ينتظرك.
قَبَضتْ زِينة على الهاتف بأناملها لتنظر إلى الاسم وكانت جُلَّنار لتضطرب وتضع الهاتف على أُذنها، فقدْ أخبرتها جودي أن زِينة ترفض المجيء وياسر لا يضغط عليها هتفت بقولها المتلعثم:
-مرحبا.
-زِينة، لا أريد أن أضغط عليكِ ولكِنك مُدينة لي؛ لذا لا مجال لرفضك.
هتفت زينة بتعجب وذهول مِن أسلوبها:
-هل حقا لا تريدين الضغط علىَّ!
-أنتظرك بالغد، لا تتأخرين.
-أخبرتني جودي بموعد الرحلة، ستكوني أول الحاضرين.
أغلقت المكالمة لتُصدَم زِينة مِن أسلوبها لم تستغرق لحظات فِي إقناعها، رفعت بَصرها حيث جودي التِي صرخت هاربة مِن الغُرفة وزِينة لحقت بِها لتختبئ خلف أمها وتقول:
-اِنْقذيِني مِنها.
-ماذا فعلتِ لها؟
-تحدثت إلى جُلَّنار لتقنعها.
-لن أذهب.
قالتها زِينة بغضب وتركتهم لتصعد إلى غُرفتها، تجهز الجميع استعدادًا للرحيل لتنظر سندس حيث الطابق العلوي وتجد زينة ترتدي ثيابها وتهبط تقول بكلمة واحدة وتتقدمهم:
-لنذهب.
ذهبوا للمطار ليختم كافة الأوراق وجوازات السفر وصعدوا إلى متن الطائرة فِي طريقها للعودة إلى الدِيار.
عَلِمَ الجميع بموعد وصولهم وفِي اِنتظارهم، كان يقف ليل يُقبِّل عُنق جُلَّنار أمَام المرآة حيث كانت تستعد لمقابلتهم، ولَيَالِي كانت بِعُمر الثالثة يهتم بها كلٌ مِن جوهرة وسمر.
-اُتْركنِي، يا ليل.
-لنبقَى نَحنُ هُنا، ويتفقا هُما معًا.
-ليل!
فُتِح الباب ليدلف سليم باِنفعال وحنق اِبْتَعدَت جُلَّنار بصدمة عَنْ ليل الذِي كان غاضبًا مِن جراءة أخيه وقبل أن ينهره على فعلته تحدث سليم بقوله:
-لِمَ فعلتيها؟
-سليم، ألا ترى أنك اِقْتَحمتْ غُرفتي للتو!
قالها ليل بحِدة وضِيق يعْلم شعوره ولكِن هذا لايعطِيه مبررًا لاقتحام خصوصياتهم لتباغتهم جُلَّنار بقولها:
-لأنك تُحِبُّها.
نظرا كلاهما نحوها لتُكمَل بقولها:
-أنت تُحِبُّها، يا سليم.
-ما زلت غَيْر قادرٍ على نسيانها.
-تُرِيدُهَا ولكِن كبرياؤك يمنعك؛ لذا خطبتها لك.
-إن لم تَرتَحْ مَعها، لتنفصلا بهدوء.
-أنا لا أحِبُّها.
-أخطأتِ التقدير، يا جُلَّنار.
اِنْسَحبْ مِن أمَامهما، فمواجهتها له جعلت مِنه ضعيفًا.
كانَ متلهفًا لرؤيتها ومَا أن وقع بَصره عليها حتى اِرْتَبكَ وصُدِم، لقدٔ باتت أجمل عَنْ ذِي قَبل لينبس داخله بتلقائية أنها جميلة دائما.
كان الجميع متوترًا مرتبكًا عداها كانت تتعامل مَع الجميع بأريحية وتَخْلُق أحادِيث، كان سليم يختار أبعد نقطة ويجلس بِها يُراقبها كَيف تبتسم بتوتر وتخفض بَصرها بالأرض خِشيةً أن تصطدم بِه أو بأخيه لتتقدم مِنها مِيا وبدأت تُلاعبها وتفصح عَنْ الجزء الطفولي دَاخلها، ثلاث سنوات كانت كافية لتجعل مِيا تَتْقَن اللغة العربية.
نهضت جُلَّنار لتتقدم مِن سليم الذِي أدار وجهه عَنها ولكِنها اِنْحنتْ تتظاهر بربط حذائها وقالت بنبرة ساخرة تصفعه بالحقيقة التِي ينكرها:
-إن كُنت لا تُحِبُّها كما تَزعم لِمَ لمْ تَشِح بَصرك عَنها منذ أن أتت؟
تركتهُم وذهبت للمطبخ تسأل سمر عَنْ الطعام قاطعهُنَّ ليل الذِي أشار لـ سمر لتُغادر بَينما هِي قَبَضتْ على الملعقة لتتناول الأرز لطَالمَا كانت تُحب الذِي تعدّهُ سمر، اِرتبكَت فمَا تَرَاه بِسليم يفعله ليل يظل يُراقبها ويُراقب حركاتها لينحني بوجهه ويُقَبّل وجنتها يرفع يده إلى خصرها ويهمس بنبرة خافتة وأنفاسٍ حارة:
-اِشْتَقْتُ لكِ، يا زهرة الرُمان.
اِبْتَسمتْ اِسْتَطَاع الشعور بِابتسامتها أعلى ثغرها الرقيق، منذُ أن أصبح يُناديها بِـ «زهرة الُرمان» وهِي تَرْضخ له لا تعلم كيف لتِلك الكلمة تُبعثر كيانها، رفعت بَصرها لتصطدم بأَعيْنه التِي تبُثْ بقلبها الدفء لتقف على أطرافها تصل إلى مستواهُمَا وترفع ثغرها إلى جفنيه تلثمهُمَا برقة وحُبّ.
تِلك الحالة والمشاعر التِي تُسيطر عليهُمَا تَبَخْرت حينما وقفت بَينهما لَيَالِي لتفصلهُمَا وتقول:
-أبي، أحبك.
اِبْتَسَمَتْ جُلَّنار أثرها لينخفض ليل ويحملها بَين ذراعيه لترفع يدها إلى وجنتها وتُزِيل خُصْلاتها للخلف تقول:
-هل تُحِبين أباكِ فقط؟
-أُحِب كلاكُمَا.
قَبّلت لَيَالِي أباها بقوة على وجنته واِنْحَنتْ برأسها إلى أمها تُقَبّلها هِي الأُخرى ليجذبها ليل إليه ويُحِيط كتفيها بذراعه ويُقَبّل مقدمة رأسها ووجنتي اِبْنته، ليميل إلى أذنها يهمس:
-أُحبك، يا زهرة الرُمان.
عادت لتَبْتَسمْ ليُحقق غرضهُ وهُو ألا تَمحِي اِبتسامتها أعلى ثِغرها تِلك التِي تَسْلبهُ رُوحه.
-أمي، جدي يتناول الطعام خِلسة.
أشارت لَيَالِي بسبابتها حيث الجد الذِي هرب مِنهم بالخارج وأتى ليتناول الطعام الذِي أعددته سمر قبل الجميع.
هتف يقول بضيق وهو يعتدل فِي وقفته حيث كان منحنيًا يَشم رائحة الطعام الشهية ليُصيح بقوله:
-ألا تعلمين أن مَن يفتن على غيره آثم!
-ولكِنهما أمي وأبي لا أخفي عليهما شيئا.
-الجميلة لن تمنعني، صحيح؟
نظر نحو جُلَّنار التِي ضحكت وتقدمت مِنه تعانق ذراعه بخاصتها وتقول:
-لنذهب الآن، وحينما تضع سمر الطعام على المائدة يمكُنك تناول مَا تشاء.
تجَمْع الكُل حول مائدة الطعام ليبتسم ليل ويستند بظهره إلى الكُرسي يشاهد الجميع منغمسين فِي الأحادِيث يضحكون بقوة ويتشاركون يومياتهم، ليشعر بيدٍ تتمرد لراحة يده تعانق أصابعها خاصته لتتسع اِبْتسامته وهُو يعْلم هُوية صاحبها لينظر صوّبها كَيفَ تَخَلّتْ عَنْ أحلامها مِن أجله وجاهدت نفسها وصراعها للبَقاء جِواره وبجانب اِبْنتهُمَا، شعر بيدٍ أُخرى تعانق يده اليُسرى حيث كانت تجلس لَيَالِي تِلك التِي سُميَت نسبةً لاِسمه وتحمل لقبه وقلبًا رقيقًا مثله، تِلك السعادة التِي تَغْمره لا يستطيع وصفها بالكلماتٍ ولكِنه يشعر وكأن قلبه يُحلِقْ.
بعد الطعام رافقت زِينة حيث الحديقة، كان الصمت مُسيطرًا فِي ذَلك الليل الحالك لتقطعه بقولها:
-كيف لكِ ألا تكرهيني؟
هذا السؤال يشغل بَالها كثيرًا إن وافقت على طلبها وأصبحت زوجة سليم وهذا لن يتم؛ لأنها شعرت برفضه القاطع كيف لها أن تعاملها وهِي تزوجت زوجها وكادت أن تخرب عَلاقتهما.
-لأني مُشفقة عليكِ، كُنتِ تتحركين كالعروس بيد يُسرا.
-كُنت أرى أحلامك التِي لمْ تعطِها فرصة، أنتِ لمْ تتمنِ أن تُصْبحي زوجة ليل بقدر أنك كُنتِ تُريدين النجاح.
-وهذا كان النجاح بأَعينْ يُسرا، وأنتِ أردتِ الجميع يتحدث عَنك.
-أنتِ ببساطة أردتِ أن تُصْبحي مرئية، يا زِينة.
يزول الألم ولكِن الندبة تبقَى ولكِنها تشعر وكأن جرحها ما زال حديثًا، كيف اِسْتَطَاعتْ أن تُعَري رُوحها وتكشف حقيقتها ولأن حديثها كان صحيحا تمكنت مِن لمس جرحها الذي حاولت إخفاءه، لطَالمَا زينة كانت ترى بأنها غير مرئية حتَى أمَام نفسها.
-سليم يحبك، تِلك الفرصة لن تُعوض.
-ولكِنه يرفضني.
-مَن يحب لا يدوم رفضه.
غمزت لها باليُسرى لتلتفت حيثما نظرت جُلَّنار وتجد أمَامها سليم الذِي يطالعهُنَّ بضيق ويتجنب النظر بعينيّ زينة ليقول:
-لماذا طلبتِ رؤيتي، يا جُلَّنار؟
-زِينة هِي مَن أرادت التحدث إليك.
-لأذهب أنا، ليل يُنادِيني.
عَلِم أنه مخطط مِن جُلَّنار حينما ألتزمت زِينة الصمت لقدْ تركتها جُلَّنار أمَام المدفع دون سابق إنذار، كاد أن يغادر ولكِنها قَبَضتْ على ذراعه ليتبادل النظرات بَينها وبَين موضع يدها لترتبك وتفلته.
-أعْلم أن جُلَّنار مَن فعلت هذا، لستِ مُلزمة باِختلاق قصة.
-ولكِني لدي ما أقوله لك.
ألتفت إليها ليقف قِبالها يُراقبها كَيف كانت مرتبكة لتخفض بَصرها بالأرض تنبس بقولها:
-آسفة.
-أعتذر؛ لأني لم أصدق حُبّك...
قاطعها بقوله وكاد أن يُغادر:
-لا تأخذين حديث جُلَّنار على محمل الجد، ولا تذكُرِين تِلك الأيام أنا لا أصلح لكِ.
-توقف، لمْ أنهِ كلماتي بعد.
قالتها بشيء مِن الحزم لا تعلم كيف اِسْتَمَدت تِلك القوة ولكِنها أوقفته لتُكمَل ما تقوله:
-أنا كُنت حمقاء؛ لأني رفضت حُبّك في ذَلك اليوم.
-والآن بقلبٍ وحيد نادم أَمُدّ لك يدي وأطلب مِنك فرصة.
-وليل؟
كان يحاول تعجيزها فاعترافها بالندم أربكه وطلبها زاد مِن حَيْرَتهِ لتتقدم مِنه حتَى وقفت على بُعد إنش مِنه لتُربكه بفعلتها ويتراجع خُطْوة للخلف، وإجابتها الذكية نالت اِسْتحسانه:
-اِبْن عمي وأخو زوجي المستقبلي.
-هل أصابتك جُلَّنار بعدوى!
قالها سليم وهُو يحاول ألا يُظْهِر بَسمته على ثغره ورفع حاجبه باِسْتنكار.
تمت خِطبتهُمَا ثم عَقد القرآن واكتفوا بِه بناءً على رغبة زِينة، اِسْتَغْرقَ سليم وقتًا ليستطيع أن يثق بِها فِي الشهور الأولى مِن زواجهُمَا كان يُراقب تعاملها مَع ليل الذِي كان فِي إطار الاحترام والرُقي، كانت سعيدة كونها تحررت مِن ندمها وعلى الأقل اِخْتارت زوجًا حنونًا كما تمَنَّت ولمْ ترفض وجود مِيا بحياتهُمَا كانت لها خير الرفيقة، وَأصبحت علَى وِفاق مَع جُلَّنار رغْم عداوتهم السابقة.
_______________________________
عادت جُلَّنار لمنزلها لتُسَاعد لَيَالِي على اِرتداء مَنامتها وتنظيف أسنانها ورَقَدتْ جِوارها حتَى نامت، أَخْرَجَتْ هاتفها الذِي تعالى رنينه لتُجيب عليه.
-مارك.
-مرحبا، سيدتي.
-هل كُل شيء على مَا يُرام؟
-لتتحدثين إليها.
خَرَج صوتها هادئًا رزينًا يبدو أن أيام السجن أعادتها لصوابها هتفت تقول:
-مرحبا.
-مرحبا، سيدة يُسرا.
-هل أنتِ بخير الآن؟
-بخير.
كان ثالثهم الصمت لتقطعه يُِسرا بأكثر الكلمات غرابةً:
-شكرا لكِ؛ لأنك لمْ تَخْلُفِي بوعدك.
وعدتها مِن قبل حينما زَارتها بعد الحُكم أنها سَتُؤمن لها منزلًا ومالًا لتسافر خارج البلاد وتبدأ حياة جديدة بعيدًا عَنْ اِسم عائلة الجندي وهذا فعلته منذُ لحظة خروجها مِن السجن وجدت مارك باِنتظارها وتحدثت حينها إلى جُلَّنار التِي شرحت لها ما الذِي تنوى فعله، كانت يُسرا حينها فقدت ما تملكه كُلَّه ومَجد أخيها فؤاد اِنْتَهَى وليل وياسر لن يُرحبان بِها؛ لذا خضعت لـ جُلَّنار.
أخبرتها خادمتها فِي الخارج أنها مرضت؛ لذا أرسلت لها مارك ليرافقها حتى يتم شفاؤها ويبدو أن سنوات السجن هدئتها أكثر عَنْ ذِي قبل.
أعطت الهاتف لـ مارك الذِي تحدث إلى جُلَّنار:
-هل تأمُرين بشيءٍ أخر، سيدتي؟
-لا، عُدّ سالمًا.
-الجميع هُنا يشتاق لك.
اِبْتَسمَ لتغلق المكالمة ويدفع تكاليف المشفى بعد أن عُولِجَتْ وعاد بِها للمنزل الذِي تسكن بِه، بعد أن أنهى عمله ذهب للمطار ليحجز تذكرته ويختار أقرب ميعاد.
خَرَجَتْ تتجه إلى غُرفتها بعد أن أَطْفَأْتْ الإضاءة بغُرفة لَيَالِي، باغتها بعناقه لها مِن الخلف يُقَبّل وجنتها يقول:
-جُلَّنار.
-ماذا تريد؟
-أُرِيدك، يا زهرة الرُمان.
لمْ تَرْضَخ له كَـكل مرة لتبعده عَنْها وتقف قِباله ترفع سبابتها بوجهه تقول:
-الشيء الوحيد الذِي يَجْعلنِي مُضطرة للتحدث إليك هو أن حفل ميلادها بالغد؛ لذا لا تُخاطبني سِوى بالحفل.
تركته واِتجهَت إلى السرير تقْبض على ورقة وقلم أعلى المنضدة الصغيرة المجاورة للفراش وكانت تتحدث بنبرة جادة تخبره بِمَا سيحدث فِي الصباح.
-جُلَّنار.
-ليل لا تختبر صبري، أخبرتك بِمَا سيحدث بالغد رجاءً لا تفصح خطتنا وتخبر لَيَالِي.
اِسْتلقت على السرير ليتبعها بحركتها ويغلق الأضواء عدا مصباح صغير، كلاهما ينظر للسقف يداهما متفرقة عكس تِلك الصورة أعلاهم كانت تَقْبض على يده بقوة وتضحك لتشعر بأنامله تمتد نحوها لمْ تتحرك ولمْ تسحب يدها، إنها تكره أن تغضب مِنه أو تحزنه ولكِن تِلك الفتاة كانت تغضبها وهو متمسك بِها وبعملها تحت مبرر أنه يحتاج لشريك يرفع اِسم وسُمعة عائلته.
تشابكت أصابعهُمَا ولكِن أجسادهُما ما زالت متفرقة لينام على جانبه الأيسر ليستطيع رؤيتها بوضوح يُراقبها كيف تحاول النوم، ولكِن الأرق يتمكن مِنها كُلَّما تخاصما أو اِبْتَعد عَنْها لـ ليلة لا تستطيع التمتع بالنوم ويُصيبها الأرق.
رفع يده إلى خصرها يجذبها إليه برفق ويُقَبّل وجنتها ليشعر بحركة حلقها حيث اِبتلعت لُعابها باِرتباك أثر قُربه مِنها ليهمس بأذنها:
-أحبك، يا زهرتي.
اِبْتَسمَتٔ ليبادلها ويضمها لأحضانه رفعت يدها حيث صدره تلعب بِـ زر قميصه القطني لتقول تِلك الكلمة التِي لا تنام دون أن تخبره بِها:
-آسفة.
تعتذر له كُل ليلة؛ لأنها ظهرت بحياته، ودمرت عائلته، وأحزنته، وحرمته مِن اِبْنته فِي شهور الحمل الأولى ولأنها سمحت لقلبها يُحبه.
-وأنا ممتن؛ لأنك بحياتي، يا جُلَّنار.
لا تعْلم كيف يتحملها جِواره ويغازلها بكلماته المعسولة كُل ليلة وكأنه مسح كُل ما فعلته مِن كتاب قصته لا يريد أن يتذكر سِواها وسِوى اِبْنته.
عادت بذاكرتها إلى خبر تميم فِي ذَلك اليوم لمْ تستطع أن تُصْبح له عونًا، تراجعت بخُطُواتها عُنْه وغادرت المَنزل بَينما هُو سقط على الكُرسي مِن خلفه حينما نُقِل للمشفى في يوم المحاكمة أُصيب بجلطة لم يتحمل فكرة بقاءه بالسجن طوال عُمره وعندما أُعِيدَ للسجن بعد معالجته لمْ يستطعْ المكوث داخله لأكثر مِن عام وَاِنْتَحر داخل زنزانته أمَام أصدقائِه اللائي عُقِبوا مِثله ولكِن بحُكم أقل مِنه.
تعالى صراخ لَيَالِي تِلك الطفلة الصغيرة التِي لمْ تستطع أمها مواجهة أباها وعاد لها الشعور بكونها مُدنسة رغْم فرحة الجميع بموت شابٍ حقير كـتميم ولمْ يُذْكَر التعذيب الذِي تعرض له مِن قِبل زملائه بالسجن حينما عرفوا تُهمته، ركض إلى لَيَالِي يحملها بَين ذراعيه وسُرعان ما هدئت لترفع يدها حيث وجنته تُزِيل تِلك الدمعة المتمردة ببراءة، وبعد معاناة تمكنت مِن النوم ووضعها بسريرها ليمسد على خُصْلاتها برفق واتجه للخارج حيث الباب يفتحه فِي طريقه للمغادرة بحثا عَنْ جُلَّنار ليتوقف حينما وجدها أمَامه لينقل بَصره حيث يدها القابضة على سكِين ومَلامحها جامدة لا رُوح بِها وكأنها ميتة.
رفعت يدها أمَامه لتُقَدم له السكين تردد بقولها:
-فلتفعلها، لعلي أشعر بالراحة.
-أنا مُدنسة، يا ليل.
-حتى وإن حاولت نفي هذا، وحتى إن رَأَيتني أفضل نساء العالم هذا لا ينكر حقيقة أني دمرت عائل...
قاطعها وهو يُحِيط وجنتاها ويجذبها نحوه بعُنف لتضرب أنفاسه بَشرتها بَينما هِي شَهقت أثر اِندفاعه ليقول أمَام وجهها بنبرة حادة وكلماتٍ ثابتة:
-أخبرتك مِن قبل أنك عائلتي، لا يهمني الآخرين بقدرك.
-الجميع عُقِبَ بجزاءه المُلائِم، لِمَ تُعاقبينَنِي أنا!
-ماذا اِرْتَكبتْ لكي تُعَاقبِينِي وتأخذين مِني السبب الذِي أعيش مِن أجله؟
-إن كان حُبّي لكِ جريمة، فلا أهتم بكوني مُذنبًا.
-إن كُنتِ تظنين أنك مُزَيَّنة بالأحْمَر، فأنا مُزَيَّن بِـلون حُبِّك.
سقطت بَين ذراعيه وسَقط مَعها السكين ليلتقطها ويجلس بالأرض لتعانقه بقوة وتهمع عيناها تتشبث بسُترته وتخفي وجهها بعُنقه تقول:
-آسفة.
_______________________________
تنظر للجميع برِيبة وتدور حول المائدة ليقول سليم:
-أشعر بالدوار، اِجْلسي بمكانك.
-ألم تنسوا شيئًا؟
نظر الجد إليها وكاد أن يفضحهم جميعًا حتى وضع ليل قطعة جبن فِي فمه يقول:
-جدي، تناول الجبن.
-أمي.
-ماذا؟
نظرت جُلَّنار إلى لَيَالِي بتعابير جادة لمْ تستطع التحدث إليها لطَالمَا ترعبها أمها أكثر مِن أبيها لتقول:
-ألا تتذكري لحظة مهمة بحياتك!
-وما هِي تِلك اللحظة؟
تساءلت جُلَّنار وهي تدنو مِنها لتغضب لَيَالِي وتقول بضيق وهِي تغادر غُرفة الطعام:
-لا شيء.
-أَ تِلك الفتاة سَتُصْبح فِي الخامسة مِن عُمرها!
اِبْتَسمَ ليل لأخيه الذِي لطَالمَا تعاديه لَيَالِي وتكره البَقاء مَعه ليس وحدها فسليم يُيادلها شعورها، قالت جوهرة بحماس:
-مَتى سنذهب؟
-بعد ساعة مِن الآن.
قالتها جُلَّنار وهِي تنظر لساعتها، نهضت مِيا وصعدت لغُرفتها ولمْ تتناول طعامها نظر إليها سليم لتقول زِينة:
-لألحق بِها.
-اِنْتَظرِي هُنا، لأذهب أنا.
قالتها جُلَّنار ونهضت لتلحق بِـ مِيا حيث غُرفتها تطرق عليها برفق ليصل لها صوتها مِن الداخل ترفض اِقتحام خصوصيتها وأحزانها، وِلكِن تِلك جُلَّنار تقتحم خصوصيات الجميع ولكِن تحتفظ بالخصوصية لنفسها، ففتحت الباب ودلفت للداخل اِسْتَطَاعتْ رؤية دموعها التِي سُرعان مَا أَزالتهُنَّ.
-أنا كُنت سأرتدي ثيابي...
قاطعتها جُلَّنار حينما جلست بالأرض تستند بظهرها إلى السرير حيثما كانت تجلس مِيا قبل دخولها تُشير لها بكف يدها إلى الأرض جِوارها لتتقدم مِنها وتجلس بصمت.
مَدَتْ جُلَّنار ذراعها لتجذب مِيا لأحضانها التِي سُرعان مَا همعت ثانيةً وسقطت عَبراتها على وجنتيها لتربت جُلَّنار على كتفها وتضمها إليها بقوة، إنها تشعر بِها وحَزنت؛ لأنها كانت سببًا في شعورها بالوحدة.
-تحدثي بما يحزنك.
قالتها جُلَّنار لتفتح المجال لها وتبدأ مِيا بسرد معاناتها والتِي تتلخص فِي شعورها بأنها منبوذة مِن قِبل الجميع.
-أنا لا أكره لَيَالِي، ولكِن لِمَ لا تحبونني مثلها؟
-هل أنا منبوذة؟
اِغْرورقت عينيّ جُلَّنار، فلطَالمَا سهرت ليالٍ تكرر هذا السؤال منذُ أن علمت بحقيقة وجود أختٍ لها لِمَ فَضَّلت أمها تعتني باِبْنتها الثانية وتَخَلَّت عَنْ الأولى لتَتَطَرقْ لفكرة مَا إن كانت منبوذة.
-آسفة؛ لأنك شعرتِ بهذا.
-أعدك أنني لن أجعلك تشعرين بِه أبدا.
-أنتِ صديقتي المُفضلة، يا مِيا.
-حقا!
قالتها مِيا بذهول ونظرت إليها لتُجفف جُلَّنار عَبراتها وتبتسم لها لتنبس بقولها:
-ولأننا أصدقاء نتشارك الأسرار، صحيح؟
أومَأت مِيا برأسها لتدنو مِنها جُلَّنار وتهمس بأذنها ببضعة كلمات جعلتها تفرح وتبتسم لتقول:
-أنتِ أول شخص يعلم هذا السَرّ، اِحْتَفَظِي بِه.
قفزت مِيا لأحضان جُلَّنار التِي ضحكت وتركتها لتُبدّل ملابسها، ما إن غادرت مِن الغُرفة حتى سُحِبت مِن قِبله لتقول:
-ألا تَسْأمُ مِني؟
-أنتِ نصيبي.
-ليل، لا تخبر لَيَالِي.
-كما تأمُرين.
_______________________________
فِي المساء، كان المطعم زُيِّنَ كما أرادت جُلَّنار ليُصْبح مُلائمًا للاحتفال بِمولد فتاتها لتقف بمِنتصف المطعم تتذكر لقائها مَعه أسفل المطر وأنه فتح لها مطعمه على وجه الخصوص ليخبرها أنها الفتاة الأولى التِي يصطحبها مَعه، وحينما كانت تعمل مَعه بتِلك الليلة المُمطرة وأعطاها الرجل سوار يحمل نصف قلبٍ كانت تظن أنه مِن الهراء أن تتشارك مَعه تِلك التفاهات ولكِن ذاك الرجل الغريب حينها أصبح يشاركها كُل حياتها الآن، وحينما لمْ تجد سبيلًا غيره ركضت إليه تبكي بَين أحضانه وهو يطمئِنها ويستمع لها بإنصات، حتى عندما عَلِمَ بحملها أحضرها لهُنا يُطعمها أشهى الوجبات.
المطعم يُمَثل لـها البداية، بداية حُريتها وبداية عَلاقتهُمَا.
اِبْتَسمَتْ لتذهب للحمَّام تُبَدل ثيابها لفستان أبيض اللون بأكمامٍ واسعة مِن المُنتصف ويصل باِتساع إلى كاحليها، اِنْتَعلتْ حذاءها بلونه الأحْمَر وتركت خُصْلاتها حُرة.
خرجت لتجد الجد يقف ويُعَدّل ربطة عُنقه يقول بضيق:
-إنها تخنقني.
-جدي، لِمَ أنت رسمي كثيرًا! وأيضا مَا الذِي تفعله بحمَّام السيدات؟
-لا أحد بِه سِواكِ.
-جدي!
قالتها بتحذير ليتركها ويغادر بَينما هِي اِبْتَسمتْ لتتبعه وتَخْرُج وكان الجميع جاهزًا، سليم يغازل زِينة لتخفض بَصرها عَنْه بخجل، وجوهرة تتحدث إلى الموظفين عَبٔر طريقة التقديم، والجد يعبث بربطة عُنقه ومِيا تغمز لي وتقول بصوتٍ مرتفع نسبيا:
-العم ليل أتى.
بالخارج كان يَقْبض ليل على يد لَيَالِي ويتقدم بِها للداخل حيث كان المكان مُظلمًا، يرتدي حُلَّتهُ السوداء بَينما صغيرته ترتدي ثوبًا يشبه خاصة جُلَّنار بِلونه الأبيض والذِي يبرز مَلامحها ويجعلها تبدو كالملاك.
أُضِيءَ المكان مَا أن دلفوا إليه، لتظهر أمَامها فرحتها الأولى تِلك النعمة التِي أقسمت بِيوم مولدها ألا تترُك يدها أبدًا.
تتذكر خوفها واِضطرابها كُلَّما قَرُب موعد ولادتها حيث كانت ستُولد قيصريًا وقد حدد الطبيب الميعاد لتتحجج حينها أنها غير مُسْتَعدة، حدد بعدها الطبيب عدّة مواعيد ولكِن جميعها لمْ تذهب إليها وأصبح مِن الصعب ولادتها بشكل قيصري.
كُل ليلة تتألم وهو يحزن مِن أجلها ويمسد على معدتها المنتفخة بِلُطف يتحدث إلى اِبنته التِي لمْ يحدد لها اِسمًا بعد، لتنام بتِلك الليلة بَين أحضانه وهو يمسد على معدتها حتى نام هُو الآخر.
حلَّ الصباح عليهُمَا لينسحب مِنْ جِوارها ويتجه للحمَّام يستعد للذَّهاب للعمل ولكِنه خَرج على أنينها الذِي تحول إلى صراخ ألقى المَنْشَفَة بالأرض وتقدم مِن هاتفه يتصل بِـ سليم ليحضر السيارة، ليجلس أمَامها يقول:
-اهدئي، خذي شهيقا وزفيرًا.
قَبَضَتْ على يده بقوة لتقول مِن بَين صراخها:
-إن أصابني مكروهًا اعتنِ باِبنتنا، لا تتخلَّى عَنْها.
-اصْمُتِي الآن، وَاكْتَفِي بالصياح.
-لا تتحدثين بتِلك الكلمات الفارغة.
نُقِلت للمشفى وكانت الولادة صعبة بِبدايتها، يتمزق قلبه بالخارج كُلَّمَا اِسْتَمَعَ لصراخها بالداخل تُنادي باِسمه مِن حين لأخر بَينما هو يقف عاجزًا عَن تخفيف آلامها.
صمتت هِي ليبدأ صراخ الصغيرة ويفرح الجميع ليُهنئه، عانقه سليم وخلفه الجد لتُربت جوهرة على كتفه بسعادة.
خَرجتْ الممرضة بالطفلة لتضعها بَين ذراعيّ ليل الذِي خفق قلبه بقوة، فجُلَّنار وكل مَا يخُصْها يجعل قلبه يُحَلِقْ ويخفق، قَبَّل جبينها ورفعها للأعلى حيث صدره يضمها إليه ويبتسمْ بحُبَّ.
نُقِلتْ جُلَّنار لغُرفة أخرى وكانت يقظة ليقترب مِنها ليل ويضع الفتاة بَين ذراعيها ليخفق قلبها هِي الأخرى وترفع بَصرها إلى ليل الذِي دنى مِنها يُقبّل وجنتها ونظر حيث اِبْنته، تساءلت مِيا بحماس وهِي تقف جِوار السرير تنظر للطفلة بيد جُلَّنار:
-مَا اِسمُها؟
نظر لها ليل في اِنتظار إجابته لتقول وهِي ترفع راحة يدها إلى وجنته تمرر إبهامه عليها:
-لَيَالِي.
-بحق كُل ليلة ساندتني بِها، وكل ليلة أسعدتني فيها وكل ليلة لمْ تتخلَّ عَني بِها.
اِبْتَسمَ وقبض على راحة يدها ليُقَبّلها برفق وحُبَّ وفرحة؛ لأنها أنجبت له اِبْنته الأولى والفرد الثاني لتكوين الأسرة التِي لطَالمَل حلم بِـها، نظرت جُلَّنار إلى صغيرتها كم كانت ضعيفة بحجم الذراع أو أقل لتُقسم أنها لن تترك يدها مَهمَا حدث، ولن تُصيبها بالخذلان ولن تسمح لأحد يؤذيها حتَى لو كان هِي.
فاقت مِن ذكرياتها على عناق لَيَالِي لتنحني نحوها وتُقَبِّل جبهتها تقول:
-أنا لا أنسى عيد مولدك؛ لذا لا تغضبي ثانيةً.
-لا يمكنني نسيان أهم لحظة بحياتي، وهي ولادتك.
فرحتْ لَيَالِي لتُعانقها ثانيةً وتُقَبِّل وجنتها لتعتدل جُلَّنار بوقفتها وتبتسم إلى ليل الذِي يجاورها، ليحتفلوا بعيد مولد اِبْنتهُمَا الأولى تِلك الهبة التِي مَنَّ الله عليهُمْ بِها، كثيرون أصبحوا يظنون أن الأبناء بَلاء ومصيبة ولكِن البَلاء الحقيقي يكمن بعقول مَن يفكر بذلك الأسلوب.
قدم الجميع هداياه لـ لَيَالِي وأحضرت جُلَّنار هدية لـ مِيا التِي فرحت كثيرا وعانقتها ليصبح الجميع سعيدًا، ويحمل ليل جُلَّنار يدور بِها لتضحك بقوة وتتشبث بثيابه.
اِسْتَعدوا لالتقاط صورة جماعية، كان يجلس الجد على مَقٔعدٍ بالمُنتصف وخلفه جوهرة تستند براحة يدها إلى مسند المَقْعد وعلى يمينها سليم يُعانق زِينة التي مسكت بيد مِيا وعلى يسارها لِيل وتتقدمه جُلَّنار بخُطْوة ليصبح ظهرها مُلامسًا لصدره وأمَامهُمَا لَيَالِي التِي تضحك، ولكِن لطَالمَا كانت وضعيات جُلَّنار تقليدية وتكون متجهمة الوجه؛ لذا اِرْتَبَكتْ ولمْ تعرف بأي وضعية تقف رفعت يدها لعُنقها تُدلكه وأخفضتها ثانيةً تنظر للمصور بمَلامح جامدة حاولت اِصطناع اِبتسامة ولكِنها فشلت لتشعر بأنامله تُلامس خاصتها وتحتوي يدها داخل راحته يهمس بأذنها:
-اِبْتَسْمِي، يا زهرة الرُمان.
رفعت بَصرها نحوه ليغمز لها باليُسرى لتبتسم بتلقائية وقد أُلتقطت صورتها وهِي تُطالعه يَقْبض على يدها بَينما هِي تمسك بيدها الأخرى اِبْنتها تشعر وكأنها مَلِكت السعادة التِي لطَالمَا كانت تخشاها.
خلعت حذاءها ما أن دلفت للمنزل بَينما هُو يحمل لَيَالِي النائمة بَين ذراعيه تَقٔبض على دميتها التِي أحضرها الجد لها اليوم، وضعها بغُرفتها وأزال حذاءها ليُقَبِّل رأسها ويضع الغطاء عليها.
يجثو على ركبتيه أمَامه يُزِيل خُصْلاتها المتمردة للخلف ليجدها تبتسم لتنمو اِبْتسامته هو الآخر ويُقَبِّل وجنتها يهمس بأذنها:
-أحبك، يا صغيرتي.. لمْ أندم يومًا أنك فتاة ليت الجميع يكون بقدر لُطفك.
-ولكِن ليس بعناد أمك.
قال جملته الأخير بِبَسمة مشاكسة وهو يتذكر جُلَّنار التِي جعلته يُعاني على قدر حُبٌه لـها، ولكِنه لم يندم يومًا أنه اِخْتَارهَا، لولاها لكَان ما زال وحيدًا للآن أو مُنصاعًا لرغبات والده.
دلف لغُرفتهُما ليجدها تَقْبض على هاتفه ليتساءل بمرح وهو يتجه للحمَّام:
-هل تشكين بِي؟
-هل علىَّ إراقة دمائها لتفهم أنك متزوج؟
قالتها بضيق لتلقي بالهاتف على السرير وتقول:
-لِمَ لمْ تلغِ شراكتكُمَا؟
اِقْتَربَ مِنْها وهُو يخلع سُترته يضعها على المَقْعَد ليقف أمَامها يُحيط ذراعاها براحتيّ يده ويقول:
-جُلَّنار، أنا أحتاج لشريك.
-سُمعتي وسُمعة عائلتي ليست كافية.
-إن تهتم كثيرًا أن يُصْبح لك شريكًا، فأنا لدي شريك لك.
-ليس شريكا واحدًا بل ثلاثًا.
عقد حاجباه وقد طوق خصرها بيده تظهر الحَيْرَة بعينيه وقبل أن يتساءل أجابته:
-جُلَّنار المصري، ولَيَالِي ليل الجندي و...
صمتها جعله مشتاقًا لمعرفة ثالثهم رغْم ذهوله مِن شراكتها له ليشعر بيدها تحتوي يده تضعها على معدتها تقول:
-وطفلنا الثاني، يا ليل.
اِبْتَعَدَ عَنها يناظرها بذهول ليضع يده على فمه بتلقائية هتف بتردد وشك:
-جُلَّنار، هل تمزحين مَعي؟
-أنتِ!
-كَيف؟
اِبْتَسمَتْ عليه وهِي تَرَاه حائرًا مرتبكًا؛ رُبما لأنه فِي المرة الماضية تفاجئ بخبر حملها فِي ظروف مآساوية ولكِنه الآن يختبر شعور الفرحة مباشرةً.
اِقْتَربَ مِنها يضمها نحوه بقوة يقبِّلها بعشوائية وجدته يحملها بَين ذراعيه يضعها على الفراش يقول باِضطراب:
-عليكِ الجلوس هُنا، لا تتحركي.
-سأخبر أمي وجدي وأخي، سأخبر الجميع.
-لأحضر حفل مِن أجله.
-لن أحرمه مِن شيءٍ.
رفعت يدها لوجنته تمرر إبهامها عليه لتقول:
-أعلم أنك تفعل مَا بوسعك مِن أجل الجميع.
-ليل.
رفع بَصره نحوها وكان ما زال مرتبكًا؛ لقدْ حَرَمتهُ مِن تِلك المشاعر فِي السابق بِـ بُعدها وجفائها حتَى أنها لمْ تأخذه لزيارة الطبيب فِي أول مرة ولمْ يتصورا أبدًا لتخليد تِلك الذكرى.
كانت تتأمل مَلامحه الدافئة وعِيناه التِي اِغْرورقت بِفعل المشاعر التِي خالجته لتهتف تقول وهِي تبتسم:
-أَخْبرنِي أحدهم ذات مرة أن هُناك خُرَافة تقول: أنَّ كُل اِثْنَين قُدِّرَ لهُم أَن يَجْتمِعُوا يكونُ كُلُّ مِنهُمَا مُرْتبطٌ بِالآخر عَبْر خَيطٍ أَحْمَر اللَّون يُسَمَّى سُوَار الحُبّ أو القَدَر.
-أنا آمَنتْ بِتِلك الخُرَافة لأجْلك.
-أنا مُسْتَعدَة لتُلَطخُنِي بِـلون الحُبّ.
_________________
.
بقلم/سلسبيل كوبك.
.
بقلبٍ منفطر أَعْلَن نهَاية الرِواية رُبما تبدو لكُنَّ أنها رِواية سَيتُمْ نسيانُهَا مَا أن تنتهِي مِن قراءتها وتبدأ بأُخْرى، ولكِن تِلك الرِواية كانت بمثابة عهد جديد لي وبَداية؛ ليس ولأنها أول رِواية أَكتبها بالفُصحى كاملة فقط بل لأني أشعر وكأني وضعت بِها كُل طَاقَتي ومَشَاعري؛ ولأنني واجهت تحديات لكتابتها وتساءلت هَل سَتَنَال إعجاب قُرَائِي اللائي اِعْتَدنَّ أسلوبي القديم؟
تِلك الرِواية اِسْتَنْفدتْ طاقتي وأشعر وَأنا أكتب السطور الأخيرة بِها وكأن حبيبًا لي يَهْجُرنِي، أو رفيقًا يَخْبرُنِي أنه وجد صُحبة غيري، أو أمًا قدْ تَخَلَّتْ عَني كـ جُلَّنار.
أطلب مِنكُنّ أن تُعَبرنّ عَن الرِواية، لا تعلمون كم تَسْعدني آراؤكُنَّ وكَلماتكُنَّ فِي لحظاتٍ أكون بِها على حافة الانهيار، ولا تُنْسَيْنَ أن تخبرونني بِمَا اِسْتَفَدتمْ مِنها.أتمنى أن تصل رسالات الرواية لكُنَّ.'♡
إلى اللقاء...
.
.
رواية... بِـلون الدم.
بقلم... سلسبيل كوبك.
______________________________
النهاية.'♡
![](https://img.wattpad.com/cover/361254493-288-k841364.jpg)
أنت تقرأ
بِـلون الدم
De Todoلكُلٍ مِنْا جَوارحهُ التِي تَنزَف دَاخلهُ بِقوةٍ مِنذُ سنوات وَلكِن لا أحد يراها؛ لأننا نَحكمُ الغَلقُ بِشدَّةِ وَكأننا نخافُ أنْ يَسْقطَ نَزِيفُنا بالأرضِ، فيتلطخ بِه أحدٌ. هو قَررَ مُشارِكتها لِنَزِيفها بأنْ يكونَ إناءٌ تُفْرِغ بِداخلهُ مَا كَتمته...