الفصل الحادي عشر

100 8 1
                                    

نكمل روايتنا بِـلون الدم.
بقلم/سلسبيل كوبك.
الفصل الـ١١..
_______________________________
أفاقت من تَصلُبها وارتخت عضلاتها عندما أتى مارك في عجلة من أمره يفصل بينهما، ويجذب معه ذلك الرجل ويغادر ليقبض ليل على يدها وشعر بارتجافها ليساعدها على الجلوس، ويجلس بجانبها وسرعان ما اندمجت مرة أخرى مع أجواء الفرح رغْم ابتسامتها المُهتزة، ولكِنها تحاول لا يمكن أن تصبح كل الأمور سيئة فوق رأسها في ذلك اليوم السعيد لن تسمح أن تُعَكِر مزاجها.
خلال مغادرتهم تساقطت حبيبات الماء ومُطِرت السماء كتهنِئة منها على زواجهما، أصبح الجميع يذهب هنا وهناك يبحث عن سيارته ليغادر قبل أن تبتل ثيابه ومنهم من أختبئ أسفل حاجز، بينما جُلَّنار كانت سعيدة لطالما كانت تحب المطر لتشعر بأن الدنيا تفتح لها أبوابها مرة أخرى، ساعدها على الصعود للسيارة بينما أمير كان يحمل بيده سترته يضعها فوق رأس ليل يمنع المطر من تخريب مظهره، لتتجمع العائلة ويركب الجميع سيارته متجها نحو منزل الجندي فتحت النافذة قليلا تستمتع بقطرات المطر على وجهها وتبتسم.
فُتِحت البوابة لتدلف سيارة العائلة ووالد جُلَّنار فقط، لتفتح الخادمة لـ جُلَّنار الباب الداخلي للمنزل ابتسمت لها ليقترب منها ليل يقبض على يدها، وساعد مارك عمر في الهبوط من السيارة ووضعه على مقعده ليتقدم نحو جُلَّنار التي انحنت له ليقبض على يدها يقول:
-سأنتظرك، ولا تخافي لن استولى على غرفتك.
ضحكت جُلَّنار ليبتسم لها عمر بينما يُسرا أردفت:
-حسنا، ليذهب كلٍ إلى عمله انتهى الحفل.
شعر عمر بالحرج ليستأذن منهما، أخذه مارك وعزيزة وذهبوا عائدين لسيارتهم، ليقترب ليل من أمير يوصيه على جده الذي أبى أن يبقى هنا لـ ليلة واحدة ليغادر الجميع حتى عائلة ياسر، ولم يلاحظ أحد غياب زينة التي كانت تبكي قهرا وحزنا على زواج ليل بأخرى.
دلفا لداخل المنزل ليقف الجميع في بهو البيت، صعد فؤاد إلى غرفته ليحزن ليل، فهو للآن لم يهنِئه لم يتحرك البقية في اِنتظار صعودهم ليحمحم قائلا:
-لنصعد نحن.
كادت أن تتحرك حتى وجدته يوقفها لتتعجب منه وكذلك الآخرون، وجدته ينحني وينخفض يحيط ركبتها بذراعه وظهرها بذراعه الآخر ليرفعها بين ذراعيه بينما هي شهقت تلف يدها حول عنقه والأخرى على صدره ليصعد بها للأعلى غير عابئ بنظرات الآخرين وغيرة أمه من تلك الفتاة، وأيضا تميم الذي لم يعد ليل يهتم بِه من بعد ظهورها في حياته.
فتحت الباب ليدلف بها للداخل وأخفضها من بين ذراعيه في منتصف الغرفة، لتنظر حولها كانت الغرفة كبيرة وواسعة يتوسط الفراش الغرفة وأمامه أريكة عريضة وكبيرة، بالإضافة لمكتب في زاوية الغرفة وشرفة كبيرة تطل على حديقة عامة توجد أمام المنزل، والهواء بداخلها منعش وبجوار الشرفة باب خشبي يبدو أنه الحمام، بينما على يسارها غرفة أخرى صغيرة لثيابهم، كانت ألوان الغرفة هادئة يطغى عليها اللون الأزرق بدرجاته.
أحاطها من الخلف يحتضنها برفق ليقاطعهم طرق الباب ليلتفتا نحوه ويردف ليل باندفاع وضيق:
-يبدو أن الأيام لن تمر على خير في هذا المنزل.
-ادخل.
دلفت الخادمة تحمل بيدها صينية عليها كوبين من العصير تضعهم على الطاولة قائلة:
-لقد طلبت مني السيدة يُسرا أن أحضرهم لكم.
-حسنا، اذهبي الآن.
غادرت الخادمة ليغلق خلفها الباب ويوْصَده بالمفتاح ويتجه نحو النافذة يغلقها ويغلق الستائر المُعلقة خلفها تمنع رؤية أحد لهم أو نفاذ الضوء للغرفة، ليبدأ في خلع سترته يقول:
-أتودين استخدام الحمَّام؟
-لا، سأبدل ثيابي أولا.
دلفت لغرفة الثياب وكان عيبها أنها تُغْلَق بستائر ليس إلا، لتُغلِقهم وتبدأ رحلة البحث عن ثوب مناسب لتزفر الهواء بضيق وينتهي الأمر بإخراج منامة تشبه الحرير في ملمسه حاولت فصل الجزء العلوي عن بقية الفستان ولكنها لم تفلح سوى في فك الأزرار السفلية لتجده يقف خلفها ويساعدها في فك بقية الأزرار، ليُزيل الجزء العلوي زيهبط بيده للأسفل قليلا حيث سحاب الفستان كاد أن يفتحه حتى التفتت جُلَّنار بجسدها ليصبح وجهها مقابلا لوجهه تردف بنبرة حاولت جعلها طبيعية:
-أستطيع خلعه بمفردي، لا أحتاج مساعدتك.
رفع ذقنها بسبابته لترفع عينيها نحوه ويدنو بوجهه منها لتقبض على الطاولة من خلفها بقوة حتى ابيضت مفاصلها، ليبتعد عنها بينما هي كانت تغلق جفنيها لتتساءل بنبرة مضطربة:
-ألا تريد أن تعرف مَن ذلك الرجل؟
-لا أظن أنه الوقت المناسب.
فتحت عينيها لتقابل خاصته ولكن فجأة أُغلِقت الأضواء ليحل مكانها ظلامًا حالكًا تمسكت بقميصه تتساءل بخفوت:
-لِمَ الأضواء أُطْفِئَتْ؟
لعن ليل عائلته بداخله، ولكنه أجبر نفسه على الابتسام يقول:
-يقف القدر ضدي، انتظري لحظة.
-إلى أين تذهب؟
لم يتحرك من مكانه أخرج الهاتف من جيب بنطاله وأضاء كشاف الهاتف ليضعه على الطاولة خلفها يقول باِبتسامة في محاولة منه للتخفيف مِن حِدة الأمور:
-أبدلي ثيابك، سآتي بعد قليل.
-ليل، لا تذهب.
-لا تقلقِ، فقط استمعي لي.
تركها وغادر وما أن فتح باب غرفته حتى استطاع رؤية الضوء ليعلم بأنها مكيدة منهما ليصطدم بإحداهن التي تساءلت بمكر:
-ماذا هناك سيد ليل؟
-أتساءل بِـ حَيْرَة مَنْ فعلها.
-لم أفهم مقصدك؟
-ولكني فهمت، يا منار.
قبض على ذراعها بقوة لتتآوه بألم بينما هو أردف يقول:
-اذهبي الآن وافتحي الأضواء في غرفتي.
-لا تجعلينني أغضب عليكِ.
-هل أنت سعيد معها؟ أخبرني.
دفعها وعاد للغرفة مرة أخرى، ليتجه لمنطقة تبديل الثياب يجدها تغلق أزرار المنامة وتمشط خصلاتها لتنتبه عليه وهو يتأملها وقد استند بظهره إلى جدار الخزانة، أردفت متسائلة وهي تتهرب من عينيه:
-ما الذي حل بالأضواء؟ أم أن عائلتك تريد إفساد اليوم؟
-لا أحد يمكنه إفساد هذا اليوم.
-سأبدل ثيابي.
أومِأت برأسها واتجهت للخارج ليبتسم إليها ويُخرِج له ثيابا ليرتديها، خرج لها ليجدها تجلس على الأريكة تنظر للشرفة بشرود تتساءل ما الذي جعله يعود؟ وعما إن كان هو مَن يُرسل لها تلك الباقات؟ لتشعر بِـ ليل جوارها لتبتعد ولكنه أحاط خصرها بذراعه يمنعها من الابتعاد يدنو نحوها برأسها لتردف متساءلة:
-ألا تريد أن تعرف مَن هو؟ وماذا يقصد بحديثه؟
هتف يقول وبصره مرتكز نحو ثغرها:
-لدينا الأيام كثيرة.
كاد أن يدنو منها مرة أخرى حتى وضعت يدها على فِيه تقول:
-لقد كان خطيبي السابق وتركته في عقد القرآن كما كنت سأفعل معك اليوم؛ لأني أراني غير مؤهلة لأصبح زوجة أو أمًا ربما سأترككم يوما أو أتنازل عن مسؤولياتي.
أزال يدها عن فمه يقول:
-لِمَ أنتِ بائسة! لننظر للإيجابيات أنتِ لمْ تتزوجيه وأصبحتِ مِلكي.
ابتعدت عنه على غفلة لتقول وهي تصطنع الحماس والابتسامة لتُخفِي اِرتباكها وخوفها:
-تلك الأريكة مصنوعة من جلد جيد.
-أَتُخطّطِين للنوم عليها!
تساءل وقد ارتفع حاجبه بتعجب.
-رُبما.
أجابها بقوله:
-ورُبما إن جربتِ السرير يعجبكِ أكثر.
-بالتأكيد سيعجبني بدونك.
نهض ليتقدم منها يحاصرها في المَقْعد بكلتا يديه يقول:
-أحقا أنتِ الآن خائفة مني! أين ذهبت تلك الفتاة التي أخبرتني أنني لا أستطيع التعرض لها حتى وإن حاولت، وأنها تستطيع جلب حقها أينما كان؟
صمتت ولم تَجبْ، لتدفعه برفق بقبضة يدها وتتجه نحو الفراش تقف أمامه تتساءل:
-في أي جانب ستنام؟ لقد نعست.
-أين ذهب الأرق؟
تساءل وهو يلقِى بجسده على الفراش بينما وقفت تطالعه ليختطفها ويجذبها له على غفلة منها كان وجهها مقابلا لوجهه لتتذكر ما حدث قبل قليل وتبتعد عنه تعطيه ظهرها وتجذب الغطاء مِن أسفلها تضعه عليها، لم يأتِ النور بعد، ويبدو أن شحن هاتفها قد نفذ ليبقى ضوء هاتفه فقط، وكان غير كافٍ ليُضيء الغرفة كُلََّها لتشعر بذراعه تمتد نحو خصرها يجذبها نحوه قليلا ويحتضنها من الخلف ليغلق جفنيه بصمت دون أن يتحدث بينما هي قلقت ظنا منها أنه سيتجاوز فيما بعد ولكن مر الوقت وهو لم يتحرك لتدير رأسها نحوه وتجده نائما ابتسمت واستدارت له بخفة حتى لا يستيقظ ليصبح وجهها مقابلا لخاصته، لتمُدّ يدها نحو وجهه تلمسه برفق وتتفقد ملمس لحيته لتحشر وجهها أسفل عنقه بجوار قلبه لتستمع لنبضاته التي تسارعت بقوة، علمت بأنه مستيقظا بينما هو فتح جفنيه وحاول استنشاق بعض الهواء بدلا من أنفاسه التي حُبِستْ أثرها.
لينتهي اليوم بتقبِيله لمقدمة رأسها واستسلامه للنوم يكفي أنها بداخل أحضانه، فلأول مرة يشعر بذلك الدفء أن ينام ويعانقه بَشرِي أفضل مِنْ أن يعانق كل ليلة وسادته لعله يشعر بالدفء عن طريقها.
_______________________________
كان الجميع متواجدًا حول المائدة عدا مَقْعَد ليل الفارغ وبجواره مَقْعَد آخر لها، لم يستطع أحد تقبل فكرة أنها ستجلس معهم على نفس المائدة ليتساءل تميم:
-ألم ينزل أخي؟ لقد أصبحت التاسعة وهو لم يستيقظ.
-أو رُبما نجده يطلب الطعام للأعلى.
-ليخرس الجميع، رأسي يؤلمني.
كان هذا صوت فؤاد الذي من بعده عَمَّ الصمت في الغرفة، ولم يشرع أحد في تناول طعامه بعد.
في الأعلى، كان ذراعها مائلًا للأرض وقد سقط الغطاء عنها، لتفتح جفنيها ببطء وتنظر حولها باِستغراب ولكنها سُرعان ما تذكرت زواجها بالأمس لتعتدل في نومتها وتجلس على الفراش ترفع يدها إلى رأسها لتشعر بالألم أثر تلك الضربة التي تعرضت لها لتنتبه لصوت الباب يُفتَح ويخرج ليل من الحمَّام وما أن رآها مستيقظة حتى ابتسم وتقدم منها يجلس أمامها:
-صباح الخير.
-اِسْتطعتِ النوم؟
حركت رأسها بالإيجاب ليدنو منها يحيط خصرها بذراعه يقربها منه ليقاطعه طرق الباب، لتضحك قائلة:
-كنت سأتعجب إن لم يحدث شيء.
زفر ليل الهواء من حوله بضيق وسمح للطارق ليدخل، لتدلف منار للداخل تقول:
-العائلة كُلََّها تنتظركم على المائدة.
-حسنا، غادري أنتِ.
لاحظت جُلَّنار جفاء معاملة ليل مع تلك التي تُدعى منار، ولكِنها خمنت أنه منزعج من مضايقتهم له وعدم أخذ راحته، ليردف ليل قائلا:
-استعدي.
-وبعد الطعام لنذهب حيثما تَشَائِين.
تحمست جُلَّنار وتساءلت:
-حقا!
أومأ برأسه بالإيجاب لتحتضنه وتُقَبِّل وجنته لتنهض من الفراش وتتجه نحو ثيابها تختار ثوبا أحمر في محاولة منها لإغاظتهم، وتتجه نحو الحمام لتجده قد اشترى لها فُرْشة أسنان وضعها بجوار خاصته لتبتسم لاهتمامه بالتفاصيل، ارتدت الفستان الذي كان يصل لكاحلها يمتلك فاتحة من جانبها الأيسر وأكمام طويلة تغطي مرفقيها لتخرج من الحمام وتتجه نحو طاولة الزينة تبحث عن حُلِيّ يتناسب مع الفستان اِسْتَعْجلها ليل وقد انتهى من اِرتداء ثيابه التي كانت مكونة من بنطال وقميص كليهما باللون الأسود، نظرا لضيق الوقت تركت خصلاتها حُرة وغادرت معه الغرفة.
لتظهر تعابير الامتعاض والغضب على وجوه الجميع عند رؤيتهم معًا، وخاصةً اِرتدائها لذلك الثوب بلونه الجريء والذي جعلها فاتنة أكثر، لينتقلوا ببصرهم نحو يدها الممسكة بخاصته ليتقدما نحو المائدة ويسحب المَقْعد من أجلها لتردف قائلة:
-نعتذر على التأخير.
ليشرع الجميع في تناول طعامه في صمت قاطعه جوهرة قائلة:
-الآن أنت وهي تزوجتما عِنادً بنا جميعا حسنا لا بأس ولكن مَن سيعوض الخسائر التي أصابتنا؟
-عَنْ أي خسائر تتحدثين؟
-لقد سحب مختار شراكته وخسرت الشركة والآن أبوك هو مَن يُلملم تلك الفضيحة بينما أنت تستمتع بزواجك.
-كُفِّ عن الحديث، يا جوهرة.
نهض فؤاد ليتجه للخارج ويغادر لتقبض جُلَّنار على يد ليل الذي نهض وتركها ليذهب خلف أبيه لتنظر له وكادت أن تلحق به حتى هتفت يُسرا:
-ألا تستطيعين البقاء بدونه لدقائق!
-الأمر لا يخُصِّك.
في الخارج، لحق ليل بأبيه وناداه ليتوقف فؤاد، ويقترب منه ليل حتى وقف أمامه يشعر بتأنيب الضمير ليردف قائلا:
-أبي، أعتذر عما بَدرَ مني.
-أعدك بأني سأعوض تلك الخسائر.
-كيف؟ بِبقائك بجانب زوجتك!
-أم ستقطع أجازتك وتعود للعمل!
كانت نبرته تحمل السخرية لينزعج ليل ويقول:
-سأحل الأمر، يا أبي.
-أعدك أننا لن نخسر تلك الشراكة حتى إن خسرناها لن أسمح بأن نكون نحن الخاسرون.
-سألحق بِك في الشركة بعد قليل.
عاد ليل للداخل ليجدها تنتظره أمام الباب ليقبض على يدها ويقبلها يقول:
-جُلَّنار، أعتذر ولكن علَىَّ الذَّهاب للعمل.
-تعلمين ما أصاب الشركة مِن خسائر علَىَّ تلافيها، ولكني سأعوضك.
-حسنا، اذهب.
نظر لها بابتسامة واحتضنها ليخرج تميم ويراهما ليبتعد ليل عنها، لينظران لتميم الذي أردف:
-ألم تتفقا أين سيكون موعدكم الأول بعد الزواج؟
أجابته بنبرة خرجت حادة بتلقائية، فهي لا تَكُف عن النظر له باحتقار نظرا لأفعاله الدنيئة:
-لا يخُصَّك، يا تميم.
-أَ أزعجت زوجتك يا أخي!، تبدو غاضبة.
-ليل، سأعود للغرفة.
تركتهم وصعدت لغرفتها ولكن الطريق كان مرهقا بالنسبة لها فقاطع طريقها كلا من جوهرة ويُسرا:
-إلى أين!
-إلى غرفتي.
-ليس قبل أن نتحدث.
-أتساءل عن أمرا ما.
نظرا لها بتعجب وانتباه في انتظار سؤالها:
-أبسبب الفراغ أم شيئا آخر؟
-ما هو؟
تساءلت جوهرة بعدم فهم لمقصد سؤالها:
-فقدتم عقلكم بسبب الفراغ أم شيئا آخر؟
-أنا قدرتي على تحمل سخافاتكنْ لا تتعدَ العشرة في المئة؛ لذا ابتعدا عني قدر الإمكان.
تركتهم وغادرت لتعود لغرفتها تشعر بالانزعاج لذهاب ليل التقطت هاتفها لتجد الشحن نفذ بحثت عن شاحن، ولكِنها لم تجد لتتجه نحو المكتب الخاص به وتبحث داخله ليقع بصرها على بضع صور كانت تضمها هي وليل قبل الزواج في تلك الليلة الممطرة عندما عرض عليها المساعدة لتقبض على الشاحن ما أن رأته وتتساءل ماذا تفعل تلك الصور معه وكيف اُلتقَطِتْ؟، اتجهت لأقرب مَقْبِس كهرباء وبدأت في شحن هاتفها واستلقت على الفراش بملل، لتنهض بعد قليل تُبَدِّل ثيابها لأخرى بنطلون أسود يعلوه بلوزة باللون الأزرق.
طُرِق الباب لتتعجب وتسمح للطارق أن يدخل لترى هويته لتجد خادمة أخرى غير منار تخاطبها باحترام وتقول:
-السيدة زينب تريد رؤيتك.
عقدت حاجبيها وتساءلت:
-مَن السيدة زينب؟
-زوجة السيد ياسر عم السيد ليل.
-حسنا، أنا قادمة.
غادرت الغرفة بعدما ألقت نَّظْرَة سريعة على هيئتها ورتبت خصلاتها لتهبط للأسفل، ولكِنها توقفت عندما استمعت لحديث حماتها مع السيدة زينب تتساءل بسخرية:
-ما هذا الذي بيدك، يا زينب؟
-ألم تنتهِ تلك العادات!
-ثم ألا يمتلك ياسر المال الكافي ليجعلك تأتين بهدية تناسب عائلة الجندي
-ألم ترِ الهدايا التي قدمناها ليلة أمسِ!
-لقد تخلَّصت منها.
أكملت نزولا على الدرج لتقف بجانب زينب في مواجهة جوهرة لتردف قائلة:
-لقد تخلَّصت من هداياكم بالأمس؛ لأنها رخيصة كمعدنكم لا تناسبني.
أدارت ظهرها لتصبح أمام زينب تبتسم لها وألقت عليها التحية:
-تَسُرني معرفتك.
-سلمتِ.
-أمسِ لم أستطع تهنئتك لذا أتيت لأعطيكِ تلك الهدية البسيطة وأدعوكِ أنتِ وليل عندي في الغد.
-ياسر سيتحدث لزوجك ويدعوه أيضا.
-إن كنتِ لا تمانعين.
-بالتأكيد لا.
-فرحت بهديتك، وشكرا على لُطفك معي.
ابتسمت لها زينب وربتت على كتفها تقول:
-سأذهب أنا وإن أردتِ أمرا أنا بجانبك هنا في المنزل المجاور.
-حقا! إنه أمر يسعدني.
غادرت زينب بينما جُلَّنار شعرت بأن أعصابها تُلِفت أثر هؤلاء الناس الذين تتعامل معهم ومع عقليتهم العقيمة، صعدت لغرفتها لتلتقط حقيبتها وتضع بداخلها هاتفها ومحفظتها وتغادر أوقفتها منار متسائلة:
-إلى أين؟
عقدت جُلَّنار حاجبيها معا بقوة واستغراب من تطفل وتطاول الخادمة عليها لتتساءل:
-أ علَىَّ أخذ الإذن منكِ؟
-لا ولكنكِ أصبحتِ مِن عائلة الجندي لذا علينا معرفة كل تحركاتك في حال إن حدث مكروها أو.
قاطعتها جُلَّنار بِسَّبها:
-اللعنة على عائلة الجندي.
-انظري لي جيدا واذهبي أخبري سيدتك أنني لست طُعما سهلا بين يديهم وأن يشغلوا عقلهم الفارغ بشيء غيري.
تركتها وغادرت وهي غاضبة مِن كم الطاقة التي تهدرها في حواراتهم الفارغة اللعنة على تلك عائلة، أوقفها حارس البوابة يتساءل عما إن كانت تحتاج لشيء.
-ألا يمر من هنا سيارة أجرة؟
-ماذا تحتاجين؟ عاطف بالداخل إن أردتِ يوصلك لأي مكان تُريدينه.
-أهناك سائقًا أيضا!
-جميل، أيُمكنكِ مناداته؟
جرى سريعا نحو غرفة العاملين ينادي عاطف ليُخرِج السيارة ويوصل السيدة الجديدة إلى حيثما تريد.
كانت تفحص هاتفها لتجد رسالة نصية من ليل مضمونها:
-«اشتقت لكِ»
لتجيب برسالة أخرى:
-«سأذهب لزيارة جدي، فزوجي ليس هنا اليوم».
زوجي! تلك الكلمة إيقاعها على أذنيها غريب لقد أصبحت متزوجة رسميا الآن، شعورها مَزِيج بين الحَيْرَة والفرح والتعجب والخوف، قاطعها إحضار عاطف للسيارة لتقف أمامها ويهبط يفتح لـها الباب الخلفي لتبتسم لـه وتركبها تخبره بوجهتها ما أن أخبرته أنها تريد الذَّهاب لجَدّ ليل حتى علم المكان وقاد السيارة نحوه، تعالى رنين هاتفها لتجد حياة وما أن أجابت بادرت في أسئلتها:
-كيف كانت ليلة أمسِ؟ ماذا فعلت بكِ عائلة الجندي؟ هل حملكِ حتى الغرفة؟ أين ستخرجون اليوم؟ ماذا ارتديتِ؟
-هيا هيا أخبريني، لا تخفي عني شيء.
حياة، إنها فتاة جميلة ومرحة تشعرها بالأُلِفة اندمجت معها سريعا وساعدتها أيضا كانت متحمسة لزفافها أكثر منها، ابتسمت جُلَّنار لم تتوقع أنها ستمتلك صديقة يوما لتجيب عن بعض أسئلتها بنبرة هادئة:
-ليل ذهب للعمل وأنا سأذهب لجدي لأجلس معه قليلا تضييعا للوقت؛ لأني لو جلست مع تلك التي تُدعى يُسرا حقا سأرتكب جريمة.
-مهلا! أي عمل تتحدثين؟
-كيف تركك ثاني يوم من زواجكم!
-كان الأمر كُلّه مفاجئا، لقد تعرضت الشركة لخسائر حتى يرضى فؤاد عن ليل قرر ليل التطوع ليحل تلك المشكلة
-بالتأكيد سيعوضك، أكملي ماذا ارتديتِ أمسِ؟
-منامة.
صرخت حياة عبر الهاتف بصدمة وتفاجئ تقول:
-أنا بنفسي اقتنيت حوالي مئة منهما وفي الأخير ارتديت منامة!
-هل ذهبت دروسي لكِ هباء!!
ضحكت جُلَّنار على ردة فعلها ليخبرها عاطف بأنهما وصلوا لتشكره وتخبره ألا ينتظرها وأنها ستعود لاحقا.
-سأتواصل معكِ لاحقا، يا حياة.
أجابتها بإحباط:
-حسنا، سأنتظرك.
تقدمت جُلَّنار للداخل وفتحت البوابة الخشبية بذراعيها واجهت صعوبة في البداية لثِقل الباب، ولكنها استطاعت في النهاية لتدلف للداخل تنادي عليه ولكنه لم يستجبْ، بينما هي كانت تقف بجانب ورد الأقحوان تطالعه حتى شعرت بجسد صلب في ظهرها وما أن أدارت ظهرها حتى وجدته يصوب نحوها بندقيته يتساءل:
-مَن أنتِ؟
-أنا جُلَّنار.
-چلنار!
-لا جُلَّنار، أنا زوجة ليل.
-ليل! أنا هو ليل.
شهق بصدمة وتفاجئ ليقول بحدة بعدها:
-أنتِ كاذبة، أنا متزوج مِن فيروز.
-أنتِ إحدى معجباتي؟
-يا جدي، أنا جُلَّنار زوجة حفيدك ليل.
-آوه! أنتِ الجميلة إذا!
أخفض البندقية وابتسم لها يقول:
-تعالي، لم يزُرني أحد منذ زمن.
دلفا معًا لداخل المنزل ليتساءل عما إن كانت تود شيئا لتشربه أو تأكله.
-أكلت أنتْ؟
-لا أتذكر.
-ما رأيك أن نعد الغداء معًا؟
تحمس الجَدّ كثيرا ورحب بالفكرة ليذهبا نحو المطبخ معًا وتبدأ جُلَّنار في إعداد وجبة الغداء لتُعد السمك، فأخبرها الجَدّ أنه يحبه لذا طبخته خاصة من أجله ليفزعها بصراخه المفاجئ:
-تذكرت.
-ما الذي تذكرته!
-كان زفافك أمسِ.
-نعم.
-إذا أين زوجك؟
-ذهب للعمل.
-هذا الخسيس الحقير السفيه، لم يفكر في شعورك وحزنك.
-لا بأس طرأ أمر عاجل في العمل.
-لا تدافعي عنه.
-لا أدافع يا جدي ولكن.
-اخرسي، أنا أعلم كيف أتعامل معه.
-لن تغادري هنا قبل أن يأتي هو ويُطلبك مني.
صُدِمت لتتقدم من الجَدّ تضع يدها على ذراعه قائلة بنبرة هادئة ولينة لعلها تستطيع إقناعه:
-جدي، أنا لست منزعجة.
-لقد أعتذر لي وأنا سمحت له ليذهب.
-لا أريد سماع المزيد من الأعذار.
-ستبقين هنا حتى يأتي.
-هيا لنأكل.
جذبها ليجلسا على المائدة ويشرع في تناول طعامه لترى الدهشة والصدمة على ملامحه لتظن أن الطعام به خطب ما ولكنه صرخ:
-أ قابلتِ فيروز؟
نفت رأسها باِرتباك لتظن بأنه لديه خلل في عقله فهو تارة يكون عاقلا وتارة لا ليقول:
-إذا كيف صنعتيها بكل هذا الجمال! لـم يجرؤ أحد أن يتنافس مع فيروز في الطعام وخصيصا تلك الوجبة.
-أنتِ رائعة.
ابتسمت جُلَّنار لـه وربتت على كف يده لتقول:
-إن تناولت الطعام، أيمكنني المغادرة الآن؟
-لا.
-ستبقين هنا.
-جدي.
قاطعها بقوله الحازم:
-لن يستطيع لأحد أن يحزنك
-عندما يأتي أعلم كيف أُعِيد تربيته.
على الجهة الأخرى، تخطى الوقت منتصف الليل وها قد أنهى ليل عمله وحاول بأكبر قدرا ممكنا أن يعوض الخسارة، فأبيه والعم مختار هم مَن أسسوا تلك الشركة معا وانسحابه الآن يضر بكليهما ولا سيما أباه الذي يهتم لصديقه مختار أكثر من الجميع، واستطاع بعد محاولات عدة أن يأخذ موعدا مع مختار لعله يستطيع إقناعه بعدم سحب شراكته.
ليغادر الشركة وكان آخر مَن يغادر ليطلب سيارته من موظف الأمن ليركبها ويغادر، وأثناء طريقه توقف لإحضار باقة ورد ليعتذر بها عن غيابه اليوم، تخطى بوابة المنزل ودلف للداخل يحمل بيده باقة الورد ويبتسم ليصطدم بأمه التي لم تنم بعد ابتسم لها وتساءل:
-ما الذي قلقَ نومك؟
-أنت.
-أين زوجتك؟
عقد حاجبيه وابتلع لعابه لتتحرك تفاحة آدم خاصته ويتساءل:
-أين ستكون! إنها في الأعلى.
-زوجتك منذ مغادرتها اليوم لم تعد.
-حاولنا معرفة إلى أين ستذهب ولكنها صرخت فينا.
-أمي تتحدثين بصدق!
-إن لم تصدقني تفقد غرفتك.
أخرج هاتفه ليحاول الاتصال بها ولكنها لا تجيب ليحاول مرات عدة لتُجيب في محاولته الأخيرة بادر في الحديث يقول:
-جُلَّنار، أين أنتِ؟
-ليل، هذا أنا جدك.
-جدي! أين جُلَّنار؟
-لا أعلم كيف حدث الأمر، ولكنها سقطت ولا تستجيب لمحاولاتي.
جرى هذا ما يستطيع فعله الآن أن يجري بأقصى قوة يمتلكها كل ما يفكر فيه لِمَ الحياة تعانده بتلك الطريقة المؤذية أولا عائلته والآن جُلَّنار، لِمَ تختبره بذلك الشكل المُرهق للأعصاب، نبرة جده المُبكية والخائفة شرحت مدى خطورة الوضع.
كان يجلس بجانبها يضع يده في فِيه يبكي كالطفل وهو ينظر لـ بقعة الدماء أسفل رأسها ناداها باسم زوجته كثيرا، ولكنها لم تستجب إنه لا يقوى على خسارة فيروز مرة أخرى؛ لأنه شعر بروح فيروز داخل تلك الفتاة التي لا يدعوها بسوى الجميلة كما كان يدعو زوجته.
انتفض عندما دلف ليل للغرفة متخبطا في الباب يستند إليه يلتقط أنفاسه، لقد توقف بالسيارة أمام الباب الخشبي ليفتحه ويجري حتى وصل للباب الداخلي.
نظر ليل لها كانت تستلقي في الأرض وقد تكونت بقعة من الدماء أسفل رأسها تغلق جفنيها وتمنعه من رؤية عينيها التي كانت أول شيء تخبره أن يقتحم خصوصياتها ويدخل لعالمها بالرغم حِدة حديثها وتجمد وجهها، ولكن كانت مشاعرها الحقيقة تبرز في عينيها، نظر له جده يقول بخفوت:
-لقد ماتت، خسرناها.
.
بقلم/سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_______________________________

بِـلون الدمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن