الفصل السادس

123 8 1
                                    

نكمل روايتنا بِـلون الدم.
بقلم/سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٦..
________________________________
حاولت فتح بابها لتخرج منه وتلقي بجسدها خارجًا  قدميها حُشِّرت بقوة لتنزف تحاملت على نفسها تنظر يمينا ويسارا لعلها تجد أحدا لمساعدتها، ولكنها منطقة هادئة لا تسمع صوتا فيها، اتجهت نحو بابهُ لتحاول فتح إحكامه من الداخل ليصطدم ذراعها بحواف الزجاج المتعلقة عبر إطار النافذة حاولت إخراج ليل ولكن محاولتها بائت بالفشل، حاولت كثيرا ولكنها لم تستطع لثِقل جسده وضعف بُنِيتهَا وتلك الجروح التي تملؤها، لتبحث عن هاتفه في سترته وتجده لتخرجه وتتصل بالإسعاف تخبرهم بالحادث، ولكنها لم تستطع وصف الطريق بشكل جيد، فهي ليست على دِراية بأسماء الشوارع ولكنها نجحت في الأخير عندما وجدت لافتة مكتوب عليها اسم شارع لتخبره بها ولحسن حظها تعرَّف إليه الرجل.
حاولت إخراجه مجددا لتنجح محاولتها أخيرا كانت تنظر لجرحه بخوف، إن سحبت قطعة الزجاج سيموت وإن لم تسحبها ربما لن يمتلك متسعا من الوقت، وضعت يدها على عنقه تفحص عما إن كان هناك نبض،  ولكنها لم تستطع المعرفة لتخاف من فكرة أنه قد فارق الحياة وفزعت لتبدأ في البكاء وأحاطت وجهه بكفيها تهتف باسمه ترجوه أن يفتح عينيه.
-ليل، لا يمكنك الذَّهاب.
-ليل.
ضربت وجنته برفق لعله يستجيب لها، لا تعلم ما أصابها لتختنق وتشعر بضيق في صدرها وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة لتبدأ في ضرب موضع قلبها وتدليكها في محاولة منها لاستنشاق الهواء ولكنها لم تستطع، كانت تجلس أرضا على تلك الأرض الصلبة المُبللة بفعل مياه الأمطار تضع رأسه على قدمها تحاول تقديم الإسعافات الأولية له، ولكنها ليست على دِراية بها حتى كل ما تعرفهُ معلومات سطحية، بالإضافة لبُكائها وضيق أنفاسها توقف المطر بينما عَبراتها لمْ تتوقف؛ إنه لا يستجيب ولا يتنفس! رفعت ذراعها أمام وجهها بحركة تلقائية عندما شعرت بضوء أبيض قوي يضرب في وجهها بالإضافة لصوت الإنذار.
_______________________________
في الصباح الباكر، كان يستلقي على الفراش في إحدى المستشفيات ليبدأ في الإدراك تدريجيا، ويفتح جفناه ببطء ليقابله سقف الغرفة ليبدأ في اكتشافها من حوله ليطمئن ما أن عاف بِـ هُوية المكان ليحاول التحرك، ولكنه شعر بألم في معدته ليتراجع عن تلك الفكرة ويستلقي مرة أخرى، فتح الباب ودلف الطبيب المُراقب لـ حالتهُ ومعه ممرضته ليقترب منه وقبل أن يتحدث قاطعه ليل بسؤاله:
-جُلَّنار؟
لم يفهم الطبيب ما تفوه به ليدنو منه يطلب منه أن يعيد ما قاله ليردف ليل موضحا:
-كانت معي فتاة، جُلَّنار أين هي؟
نظر الطبيب للممرضة التي ابتسمت قائلة:
-لم تتركك طوال الليل وظلت واقفة أمام غرفتك.
-ولكن.
شعر ليل بنبرة الأسى في صوتها ليتساءل بقلق:
-ماذا حدث؟
-أتت عائلتك وطردتها، وأثناء مغادرتها سقطت مغشيا عليها والآن هي متواجدة في الغرفة المجاورة.
نظر الطبيب لممرضته بحدة وأردف:
-أهذا وقته!
شعرت الفتاة بالحرج لينظر الطبيب نحو ليل ويتساءل عما إن كان يشعر بالألم ليؤمِى برأسه، ويشير له على جرحه ليخبره الطبيب:
-لقد نجوت من حادث كاد أن يؤدي بحياتك.
-عليك الانتباه خلال سيرك في المطر.
-جُلَّنار، أ هي بخير؟
-لستُ المسؤول عن حالتها.
-عليك البقاء هنا كحد أدنى يومين.
-عائلتك في الخارج تريد أن تطمئن عليك.
-سأدعهم لغرفتك، ولكن لفترة قصيرة.
حرك رأسه بالإيجاب ليغادر الطبيب، وكادت أن تذهب خلفه الممرضة ولكنه أوقفها قائلا:
-أيمكنك إخباري عن حالتها؟
كادت الممرضة أن تتحدث وتهِّم بالاعتراض حتى قاطعها:
-سأعطيكِ ما تشائين.
ابتسمت الممرضة وتركته لتذهب لمعرفة حالة جُلَّنار الصحية، بينما أول من اقتحم غرفة ليل كان تميم الذي اندفع نحوه يحتضنه ليتأوه ليل بينما تميم لم يبتعد، لتقترب منه أمه جوهرة وتبعده لتحتضنه هي بدل عنه تقول:
-قلقنا عليك.
-لِمَ لمْ تنتبه؟
-كان حادثا.
أردفت عمته يُسرا وهي تربت على كتفه:
-زال البأس، يكفي أننا نراك بخير.
صمت الجميع خائفين ومترقبين لردة فعل فؤاد فكان صامت ينظر لـ ليل بغموض، وقليل من الحِدة ليقطع ذلك الصمت بسؤاله:
-أ ما زلت تلتقي بتلك الفتاة خارج إطار العمل؟
-كادت أن تقتلك، هذا ليس موعد خروجك من الشركة.
-أبي.
قاطعه بحدة:
-اخرس.
-ستنهي تلك الصفقة وتعتذر لعمك.
-ولن تقابل تلك الفتاة مجددا، منذ أن ظهرت وأنت أصبحت غير واعٍ وكدت أن تموت.
أردفت عمته التي اقتربت من أخيها تتحدث بِـ لين ورفق:
-هذا ليس وقتا مناسبا للحديث.
-عند عودته، أنت سمعت من الطبيب يجب أن يرتاح ولا نزعجه حتى أنه سيمكث في المشفى.
-لنذهب الآن، ونتحدث فيما بعد.
-حسنا؟
غادر فؤاد لتتبعه أخته التي تمَّنت لـ ليل الشفاء العاجل ولحقت به، ليطلب تميم من أمه أن يمكث هو بجوار أخيه لتوافق بعد إلحاحٍ منه.
-لا أحتاج أحدا، غادر يا تميم.
-أخي، مَن سيهتم بك؟
-هذا واجب المشفى وليس واجبك.
-أريد أن أبقى بمفردي.
-أخي، هل ما زلت منزعجا مني؟
ارتفعت نبرة صوته قائلا:
-هذا ليس وقته، يا تميم.
-فقط غادر أريد البقاء بمفردي ليومين.
-أليس من حقي!
-حسنا، لا تنزعج.
تألم ليل ليضع يده على معدته موضع الجرح ليقلق تميم ويتساءل عما إن كان يريد طبيبا ليتركه ويذهب لينادي على ممرضة قد عثر عليها في طريقه لتأتي معه وتفحص جرح ليل لتقول:
-ابتعد عن التوتر، فقط كُن هادئا.
-هل سمعت؟ ، لذا أطلب منك الرحيل يا تميم ليس لدي وقت لأنشغل بك الآن.
حزن تميم لقول أخيه ليغادر وكانت قد سبقته أمه، ليُطرَق الباب وتدلف الممرضة الأولى التي قد أتت له بالأخبار لتردف:
-لحق بها أضرار بسيطة.
-ولكنها بقيت بقناع الأُكسجين للآن يبدو أنها تعاني نقصه.
-أ تريدني أن أخبرك بما حدث أمسِ؟
نظر لها يحثها على الحديث لتبدأ في سرد ما قصَّته عليها زميلتها في العمل.
كانت تستقل معه نفس سيارة الإسعاف فجرحه كان أبلغ منها، لتقبض على يده خلال سيرهم في ممر المشفى المؤدي لغرفة العمليات تتفقد الطريق تارة ووجهه تارة أخرى إنه لم يستجب حتى لمحاولات موظفيّ الإسعاف عَبراتها لم تتوقف خوفا؛ إنها لا تريد أن تكون شاهدة على وفاته لا تريد أن تفقد شخصا آخر من حياتها، لا تريد تذوق مرارة الفقدان حتى وإن كان غريبًا.
دلف لغرفة العمليات بينما بقيت أمام الغرفة تتحرك ذهابا وإيابا تشعر بضيق أنفاسها ولكنها قاومت، قاومت شعورها وخوفها وتعبها لن تنهار ليس قبل أن تطمئن عليه إنها تخشى أن تكون سببا في فقدانه.
جلست على المَقعد أمام غرفة العمليات أتى لها طبيب مختص ليطلب منها الذَّهاب معه لغرفة الفحص حتى يطمئنوا عليها ولكنها أبت أن تتحرك، كانت تجلس على المَقعد الكدمات في أعلى وجهها وذقنها بالإضافة ليدها الممتلئة بدمائه بالإضافة لجروح معصمها أثر حواف الزجاج الذي أصابها، حينما حاولت فتح الباب من الداخل لتخرجه.
فاقت من شرودها على خروج الطبيب لتتقدم منه وتتساءل:
-كيف حاله؟
-لقد تضرر جدار المعدة وقد عانى نزيف داخلي، ولكنه سيكون بخير.
-يمكنكِ رؤيته بعد نقله.
زفرت براحة ليخرجنه على النقالة متجهين به للغرفة لتتبعهم بخطواتها، وتراقبهم ينقلوه من النقالة للسرير لتبتسم لها الممرضة قائلة:
-زال البأس.
اقتربت منه بخُطى بطيئة تدنو برأسها نحوه تستمع لأنفاسه الحارة التي ضربت وجهها لتشعر بالارتياح إنها لا تستطيع رؤية أحد يلفظ أنفاسه الأخيرة أمامها تشعر بشكل ما أنها المذنبة لتتساءل عما كان سيحدث إن لم تذَّهب معه في سيارته؟ كان لن يغادر مطعمه، وإن لم تهاتفه كان لن يأتي لمقابلتها، إنها تلقي باللوم على ذاتها.
لتبقى الليل بِرُمَّته في الغرفة تتفقد أنفاسه من حين لآخر حتى غفت في مكانها لتستيقظ على صوت ضجة في الخارج فقد اتصلوا بأهله لتفقَّده وقد حصلوا على بياناته من محفظته مكان الحادث وأحضروا متعلقاتها هي الأخرى، نهضت من مكانها مسحت عَبراتها التي بقيت عالقة في رموشها، وحاولت استعادة توازنها لتخرج من الغرفة مع اِبتسامة ودودة على ثغرها بالرغم من كدمات وجهها لم يتعرف إليها أحد سوى فؤاد وتميم وتلك المجنونة التي تلتصق لـ ليل كالغراء.
تساءلت أمه جوهرة:
-مَن أنتِ؟
-جُلَّنار.
هجمت زينة عليها واندفعت نحوها قائلة:
-ما الذي تفعلينه في غرفة ليل؟
-عندما وقع الحادث كنت معه.
لتبرر قائلة:
-كنا نعمل على الصفقة وعرض علَيَّ توصيلي للمنزل ليس إلا.
-أي صفقة! أبي أخبرني بأنك ألغيتِ تلك الصفقة.
كانت تشعر بنظرات الاتهام منهم لتحاول السيطرة على أعصابها قائلة:
-ربما سوء.
قاطعتها جوهرة قائلة بغضب:
-أي أنتِ من تسببت في حادث ابني؟
-هناك سوء تفاهم، سيدتي.
أردف فؤاد يقول بنبرة لا تحمل النقاش:
-لا تبرري، فقط عليكِ الذهاب من هنا والآن، ولصفقتك يمكنك التحدث مع ياسر بشأنها من الآن ابني خارجها.
شعرت بأن لا فائدة من الجدال معهم لذا استأذنتهم وغادرت، وما أن انعطفت لليمين حتى فقدت توازنها لتسقط أرضا ويجري عليها الممرضات ويبدؤون في فحصها واستدعاء الطبيب.
لتخرج الممرضة من جيب زيِّها محفظته ليجذبها منها ويُخرج منها بعض الوريقات لتجذبهم على الفور، وقد لمعت عيناها مِن كَم هذا المال مقابل معلومة كتلك لتتساءل عما إن كان يحتاج لخدمة أخرى:
-أين غرفتها؟
-التي بجوارك مباشرة.
تركته وغادرت وقد خبأت المال بينما هو تحامل على نفسه ليزيل ذلك الغطاء من على جسده، ويخفض ساقيه للأسفل ليحاول النهوض مستندا على الفراش ويده الأخرى مكان جرحه الذي يؤلمه ليتحرك باتجاه الباب مستندا على الحائط ليفتح الباب، ويطل برأسه في الخارج قلقا من أن يكون أحد أفراد عائلته لم يغادر بعدًا، ليجد الرُّواق فارغا وجد غرفتان بجواره يمينا ويسارا، لم تحدد له أي غرفة ستكون ليدلف التي على يمينه ولحسن حظه كانت هي، كانت نائمة على الفراش مُعلَق بيدها محلول بينما قناع الأُكسجين على فِيهَا وأنفها يعوض ذلك النقص إنها توترت كثيرا وخافت كانت قد نست تلك المشاعر منذ أن غادرتها أمها.
اتجه نحو الفراش ليجدها تغلق جفنيها ليجذب الكرسي ببطء وخفة حتى لا تشعر به وجلس عليه، نظر ليدها البارزة أسفل الغطاء ليمد يده نحوها، ويقبض عليها برفق يمرر إبهامه عليها لا يعلم ما الذي أصابه ليدنو لكفها ويقبِّلهُ إنها تجذبه نحوها تدريجيا تعلقهُ بأحبالها بالرغم من توجسه بأن تُحرِر عُقد أحبالها فيسقط، ولكنها لمْ تتخَلَّ عنه أو عن غيره، لذا لا يشعر بأنها قد تتخلَّى لا تمتلك ذلك الجانب من المشاعر؛ لأنها أعلم الناس بمرارة شعور التخلِّي عندما تخلَّت عنها أمها وخَذَلِتها.
تحركت رموشها دلالةً على استيقاظها لتبدأ في فتح جفنيها تدريجيا حتى تعتاد كَمية الضوء الصادر من نافذة الغرفة لتبدأ في تحريك وجهها لتشعر بأحدهم يقبض بيده على خاصتها، لتتجه بأنظارها نحوه لتتفاجئ به يبتسم لها أغلقت عيناها ظنا منها بأنها تتوهم تتساءل ما الذي سيجعله يأتي لغرفتها؟ لتفتحهم مرة أخرى وتراه أمامها، قامت بإزالة قناع الأُكسجين بيدها اليُسرى المُعلق بها محلول بينما يدها ما زالت داخل قبضتهُ تساءلت:
-أنت بخير؟
جذب المَقعد من أسفله ليتقدم نحوها أكثر ويردف قائلا:
- أنتِ بجواري كيف لا يمكنني أن أكون بخير؟
ابتسمت عليه لتقول وهي ترفع أحد حاجبيها:
-أليس مُبالغًا بعض الشيء؟
-جُلَّنار، يبدو أنني وقعت في حبك.
ما أن هتف باسمها حتى نظرت له باهتمام ليفاجئها بتكملة حديثه الذي صعقها إنها ولأول مرة يرغب بها أحد، ويعترف لها بحبه إنها لم تعتد نبرة الحنية والحب وتلك النظرات العاشقة من حين لأخر، كانت جملته لها تأثيرا قويا في قلبها لقد رغب بها أحدهم إنها ليست مرفوضة في الأقل من جهته.
جحظت عينيها وهي تنظر خلفه هاتفة:
-أبوك!
فُزِع وتجمدت ملامحه لينظر للخلف لتسحب يدها من قبضته وتعتدل في جلستها ليهتف بنبرة آمرة:
-تعال خلفي.
-أبي.
-لنتحدث في الخارج.
غادرا ومنذ تلك اللحظة لم ترَه لا تعلم فيما تحدث معه أبوه ولا تعرف بما أقنعه، ولكنه بالتأكيد ذَمَّ فيها وأخبره أنها لا تليق به وبعائلتهم ولكن على أي أساس، اتصلت الممرضة بأبيها ليأتي على الفور مع مارك وعزيزة لقد قلقوا عليها كثيرا لتنشغل بعزيزة التي كانت خائفة عليها حقا، وأيضا ماهر الذي أتى معهم فهو كان يزور عمر انشغلت بهم، ولكن قلبها تعلَق وانشغل به لا تعلم ما ستكون ردة فعلها أو كيف ستواجهه ولكن قاطع حبل أفكارها سؤال أبيها:
-مَن الذي كان معك؟
-مَن الذي تسبب في حادثتك؟
-لا شيء يدعو للقلق، أنا بخير.
-حتى أنني سأخرج اليوم.
دلف الطبيب لداخل الغرفة ليفحصها قبل كتابة الخروج لها ليخبرهم بأنه عليها الراحة التامة، وألا تجهد جسدها كثيرا؛ لأنها تعرضت لحادث مرتين على التوالي.
دلفا كل من أيهم وطارق للداخل ما أن عرفوا حتى أتوا جريًّا للاطمئنان عليها؛ فهي مصدر رِزقهم وأيضا إنسان جيد لا تستخدم الحيل وتتحدث بصراحة وصدق.
كانت الغرفة مليئة بهم يتحدثون متمنين لها الشفاء العاجل، اقترب منها أبوها يقبض على كف يدها لتتعجب منه وتسحب يدها من خاصته إنها لا تثق فيه أو ربما لأنها لا ترد أن تزول رائحته منها.
عادت للمنزل بعد أن وصى الطبيب لها على بخاخة لنقص الأُكسجين لتدلف لغرفتها وتساعدها عزيزة على الاستلقاء في الفراش تقول:
-سأصنع لك حِساء الخضار.
حركت رأسها بالنفي قائلة:
-لا، لا أحبه.
-اتركيني لأنام فقط.
تركتها عزيزة وذهبت لتُحضَّر الحِساء رغما عنها، لن تتعالج دون أن ترغم نفسها على تناول ما لا تحب للشفاء.
_________________________________
مرت أيام لتتعافى فيها جُلَّنار ويتم التعاقد بينها وبين ياسر بواسطة ماهر، وقد أخبرها طارق بأن ليل انسحب مِن تلك الصفقة واعتذر لعمه، لم تتفاجئ كثيرا يبدو أن أباه قوي الشخصية ويستطيع فرض رأيه على الآخرين لقد استنتجت هذا من معاملته وأسلوبه حتى نظراته جامدة، وكأنه لا يشعر بالخوف على ابنه بقدر أنه خائف على وريثه فقط لا غير إنه يرى ليل عمود تلك العائلة بعد أن فرَّ أخوه هاربا، وتميم إنسان لا يعتمد عليه ولا يمتاز بالكفاءة الكافية.
كانت غاضبة بعض الشيء منه تتساءل ماذا يعني أن يرمي اعترافه في الوَسْط، ويختفي تشعر قليلا وكأنه لعب بمشاعرها، وهي تكره أن يتلاعب أحدهم بمشاعرها كأمها.
وقفت أمام المرآة تعدل هيئتها وتعيد خصلاتها للخلف ليظهر جرحها الذي ما زال موجودا وقبضت على حقيبتها تغادر من الصباح قبل أن يستيقظ أبوها، إنها تريد معرفة الحقيقة ما الذي جعلها تأتي لعندها تستنجد بها ولِمَا أصبحت حالة تلك التي تَدَّعِي أنها أختها نور بذلك الشكل.
طرقت على الباب ليفتح عشيق أمها ذلك الرجل الذي هربت من أجله، وقد كانت تزوجت قسرا بِـ عُمر وأُجبِرَّت على إنجابها، ولكن هي لا ذنب لها لا تستحق أن تتخلى عنها أمها من أجل رجل آخر لا هُوية لهُ، لم يقدم لها سوى الفقر والمرض.
هتف باسم زوجته تحكمت في أعصابها بينما هو أردف قائلا:
-تفضلِ، أنا سأغادر.
-أفنان بالداخل.
كاد أن يغادر ولكنها هتفت قائلة:
-كيف استطعت أن تحرم ابنة من أمها؟
-هل استطعت أن تنام حتى في الليلة الأولى؟ لم تفكر ولو للحظة بأن هناك قلب فُطِر من بعدها.
أجابها يقول:
-ربما أنا مُذنب؛ لأني قبلت.
-ولكني أحببتها من كل قلبي؛ لم أستطع رفضها حينما طرقت بابي.
أتت أفنان لتبتسم لجُلَّنار بينما هو غادر لتدلف للداخل لا ترد أن تنهار كالمرة الماضية ما أن أخبرتها أمها بأن لديها أختا حتى صُعِقت شعرت بأن المنزل يدور بها وأنفاسها تقلصت لتقبض على حقيبتها وتغادر، ولكنها لن تسمح للأمر بأن يتكرر.
جلست أفنان بجانب جُلَّنار تردف قائلة:
-لقد أعددت لكِ مشروب الفراولة.
-تحبينه، صحيح؟
-لا أحبه.
كذبت رغم عشقها لهُ في الصِغر، لأنها كانت تُحضَّره لها في السابق وما أن غادرت كرهت كل ما هو يُذَّكرِها بِـها.
-رجاءً، لا تُطيلي في الأمر.
-إن كان لا يوجد شيء تريدين قوله سأغادر.
نتظري.
-أعلم بأني فقدت حقي في التبرير، ولكن ابنتي لا ذنب لها.
-كانت فتاة تمتلك أجمل ابتسامة في تلك الدنيا، بالرغْم من ضيق حالنا وفقرنا كانت لا تَكُف عن الضحك تجعل أيامي أنا وأبيها مبهجة.
-لقد كانت تعمل في أحد المنازل لدى إحدى العائلات الثرية، كانوا يمتلكون ابنا متهورا غير واعٍ بتصرفاته.
-كان يزعجها ولكنها كانت تصمت حتى لا تُطرَد مِن العمل، وفي إحدى الليالي فعل فعلته ذلك الحقير.
كانت قد توقعت جُلَّنار تلك القصة ما أنا بدأت حديثها،  ولكنها فضَّلت الصمت والاستماع لكل التفاصيل، لتكمل أفنان وهي قلقة لأنها لم ترَ أي ردة فعل على ملامحها.
-عرض أبوه الكثير من المال علينا حتى نصمت ولكنها أصرت على أن تفضحهم وجلب حقها؛ ولكنها لم تفهم بأن القانون للأثرياء وليس لمَن لا هُوية لهم مثلنا.
-بعد أن رفعنا قضية، حتى اشتروا محامينا جاعلوه في صفهم، واكتشفنا بعدها أنها حامل لذا أَجبرّنَها بالقوة على إجهاضه.
-لقد دمروا أسرتي الصغيرة السعيدة.
كانت تقف خلفها نور تستند برأسها إلى الحائط تهبط عَبراتها بصمت على وجنتيها لقد خسرت الكثير من الوزن تستطيع رؤية بروز العظام أسفل جلدها إنها تشبه الأموات، لتتجه ببطء للداخل وتختفي عن أنظار جُلَّنار التي عادت ببصرها نحو أفنان، وقبل أن تُكمِل حديثها حتى استمع كليهما لصوت ارتطام بالداخل لتنهض أفنان وتتجه للداخل لتتبعها جُلَّنار التي توقعت ردة الفعل تلك، إنها حاولت من قبل حينما تردد إلى مسامعها تساؤلات الناس عن أمها التي تركتها هي وأبوها حينها فكرت في الانتحار فلا أمها رغبت فيها ولا أبوها حَبَّها.
أخرجت هاتفها تتصل بالإسعاف بينما أفنان صرخت باسم ابنتها وجذبتها لأحضانها تبكي لتتقدم جُلَّنار من معصمها وتقبض عليه قائلة:
-اجلبي قطعة قماش.
نهضت أفنان تنفذ ما طلبته بينما جُلَّنار أول مرة تتأمل ملامحها كانت فتاة بسيطة تشبهها قليلا ترى فيها نفسها القديمة تلك الفتاة الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة التي كُسِرت بغياب أمها وتسلط أبيها.
نُقلِت نور للمشفى وقاموا بالإسعافات الأولية لها لينقلنها للغرفة ليتقدم الطبيب منهما قائلا:
-أريد التحدث لأحد أقاربها.
أردفت أفنان وهي تشير على جُلَّنار:
-إنها أختها.
شعرت بالمسؤولية لوهلة حينما طلبها الطبيب لغرفته لمناقشة أمر في غاية الأهمية يخص المريضة، سارت خلفه دون وعي لا تعلم ما الذي تفعله بِـها أفنان إنها تقحمها في حياتها أكثر وأكثر.
-من الواضح أنها تمر بفترة عصيبة وصعبة.
-وبعد الفحص والكشف، أنصحك بأن تنقليها لمشفى الأمراض العقلية.
-عقلها غير متزن تلك المرة آذت نفسها المرة القادمة ستُؤذي الآخرين و رُبما تنفذ خِطَّة انتحارها فعلًا.
-عليها أن تُعرض على مختص.
-حسنا، افعل ما يلزمك.
-انقلها لمشفى الأمراض العقلية سأتحمل كل المصاريف لا بأس.
-والأهم الدعم المعنوي منكِ ومن الآخرين.
-لا يجب أن تبقى بمفردها أبدا.
قاطعهم رنين هاتفها ذلك الذي قلبه يشعر بخطر ما تقدم عليه أنها تقحم نفسها في حياة تلك المرأة التي ضحت بها وبزوجها من أجل رجل أخر عشقتهُ، إنها تعلم خطورة ما تقدم عليه إن علم عُمر المصري سيحرق اليابس ويحرقها معه.
ابتلعت لعابها وأغمضت جفنيها لا تعلم ما الذي تعيشه الآن، كيف ستتغلب على تلك الأحبال التي تُقيِّدها من أطرافها وتَشِّل عقلها وأفكارها تشعر بأنها مُحاصرة.
نهضت بعد أن استأذنت الطبيب لتتجه للخارج وتُجيب إلى اِتصاله.
-أين أنتِ؟
-بالمشفى.
تحولت نبرته الحادة لأخرى قلقة متساءلا:
-ما الذي أصابك تلك المرة؟
-بخير، أتيت لإجراء فحص.
-لتأتي ما أن تنتهي.
-حسنا.
أغلقت هاتفها واستدارت للخلف لتصطدم بأفنان التي تساءلت:
-ألم تخبريه؟
-إنه ليس بالأمر المهم.
-يمكنكِ البقاء بجانب ابنتك، عليّ الذَّهاب.
تركتها قبل أن تتحدث إنها تشعر بتأنيب الضمير اِتجاه نفسها قبل أبيها إنها تساعد ابنة عدوتها، ركبت سيارة أجرة تقلّها نحو المنزل دلفت للداخل لتجد أباها يجلس على مقعده أمامه مارك يتسامران معًا بينما عزيزة تحضر الطعام في الداخل، كادت أن تدلف لغرفتها حتى ناداها أبوها:
-اسمح لي، يا مارك.
نهض مارك واتجهت جُلَّنار لتجلس مكانه تضع حقيبتها أرضا وتضم ساقيها تجلس بزاوية تمنع كشف ساقيها، بينما هو تساءل:
-قابلتِ أفنان؟
صمتت إنها خائفة مع أنها تعلم عجزهُ وعدم قدرته على الحركة، ولكنه يُخيفها تتذكر حينما كانت تتلقى الضربات على يده ما أن ذكرت اسمها، تجمعت الدموع في عينيها تتذكر تلك الأيام تشعر بألم كل ضربة تسقط على جسدها وكأنها تعيش الأحداث مرة أخرى.
قبضت على حقيبتها ونهضت تردف بقليل من الحزم لا تعرف كيف استحضرتهُ:
-لقد انتهت علاقتي بتلك المرأة قبل وقتٍ طويل.
غادرت واتجهت لـغرفتها، ألتزمت البقاء فيها تشعر بأن كـل تلك الأشياء تثقل كتفيها، حل المساء واتجه أبوها لغرفته وذهب الجميع لغرفهم مُعلنا نهاية هذا اليوم، فتحت بابها برفق واتجهت للخارج لتجلس في الحديقة قليلا تُنفِسّ عن ضيقتها وترددت كثيرا في الاتصال بِـها من أجل الاطمئنان ولكن بأي صفة!!
ضغطت على زر الاتصال لتُجيب أفنان وتتساءل جُلَّنار بعملية عن حالتها:
-إنها بخير الآن، لقد أخبرني الطبيب أنهم نقلونها لمشفى الأمراض النفسية.
-ستتلقى رعاية أفضل هناك، لعل مشكلتها تتحل دون أن أتدخل.
-جُلَّنار، شكرا لكِ.
-شكرا؛ لأنك سمعتني و ساعدتي ابنتي.
اغرورقت عيناها تصرخ بداخلها ألستُ ابنتك!؟ كيف استطعتِ التفريط بي!؟
تمالكت أعصابها ونهضت كادت أن تغلق ولكنها تساءلت:
-ماذا كان اسم مُغتصب ابنتك؟
-تميم، تميم الجندي.
صُعقت وسُقط منها الهاتف أرضا حينما وجدته أمامها يلوح لـه بيده ويرسم بسمتهُ على ثغره، لقد فتحت أمها جرحا جديدا داخل ذلك الجرح الذي صُنِع على يدها سابقًا، إنها لا تفعل شيء سوى أذيتها حرمتها من السعادة من قبل والآن تأخذها منها عَنوة، تسرق منها حلم وهمها بِـه ووهمت نفسها بِـه عاشت بداخله على أمل تحقيقه يوما ما لم تيأس يوما من ظهوره.
مع كل خطوة يخطِها نحوها تزداد ضربات قلبها إنه يخفق بشكل غير طبيعي، حاولت التماسك وأن تبدو طبيعية ولكنها انهارت بين ذراعيه اللائي التقطتها يهمس باِسمها خَشية من أن يسمعه أحد:
-جُلَّنار!

.
بقلم/سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_______________________________

بِـلون الدمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن