نكمل روايتنا بِـلون الدم.
بقلم/سلسبيل كوبك.
الفصل الـ١٧..
_______________________________
-لأسفك الدّماء بدلا عنكِ إذا.
أخرجت السكين كما أدخلته لتشهق جُلَّنار وتتراجع للخلف عدّة خطوات تضع يدها على جرحها تضغط عليه بقوة، تراجعت وهي مُندهشة مما فعلته بِها تلك التي تَدّعِي أنها أختها، هل هذا مصيرها الآن؟
تلطخ الثوب الأبيض بالدّماء واتسعت البُقعة فوق ثيابها، لتفقد توازنها وتسقط على الأرض تُطالع السماء لِمَ أصبحت الرؤية ضبابية؟ أثر عَبراتها التي تجمعت مكونة طبقة في مقلتيها أم أثر جرحها، ليختفي الألم تدريجيا تزامنا مع إغلاقها لعينيها.
جرت سريعا قبل أن يراها أحد تُدير رأسها نحوها إنها خائفة ومرتبكة تتساءل ما الذي فعلته ولمَ يوجد ذلك السكين في يدها توقفت في أحد الأَزِقَّة تراقبها، ولكِن جحظت عيناها عندما رأته أمامها يصرخ باِسمها ويجري نحوها لتنقل بصرها بين السكين وبين الجالس أمامها يُنادِيها بذعر وقد أخرج هاتفه يتصل بأخيه الذي نظر حوله ولم يرَه ليُجيب:
-أخي، جُلَّنار.
-ماذا بها، يا تميم؟
نهض وقد شعر بالقلق مِن نبرته ليُكمل تميم وهو ينظر حوله بقلق وخوف مِن أن يعود مَن فعل ذلك الأمر الشنيع:
-جُلَّنار وجدتها مُلقية أرضا، ودماؤها.
صمت يشعر بالاختناق إنه يكره رؤية الدماء بينما ليل خرج جريًا مِن المنزل واصطدم بعمه ياسر الذي أوقفه يتساءل:
-ماذا يوجد يا ليل، لمَ تجري؟
تركه وأكمل جَريه يبحث عنها في الشوارع، بينما تميم قد أغلق المكالمة ونهض للتقيؤ بما في جوفه حتى وجد الناس متجمعة حول شيءٍ ما، اتجه نحوهما بخُطى مترددة خائف بأي حال سيراها مرة أخرى!
فرق بين الناس بيديه وألقى نظرهُ عليها ليرفع بصره نحو تميم الذي كان يقف أمامه مرتبك وخائف ليجثو على ركبتيه ويرفع جسدها نحوه وضرب وجنتها بخفة يهتف:
-جُلَّنار، افتحي عينيكِ.
-جُلَّنار.
صرخ في تميم يقول:
-اتصل بالإسعاف.
ليهتف أحد المارة يقول:
-لقد هاتفتهم.
كان يضمها لصدره خائفا مِن فقدانها ليس بعد أن وجد سبيل نجاته مِنْ قذارة تلك العائلة، رفع يده نحو جرحها يضغط عليه برفق ويطالع تعابير وجهها الساكنة ليس هذا مُراده أن تبقى ساكنة بذلك الشكل المُميت.
استمعوا لإنذار سيارة الإسعاف وتم نقلها داخل السيارة ليستقل معها يقبض على يدها ولا يفلتها، بينما الموظف اتصل بالمشفى يخبرهم بالحالة ويبدأ موظفه الآخر في تقديم المساعدات الأولية لها.
_______________________________
دفنت السكين في مكان ما وغادرت لا تعلم ما أصابها شعرت بالغضب بعدما كانت تمتلك أملا أخيرا وضعته أمها بداخلها، بأنه ستأتي أختها وتنتقم لها مِمَن اقترفه بحقها ستُعِيد لها حقها المَسّلوب وحق ذلك الطفل البريء الذي لا ذنب له.
كانت تقف أفنان أمام بوابة المشفى تنظر يمينا ويسارا يحترق قلبها على فقدان ابنتها أو بالأحرى أنها هربت بمفردها، حاولت الاتصال بِـ جُلَّنار ولكِنها لم تجبْ لتجد مَن تجري نحوها لتتجه إليها وتُحِيط كتفاها بكلتا يدها تتساءل بقلق:
-أين كنتِ؟ إلى أين ذهبتِ؟
لمحت تلك الدماء في يدها لتتساءل عما إن كان أصابها أذى لتبتسم كالبلهاء وتقول:
-قتلتها.
جحظت مقلتاها وهَزّتها بعنف تتساءل:
-ما الذي تتفوهين به؟
-مَن قتلتِ؟
-ابنتك جُلَّنار.
اختنقت أفنان وابتعدت عنها ليأتي والد نور مِن خلفها ويتساءل أين أنتِ مختفية، ولكِنه انتبه على أفنان التي كانت تنظر إلى نور بدهشة وصدمة لتذعر عندما هَزّها يتساءل:
-ماذا حدث؟
-ابنتك..ابنتك قامت.
أشارت بسبابتها على نور وخفضت نبرة صوتها:
-لقد ذهبت لقتل جُلَّنار.
صُدِم زوجها هو الآخر ونظر حوله خوفا مَن أن يكون استمع لهم أحد ليقترب مِن نور يجذبها نحوه يردف قائلا:
-أخبريني ماذا حدث؟
-لقد أرسلت لها رسالة مِن هاتف أمها لتأتي جريًا وأثناء حديثنا أغضبتني؛ لذا.
وجدت أفنان تقبض على عنقها بقوة تردف بغضب:
-لا تُكملي لا تُكملي.
-كيف بعد ارتكابك لجريمة بحق ابنتي تتحدثين عنها باللامبالاة.
-أَوَليس أنا ابنتك الوحيدة، يا أمي!
عثر عليهم موظف الأمن ليتقدم منها يقول:
-من الجيد أنكم وجدتماها كان الطبيب المسؤول سيقدم بلاغا.
أعادوها لغرفتها بينما أفنان كان عقلها منشغلا بِـ جُلَّنار تتساءل عَنْ حالها وعمَ إن كانت حقا ماتت؟ سقطت أرضا ليتقدم منها زوجها وهو يشعر باليأس لما وصلت إليه ابنته، يتساءل أ ذنبه أنه فقير لا يلجأ إلى حِيل غير مشروعة ويجاور الحائط ينفذ أوامر مديره في العمل، ومع ذلك مَنْ يترقى ويحصل على مبلغ أكبر منه شخص غير مسؤول ولا يستحق منصبه.
على الجهة الأخرى، خرج الطبيب ليطمئِنهم عليها برغْم عُمق الجَرح وتضرر الأعضاء المُحيطة أنقذوا الموقف، ولكِنها ستضطر إلى البقاء في المشفى لأيام.
-متى يمكنني رؤيتها؟
-في المساء عندما تفيق.
تركهم الطبيب وغادر بينما ليل تقدم مِن زوجة السيد جميل يردف بغضب:
-ما الذي تفعلينه هنا؟ غادري.
-ليل، اضبط غضبك.
-كيف لي أن اضبطه وهي كانت السبب، لولا أن قالت كلماتها ما كانت غادرت وقام أحدهم بمهاجمتها.
-ليل، بُني.
-عمي جميل لا أريد جرحك بكَلماتي؛ لذا رجاء خُذّ عائِلتك وغادر المشفى.
أردفت يُسرا قائلة بحدة:
-منذ ظهور تلك الفتاة وأنت فقدت عقلك.
تقدم منها تتوسط كلتا يداه خصره ويقول:
-زوجتي في الداخل مريضة وأنتِ تتحدثين بالهراء هنا.
-فليغادر الجميع، أريد البقاء مع زوجتي دون تدخل منكم.
تقدم منه ياسر عمه يربت على كتفه يجذبه بعيدا عن عائلته، بينما جميل أخذ عائلته وغادر حتى أنهما لملموا متعلقاتهم مِن منزل فؤاد حاول أن يمنعه ولكنه أبى، بينما يُسرا كانت مسرورة مِن زوجته وأهدتها عَقدا غالي الثمن قبل مغادرتهم، لم يتبقَ سِوى ياسر وتميم مع ليل أمام الغرفة التي نُقِلتْ لها جُلَّنار ليأتي الضابط المسؤول عَنْ الحالة يتساءل عما حدث وقام بأسئلته التقليدية ليخبره ليل بأنها ذهبت لشراء وشاح لها ولكِن أخاه وجدها على ذلك الحال.
استأذن ياسر بعد قليل يخبر ليل بأن زينب قلقة؛ لذا سيذهب لها ليطمئنها ويجلبها معه في المساء للاطمئنان عليها أومأ له ليل ليغادر ياسر ويتبقى تميم مع أخيه يتساءل:
-مَن الذي فعل بها تلك الفعلة؟
-لا أعلم، جُلَّنار لا تمتلك أعداء ولا أقارب كل ما لديها أبوها.
-رُبما سارق.
-لتفيق أولا ونطمئن عليها.
جلسا أمام غرفتها حتى أتى الليل بينما هي كانت ترقد على سرير المشفى بسَكِينة تغلق مقلتاها كل ذكرياتها تتداخل مع بعضها، لتفتح مقلتيها ويقابلها الظلام لتنظر في الأرجاء وهناك ضوء خافت يصدر أسفل الباب نظرا لإضاءة الرُّواق، حاولت الاعتدال ولكِنها تألمت لتعود أدراجها مرة أخرى ترفع يدها نحو جرحها تتحسسه تتذكر نظرات نور التي كانت تعاتبها وتعبر لها عَنْ خذلانها بعينيها وقبضة يدها كانت ترتجف، وكأنها لم تقصد ولا تريد وكأنها أجبرت نفسها فقط لتفريغ غضبها مِنْ عائلة الجندي.
انتبهت لفتح الباب لتجد ليل يتقدم منها كان يريد الاطمئنان عليها، ولكِنه وجدها مستيقظة ليفرح ويجلس بجانبها يقبض على يدها يقبِّلها ويقترب منها يقبِّل جبهتها لتغلق جفنيها عندما وجدته يقبِّلهم أيضا ليرفع بصره نحوها ويتساءل:
-مَن فعل بك هذا؟ فقط أخبريني وأعدك بأنني سأنتقم منه.
-لا تقلق ليس بالأمر المهم، أنا بخير الآن.
-كيف يعقل هذا! أخبريني يا جُلَّنار.
-ليل، أنا ليس لدي القدرة على الحديث.
نهض ووقف مبتعدا عنها بخطوتين يردف قائلا:
-جُلَّنار، لا تتهربي.
-ما الذي تحاولين إخفاءه؟
-ليس هناك ما أخفيه أنا فقط أخبرك أنني لا أمتلك القدرة على الكلام يا ليل، ما الذي لا تفهمه في حديثي!
تألمت لتُصدر أنينا وأعادت رأسها للخلف تغلق جفنيها بقوة ليتجه ليل للخارج ويستدعى الطبيب، بينما تميم كاد أن يسقط مِن على المَقْعد عند صفع ليل الباب بقوة خلفه لينتبه على نفسه حيث إنه غفى بمكانه.
-أخي!
نهض وتقدم للداخل لتفتح مقلتيها وترى مَن الزائر وعندما وجدته تميم حتى هتفت:
-تميم، أعطني هاتفي.
-لا أعلم أين ولكِن لمَ تحتَجِينه؟
-علَيَّ التحدث لمارك.
-أهناك خطبا ما؟
-أحضر لي هاتفي فقط.
-أَ لديكِ نبرة آمرة حتى وأنتِ على فراش الموت!
-لا تخف لن أموت قبل مُعاقبتك على أفعالك.
-اذهب الآن وأحضر هاتفي.
تركها تميم وغادر بينما الطبيب أتى مع ليل ليطمئن على حالتها ويُوصي جُلَّنار بالتعليمات التي عليها إتباعها لتتساءل:
-متى يمكنني الخروج؟
-ليس قبل أسبوع.
-ماذا!
تركها الطبيب وغادر بينما ليل تقدم نحو الأريكة المتواجدة أمام السرير يجلس عليها واضعا قدم فوق أخرى غاضبا مِن إخفائها عما حدث معها، طُرِق الباب ليتبعه دخول فردين مِن الشرطة لتبتلع لعابها وهي تفكر في كذبة تخترعها ولكِن.
طلب الضابط مِْن ليل أن يغادر ليعترض بقوله:
-ولكِني زوجها.
-سيد ليل ل.
قاطعتهم جُلَّنار وهي تقول بنبرة متألمة:
-أيمكننا التأجيل؟ لا أشعر أنني بخير.
-ولكِن.
-ليل، أيمكنك مناداة الطبيب لا أشعر بأنني على ما يرام.
غادر ليل يستدعي الطبيب مرة أخرى بينما الضابط غادر يخبرها بأنه سيعود في الغد، دلف تميم للغرفة وهو يحمل هاتفها في يده ليقترب منها كادت أن تأخذه حتى رفع يده للأعلى يقول بمكر:
-أ كل شيء بالمجان؟
-دفعت الحساب مِن قبل عندما أخفيت المحضر عن أخيك، والآن أعطني الهاتف وإلا أخبره بكل ما أعرفه.
تهجم وجهه ليخفض ذراعه وتلتقط الهاتف منه تبحث عَن رَقْم مارك وتتصل بِه بينما الطبيب جاء مع ليل لترتبك وتقول:
-ذهب الألم.
تساءل ليل وهو يتقدم منها:
-ذهب الألم أم كنتِ تتحججين حتى لا تخبرينهم عما حدث؟
-مع مَن تتحدثين؟
أجاب مارك على اتصالها لتضعه على أذنها ما أن استمعت لصوته لتردف قائلة بالأجنبية:
-مارك، لا تخبر أبي ولكِني الآن في المشفى أريدك أن تأتي لي سأرسل لك موقعها.
-أنتِ بخير؟
-نعم.
أغلقت معه بينما هو استأذن عُمر ليغادر يحضر بعض الطلبات وتركهم يغادر مستقلا سيارة أجرة نحو المشفى، بينما ليل جذب منها الهاتف يقول:
-ما الذي يدور هنا؟ لمَ لا تخبرينني بما حدث؟
ليصمت قليلا ولكِنه فاجئها عندما خطر على باله زيدان خطيبها السابق ليردف:
-أيعقل أنه زيدان؟
-ل لا، ليس زيدان.
-لا أتذكر ما حدث كنت ذاهبة لاستنشاق بعض الهواء.
قاطعها وهو يستند بكف يده بجوار رأسها على الوسادة يتساءل:
-ليس لشراء الوشاح الذي أعجبك من قبل؟
-كانت حُجَّة للابتعاد عَن المنزل ولا أعلم ما حدث فقد اصطدم بي رجل وجرى بينما أنا لم أعِ على نفسي سِوى أني ملقاة أرضا.
علم بكذبتها إنها تنظر لتميم ولا تنظر له تخشى أن يكشفها أو تكون أمامه كالكتاب المفتوح، ليسألها:
-ولمَ هاتفتِ مارك؟
-ليل، ألا يكفي أنني بخير! لمَ بدأت تحقق في الأمر هكذا تلك الأمور لا تخُصّك الضابط هو المسؤول.
-كيف لي ألا أهتم وزوجتي تم طعنها!
حمحم تميم وهو يقول:
-أخي، لا داعٍ لحِدتك تلك، فقط ابقَ مع زوجتك الآن يكفي أنها بخير.
-وأنتِ لا تغضبينه بحديثك البارد كان الرجل قلق عليك ويأخذ الممر أمام غرفتك ذهابا وإيابا.
-لأعود أنا للمنزل.
نهض تميم وغادر لتلتفت جُلَّنار له حينما شعرت بيده تمتد لخاصتها ويجلس بجانبها على الفراش ينظر لعينيها ويتساءل:
-أنتِ بخير؟
أومأت له برأسها وابتسمت تقول:
-ليتك سألتني هذا السؤال أولا قبل غضبك علَيَّ.
-أعتذر ولكِن لا أحتمل فراقك أو أذيتك.
-يكفي أنني بخير وعلى قيد الحياة.
لثم يدها وأغلق جفنيه يستمتع بملمس يدها بين خاصته، طرق الباب ليبتعد ليل عنها ويدلف مارك للداخل تقدم مِن جُلَّنار بهلع يتساءل:
-ما الذي أصابك؟ أنتِ بخير؟
أومأت برأسها له وأشارت بطرف عينيها نحو ليل ليفهم مارك بأنها تريد التحدث معه عَن أمر خاص، لترفع رأسها نحو ليل وتقول:
-أيمكنك أن تُحضر لي ماء؟
غادر ليل بينما مارك جذب المقعد ليجلس عليه أمامها يتساءل عما أصابها لتقص عليه بالمختصر وتطلب منه إخفاء الأدلة التي قد تُدِين نور.
-ماذا! أنتٓ تَعي ما تقولينه؟
-لقد حاولت قتلك.
-إن فُضِح أمرها قد لا تُعاقب على جريمتها؛ لأنها مريضة نفسية ولكِن أمري أنا سيُفضَح أمام عائلة ليل، لا أريد لأفنان أن تُدَمر منزلي الذي أحاول بناءه.
-كما تؤمرين، أخبر السيد عمر؟
-لا، لا تخبره.
-حسنا، لأغادر أنا إذا.
غادر مارك بينما جُلَّنار أغلقت مقلتيها بإرهاق وتعب لتنام بِسُبات عميق بينما ليل عاد لداخل الغرفة بعدما أحضر زجاجة ماء ليقترب منها ويهتف باِسمها، ولكِنها لم تَجبْه ليُقبِّل جبينها ويرافقها طيلة الليل حتى الصباح.
_______________________________
مرت أيام بقائها في المشفى بِـ روتين ممل مِن تناول الأدوية والطعام الذي لا تحبه تحت إصرار ليل الذي لمْ يتركها طوال مدّة بقائها، وكان يعتني بها دون ملل أو اعتراض على الرغْم مِن عنادها وإغضابها له مِن حين لآخر، كانت تحب التحدث لمارك بمفردها كلما أتى للزيارة وترسله ليحضر أي شيء.
كانت ترتدي ثيابها بمساعدة ليل الذي أحضر لها ثيابا مِن التي تم إنقاذها في الحريق وتمت إعادة تدوير الغرفة وأصبحت أجمل مِن قبل.
طرق تميم الباب ليدلف للداخل لتنظر إليه جُلَّنار باِنزعاج؛ فهو كان يزورها في المشفى فقط ليُغِيظها ببقائها على الفراش دون حَراك ليبتسم يقول:
-وأخيرا نهضتِ مِن فراش الموت.
-تميم!
حذره ليل بنبرته ونظراته الحادة ليتراجع ويقول:
-السيارة في الخارج.
نهضت جُلَّنار مِن الفراش ليساندها ليل حيث إنه أحاطها بذراعه لتتكئ عليه ويتجهان للخارج، كانت تشعر بِوَغز مِن حين لآخر في جرحها ولكنه أصبح أفضل بكثير مِن قبل، ركبت السيارة ليجاورها بينما تميم جلس في مَقٰعد السائق ليقودها للمنزل وأثناء مرورهم بالبوابة حتى رأت جُلَّنار أباها لتقلق وتتساءل عما إن كان مارك قد أخبره، ولكِنه لن يقدم على خطوة غبية كتلك، ساعدها ليل في الهبوط مِن السيارة حاولت السير بمفردها ولكِنه لم يسمح لها ظل يجاورها حتى وصلت إلى عُمر الذي تساءل بقلق:
-ماذا بكِ؟
-أشعر بالدوار ليس إلا.
-ما الذي أتى بك لهنا؟
-مع مَن أتيت؟
-أنا يا سيدتي.
نظرت جُلَّنار إلى طارق وتلعنه في داخلها ولكِنها اصطنعت ابتسامة مجاملة تقول:
-أشكرك سيد طارق.
-أنرت يا سيد عُمر.
-لم أزعجك أليس كذلك؟
نظرت إليه جُلَّنار ازدادت تجاعيد وجهه وأصبحت نبرته أكثر ضعفا، يخاطبها برسمية أو رُبما حَذر للغاية في تعامله معها ويخاف ويقلق عليها تتساءل لمَ كل هذا التَغيّر الجذري إنها لم تعهده بتلك الصورة.
-لا، يمكنك الدخول.
-شكرا يا طارق يمكنك الذَّهاب سأُعِيده للمنزل.
-حسنا، كما تؤمرين.
دلفوا جميعا للداخل أشار ليل إلى تميم حتى يساعد عُمر الذي كان يدير عجلات المقعد ليدفع نفسه للأمام همست جُلَّنار إلى ليل:
-أ يمكن لعائلتك أن تبقى صامتة عَن هذا الحادث؟
-لا تنشغلي بهم سأحل الأمر.
وضع تميم عمر في غرفة المعيشة ليساعد ليل جُلَّنار لتجلس على الأريكة أمام أبيها وهتف يقول:
-لتتحدثا معًا.
-لأذهب أنا لدي بعض الأعمال المتعلقة.
-حسنا.
غادر ليل وهو يجذب تميم معه للخارج ويغلق خلفه الباب يُنادي الجميع، ليتجمعوا أمامه حتى الخادمات ليهتف بنبرة حادة:
-ما حدث على الطاولة في ذلك اليوم لن يتكرر، لن أسمح لكم بأذية جُلَّنار حتى ولو بالحديث.
-ما حدث يومها لم يكن ذنبنا لسوء حظها تعرفت زوجة جميل إليها وإلى عائلتها.
تحدثت يُسرا بتلك الكلمات ليتقدم منها ليل يهتف متسائلا:
-ولمَ هاتفتيها قبل أيام يا عمتي؟
-حتى أعلم موعد طائرتهم.
-غريب ولكِن أبي وأنتِ تفاجأتم بهم في الصباح كيف لكِ أن تعلمي بمجيئهم في نفس اليوم ومهاتفتها قبل أيام.
-عمتي، لا تغضبينني بتصرفاتك.
-لن أسمح لكم بأذيتها بأي شَكل كان؛ لذا تحكموا في أفعالكم وأقوالكم.
-وأنتنْ.
أشار على الخادمات بسبابته لينتبهوا له ليردف يقول:
-كل ما تطلبه جُلَّنار يُنفَذ في الحال، لا أريد أن ينقصها شيء حتى لو كان صغيرا.
-وخاصةً أنتِ يا منار، ستفعلين اللازم لراحتها.
تركهم وغادر بينما يُسرا جلست على المَقْعد غاضبة مِن نبرته المرتفعة عليها أمام الخدم واِنحِيازه لجُلّنار بذلك الشكل المزعج، تركتهم جوهرة وصعدت لغرفتها لتقف أمام مرآتها تستند بكلتا يدها إلى الطاولة تنظر لهيئتها إنها لطالما كانت تسعى للاهتمام مِن قِبل فؤاد، ولكِنه لمْ يعِرها اهتمام تزوجها فقط نظرا لاسم عائلتها ليس إلاّ، وكاد أن يطلقها ما أن أعلنت عائلتها إفلاسها لولا أنها حملت باِبنه الأكبر قرر البقاء عليها وعلى علاقتهم إنها سعيدة؛ لأن ابنها لمْ يختر ابنة العائلات الثرية وسعيدة لكونه لم يشبه أباه وقدم كل الحُب والاهتمام لزوجته إنها تتمنى أن تراه سعيد، وتقول في داخلها ليت زوجها يهتم بها بالقدر الذي يقدمه ليل لزوجته.
كانت تجلس قلقة مِن صمته لتعتدل في جلستها وتحمحم تجذب انتباهه نحوها تتساءل:
-ماذا يوجد؟ أهناك خطبا ما؟
-لِمَ لمْ يأتِ مارك؟
-كان يمنعني مِن زيارتك منذ أيام؛ لذا هربت منه بمساعدة عزيزة وطارق.
-ولمَ تَصِّر على لقائي!
-لأن مارك كان يمنعني عنكٍ لخطبا ما، أليس كذلك؟
-أنتِ لستِ بخير.
-ولمَ تهتم لأمري! لقد تزوجت، عليك أن تنساني.
-ألستُ أنا ناكرة المعروف!
-لا، لا ولن تكوني ناكرة معروف.
-أنتِ لم تتخلِّ عني أبدا رغْم ظُللمي وإعاقتي.
-ما الحاجة لحديثك الآن!
-فقط أردت أن أعطيكِ ذلك الظرف.
أخرج من سترته ظرفا أبيض اللون وقدمه لها لتجذبه مٓن يده وهمَّت في فتحه حتى منعها يقول:
-ليس الآن.
-متى؟
-بعد وفاتي.
اللعنة! لمَ تفاجأت كثيرا واندهشت مِن قوله لمَ شعرت بالمسؤولية فجأة والخوف، وكأنها لمْ تتطرق لتلك الفكرة أبدا وكأنها ظنت بأنه سيبقى دوما بجانبها بالرغْم مِن ظُلمه، ولمَ شعرت بعَبراتها تتجمع في مقلتيها؟ لتشيح بصرها عنه تغلق عينيها تحاول ألا تضعف رفعت يدها نحو عينيها تزيل عَبراتها على عجلة وتعاود النظر له تقول بنبرة غير مُبالية عكس تلك المشاعر داخلها:
-حسنا.
-وأيضا، أريد منكِ وعدا.
-أي وعد؟
-ألا تتركي يد أحبَّتِك وأن تبقي سعيدة.
-ماذا إن قررت أحبَّتي مغادرتي؟
-حينها لا تتخلّي عَن سعادتك.
شعور غريب اجتاحها إنه ليس أباها وكأنها تتحدث لآخر فقط يشبهه في الملامح، تشعر بندمه الذي يتردد دوما بإخبارها به، لا تعلم لمَ لمْ تتخلَّ عنه حينها عندما استطاعت الوقوف على قدميها واستطاعت أن تقول لا؟؛ رُبما لأنها شعرت بأنه يُشاطرها نفس الحزن ونفس الألم وسبب الجرح فكلاهما هُجِروا.
شعرت بمحاولته للخروج لتتكئ على يد الأريكة وتنهض تُنادي سمر لتأتي لها مهرولة لتخبرها أن تساعده على الخروج وأن تجعل عاطف السائق يوصله إلى المنزل.
اتكأت على مرفق السلم وصعدت درجة تِلو الأخرى بالرغْم مِن شعورها بالإنهاك والتعب تحمَلّت حتى دلفت لغُرفتها ألقت بالظرف على الطاولة واتجهت للحمام تزيل عنها رائحة المشفى بالاستحمام إنها تكرهها.
_______________________________
في طريقه للعودة لمنزله تعالى رنين هاتفه ظن في البداية أنها جُلَّنار، ولكِنه تعجب مِن زينة التي تهاتفه في وقت كهذا دون سبب ليُجيب إليها.
استطاع أن يشعر بتلك النبرة المترددة والخائفة ليتوجس خوفا مِن أن يطرأ أمر آخر يعرقله عَن العودة إلى جُلَّنار مثل كل ليلة ويتساءل:
-زينة، لمَ تتلعثمي في حديثك؟
-أهناك خطبا ما؟
-ليل، أنت متفرغ؟
-أريد الحديث إليك.
-لمَ؟
-سأنتظرك في الحديقة أمام المنزل أعلم أنك لم تعدْ بعدًا.
-أنا في طريقي للعودة.
-أنتظرك.
أغلقت وتركت الحَيْرَة تحتل فكره ويبدأ في تَخيّل سيناريوهات عَن اعترافها له بحبها، أيعقل أنها ما زالت تحبه أو تفكر به حتى بعد زواجه على الرغم أنه لم يعاملها أبدا بشكل آخر سِوى أنها أخت وابنة عمه الذي يحبه ويقدره، توقف بسيارته أمام البوابة ليهبط منها ويطلب مِن الحارس أن يأخذها للداخل ليغادر متجها نحو الحديقة يتمنى أن تمر ليلة واحدة دون أحداث مثيرة للريبة ومقلقة للراحة، رأها تجلس على أحد المَقاعد العامة بمفردها ليتقدم منها ويجلس بجانبها في صمت لتنتبه عليه وتبتعد عنه قليلا في ارتباك تفرك كلتا يداها بقوة، وجدها نهضت تقف أمامها بينما هو يُراقبها في صمت وهدوء يريدها أن تقول ما يضيق به قلبها وينهي الأمر كله، ولكِنها باغتته بجملة غير متوقعة على الإطلاق وأصابته بالذهول:
-ليل، أنا حامل.
.
بقلم/سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_______________________________
أنت تقرأ
بِـلون الدم
Acakلكُلٍ مِنْا جَوارحهُ التِي تَنزَف دَاخلهُ بِقوةٍ مِنذُ سنوات وَلكِن لا أحد يراها؛ لأننا نَحكمُ الغَلقُ بِشدَّةِ وَكأننا نخافُ أنْ يَسْقطَ نَزِيفُنا بالأرضِ، فيتلطخ بِه أحدٌ. هو قَررَ مُشارِكتها لِنَزِيفها بأنْ يكونَ إناءٌ تُفْرِغ بِداخلهُ مَا كَتمته...