نكمل روايتنا بِـلون الدم.
بقلم/سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٧..
_______________________________
وضعها على الأريكة المتواجدة في الحديقة، وجذب كوب ماء قد وجده على الطاولة ليبدأ في نثر بعضا منه على وجهها، لم تفقد وعيها بشكل كامل ولكن ضغطها انخفض فجأةً، كان يتحدث بنبرة منخفضة أقرب للهمس حتى لا يمسك بهم أحد.
-جُلَّنار، تسمعينني؟
-افتحِ عينيكِ.
كان يضع يده على وجنتها اليُمنى يمرر إبهامه عليها، فتحت جفنيها لتعود الرؤية واضحة تدريجيًا بعد أن كانت ضبابية، حاولت الاعتدال ليساعدها وينهض ليجلس بجانبها بعد أن كان جاثيًا على ركبتيه ليكون في مستوى اِستلقائها.
كادت أن تمد ذراعها لجذب هاتفها المُلقي أرضا، ليسبقها ويجلبهُ لها لتشكره بنبرة خافتة، نهضت وهي تشعر بأن الأرض تدور أسفلها بالإضافة لارتباك طغى عليها بوجوده، كادت أن تدلف للداخل دون أن تتفوه بحرف حتى وجدته يهتف باِسمها بنبرة مرتفعة لا يهمه الآن مِن معرفة أحد بعلاقتهم، ولكنه لن يسمح لها بالرحيل قبل أن يبرر موقفه.
عادت نحوه تهمس بنبرة حادة:
-اخفض صوتك، أبي نائم.
-إذا استمعي لي.
-لا أريد، اخرج الآن.
أشارت بسبابتها نحو البوابة الخارجية بينما هو تقدم منها لتتراجع وتشير على المسافة بينهما قائلة:
-لا تقترب، إياك!
-ماذا إن اقتربت؟
-سأطلب لك الشرطة.
-لن تفعليها.
-لا تكون واثقا.
أكملت حديثها بنبرة ساخرة:
-كيف سمح لك أبوك أن تأتي لهنا؟
اقترب حتى أصبح على بُعد إنش منها تختلط أنفاسها الحادة بخاصته الهادئة لتتراجع قليلا، ولكنه أحاط خصرها بذراعه يمنعها من الابتعاد يقول.
-لم يسمح لي، تنازلت من أجلك.
شعرت بالاضطراب لوهلة لتتسائل:
-ماذا تقصد بِـ «تنازلت»؟
-أولا عليكِ رؤية شيء معي.
-لا أريد.
-لم يكن سؤال يحتمل إجابتين.
نظرت له بعدم فهم لتجده ينحني يقبض على ساقيها ويدفع جسدها على كتفه لتقبض على ثيابه، وتشهق بقوة وصدمة من ردة فعله غريبة الأطوار تلك هاتفة بحدة:
-اتركني فورا.
-ليس قبل أن تأتي معي.
-لن أذهب إلى مكان معك، وإن لم تتركني الآن.
قاطعها بقوله وهو يتجه للخارج:
-اصرخي، وحينما يخرج أبوكِ على الصوت سأخبره بكل شيء واحد تلو الآخر.
فتح باب السيارة ليضعها بداخلها كادت أن تهبط مُعترضة على فعلتهُ حتى حذرها بقوله:
-سأخبر أباكِ.
اتجه ليجلس في مقعده أمام المقود بينما هي كانت غاضبة من تحكمه فيها الغير مبرر، وخاصةً غيابه طوال تلك المدة السابقة.
أدار المحرك ليقودها متجها إلى المكان الذي يقصده، كان صامتا بينما هي لا تَكُف عن التساؤلات.
-إلى أين؟
-لا يهم.
-حقا! ليل إن لم تخبرني الآن إلى أين.
قاطعها بقوله:
-ماذا تريدين أن تتناولي؟
-مَهمَا فعلتِ لن أخبرك حتى نصل، لذا استمتعي بالطريق.
فتح لها النافذة وبخفة يد استطاع خطف الهاتف من قبضتها لتنظر له،كادت أن تثور عليه لتجده أغلقه وألقاه في المقعد الخلفي يمزح قائلا:
-لا تَظُني أنني أفرق بين هاتفي وهاتفك، كلاهما مُلقان في الخلف ليُؤنس كل منهما الآخر.
-حقا!
-أنت الوحيد الذي يُثير أعصابي وغضبي.
-شرف لي أن أنال تلك المكانة.
ضحك ليل على غضبها، إنها فتاة لا تغضب بسرعة هادئة في الغالب ولكنه الوحيد الذي يستطيع إثارة غضبها بأبسط الأشياء ويستفزها، مَر ساعتين وهما في ما زالا في طريقهما ويئِست جُلَّنار من سؤاله عن وجهتهُ.
كان ينظر لساعة يده وإلى الطريق أمامه وينقل بصره نحوها لا يريدها أن تقرأ تلك اللافتة التي يُكتب عليها «الإسكندرية».
أردف قائلا وهو يشغلها عن رؤية الطريق:
-اجلبي لي هويتي من الدُّرج أمامك.
-اجلبها لنفسك.
-جُلَّنار.
تأففت لتفتح الدُّرج بعنف والبحث عن هُوية رخصة قيادتهُ فقد أضاء لـها ضوءًا صغيرًا من مصباح يعلو رأسهما حتى تخطى مرور البوابة، لترفع رأسها نحوه قائلة بضيق:
-لا أجدها.
-حسنا، لا بأس.
اغتاظت منه لتصمت في محاولة منها التحكم في أعصابها ولكنه يثيرها بشكل مُحكم وكأنه خُلِق ليُغضبها، استندت برأسها إلى النافذة وبدأت في التثاؤب لـم تنم مِن يومين، بدأ الهواء يضرب بشرتها بقوة لتبدأ في الارتجاف أغلق النافذة من أجلها وجذب حقيبة ليضعها على قدميها قائلا:
-ارتدي تلك السترة.
-ليل، أريد العودة.
-لقد قطعنا مسافة كبيرة فعلًا.
-ها قد أوشكنا على الوصول.
جذب هاتف صغير لا تعلم من أين أحضره ليقوم بمهاتفة أحدهم، لم تتعرف إلى هويته وضع الهاتف على أذنه يستمع لإجابة الآخر فقط أردف بجملة واحدة:
-لقد أوشكنا على الوصول.
لم تفهم عما إن كان يُحادثها هي أو المُتَّلقي لتجده يضع الهاتف أمامه لتتعجب مِن وجود هاتف آخر لتتساءل عما إن كان يتلاعب بها ويخدعها، وجدته يسلك بعض الطرق والشوارع القصيرة سرعان ما ينعطف يمين أو يسار حتى سلك طريقا مستقيما ليُبطِئ حركة السيارة يتبعها وقوفه نظرت حولها وقد ساورها الشك خاصةً عند قراءتها لـ لافتة عريضة باسم «شاطئ هدير»، والرمال تُحيط السيارة والأرض أزال حزام الأمان وهبط متجها لبابها بينما هي كانت الصدمة من نصيبها لقد أتى بها للإسكندرية حقا!
فتح بابها يمد لها يده بينما هي هبطت تنظر حولها يمينا ويسارا تتأكد ما إن كان حلمًا أو وهمًا، لطالما تمَّنت أن تأتي للإسكندرية تقضي إحدى ليالِيها أمام الشاطئ تشكو للبحر عما فعلته بِها الأيام، لم تظن أبدا أنه سيكون لديها رفيق.
تقدم أحدهم منهما ليتعرف إليه ليل ويتقدم منه يحتضنه وقد رحب بهم أشد ترحيبًا، أشار ليل عليها يردف باِبتسامة:
-جُلَّنار خطيبتي.
-مرحبا، أنرتِ.
مَدّ لها يده ليصافحها بينما هي شعرت بالارتباك عندما أخبر ذلك الرجل بماهية علاقتهما التي بالتأكيد لن تحدث أو تتم بعد أن علمت بتلك الصلة بين أمها وعائلته، صافحته ليحثها ليل على التحرك.
سارت معه باتجاه المياه كانت لا تستطيع السير على الرمال بحذائها الرياضي كانت تواجه صعوبة حتى وجدته يتوقف وقد خلع حذائه وأمسكه بيدٍ، وقبض على يدها باليد الأخرى يعاونها على السير ويسير خلف الرجل حتى وجدت ملاءَة بلونها الكُحلي موضوعة أرضا أمام المياه بمسافة لا بأس بها من البحر حتى لا يُغرِقهم، وبعض الحطب المُشتعل ليُنِير تلك العَتمَة المتواجدة فقد تخطى الوقت منتصف الليل وقل عدد الزائرين بالكاد تجد واحد أو اثنان، خلعت حذائها وجلست على الملاءَة ليتبعها في فعلتها ويبتسم لها، بينما غادر ذلك الرجل الذي أرشدهم للطريق كانت صامتة تنظر للبحر تستنشق رائحته، وتستمتع بتلك النسمات التي تضرب وجهها وتطير خصلاتها لتباغته بسؤالها المتوقع:
-لِمَ فعلت هذا؟
-لأني ودَّدتُ أن أشاركك حلمك لأول مرة.
-وأريد أن أشاركك بقية أحلامك طوال العمر.
-لمْ يقتحم أحد خصوصياتي من قبل، ولكنك فعلت.
-جُلَّنار، أحبك.
-قلت هذا قبل بضعة أيام أيضا ولكنك غادرت من بعدها، هل ستختفي تلك المرة أيضا؟
-تلك المرة سأتمسك بقراري مهما كان ثمنه.
-وماذا يكون ثمن تمسكك بي؟
-سأتنازل عن كل ما أملك: المنزل، السيارة والعمل.
-لطالما كان أبي يتحكم بي يخبرني بما يجب علَيَّ فعله وأنا لكي لا أحزنه كنت أوافق على ما يطلب دون أن أجادله، ولكن تلك المرة غير.
-أنتِ هي الموضوع.
-لِمَ اخترتني، يا ليل؟
-لقد عرفنا بعضنا قبل شهر فقط.
مَدَّ يده يقبض على كفها يعانق أصابعها بخاصته يردف بصدق شعرت به في حديثه:
-لأني أعلم أنك لن تتركيني في مُنتصف الطريق.
ارتبكت لتسحب أصابعها وتبعد عيناه عنها التي اغرورقت بالدموع تتساءل ماذا لو علم بهويتها؟، ماذا إن انتقمت من أخيه وأدخلته السجن بتهمة اغتصاب أختها؟، ماذا إن خَربِت حياته وأسرته؟ أ سيظل يظن بأنها لن تتركه في منتصف الطريق!
-جُلَّنار، لِمَ لا تُجيبين؟
-ماذا عن نظرات الانبهار في عينيكِ! ومساعدتك لي!
-ليل، أنت لا تعلم أي شيء يخص حياتي.
-أنا لطالما كنت منبوذة من قبل الجميع حتى أبي وأمي.
-ليس من السهل علَيّ تَقبُّل حُبَّك.
-حتى وإن تقبُّلته، ستمنَعَك عائلتك.
-لا يهم.
-لا تتحدث بكلام المُراهقين، يا ليل.
-أنا وأنت نعلم جيدا أن هذا الحب لن يتم.
-ولكني أعلم أنك لن تَترُكي يدي مهما حدث.
-أنتِ لا تَترُكي أحبتك.
قاطعتهُ بِـ رَدُها القاطع:
-لأنه ليس لدي أحِبَّة.
كاد أن يتحدث حتى قاطعه مجيء ذلك الرجل الذي وصاه بتحضير تلك الجَلسة من أجل كليهما، جاء مع صحن مملوء ببعض الشطائر ليضعه أمامهما بالإضافة لعبوتين من المياه الغازية وزجاجة مياه، ليشكره ليل بينما هي كانت تزيل عَبراتها التي تمردت، كلما ظنت بأن الحياة تضحك لها تُفاجئها بضربة قوية على رأسها من جديد تسخر منها، ومن أفكارها بأنها قد تحلو لها يوما.
-تناولي.
جذبت أحد الساندوتشات وشرعت في تناوله ليتبعها هو الآخر ويسود الصمت مرة أخرى.
دلف لداخل الغرفة يتبعه أبوه الذي هتف بحدة وغضب:
-كيف قررت الزواج وحدك؟
صمت ليل متعجبا من هجوم أبيه عليه وجلس على فراشه يردف مُجيبا:
-ألستُ مَن طلب مني الزواج؟
-نعم، ولكن بفتاة نعرفها فتاة أعلم كنيتها وكنية أبيها.
-ليست فتاة منذ أن ظهرت في حياتك وهي تنقلب رأسا على عقب.
-لن تقابل تلك الفتاة مجددا، وستتنازل عن تلك الصفقة وتعتذر لعمك.
-وإن لم أفعل؟
-ستخسرني وتخسر عائلتك.
-أنت ستتزوج بالفتاة التي أراها مناسبة ليس إلا.
-ولن تبقى في هذا المشفى.
-ستتلقى علاجك في المنزل.
تساءل بداخله ماذا تُمَثل سعادته لدى أبيه ولِمَا يعامله بتلك الطريقة وكأنه وسيلة فقط للحفاظ على اسمه وأمواله، قرر الإنصات لقراره حاليا إنه لا يريد أن يخوض جدالا مع أبيه وهو غاضب لا يريد أن يخسره ولا يريد أن يتخلى عنها؛ فهي أول شخص اهتم لأمره وساعده هو الذي يهتم لأمر الجميع.
بالفعل تحدث أبوه مع إدارة المشفى ونُقِل ليل للمنزل ليتلقى العلاج والرعاية هناك لم يسمح له بالهاتف أو الخروج حتى يتعافى.
كانت تجلس أمه بجانبه تردف قائلة:
-أخبرني أبوك بأنك تود الزواج من تلك الأجنبية.
-إنها ليست أجنبية، أمها وأبوها مصريين ولكنهم استقروا في أمريكا.
-أنا وأبوك نرى «حلا» فتاة مناسبة لك.
-إنها ابنة صديق العائلة السيد «مختار»
-الزواج قراري أنا.
انفعلت عليه قائلة:
-لِمَا تود خسارة كل ما تملك من أجل تلك الفتاة؟، تعلم أبوك جيدا لن يتخلَّى عن قراره لقد تحدث مع «مختار».
-أنصِت لأبيك وأنسَ تلك الفتاة وتزوج بِـ «حلا».
نهض ليل وغادر الغرفة ليتجه نحو غرفة أبيه يطرق بابها برفق ليأذن له بالدخول دلف ليل للداخل ووقف أمامه يردف:
-أنا سأتزوج بِـ «جُلَّنار».
-أ مستعد للتنازل!
لحقت بِـه جوهرة لتقول:
-ليل! ما الذي تهذي به؟
-لا تستمع له، يا فؤاد.
-ليل، عُدّ لصوابك.
-أنا منذ أن وُلِدت لم أعارض رأيك وقرارك ولو لمرة، كرست حياتي لتلك العائلة والعمل ولم أسعَ خلف أحلامي كما فعل أخي.
-سمحت لك بأن تُشاركنِي حياتي، ولكن تلك المرة أعارضك.
-لن أتزوج «حلا»، سأتزوج بِـ «جُلَّنار».
تركهم وغادر حاولت أمه ردعه ولكنه أبى، تلك المرة لن يتنازل لأبيه ليتحكم في حياته، على كل منهم أن يمسك زمام أموره ولا سيما في الزواج عليه أن يختار شريكته لا أن تُفرَض عليه كتلك التي تُدعى «حلا» ابنة صديق أبيه، غضب أبوه لشعوره بأنه يفقد السيطرة على ذلك الولد الصغير المطيع الذي لم يسبق لـه أن يحزِن أباه وأمه.
-جُلَّنار.
التفتت له ليزيل تلك الخُصْلَة التي تمردت على وجهها يُعِيدها لخلف أذنها يردف قائلا:
-لا تَترُكي يدي.
-ماذا إن تَركت؟
-أنا لن أَترِك.
-الحب ليس سهلا كما تعتقده، يا ليل.
-أنا وأنت لسنا مُراهقين.
-الحب دون عذابه ليس حبا، والعذاب يَهُون إن كنا معا لم يترك أحد يد الآخر.
-الشمس ستُشرِق، علَيَّ الذَّهاب قبل أن يستيقظ أبي.
نهضت لتبدأ في نفض ثيابها وتستنشق الهواء تطالع البحر المرة الأخيرة قبل مغادرته، لينهض هو الآخر ويخرج من سترته علبة حمراء ليفتحها ويضعها أمامها يردف قائلا:
-هذا الخاتم إِرث عائلتي.
-ترتديه كل فتاة تدخل العائلة ويقترن اسمها باسم أحد أبناء المنزل.
-وأريد أن أنال شرف اِرتدائك له من أجلي.
كان خاتم عتيق بقطعة حجر كريم ثمين بلونه الأحمر أزاله من علبته وقبض على يدها يضعه في أصبع البنصر ليدها اليسرى وانحنى قليلا يُقبِّل يدها برفق.
-لا تخلعينه.
قاطع ذلك الرجل الذي ساعدهم أمسِ مشاعرها المُضطربة ونسيانها لوهلة لهُويته، وكادت أن تنجرف معه في تلك اللحظة، صافحه ليل أخرج من محفظته بعض الوريقات المالية وشكره.
-هيا.
تقدما نحو السيارة لتجلس في مقعدها وتبدأ في اِرتداء الحذاء ليقع نظرها على الخاتم شعور جميل نشأ بداخلها إن قلبها يميل له بِرغْم صعوبة الوصول.
قاد السيارة عائدا لمنزلها يطالعها من حين لآخر ويبتسم لخجلها منه ومداعبتها للخاتم في يدها إنها لا تستوعب تأثيره عليها.
شعرت بالنعاس لتغلق جفنيها ببطء تستند برأسها إلى نافذتها، لم تشعر به عندما وقف بجانب منزلها ونظر لها يتأملها ليقطع تأمله إضاءة الشمس المُزّعجة التي ضربت وجهها لتستيقظ وتتألم أثر ألم رقبتها، فُزِعت عندما رأته وسرعان ما استوعبت لتنظر حولها متسائلة:
-أ وصلنا؟
حرك رأسه بالإيجاب لتفتح باب السيارة وتنزل منها ليتبعها هو الآخر يقول:
-اذهبي.
-اذهب أنت أولا.
-يَجِبُ ألاّ يراك أبي.
أصرت عليه ليركب السيارة ويغادر بعد أن لوح لها بيده، بينما هي لم تتجه للمدخل الرئيسي للمنزل ذهبت متجهة لممر جانبي يجاوره ويطِّل على نافذة غرفتها الأرضية لتقبض على ذلك السور الأبيض وتتعلق به وتلقي بجسدها لداخل الشرفة لتستمع لصوت عزيزة بالخارج، لتنهض وتجري نحو المرحاض لتصطدم قدمها بطاولة الزينة وتسقط أرضا متألمة تزامنا مع دلوف عزيزة لداخل الغرفة التي ما أن رأت جُلَّنار تتلوى في الأرضية حتى اتجهت نحوها تتساءل:
-أنتِ بخير؟
-ما الذي أتى بكِ؟
-لقد حضَّرت طعام الفطور
-حسنا، سآتي بعد قليل يمكنكم تناوله.
نهضت عزيزة وهي متعجبة من حالة جُلَّنار وقد سقط بصرها على ذلك الخاتم بلونه الأحمر إنه مختلف وجديد اتجهت للخارج وهي تبتسم لها بينما جُلَّنار تنهدت واستلقت مكانها تنظر لسقف الغرفة بتأمل تتساءل ما الذي عليه فعله وأي جانب ستختار، لتبحث عن هاتفها في جيب سترتها ولكنها لم تجده لتضرب رأسها عندما تذكرت أنه في سيارة ليل عندما أخذه منها، نهضت تتجه المرحاض تستحم بماء دافئ تغلف جفنيها وتبتسم من حين لآخر كلما تذكرت أنه حقق أحد أحلامها تشعر بأنها كانت في حلم لوهلة، ولكنها سرعان ما تتذكر كلما نظرت لأصبعها وتلمس الخاتم برفق أفاقت من شرودها أثر طرق على باب المرحاض لتجذب معطف الاستحمام تضعه على جسدها على الفور متسائلة بحدة:
-مَن الطارق؟
-لقد جُعت، إلى متى علَيَّ انتظارك؟
فتحت الباب عندما علمت هُويته ولم يكن سوى أبيها لتردف بضيق:
-كنت تناول طعامك بصمت دون أن تزعجني.
-ناكرة معروف.
-انتظرتك؛ لأني أريد محادثتك في أمر مهم ليس من أجل عينيكِ.
-اذهب، سأبدل ثيابي وألحق بِك.
غادر عمر مستخدم مقعده المتحرك ليساعده مارك الذي كان ينتظره أمام الغرفة ليعود به للمائدة، أخرجت ثوبا أحمر اللون يتناسب مع الخاتم جذبت خصلاتها للأعلى ووضعت القليل من مساحيق التجميل تتساءل بداخلها بما ستبرر بقاءها معهم طيلة اليوم هاتفها ليس معها ولا تستطيع التواصل معه ولا الذَّهاب لمنزله إنه أمر محرج بالنسبة لها.
خرجت لتتجه نحو المائدة وتشرع في تناول طعامها ليقاطعها بسؤاله:
-متى سنغادر؟ لقد أنهيتِ افتتاح المول التجاري.
-ألا توِّد البقاء والاستقرار هنا؟
-البلد التي توجد بها «أفنان» لا أبقى داخلها.
-لا يمكن أن أتنفس هواء تلك البلدة.
شعرت بخيبة أمل إنه يكره أفنان حتى هي لا تنكر كرهها لها، ولكنها سئمت من البقاء في الخارج تود أن تكمل حياتها هنا بجانب حلمها الذي حققته إنها لا تريد أن تعود لسجنه مرة أخرى وأن تبقى داخل دائرة معَارفها مجددا، وأيضا إنها لا تريد العودة له إنه يلاحقها كالمجنون.
قامت عزيزة بلملمة الأطباق ليتبعها مارك ويتجهان معًا للمطبخ بينما جُلَّنار نهضت لتتجه نحو التلفاز تشغله وتجلس على الأريكة مقابله، ليتعجب عُمر منها إنها تشارك في نشاط كهذا! تتطوع وتجلس معهم في نفس الغرفة لأكثر من عشرة دقائق ليتجه نحوها كانت تظنه سيُلقي عليها كلمات ساخرة ولكنه صمت، نظرت له وإلى متابعته للتلفاز معها أحيانا تشعر أنه يفهمها وأحيانا تظن بأنه لا يكره في تلك الدنيا سواها تشعر بالتناقض والنقص معه إنه لا يلبى لها احتياجاتها كأب.
طُرِق الباب ولم تستمع له عزيزة؛ لأنها كانت منشغلة في تنظيف الصحون والأواني لتتجه هي نحو الباب وتفتحه ويا ليتها لم تفتحه لتغلقه مرة أخرى بفزع وصدمة، لتستند إليه بظهرها تتساءل ما الذي أتى به في المساء الآن ومَن هؤلاء الذين بصحبته؟
في الخارج، كان يقف في الأمام يمسك في قبضته باقة من الورد الأحمر وبداخلها رسالة مُغلفة تفوح منها رائحة الحُبّ، بينما خلفه تتعلق حياة زوجة أمير صديقه في ذراع زوجها وتحمل بيدها علبة من الشيكولاتة المُغلفة وما أن فتحت جلنار حتى ابتسمت لها بالرغْم مِن تعجُبهَا مِن سُرعة ليل في الخِطْبَة حتى دون أن يحصل على موافقة عائلته لكنّ ما أن أغلقت جُلَّنار في وجههم الباب حتى عبست قائلة بضيق:
-أتلك التي أتيت لخُطبتها، ليل؟
أومأ برأسه بالإيجاب ليعاود طرق الباب مرة أخرى، أيقنت أن تلك المرة حقيقية إنها لا تتوهم إنه يقف أمام عـَتبة منزلها يحمل وردا بين ذراعيه ليطلبها من أبيها
أخذت شهيقا قويا وزفرته لتنظر لهيئتها لتلك المرآة بجوار الباب تتساءل ما الذي جعل وجنتيها تشتعل كالجمرة إنها تشعر بالسخونية تنبعث من كل مكان رُبما لأنها تعيش تلك الأشياء لأول مرة، عَدّلِت ثوبها وحاولت تهدئة أنفاسها لتتجه نحو الباب وتفتحه مرة أخرى ليبتسم ليل ما أن رآها.
ابتلعت لُعابها واصطنعت عدم الفهم لتستند إلى الباب بيدها وتتساءل بقولها:
-ليل! ما الذي أتى بك لهنا؟
-أتيت لرؤية أبيكِ.
تقدمها ودلف للداخل ليتبعه كلا مِن أمير وحياة ليضع بداخل قبضتها باقة الورد وتقدَّم لها حياة علبة الشيكولاتة لتُنادِ باِسم عزيزة التي أتت لها مهرولة من المطبخ، لتردف:
- خُذِّ هؤلاء للداخل، واحضري قهوة من أجل ضيوفنا.
لتأخذ عزيزة من يدها الباقة والعلبة وأشارت جُلَّنار لـ ليل ليدخل ويذهب خلفها إلى غرفة المعيشة التي كان عُمر يجلس فيها لتغلق التلفاز وتبرر لأبيها:
-ليل الجندي، تعرفت إليه في حفل الافتتاح من قبل.
-و.
صمتت وهي لا تعلم هُويتهم ليُكمل عنها ليل قائلا:
-أمير صديقي وزوجته حياة.
صافح ليل عُمر الذي كان متعجبا وينظر لـ جُلَّنار يتساءل عن سبب مُجيئهم لتبادله بأخرى تخبره «لا أعلم»، جلسوا ثلاثتهم ليأتي مارك ويقف بجانب جُلَّنار التي ظلت واقفة وتأتي عزيزة حاملة بيدها صينية فيها ثلاثة فناجين من القهوة لتبدأ في تقديمهم لكل واحد منهما ما أن ألتقطها ليل حتى وضعها على الطاولة أمامه ونظر لعُمر يبدأ في تبرير سبب مجيئه قائلا:
-أنا ليل الجندي، ربما لا تعرفني جيدا ولكن ابنتك تعرف.
حمحمت جُلَّنار تحذره من ألا يتمادى ولكنه لم يُعيرها اهتماما ليكمل:
-جئِت اليوم لأطلب ابنتك على سُنة الله ورسوله.
بصقت جُلَّنار الماء من فِيها فقد التقطت كوب مياه لترتشف منه، ولكن ما أن ألقى بكلماته على مسامعهم حتى بصقتهم وجحظت بعينيها بالرغم من توقعها لطلبه ولكن تحقيق توقعها صدمة لها ولأبيها حتى مارك وعزيزة.
.
بقلم/سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_______________________________
أنت تقرأ
بِـلون الدم
De Todoلكُلٍ مِنْا جَوارحهُ التِي تَنزَف دَاخلهُ بِقوةٍ مِنذُ سنوات وَلكِن لا أحد يراها؛ لأننا نَحكمُ الغَلقُ بِشدَّةِ وَكأننا نخافُ أنْ يَسْقطَ نَزِيفُنا بالأرضِ، فيتلطخ بِه أحدٌ. هو قَررَ مُشارِكتها لِنَزِيفها بأنْ يكونَ إناءٌ تُفْرِغ بِداخلهُ مَا كَتمته...