نكمل روايتنا بِـلون الدم.
بقلم/سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٢٤..
_______________________________
أغلقت الإضاءة بجانبها تغلق مقلتيها لعلها تنام، لم تشعر بتلك الحركة التي بالكاد تَصدّر مِن ذلك الشخص الذي تبعها مِنذُ خروجها مِن منزل عائلة الجندي حتى هُنا، وعندما تأكد أنها متواجدة بتلك الغرفة حتى أقترب مِن الأنابيب المُعَلقة فِي الجِدار ليتسلقها نظرًا لقُصر المسافة، قفز داخل الشُرفة ليسقط على كتفه الأيسر لينهض ويتجه نحو باب الشرفة يحاول فتحها عبر سكين أبيض أخرجه مِن معصمه، بدأ في تحريكه بين شقيّ الشُرفة بخفة ليُزِيل ذلك العائق بينهما وفتحه؛ ولأنها ليست مرته الأولى كان يسير ويتعامل مع الأشياء بحذر حتى لا تستيقظ ضحيته، ألقى نَّظْرَة خاطفة نحوها وجدها تُعطِيه ظهرها تنظر للحائط المقابل اقترب مِن الباب يُوصده بالمفتاح مِن الداخل، اتجه نحوها ينظر لها عَنْ قُرب إنها تُطابق تِلك الصورة التي أُرسَلت له بل يبدو أنها أجمل على الطبيعة، أخرج سكينا أكبر حجما مِن تلك التي استخدمها لفتح النافذة.
شعرت بأنفاس تضرب وجنتيها لتفتح مقلتيها ببُطء لعلها تتوهم وقبل أن تصرخ حتى وجدته يُقَيد فمها بكف يده ويعتليها رافعا السكين للأعلى بينما هي جحظت بمقلتيها بذهول، أَ يُعقل لأنها تجاهلت الأمور لبضعة أيام أتت لها مُقدمة على صحن مِن ذهب بل أتت على هيئة رجل مُلثم يرفع سكينا عليها!
هَشهَش لها يقول:
-اصمتي لا داعٍ لمقاومتك.
-لم يكن عليكِ إزعاجه لتلك الدرجة.
مَن يريد قتلها هي الأخرى رُبما مَن قتل والدها سابقا عند تلك النقطة فكرت لوهلة أَ يُعقل أن يموت أبوها وهي سُدى دون مقابل! إنها لن تسمح بشيء كهذا نظرت لجوارها تبحث عَنْ شيء تحتمي فيه، ولكِنه أخفض ذراعه باندفاع نحوها لتغلق مقلتيها بينما هو كان يُرهِبها لترى ابتسامة ظهرت عَنْ اِنعقاد حاجبيه ومن خلال عينيه أردف:
-عادةً أقتل عُملائي بسرعة وأغادر ولكِن لا أعلم لِمَ أنتِ الوحيدة التي لا تتوسل لي، أشعر بأنني فقدت جزءًا مِن هيبتي.
-أَ علَىَّ تعذيبك قبل موتك لرؤية توسلاتك لي؟
مرر يده على وجنتها يحرر تلك الخُصْلَة التي تمردت بل وأزال رابطة شعرها لتتألم جُلَّنار هُنيهة أثر انعقاد إحدى خصلاتها بتلك الرابطة وهو قد أزالها بعنف.
-حسنا، أظن انتهى وقت اللعب لا أظن أن هناك مَن يمكنه إنقاذك.
ألتفت بوجهه نحو الباب يبتسم بمَكر لتستغل تلك اللحظة تقبض على هاتفها، وما أن أدار وجهه نحوها حتى لكمته بِه في وجهه ليتألم مبتعدا جزئيا وهذا ما أَتاح لِـ جُلَّنار الصراخ تدفعه بقبضتيها ليسقط مِن عليها بالأرض، بينما هي اندفعت للجهة الأخرى تتساءل:
-مَن أرسلك؟
أردف بغيظ وهو ينهض يقبض على كتفه الذي يؤلمه:
-وكأنه ستكون لديكِ الفرصة للانتقام!
-رُبما لِمَ لا؟
اندفع نحوها يخنقها تزامنا مع طرق أمير الشديد على باب غرفتها ومحاولته لتحطيم الباب ليلعن ذلك الرجل بصوت مرتفع يقول:
-تلك لتتذكريني في اللقاء القادم.
تألمت أثر تمرير سكينته أعلى جبهتها بحِدة واِندفاع لتقول بنبرة متحدية:
-لرُبما أنا مَن أجدك في المرة القادمة.
-حقا!
مرر سكينته مرة أخرى على ذراعها واندفع نحو الشُرفة يلقي بجسده للأسفل رفعت يدها نحو ذراعها في محاولة مِنْها لتوقف الدماء لتسقط بالأرض تستند إلى الفراش بظهرها تتألم أثر تدفق الدماء وسيلانه مِن أعلى جبينها نحو عنقها، أغلقت مقلتاها تزامنا مع تحطيم قِفل الباب على يد أمير.
كانت تستلقي على الفراش وقد ضُمِدَتْ جُروحها على يد طبيب يسكن في البناية مع أمير، استمعوا جميعا لصوت طرق على الباب ليعرف الجميع هُوية الطارق بينما هي عقدت حاجبيها بضيق ليتجه أمير ويفتح لِـ ليل الذي ما أن رآه حتى لكمه يقول:
-لن أنسى لك هذا الموقف.
-أين جُلَّنار؟ ماذا أصابها؟
-اهدأ يا ليل، أنت بخير يا أمير؟
خرجت حياة غاضبة منه لتقول وهِي تتقدم مِن زوجها تُحيط وجنتاه بكلتا يده تفحص وجهه الذي لكمه ليل لتهتف بحدة:
-لو لمْ تزعجها وتجرحها لكانت فِي منزلك الآن ليس عليك إفراغ غضبك في زوجي.
نظرت إلى زوجها تسأله:
-أنت بخير؟
حرك رأسه بالإيجاب لها وطَمئِنها باِبتسامته بينما ليل اتجه للداخل يبحث عَنْ جُلَّنار، ليفتح الباب الأول ولم تكن فيه ليقتحم الغُرفة الثانية وجدها تستلقي على السرير بينما تضغط على رأسها تشعر بالألم، كانت نبرتهُ أشبه بالصراخ وهو يُنادِيها لم يترك لها الفرصة لإغضابه عَبر حديثها، وجدته يجذبها نحوه يحتضنها بقوة شعرت بثِقل على كتفها أثر رأسه الذي دفنها داخل عنقها يستند إلى كتفها لوهلة كانت ستبتعد، ولكِنها شعرت بأنفاسه التي بالكاد يلتقطها وضربات قلبه السريعة تنهدت وبعد مدة ابتعدت عنه تقول باضطراب:
-لقد طلب الطبيب مني الراحة.
خرجت مِن بين أحضانه تبتعد عنه تستند بظهرها إلى السرير تنظر باِتجاه الباب لتجد سليم يقول:
-حمدا لله على سلامتك.
ابتسمت له لتجده يغادر ويتبعه كلا مِن أمير وحياة، لتبقى معه بمفرده كانت تشعر بنظراته المصوبة نحوها التي جعلتها ترتبك لتقول:
-إن لم يكن هناك شيء مهم ستقوله، فأنا أحتاج للراحة.
-مَن فعل بكِ هذا؟
-إن علمت لن أتردد في أخذ حقي، لا تقلق.
-جُلَّنار!
أغلقت مقلتيها حتى لا تضعف له، ولكِنها بكت لا تعلم لماذا أَ بسبب اشتياقها أم ضعفها أم حَيْرَتها؟، رفع يده نحوها يُزيل عَبراتها ولكِنها دفعتها برفق تقول:
-ليل يكفي إلى هُنا.
-كلٍ مِنا يُؤذِي الأخر تلك العَلاقة فاشلة وكانت قرارًا متسرعًا.
-لمْ نعش حلاوة البدايات والآن نحن في المنتصف جُرحَى؛ لذا لا أريد أن ينتهي الأمر بمأساة.
أزالت عَبراتها وقد رفعت رأسها نحوه تقول بثبات رغْم رجفة شفتيها:
-لنتطلق.
-على أساس لا تريدي عيش حياة كـ أمك، كُنتِ لا تريدي الطلاق وهدم منزلك مثلها.
-يبدو أن البنات يعيشون قدر أمهاتهن.
-أسف.
-أخبرتني بِها عِدة مرات ولمْ يتغير شيء.
-أسف؛ لأني لن أطلقك يا جُلَّنار.
-أرجوك بينما نحن نتحدث بهدوء لننهي الأمر بهدوء.
-لنحاول مرة أخرى.
-ستكون النتيجة أسوأ.
-لن تكون ما دُمتِ تمسكين بيدي.
رفع يده ليقبض على خاصتها ويقترب مِنها يجلس بجانبها على السرير يجذبها لأحضانه بينما هي شعرت بالنعاس؛ رُبما لأنها لمْ تنمْ لبضعة أيام أو بسبب تلك الأحداث التي تعرضت لها وخاصةً تلك الجروح حاولت المقاومة ورفع رأسها ولكِنها وجدته يُعِيدها لصدره لتستسلم وتغلق مقلتيها، كان يداعب خُصْلاتها بيده ويُمَرر بالأخرى على ذراعها المجروح وجدها لا تعترض أو تقاومه ليعلم بأنها نامت.
_______________________________
كان الجميع متواجدًا فِي ذلك الحفل يأخذون صورة تذّكَارية تَعبْر عَن مَدَى سعادتهم وترابُطهم الأُسرِي القوي، ولكِن كُل واحد فيهما يحمل مشاعرًا مُختلفة عَن الأخر وتِلك الابتسامات زائفة ولكِنها مُتقنة، كانوا متجمعين فِي حفلة لأحد أصدقاء فؤاد، إنها حفلة سنوية تُقَام كُل سنة، كان يتمنى أن يكون هنا برفقتها ليخبر الجميع بأنها زوجته ولكِن الحال أن زينة تلتصق بِه كالغراء، حاول كثيرا مع جُلَّنار ولكِن كان جوابها الرفض القاطع، إنها لن تعود له ولن تسمح له ولعائلته بإفساد حياتها على الرغْم مِن شعورها بالذنب وتأنيب الضمير أثر نظرته المُتألمة التي جعلتهُ يَكره عائلته أضعاف ما كَان يفعل، لطالما يفسدون عليه كُل شيءٍ يحبه ويريده، ظن بأن جُلَّنار هي الاختيار الوحيد الذي لن يندم عليه ولكِنه نادم لكونه لمْ يستطع الحفاظ عليها وحمايتها.
انتبه لسؤال تلك السيدة التي تكون صديقة للعائلة:
-أين زوجتك؟ أتمنى أن تكون بخير وليست مريضة.
قبل أن يفكر فِي كذبة أردفت زينة وهِي تُعانق ذراعها بخاصته:
-لمْ تسمعي بالأخبار الجديدة؟
-ماذا حدث؟
تساءلت السيدة برِيبَة مِن طريقتها فِي الحديث وقد استخدمت أسلوبا أقرب للدلال، وقَبل أن تُفجر زينة المكان بخبر زواجها بِـ ليل حتى وجدت مَن تُقاطعها وهي تجذبها بعيدا عَنْ ليل، لتُعَانق ذراع زوجها الذي ألتفت نحوها وقد تحَوّلت ملامح وجهه مِن الجمود للدهشة، ولهفة لمْ يستطع إخفاءها، بينما زينة اغتاظت بشدة مِن ظهورها المُفاجئ ونظرت إلى يُسرا التي تفاجأت هِي الأُخرى، كان سليم سعيدًا فهو الشاهد الوحيد على مُعاناة ليل الذي كان يعجز عَنْ صَدّ تساؤلاتهم عَنْ غِياب زوجته وهُجرانها له، بينما تميم كان منبهرًا بقوة شخصية جُلَّنار التي عانقت ذراع ليل بتملك وبدأت فِي حديثها تقول بنبرة ثابتة:
-أعتذر عَنْ تأخيري، كُنت فِي رحلة عمل مُهِمة وللتو عُدتْ بالطبع لمْ أستطع ترك زوجي بمفرده.
-مُمتنة لسؤالك عَنْي، سيدة؟
-إيناس.
-شكرا لسؤالك عَنْي، سيدة إيناس.
-لم نستطع التعرف جيدا فِي فرحك ولكِنك جميلة للغاية، سيدة جُلَّنار.
-أتمنى أن نصبح على وفاق.
غادرت السيدة بينما هِي سحبت ذراعها مِنْ خاصته وأزالت خُصْلاتها باِرتباك للخلف أثر نظراته التي تلاحقها لتنظر باتجاه يُسرا وفؤاد نظرات مليئة بالانتصار والتحدي، إنها لن تترك لهم ساحة المعركة ولن تقبل الهزيمة قط وخاصةً بعد معرفتها لهوية العائلة التي تتعامل معها، كُلٍ منهما أسوأ مِن الأخر لن تسمح لهم بأن يسرقوا أحلام مِن هُم أدنى منهم، بينما هم ينعمون بِراحة البَال وخاصةً ذلك الحقير تميم، احتدت ملامحها وهِي تنظر له لن تجعله يفلت مِن فعلته دون عقاب.
وجدت أنفاسه تُدَاعب عُنقها أثر اِقترابه منها وقد انحنى نحو أذنها يهمس:
-اشتقت لكِ.
ابتلعت لُعابها ونظرت للأمام فِي محاولة مِنْها لضبط أنفاسها لتجده يُحِيط خِصرها بذراعه يدفعها نحوه برفق ويبتسم.
انتهى الحَفل وعادوا جميعا للمنزل مُستقلين سياراتهم، بينما في سيارة ليل كان يجلس أمام المقود بينما هي جواره وقبل أن ينطلق تطفل كلٍ مِن تميم وسليم عليهم ليستقلوا السيارة معهم.
-إلى أين؟
-ألن تذهب للمنزل؟
-لا؛ لذا غادرا سيارتي.
أردفت جُلَّنار تقول وهِي ترفع يدها نحو ذراعه الذي رفعه ليدفعهم خارج السيارة:
-قُدّ للمنزل، يا ليل.
-ولكِن.
أصرت على الذَّهاب للمنزل بينما هو اغتاظ مِنْ وجودهما حيث كان يتناول سليم أطراف الحديث مع جُلَّنار التي تحاوره ببساطة، إنه يريد أن ينفرد بها ولكِن لطالما كانت الظروف ضده، دلف لداخل القصر تزامنا مع سيارة البقية التي كانت تتسع للجميع.
هبطت مِن السيارة تضع حقيبتها على كتفها بينما هو ترجل يتقدم نحوها يقبض على يدها يمنعها مِن الدخول يردف قائلا:
-جُلَّنار، أحقًا عُدتِ؟
نظرت باتجاهه ورفعت يديها نحو ياقة قميصه تعدّلها وأردفت تقول بنبرة خافتة لا يسمعها سواهم:
-ماذا إن قدمت لك يدي وأخبرتك أن تمسك بِها ونغادر ذلك المنزل معا دون أن تلتفت للخلف؟
-لن أتردد لحظة في إمساكها.
ابتسمت وابتعدت عَنْه تتجه للداخل يتبعها هو باِبتسامة، لقد أخذ قراره منذ مدّة عند عودتها له سيأخذ منزلا لهما بعيدا عَنْ الجميع؛ ليعيش حياته كما أراد دومًا وأن يستقل بذاته محققا أسرته الصغيرة والسعيدة.
كان الجميع متعجبًا مِن وجود فتاتين غريبتين ولكِن الذعر ظهر على ملامح زينة التي كانت أول مَن بادر بالسؤال لتتبادل نظرات الخوف معهما، وكان الذعر أيضا مِن نصيب تميم حينما رأى سمر تقف في الزاوية وقد اختفت آثار التعذيب والضرب الذي تعرضت لهما نتيجة لمحاولتها في الحفاظ عن شرفها.
-مَنْ هؤلاء؟
تساءلت يُسرا بنفاد صبر توجه بصرها نحو منار التي رفعت كتفاها للأعلى علامةً على عدم معرفتها بالموضوع، لتضع جُلَّنار حقيبتها على الأريكة ووقفت في منتصف الصالة تقول:
-لن أستغرق الكثير مِن وقتكم.
-بالمناسبة، نسيت أن أُهَنئِك على حملك يا زينة.
تصببت زينة عرقا وهِي تنظر حولها فِي محاولة مِنها للبحث عَنْ طريق للهروب، تراجعت قليلا للخلف ولكِن كان سليم يقف خلفها كالسد المنيع ينظر لها بنظرات لم تستطع ترجمتها ولكِنها كانت مليئة بالخذلان.
تساءلت جوهرة وهي تتقدم مِن جُلَّنار تُحيطها بذراعيها تقول:
-ماذا يوجد، يا جُلَّنار؟
-لا شيء، أقدم لكم الطبيبة سارة هي المسؤولة عَن حمل زينة.
-ماذا تريدين بحديثك؟
-لطالما تُحِب إنهاء الأمور، يا حماي.
تقدمت مِن حقيبتها تُخْرِج ظرفين كُلٍ منهما باللون الأبيض لتُخْرج مِن داخل الأول ورقة بيضاء تقول:
-هذا تحليل الحمل الذي فعلته زينة، ولكِن الحقيقة.
صمتت تنظر للجميع الذي تسللت الدهشة لوجوههم والحَيْرَة، بينما الخوف والذعر مِن نصيب زينة التي كادت أن تجري للخارج ولكِن جُلَّنار قبضت على معصمها.
-هذا التحليل ينتمي للسيدة مريم.
-أي إن زينة لمْ تحمل قط ولمْ يَمسها رجل، وقد اتفقت مع السيدة مريم والسيدة سارة على تلك الكذبة للإيقاع بزوجي، وأيضا قد اتفقا على أخذ مولودها بعد الولادة.
ماذا! إنها ليست حاملا وهو كالمُغفل ساعدها وخرب بيته مِن أجلها وأجل حماية ذلك الطفل الذي لا ذنب له سوى أنه خطيئة لاثنين غير عاقلين، ابتلعت لُعابها حاولت الفِرَار ولكِن وجدت مَن يقبض على جيدها يخنقها بقوة يهتف مِن بين أسنانه بنبرة غاضبة:
-حقا! أكُنتِ تستهزئين بي!
-لمْ أفعل، أقسم لك.
-إنها تُكَذب.
-عمتي يُسرا.
كانت تدور بعينيها غاضبة مِن تلك التي كشفت مخططهما، ولكِنها أبت أن تسقط في تلك الحفرة لتتقدم مِن زينة تصفعها على وجنتها قائلة:
-اخرسي، لقد خذلتيني.
تقدم منها سليم الذي أحاطها بذراعيه يقول:
-ضربك لها لن يفيد.
-لا أعلم أين كان رأسك عندما قُمتي بتلك الكذبة!
كانت يُسرا منفعلة غاضبة وكأنها لم تكن شريكة فِي ذلك المُخطط معها، ليصمت الجميع وتجحظ عيناها عندما ضغطت جُلَّنار على زِر ما ليصدح صوت يُسرا عبر مُسجل صوتي.
«ستفعلين ما أمرتك بِه، عليكِ أن تقحمي ليل معك فِي تلك المصيبة حتى يتزوج بكِ، وأيضا يجب أن تنجبي مِنه قبل جُلَّنار.»
تساءلت زينة التي كانت خائفة مِن نظرات يُسرا المُخِيفة التي تتحدث، وكأنها تنوي وتُخَطط على جريمة قتل:
«ماذا إن حملت جُلَّنار قبلي؟»
«لن يحدث، إنها تتناول أدوية تمنع حدوث الحمل مُنذ زواجها بِـ ليل.»
علامات استفهام وتعجْب تراقصت أمام عينيّ ليل ما أن أغلقت جُلَّنار المسجل تنظر للجميع بنظرات مملوءة بالانتصار والتحدي والشماتة، لتنظر يُسرا بأعين جاحظة نحو أخيها الذي بدأ الغضب يغزو ملامحه مِن فكرة أنها كانت تحرمه مِن أحفاد، وهذا أكثر ما أراده في تلك الحياة، دفعت جسدها نحو قدمي أخيها تمسك فيهما وتقول بدموع تجمعت في مقلتيها:
-أرجوك لا تصدقها، إنها كاذبة.
-أنتِ يا عمتي!
كان ليل يشعر بالدوار أثر صدمته الكبيرة في عمته لم يتخيل أبدا أنها قد تُؤذِيه بتلك الطريقة عَنْ طريق منع نسله، أقترب تميم مِن سمر بخفة دون أن يلاحظه أحد يجذبها مِن ذراعها ولكِنها أبت التحرك ليهمس بحدة بجانب أذنها:
-اذهبي للجهة الخلفية.
-أنا أعمل لدى السيدة جُلَّنار وفقط، ليس لدى عمل معك.
-حقا!
-هل أخبرتيها!
تساءل بذعر وخوف ولكنه غلفهما بالحدة المصطنعة لتقول:
-وماذا إن أخبرتها!
-مِن أين لكِ بتلك النبرة القوية!؟
-سمر، احضري لي كوبًا مِن الماء.
نظر إلى جُلَّنار التي تقدمت نحو ليل الذي شعر بالاختناق وأفلت زينة مِن قبضته، ليُحرر أول زِر لقميصه يُدَلِك عنقه بعُنف ينظر إلى جُلَّنار يتساءل مِن أين لها أن تعلم بتلك الأحداث! وكيف صمتت طوال تلك المدة! جذبت الكوب مِن سمر لتساعده على ارتشاف القليل، بينما يُسرا ما زالت عند قدميّ فؤاد الذي كان غاضبا مٓن جُلَّنار التي منذ أن أتت تفرق أسرته وغاضبا مِن يُسرا التي كانت تحاول منعه مِن الحصول على حفيد.
-هِي التي حرضتني على ذلك الأمر، صدقني يا ليل لم أقصد صدقني فعلت هذا مِن حُبّي ليس إلا.
-أنتِ كاذبة يا زينة كاذبة أنا أكرهك.
-ليل ليس لدى أحدا سِواك.
عقدت حاجبيها معا وهي تستمع لكلمات زينة لزوجها وأمامها اللعنة أنها لا تستحي أبدا.
سقطت زينة بالأرض أمام قدميّ ليل تبكي وترجوه أن يعفو عنها ويسامحها، ولكِٓن أوَليس والدها أحق بذلك الطلب!
تقدمت جوهرة مِن سارة ومريم تأمُرهم بالرحيل ليغادرا بعد أن تبادلوا النظرات مع زينة التي كانت ترتجف عند قدمي كُلٍ مِن ليل وجُلَّنار ليهربوا على الفور مِن بَطش جُلَّنار التي هددت كلا منهما بأكثر ما تخشاه، حيث هددت سارة بشطب اسمها مِن النِقابة وتصبح عاطلة ولا تستطيع ممارسة المهنة مرة أخرى، بينما مريم هددتها بأبنائها وزوجها وأن تصبح حديث منطقتها لسنوات عدّة.
دفع فؤاد يُسرا مِن عند قدمه وغادر متجها إلى غرفته إنه غاضب مِن فعلة أخته تلك التي كانت تحرمه مِن أحفاد، بالإضافة لمساعدتها لـ زينة وكذبتها باِدعائها أنها تحمل في أحشائها حفيدا يرثه ويُربيه بديلا عَنْ أبنائه الثلاثة المُعاقين فِي نظره ويعصون أمره.
تقدمت جوهرة مِن ليل تُربت على كتفه وتقول:
-خُذّ زوجتك واصعد للأعلى.
-ليس قبل أن تغادر.
هتفت زينة بذعر:
-ليل، لا تتركني أبي لن يسامحني.
-وكذلك أنا.
تركها يقبض على ذراع جُلَّنار ويجذبها معه للأعلى إنه غاضب مِن تلك التي استغفلته، دلف لداخل غرفته يخلع سترته ويُلقِيها أرضا باِندفاع بينما هِي جلست على الأريكة تستند برأسها إلى راحة يدها، خططت لكل شيء لدمار تلك العائلة كما فعلوا بحياة نور وسمر وغيرهم ولكِنها فِي حَيْرَة كبيرة بين إن كان ليل مذنبًا هو الأخر أم لا، إنه يُشَكِل عُقدة كبيرة في حياتها.
-جُلَّنار، لنذهب.
انتبهت إلى جملته لتعتدل فِي جلستها وتتساءل:
-إلى أين؟
-لنغادر هذا المنزل.
أكمل حديثه مقتربا منها يخفي كلا قبضتيها فِي يده الكبيرة يقول:
-أريد بِناء أُسرة لنا بعيدا عنهم، لا أريد رؤيتك تعيسة.
-ليس الآن، يا ليل.
-لا يمكننا ترك المنزل فِي تلك الحالة.
-جُلَّنار، لقد أخذت هذا القرار مِن قبل حتى أنني بدأت فِي البحث عَنْ منزل لنا وجدته، حتى أنني دفعت جزءًا مِن المال.
-لن يَضُر سنكتمل شراؤه وعندما تهدئ الأوضاع فِي المنزل لنغادر معًا.
-شكرا لأنك موجودة.
جذبها نحوه ليحتضنها ويُحِيطها بذراعيه يتساءل وهو يُربت على خصلاتها:
-مِن أين علمتِ؟
-أخبرتني جودي أن زينة تكذب علينا في حملها وأنها سمعت حوارها مع يُسرا عَنْ محاولاتهم للإيقاع بِك؛ لذا بحثت عَن الموضوع واستطعت معرفة الحقيقة.
-أتعلمين بماذا شعرت عندما علمت بذهابك لدى عيادة نسائية؟
عقدت حاجبيها لترفع بصرها نحوه تتساءل كيف علم بأنها ذهبت لسارة، ليُبَرر دون أن تنطق بسؤالها:
-لم أغفل عَنكِ منذ أن أُصيبتِ، جعلت أحدهم يراقبك لحمايتك وما أن أخبرني أنك ذهبت لعيادة نسائية ظننت أنك حامل.
خفق قلبها أثر كلماته وتِلك اللمعة فِي عينيها بينما هِي رددت بداخلها تلك الكلمة حاملا! يعني مِن الممكن أن تصبح أُمًا هل واحدة بمؤهلاتها يمكن أن تصبح أُمًا لإحداهن، هل تستطيع حمايتها وتقديم كُل ما حُرِمَت مِنه هي، ابتلعت لُعابها وحاولت النهوض ولكٓنه أبى ليحملها بين ذراعيه متجهًا نحو الفراش، بعد ذلك اليوم العصيب لا يستطيع أن يبتعد عنها للحظة بعد الآن.
في الأسفل، لملمت يُسرا شتات نفسها ونهضت مِن الأرض بالرغْم مِن شعورها بالانكسار أمام الجميع ولكِنها أبت أن تظهر لهم هذا، صعدت للأعلى وما زال رأسها مرفوعًا دلفت لغرفتها ولكِنها ما أن أغلقت الباب حتى بدأت في تحطيم كل شيء تصرخ باسم جُلَّنار وتتوعد لها بالعذاب.
تقدم سليم مِن زينة يُساعدها على النهوض لتهتف بضياع:
-سليم، أنا ليس لدى أحدا لا تتركني أنت أيضا.
حقا! لقد طلب مِنها هذا الطلب مِن قبل، ولكِنها رفضت أخبرته بأنها لا تحبه بل تحب أخاه وتُفَضله عَنْه، وأخبرته بأنه بلا جدوى وبلا فائدة وأنها مستحيل أن تحبه، وعندما عرض عليها الزواج وأخبرها أنه يريد إخبار عمه ياسر لتنهره وتغضب مِنه بسبب ذلك التفكير العقيم كما زعمت حينها، تركته في منتصف الطريق وعادت للمنزل تتودد لأخيه ليل؛ لذا قرر الذهاب إنه لن يستطيع تحملهما معًا.
أخذها معه للخارج حيث منزلها ولكِنها رفضت الدخول تتشبث بسترته تقول:
-أرجوك لن يقبلني أحدا.
-عمي ياسر لن يرفضك بالتأكيد.
-لا تخافي، أنا هُنا معك.
هربت سمر لداخل غرفتها وأوصدت خلفها الباب خَشْيَة مِن اقتحام تميم لها لتقبض على هاتفها بيدها تستعد في أي لحظة لمهاتفة جُلَّنار إن حاول واقتحم الغرفة لإيذائها كما أخبرتها أن تفعل.
نهضت جُلَّنار مِن جوار ليل تشعر بصُداع في رأسها لتدلكه برفق، اتجهت نحو خَزانتها ترتدي ثوبا ملائما لتنزل بِه للأسفل تُحضر بعض الماء وأيضا تشعر بالجوع الشديد اتجهت للأسفل وهِي تُدَلك عضلات رقبتها، وفِي طريقها للمطبخ حتى استمعت لصوت في الجِوار حيث غرفة المكتب الخاصة بِـ فؤاد لتقترب نحوها بخُطَى بطيئة وأثناء ذهابها اصطدمت بإحدى الطاولات لتقع مِن أعلاها مزهرية تصدر صوتا، لينتبه كُلٍ مِن فؤاد ومنار لتنهض منار على الفور خَشْيَة مِن أن يكون ليل هو القادم لا تريده أن ينظر لها باستحقار، بينما جُلَّنار وجدت مَن يكتم فمها براحة يده ويجرها معه بعيدا عَنْ غُرفة فؤاد.
.
بقلم/سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_______________________________
بما إنكم مش عايزين تشاركوني بآرائكم، على الأقل تناقشوا معايا في الرواية👀♥1.هل ترون ليل مُذنبا كبقية العائلة؟
2.هل يقبل سليم أن يُعيِد حُبّه لـ زينة ويفتح قلبه لـها إن أرادت هي؟
![](https://img.wattpad.com/cover/361254493-288-k841364.jpg)
أنت تقرأ
بِـلون الدم
Diversosلكُلٍ مِنْا جَوارحهُ التِي تَنزَف دَاخلهُ بِقوةٍ مِنذُ سنوات وَلكِن لا أحد يراها؛ لأننا نَحكمُ الغَلقُ بِشدَّةِ وَكأننا نخافُ أنْ يَسْقطَ نَزِيفُنا بالأرضِ، فيتلطخ بِه أحدٌ. هو قَررَ مُشارِكتها لِنَزِيفها بأنْ يكونَ إناءٌ تُفْرِغ بِداخلهُ مَا كَتمته...