نكمل روايتنا بِـلون الدم.
بقلم/سلسبيل كوبك.
الفصل الـ١٢..
_______________________________
كانت غائبة عن ذلك العالم القاسي، وعادت بذَاكرتها إلى مكان لطالما نسَّجته داخل عقلها، لطالما ودَّت أن تذهب له مع أبيها وأمها كأسرة سعيدة لا تحمل عبئًّا ولا همًّا، لم تشعر بِحملهُ لها بين ذراعيه حيث رفعها من الأرض بقوة ليصطدم رأسها بقميصه وعنقه ليتلطخ بدمائها، بينما قميصه كان باللون الأسود لم تظهر فيه.
غادر متجها نحو سيارته وخلفه جده الذي كان يردد بداخله «أنها ماتت وتركته كما تركته فيروز من قبل».
وضعها في المَقْعد الخلفي وأغلق الباب ليرى جده لا يستطيع فتح الباب الأمامي ليغضب قائلا:
-لا تأتِ.
انكمش الجَدّ وخاف من نبرته الغاضبةر ولكنه أردف متذمرا كالأطفال:
-لن أترك فيروز وحدها.
لعن ليل بداخله ليتقدم من الباب يفتحه وركب جده، ليتجه نحو مقعده ويركب السيارة يدير محركها ويسير بها عائد للخلف قليلا ثم انطلق بِها على الفور في طريق مستقيم، وقد ملأه شعور الخوف ليتسائل أستتركه كما تركته جدته من قبل! من بعد وفاة جدته أغلق على نفسه الأبواب وامتنع عن الطعام والشراب لعدة ليالٍ، ولكن كان بجواره جده يواسيه ويواسي نفسه على فقدان زوجته العزيزة والغالية على عكس الجميع تخطى الأمر سريعا وكأنها لم تكن موجودة قط.
توقف أمام المشفى بشكل عشوائي لم يهتم إن كان يعرقل سير الطريق أو سيأخذ مخالفة وحملها مرة أخرى للداخل والدماء تُقَطر أرضا، لتأتي الممرضة بنقالة على الفور ويتجمع طاقم الطوارئ ليذهبوا بها لداخل غرفة الطوارئ ويختفون من أمام نظره، بينما هو نظر ليده المليئة بدمائها متسائلا أكذلك يقدم لها الأمان والسعادة متسائلا ماذا لو لم يذهب اليوم للعمل؟ حينها لما كانت ذهبت لجده وحدث ما حدث، جدي!
نهض بفزع يبحث عنه وعاد سريعا لسيارته ليجد جده عالقا بداخلها لا يعرف يفتحها يبدو أن المقبض معلق، ليفتحها بالنيابة عنه ويعتذر له بينما جده احتضنه يتساءل:
-كيف حال فيروز؟
-جُلَّنار يا جدي.
-حسنا، تلك الجميلة.
-لا أعلم بعد.
دلفا معًا للداخل ينتظرانها أمام الغرفة لعل أحدهم يخرج ويطمئنهم عليها، في الداخل كان عقلها متوقفا عند تلك اللحظة حينما عادت من مدرستها يوما تبكي ولم تهتم لها أفنان، ولكنها على الرغم من هذا تقدمت نحوها تقبض على ثوبها تقول:
-أمي.
-ماذا هناك، يا جُلَّنار؟
-أنحن غُرباء؟
-لقد نعتتني زميلتي في الفصل بالغريبة وأننا لا نستحق ذلك البلد.
-نعم، نحن غُرباء.
-تلك ليس بلدنا، نحن بلا وطن أو هُوية.
-كيف؟ هُويتنا معلومة.
-أنا ابنة عُمر المصري وأنتِ.
قاطعتها أفنان قائلة بحدة وغضب:
-لا هُوية لنا، يا جُلَّنار.
-لقد أخذها مني أبيكِ عَنْوَة وسيأخذها منكِ قريبا.
-لا تصدقينه ولا تنصاعين لأوامره، تمردي.
-ولكن.
-تمردي قبل أن يُفقدك هُويتك.
هتفت في جوفها وهي لا ترى سوى ظلام حولها ولا شيء يظهر سوى صوتها:
-«أمي، لقد فقدت هُويتي بغيابك.»
-«أصبحت الناس تُناديني باِبنة الرجل الذي هجرته زوجته من أجل آخر.»
-«أمي، أنتِ مَن جردني مِن هُويتي.»
أول ما قابلته منذ أن فتحت مقلتيها اِبتسامة بَشوشة مِن أحد الأطباء يقول:
-مساء الخير.
أغلقتهما مرة أخرى عندما تمرد الضوء وأزعجها لتهذي قائلة بخفوت:
-ليل جدي، أهو بخير؟
-ما أن ننتهي يمكنكِ مقابلتهم.
خرج الطبيب ليندفع ليل نحوه يتساءل عن صحتها:
-لا تقلقان، يبدو أنها أُصيبت حديثا؛ لذا عندما صدمت رأسها فُتِح الجرح، ولكننا أعدنا تخييط الجرح.
-متى أُصِيبت إنها كانت بخير، لقد تزوجنا أمسِ.
-لا الإصابة على ما يبدو قبل يومين.
-حسنا، متى يمكنني رؤيتها؟
-الآن، إن أردت.
تزاحم كلا مِن ليل وجده عند الباب لينظر إلى جده يقول:
-جدي لم أحاسبك بعد، أريد رؤية زوجتي.
-وأنا أريد رؤيتها، ثم أليس أنت من تركتها وغادرت؟ دَعّ العمل ينفعك الآن.
اقتحم الجَدّ الغرفة ليتبعه ليل بينما جُلَّنار أدارت رأسها نحوهما ليتقدم منها يجلس بجوارها يقبض على كف يدها متسائلا:
-كيف حالك الآن، يا فيروز؟
تقدم ليل مِنها ليُقبِّل مقدمة رأسها بينما هي نظرت له بعدم فهم ليقول:
-إنها جُلَّنار يا جدي وليس فيروز.
-لا يهم إنها جميلة كفيروز.
تساءل ليل وهو يضع يده على رأسها يمرر إبهامه برفق:
-ما الذي حدث؟
-كنت أساعد جدي في تبديل الستائر شعرت بِدوار ولم أشعر بنفسي لأفقد توازني وأسقط.
-بالتأكيد جدي هو من أصَّر على بقائك.
انفعل الجَدّ لينهض يرفع بنطاله قليلا للأعلى ويتقدم من حفيده يقول:
-نعم، أنا من أخبرتها أن تبقى لأنك ذهبت للعمل وتركتها؛ لذا كان سيكون عقاب لك.
-أَ أنت سعيد الآن بذلك العقاب!
-لا.
-لذا؛ ستُعاقب مجددا وسآخذ الجميلة من هنا لتأتي وتبحث عنها.
-جدي، أرجوك لتهدأ قليلا.
-سأذهب للحمام وأعود لأخذك، حسنا؟
ابتسمت جُلَّنار لتؤمِي برأسها له بينما هو غادر ليجلس ليل بجوارها ويقبض على يدها ليرفعها نحوه ويقبِّلها يردف قائلا وقد ظهرت علامات الأسف على وجهه:
-أنا آسف.
-ليس هناك ما يدعو للأسف، أنا بخير.
حاولت الاعتدال لتحضنه لترفع مقدمة جسدها نحوه وتضمه بذراعيها تربت على مؤخرة رأسها بكف يدها، فُتِح الباب على مصراعيه لتفزع جُلَّنار وتبتعد عن ليل، ليزداد ألم رأسها وتقول:
-جدي لقد أفزعتني.
-ماذا كان يفعل هذا الخائن بِقُربك؟
أشار ليل على نفسه بسبابته متعجبا:
-أنا خائن!
-نعم، لقد تركتها وذهبت.
-اللعنة! أهي شَكتْ لك علَىَّ؟
-لا.
-إذا لِمَ تحشر أنفك الجميل في حياتنا؟
وضع الجَدّ يده على أنفه لتضحك جُلَّنار بقوة على تصرفاته لترتفع ضحكاتها شيئا في شيء ثم لتخفضها مرة أخرى توقفت عندما وجدتهم ينظرون لها، لتشعر بالحرج مِن نظراتهم لها الصامتة التي لم تفسرها لتسأل:
-متى سنغادر؟
-سأذهب لسؤال الطبيب.
بعد قليل، كان ليل يساعدها في اِرتداء حذائها فما أن خفضت رأسها قليلا لتستطيع ارتداءه حتى شعرت بالألم، لتقبض جُلَّنار على ذراعه تستند إليه وبجانبها الجَدّ الذي كان يساندها من الجهة الأخرى، كانت تبتسم بحب له تشعر بأنه الأكثر نقاءً مِن بينهم.
ركب ثلاثتهم السيارة ليقودها لِيل متجه نحو مزرعة جده، وما أن توقف أمامها حتى حثه على الهبوط لتشعر جُلَّنار برجفته ليتساءل ليل:
-ما الذي تنتظره، يا جدي؟
-حسنا، لِمَ أنت متعجل!
ساعدته جُلَّنار في فتح بابه وابتسمت له، ليتركاه واقفا أمام بوابة المزرعة أدار ليل محرك السيارة وعاد للخلف ليتجه نحو طريق مستقيم لتشعر جُلَّنار بالضيق وتردف قائلة:
-أتظنها فكرة جيدة أن نتركه هناك وحده؟
-بالتأكيد لم يكن هناك وقت لإزالة دمائي، أتظنه قادرا على فعلها؟
صمت قليلا لينظر لها ولجرح رأسها ليجذبها نحوه برفق يقبِّل رأسها ويعود بالسيارة نحو مزرعة جده، ليلمحه الجَدّ الذي ما زال واقفا أمام المزرعة خائفا من دخولها فكلما تذكر دماءها القابعة في الأرض يشعر بالاشمئزاز، ما أن رآهم الجَدّ حتى اصطنع دخوله ليبتسم ليل على تصرفات جده الطفولية لتهبط جُلَّنار ويتجهان معًا للداخل بعد أن وضع السيارة في مستقرها ليتساءل الجَدّ:
-ألم تغادرا بعد!
-سنمكث الليلة معك.
تحمس الجَدّ لتظهر ابتسامته الواسعة على وجهه، ليردف قائلا:
-ولكن أولا لنرتب المكان ثم لنستحم.
كانت تجلس على الأريكة كلما قَدمَتْ على المساعدة حتى أعادها أحدهم لمكانها، ليقوم ليل بتنظيف الأرضية وإعادة السلم مكانه، بينما الجَدّ ذهب لإحضار ثياب تناسب كلاهما وأعاد تسخين الطعام الذي أعدته جُلَّنار.
-السيدات أولا.
ابتسمت للجَد لتأخذ من بين يديه ثياب تخص السيدة فيروز زوجته عندما كانت صبية في بداية زواجهم لتستحم وقد أُعجبت بتزيين الحمام بشموع ذات رائحة جميلة.
كانت تقف وترفع أمامها بذراعيها ذلك الثوب الذي أعطاها إياه الجَدّ لتشعر بالحرج، فكان الثوب يشبه في ملمسه الحرير ويمتاز بالدانتيل من الجزء الأمامي ويكشف عن ذراعيها، لترتديه رغما عنها ولحُسن حظها جلب معه معطف طويل يغطي ذراعيها وساقيها ربطته من عند الخصر لتشعر بالحرج من خروجها بذلك المظهر أمام كليهما.
طُرِق الباب عدة مرات يطلب منها ليل الخروج لتنصاع لأمره في النهاية وتفتح الباب الذي أوصدته بمفتاح داخلي، لتخرج أمامه تضم شقيّ المعطف من الأمام تغلقهم بقبضتها والأخرى عند رأسها تشعر بالألم، صُدِم ليل لبُرهة ليعود إلى طبيعته مرة أخرى حتى لا يشعرها بالحرج ليطلب منها استخدام الحمَّام ليذهب للداخل ويغلق خلفه الباب، بينما هي جرت سريعا نحو الغرفة التي ستمكث بها مع ليل.
وقف أسفل رذاذ المياه يحاول إزالة بقعة الدماء عن عنقه، ولكنه لم يستطع في المرة الأولى ليحاول ثانية باستخدام جسم خشن يُدعى «الليّفة» ليحك عنقه بِها بقوة حتى استطاع إزالة الدماء وارتدى منامة قطنية كان قد تركها هنا من قبل، واحتفظ الجَدّ بها فلم يبقَ أحد يزوره سِواه.
وَدَّع ليل جده ليتجه نحو الغرفة ويدلف للداخل يجدها ترقد على الفراش تضع الغطاء السميك فوق رأسها، ليكاد يجزم بأنها تختنق أسفله الآن، فالجو ليس باردا لدرجة أن تخفي جسدها كله أسفل الغطاء حتى وجهها، وقبل أن يتجه لينام بجوارها نهضت جُلَّنار وهي تزيل الغطاء وقد شعرت بالاختناق فعلًا لترفع يدها إلى عنقها تدلكه لتبدأ في خلع المعطف وتلقيه على أريكة متواجدة بجوار السرير، اعتدلت في جلستها تنظر إلى ليل لتجده يحدق بها يفحصها من رأسها حتى أخمص قدميها ويطالع جمال الثوب على جسدها، ليتقدم نحوها وكل خطوة يخطيها كان يدق قلبها بعنف حتى وجدته يجلس أمامها لتتراجع بجسدها للخلف بينما هو يقترب ليعتليها، لتغلق جفنيها ولم تسمع إلا لعنه وسَبّه لتفرق جفنيها عن بعضهم ولكن لم يختلف الأمر كثيرا فعمَّ الظلام على الغرفة لتدرك بأن النور فُصِل مرة أخرى، ليظلا على وضعهما بينما هي تحرك يدها بعشوائية تبحث عن هاتفها الذي وضعته قبل قليل على السرير ليُفاجئا بهجوم الجَدّ لداخل الغرفة يحمل بيده كشافا يدويا ليبتعد ليل عن جُلَّنار فورا الذي دفعته ما أن أدركت وضعهم أمام الجَدّ لتجذب الغطاء نحوها وتبتسم في ارتباك ليردف الجَدّ:
-لقد انقطع الضوء.
-إذا ماذا هناك، يا جدي؟
-أَقلبك حجرا! أنا رجل عجوز مُسِن لا أستطيع البقاء في الظلام بمفردي؛ لذا سأنام بجانبكما الليلة.
-جُلَّنار، أهناك ذنبا اقترفته حتى يعاقبني الله بتلك الطريقة.
-جدي، أرجوك لا أستطيع البقاء معها بمفردنا أبدا.
-الجميلة مستعدة لسماع قصصي؟
تناقلت الأنظار بين ثلاثتهم لتنظر لهما بحيرة وتسأل ليل بعينيه عما عليها فعله.
لينتهي الأمر بِـ بَقاء ثلاثتهم داخل غرفة واحدة وعلى سرير واحد، بأعجوبة استطاع ليل أن يقنع جده بأن يتوسط هو المكان ليصبح بجانب جُلَّنار، ولكن القدر يعارضه وبشدة، قبلا كان يضم الوسادة لحضنه حتى يشعر بالدفء الآن بات لديه جده يحتضن ذراعه ووسادة وضعتها جُلَّنار خلفها تفصل بينه وبينها، ليُصَاب بخيبة أمل وإحباط وهو يطالع كلاهما كيف استطاعا النوم بعمق على عكسه، فلم يَسلم مِن كثرة الأصوات التي أصدرها جَده مِن حَلْقِه وأنفه، وبُعد زوجته عن يديه بالرغم أنها تمكث بجواره على نفس الفراش.
________________________________
كان يجلس أمام ذلك المكتب ويضع أمامه دفتر ويقبض بيده على قلم يُشَبك أحرفا ببعضُهم البعض ليُكَّون بهما كلمات تصنع جُملا، يضع بِداخلهما كل مشاعره التي كتمها لسنوات عِدة كان يتمنى أن يستطيع البوح بهما أمامها، ولكن لا يقوى على فعلها إنه لا يمتلك الشجاعة للوقوف أمام ابنته يعتذر لها عما اقترفه في حقها وعَنْ بُعده عنها وحقده عليها وعذابها بدلا من أمها التي شَكَّلت بداخلهما جرحا عميقا لا يمكن تلافيه؛ فإن كانت الأم تَخَلَّت كيف للأخريين لا يتخلّون!
ضُرِب بِـ حُب الأم مثال الحب الأبدي، ولكن كُلما تقدم الزمن كُلما تلاشت الفكرة تدريجيا أصبح كل شيء ممكن.
شعر بصداع يجتاحه حاول التغاضي عنه ولكنه يزداد، بدأ في السعال ليدلف مارك على الفور له حاملا بيده كوب زجاجي من الماء ليرتشف عُمر القليل وينظر لمارك الذي تساءل بقلق وتوجس:
-أَ تشعر بالألم؟
-أنا بخير، ولكن لِمَ أنت مرتبك؟
-أهناك أمرا تخفيه عني؟
-لا أبدا، ماذا قد يكون!
-فقط أتساءل؛ لأنك بُت تسعل كثيرا في الآونة الأخيرة.
-ألا ترى أنه مِن المناسب أن نذهب لإجراء بعض التحاليل.
-تبدو مرتبكا، يا مارك.
طُرِق الباب لتدلف عزيزة باِبتسامة جميلة للداخل تقول:
-الغداء حُضِّر.
تقدم عُمر للخارج بمفرده لمْ يحتج لمساعدتهما ليقترب مارك من عزيزة ويتحدث معها بلهجة عربية، فجُلَّنار أخبرت عزيزة بأنه يستطيع تحدث العربية ولكن يجب إخفاء هذا السِّر عن عُمر:
-ألا تُطنين أنه يجب أن نخبر السيدة جُلَّنار؟
-على ماذا؟
-أظن أن السرطان يتقدم أكثر كلما انتظرنا وربما يجب عليه الخضوع لعملية يبدو أن الأدوية باتت غير فعالة.
-ما الذي تتهامسان فيه عندكم؟
-ثم أتستطيعان فهم بعضكما؟
-بالتأكيد لا سيدي، كيف لها أن تفهم الأجنبية.
تقدما للأمام ليجلسا بجانبه يتناولون الطعام، فهو لا يحب أن يجلس على المائدة بمفرده، والآن غادرت جُلَّنار المنزل ولن تعود.
على الجهة الأخرى، كانت تقف أمام المرآة في غرفة ليل تنظر لهيئة الثوب عليها، ولكنها زفرت بضيق عندما لم تجده مناسب لتتجه نحو خَزانة ثيابها وتعاود فحصها مرة أخرى، لتقع يدها على ثوب أزرق اللون يوجد به العديد من زهور بيضاء اللون لتبدأ في ارتدائه وتبتسم بِرضا أمام المرآة لتتجه نحو الفراش تجلس عليه وترتدي حذاء رياضيا أبيض تزامنا مع خروج ليل من الحمِّام، وكان قد انتهى مِن اِرتداء حُلَّته السوداء بقميص أبيض ليتقدم نحوها بينما هي نهضت لتقف في مقابله، أحاط ذراعاها بيديه يبتسم لها ويُقَبِّل رأسها بينما كان الشاش الطبي يلتف حول جبينها مُشَّكلا دائرة كاملة للخلف يمنع تلوث الجرح، كان يمتاز كل كُمْ مِن أكمام ثوبها بفتحة تمرر منها أصبع الإبهام، لتردف قائلة:
-لنذهب.
تشابكت أصابعه بخاصتها ليغادرا معًا الغرفة تزامنا مع خروج تميم من غرفته، الذي أصدر صفيرا عاليا عندما رآها كان مظهرها يروقه وخاصةً اللون الأزرق لاق بها ليقترب منهما يقول:
-ما الذي أصاب رأسك يا زوجة أخي؟
-لا يخُصَّك.
أردف ليل باِنزعاج وهو ينظر لساعة يده:
-ماذا هناك يا تميم؟ إلى أين أنت ذاهب؟
-كما تعرف لقد عادا فهد وأسر سأذهب لهما.
-تعلم أنك ممنوع من مقابلتهم، عُدّ لغرفتك الآن.
-أخي، أنا لست طفلا صغيرا لتؤمره.
-أنا أصبحت أسيرا لجدران هذا المنزل منذ تلك الحادثة.
تساءلت جُلَّنار وهي تتعلق بذراع ليل:
-عن أي حادثة تتحدث، يا تميم؟
-لا شأن لكِ، أنتِ لست من العائلة.
-تميم، ألزم حدودك معها.
-ما الذي أصاب رأسك يا أخي!
-مَن تلك الفتاة التي سمحت لها تقتحم حياتنا وتدمر عائلتنا؟
انفعل تميم في الحديث ليقبض على ذراع جُلَّنار وجذبها نحوه يقول بغضب:
-أنتِ ليس لكِ مكان هنا في هذا المنزل، غادري منه.
صفعه ليل بيده على وجنته اليسرى ليجذب جُلَّنار نحوه بيده الأخرى يردف قائلا:
-اذهبي أنتِ أولا، سآتي بعدك.
تركها وغادر ليدفع تميم لداخل غرفته مرة أخرى ويغلق خلفه الباب، بينما بقيت جُلَّنار في منتصف المكان تقف وحدها لتنتفض مكانها عندما استمعت لصوت منار خلفها أغلقت مقلتيها تتحكم في أعصابها حتى لا تغضب عليها لتلتفت لها بينما منار قالت:
-أحدهم خارج المنزل يريد رؤيتك.
أشارت على نفسها بسبابتها:
-أنا!
-نعم، رجل ينتظرك بالخارج.
-حسنا، اذهبي.
في الداخل، دفع ليل تميم على السرير وقبض على فكه بحدة وغضب يقول:
-ما الذي تنوي فعله؟
-أليس أنت من أقحمتنا في مصيبتك تلك؟
-بسبب تهورك وطيشك.
-لِمَ تجعلني أغضب منك؟
-تلك الكلمات لا تخرج من فمك، أعلم جيدا من يُلقنك تلك الكلمات ويخبرك بها واحدة تلو الأخرى.
-أخبرها أنها إن استمرت على فعلتها تلك لن تجدني في ذلك المنزل مجددا.
-وأعلم أنني لن أنظف قذارتك.
-كلٍ منكم ينظف قذارته، بالنسبة لقذارتي سأنظفها بجلنار؛ لذا ابتعد عن طريقي.
ظنت أنه مارك ولكنها نفت الأمر، فمارك من المؤكد كان سيهاتفها في البداية هبطت الدَّرج وعلى الرغم من شعورها بالألم في رأسها ألا أنها اتجهت للخارج لتعلم هُوية الضيف الذي باِنتظارها، ولكنها لم تجد أحدا في الحديقة كادت أن تغضب على منار حتى اقترب منها حارس البوابة يقول:
-الضيف ينتظرك بالخارج، سيدتي.
شعرت جُلَّنار بالقلق من هُوية ذلك الضيف الغامض لتتجه نحو الباب وتقترب منه وما أن أدركت هويته حتى هتفت بذهول:
-زيدان!
.
بقلم/سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_______________________________
أنت تقرأ
بِـلون الدم
De Todoلكُلٍ مِنْا جَوارحهُ التِي تَنزَف دَاخلهُ بِقوةٍ مِنذُ سنوات وَلكِن لا أحد يراها؛ لأننا نَحكمُ الغَلقُ بِشدَّةِ وَكأننا نخافُ أنْ يَسْقطَ نَزِيفُنا بالأرضِ، فيتلطخ بِه أحدٌ. هو قَررَ مُشارِكتها لِنَزِيفها بأنْ يكونَ إناءٌ تُفْرِغ بِداخلهُ مَا كَتمته...