نكمل روايتنا بِـلون الدم.
بقلم/سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٣١..
_______________________________
كان محجوزًا داخل غُرفة العمليات يفعل الأطباء أقصى ما فِي وسعهم لإنقاذه، فجرحهُ لا يتوقف عَنْ النزيف لا يعْلم أَ هُو مِن جرح الحقيقة أو أثر تِلك الرصاصة ولكِن لا يهم فصاحبهما واحد.
كل ما كان يجول فِي خاطره لقائهُما الأول، وجهها، عيناها، اِبتسامتها، حتى عَبراتها التِي نادرًا ما كانت تظهرهم لهُ وكلماتها التي تتردد فِي أذنه للآن.
«جُلَّنار وليست چَلنار.»
«ليل، أنا لستُ بخير.»
«أنا أحتاجك.»
وأخر ما تردد فِي ذهنه فزعها وهلعها عند رؤية الدماء تُغطيها، لا تعلم متى أصبحت تجلس بجواره تضمه لصدره وتهتف تقول بخوف:
-ليل، ليل لا تذهب.
-أنا آسفة، لم أقصدك حقا.
-ليل.
كانت تضع يدها على وجنته تضربها بلِين حتى يبقى متيقظًا ولا يَغِيب عَنْ وعيه وقد انتقلت يدها لموضع جرحه تكتم تِلك الدماء التي لُطخت بِها يدها.
إن كانا الخوف والقلق يتجسدان فِي هيئة شخص الآن لكانت جُلَّنار، وهي ترى أنها مسؤولة عَنْ فقدان أهم شخص فِي تِلك الحياة.
صرخت بقوة وهِي تراه يغلق جفنيه لتضمه نحوها أكثر تقول:
-لن أسمح لك بالرحيل، ابقَ أرجوك مِن أجلي.
ارتفع إنذار جهاز القلب يعلن عَنْ توقف ضربات القلب، بدأ الطبيب فِي الإنعاش اليدوي عدة مرات ولكِنه لمْ يَسْتجِبْ.
على الجهة الأخرى، كانت تجلس على ذلك المَقْعد أمَام الضابط المسؤول فِي قسم الشرطة، فقد بلغ تميم عَنْ جريمة قتل وأتهمها هِي، ليطرح الضابط سؤاله عليها:
-ماذا كُنتِ تفعلين هناك، يا سيدة جُلَّنار؟
كانت إجابتها منذ أن قدمت لهُنا الصمت تنظر ليدها حيث دماؤه صرخ الضابط فِيها بقوة وضرب بقبضته على المكتب، ولكِن لا حياة لمَن تُنادِي إنَّ عقلها توقف عَند تِلك اللحظة وهو بَين ذراعها يلفظ أنفاسه الأخيرة.
كانت تظُن أن فراقهم وهو علَى قَيْد الحياة مُؤذي، ولكِن أن تقتل مَن تحب بيدك ذلك الشعور أكثر إيلامًا وأذى.
إنها الآن تشعر نفسها مُدنسة بِبَحر مِن الدماء بالرغْم أنها لمْ تَرق دماء أحد سِواه هو مَن أعطاها الأحمر بطَعم الحُبّ فِي حين أنها أعطته الأحمر فِي صورة طلقة أراقت دماءهُ.
انتبهت ليدٍ وُضعتْ على ذراعها وكان عسكريًا مساعدًا يجذبها مَعه للخارج، وجدته يذهب بِـها حيث الحبس الذي لم تتخيِّل للحظة أنها قد تدخله كمُتهمة.
دفعها للداخل لتقف فِي مُنتصفه تنظر للأرجاء، لم تكن الوحيدة داخله ولكِن جريمتها كانت استثنائية قتل مَن تحب هل يُعقل!
خطت خُطْواتها الأولى داخل الحبس لتجلس فِي الزاوية، ولكِن قبل جلوسها هتفت إحدى السيدات المتواجدة تقول:
-أولا عليكِ إخبارنا فِيمَا أتيتِ؟
جلست ببرود تُحسَد عليه لا تعلم إن كانوا يعتقدونها لقمة سائغة يمكنهم مضغها بسبب تِلك الثياب التي تُظْهر الثراء، ولكِن عليها تجاهلها وحسب ليس فِي مِزاج للعراك يكفي هذا الصراع الذي يدور داخلها.
رفعت كلتا يدها أمامها اليُسرى بداخلها خاتم زواجها والأخرى بداخله ذلك الخاتم الأحمر الذي أعطاه لـها مِن قبل أخبرها أنها عادات العائلة يذهب للزوجة الجديدة.
اِبْتسمَت لسخرية القدر، الزوجة الجديدة تجلس داخل الحبس الآن بينما زوجها يحارب الموت فِب غُرفة العمليات.
اُخْتطِفَ مِنها فِي لمح البصر لترفع رأسها للأعلى وتجد سيدة تقف أمامها تضعه فِي أصبعها باِنبهار وتسأل صديقتها:
-أليس رائعا علَىَّ؟
-وكأنه صُنع لكِ.
كلماته ترددت في ذهنها «إنه يليق بِكِ وكأنه صُنع مِن أجلك، يا جُلَّنار»
نظرت السيدة لـ جُلَّنار تقول:
-سأخذه عقابا لكِ علَى تجاهُلِك لي فِي البداية.
-هل يهمك كثيرا فيما أتيت؟
-أرايتِ كَيف تحدثت ما أن أخذت الخاتم يبدو أنه غالي عليها، ولكِنه عجبني.
-يمكُنكِ شراء غيره.
كادت أن تغادر حتى أخبرتها جُلَّنار تنتظر.
نهضت مِن مكانها تحك مقدمة رأسها بأصابعها فِي محاولة مِنها للتحكم فِي أعصابها لا تريد إثارة جلبة هُنا أيضا.
-أعطيني الخاتم، وامضي فِي طريقك لا طاقة لي فِي خُوض جدال ينتهي بفوزي.
تعجب الجميع مِن ثقتها فِي الحديث إنها لطالما رفضت أن تصبح الخاسرة، هتفت الفتاة وهِي تقول:
-بثيابك تِلك يُقال أنك أتيتِ مِن منزل مشبوهٍ، لا تقلقي نَحن فِي نفس المجال سأُعِيده لكِ فيما بعد.
كادت أن تغادر حتى وجدت جُلَّنار تقبض على خُصْلاتها بقوة وقبل ان يتقدم أحد لمساعدة سيدتهم حتى هتفت تقول وقد رفعت كف يدها المُملوء بالدماء:
-أَ ترِين تِلك الدماء؟ لقد أتيت هُنا فِي جريمة قتل ليس واحدا بل ثلاثة.
-هل تظنين أنني سأسمح لكِ بالمغادرة بعد أن تعبثين فِي أشيائي!
الذعر ظهر على ملامحهم جميعا لتخلع الخاتم وتُقدمه لـها وتعتذر لتبتعد عَنْها، بينما جُلَّنار عادت لمكانها لترتديه مرة أخرى لتستند برأسها إلى الحائط بجوارها تطالع تِلك السيدة التي تنظر لـها غيظا لتشيح نظرها عنها تتساءل عمَا إن كان بخيرًا؟
_______________________________
كان كلٌ مِن فهد وآسر يرقدان فِي نفس المشفى التي يوجد بِها ليل، ولكِنه ما زال فِي العمليات على عكسهما فاقا مِن إغمائهم.
-مَن كانت تِلك المجنونة؟
-لا أعلم، ولكِني لا أتذكر شيئا.
كاد السم أن يتمكن مِن أجسادهم، نظرت إلى ليل بضعف وقَبّلت مقدمة رأسه تقول:
-سأعود، ابقَ يقظًا.
نهضت لترفع رأسها للأمام لتجد تميم يقف خارج المنزل ينظر لها بترقب خائف مِن قتلها له الآن بالرغْم أنها لم تنوي قتل أيًّا منهما، فقد كانت تريد أن تُذيقهم بعضا مما أُصيبت به كل فتاة كانت ضحية لهم.
هاتف الشرطة قبل الإسعاف؛ حتى إذا أصابه مكروها يتم القبض عليها، تجاهلته لتتجه نحو حقيبتها تُخْرِج مِنها ترياق سُمّها وتتجه نحو فهد الذي أبعد جسده عَنْها بغضب بالرغْم مِن ألمه لتهتف بفتور:
-إن كُنت لا تريد الترياق لا بأس لي، أُفضْل رؤيتك تتعذب حتى تلفظ أنفاسك الآخيرة.
تقدم مِنها آسر بلهفة يحثها على حقنه لتعطيه الترياق وتبعه فهد، بينما هي عادت إلى ليل.
حاولت تصنع الجمود فِي البداية، ولكِن رؤيتها له تفطر قلبها ضمته لـها تخفي وجهها داخل عُنقه تتمرد عَبراتها على وجنتيها، كان كلما حاول الحديث شعر بثِقل في لسانه، فرصاصتها كانت في موضع حسَّاس قريب مِن القلب.
تدفقت دماءه للخارج لتضع يدها على جرحه لعله يتوقف عَنْ ألمه وألمها.
أمام غُرفة العمليات، خرج الطبيب مِن الغُرفة ينزع قناع وجهه يقول:
-لقد أخرجنا الرصاصة بصعوبة، سننقله لغُرفة العناية المركزية.
-لا يمكنكُم رؤيته قبل ثمانٍ وأربعين ساعة.
تركهم وغادر، أُخْرِجَ ليل مِن العمليات أمامهم لتسقط جوهرة على ركبتيها تبكي بينما جثى سليم جٓوارها يضمها لـه يربت على كتفها.
نظر فؤاد فِي أثره وتوَّعد داخله لـ جُلنار ليُنادي تميم ويخبره أن يلحق بِه، وأثناء مغادرته قَدمَ اتجاهه مدير أعماله وقد ظهر الذعر على ملامحه يقول:
-سيدي، نَحنُ في موقف حرج.
انتبه جوهرة وسليم عليه ليُخْرج هاتفه المحمول يُرِيهم بث مباشر لـ سمر، ولكِن مع إخفاء ملامحها تقصّ في إحدى القنوات الإخبارية ما تعرضت له أثناء تواجدها بمنزل فؤاد الجندي وأن ابنه اعتدى عليها وهددها بالقتل إن تحدثت.
ارتبك تميم وتراجع فِي خُطُواته ليدفع فؤاد الهاتف بغضب ليسقط بالأرض ويتحطم ليلتفت نحو تميم يصفعه بقوة حتى خرجت الدماء مِن فمه.
نظرت جوهرة إلى سليم الذي اقترب مِن تميم يقف فِي وجه أبيه يقول:
-أبي، يمكننا نفي ما حدث وأنها تسعى للمال والتشهير باِسم عائلتنا.
هتف مدير أعماله بتردد يقول:
-لقد علمت مَن خلف الأمر وجعلها تظهر فِي تِلك القناة الإخبارية.
عقد حاجبيه بقوة حتى تقابلا يطالعه بنفاد صبر، وقد خمن صاحب تِلك الفعلة ليقول:
-السيدة جُلَّنار زوجة ابنك السيد ليل.
هتف باِسمها بغيظ وغضب وضرب الحائط بقبضة يده يلعنها ويسبّ اليوم الذي ظهرت فِيه بحياتهم.
قبض على ياقة تميم يقول:
-ابقَ فِي المنزل لا تخٔرج مِنه، لا أريد رؤيتك خارجه قبل أن أؤمر أنا هل فهمت؟
أومَأ برأسه بخوف مِن بَطش أبيه.
غادر فؤاد وتبعه مدير أعماله بينما جوهرة سألت عَن غُرفة ليل لتخبرها الممرضة.
تميم لحق بأبيه بينما جوهرة وسليم ذهبا لـ ليل هتفت تقول:
-سليم، عليك مساعدة جُلَّنار مِن أجل أخيك.
-ولكِني لم أفهم لِمَ قامت جُلَّنار بهذا؟
-كانت تقْصد تميم، بالتأكيد الأمر صعب عليها الآن وحدها.
وضعت يدها على ذلك الزجاج الدائري المتواجد على باب الغُرفة وقد اغرورقت عينيها بالدموع لتهتف تقول:
-جُلَّنار كانت تنتقم لأختها وما فعله بِـها.
تساءل بتعجب:
-مَن أختها؟
-نور.
فكر قليلا ليحاول يتذكر ما يخُصَّها، لقد خرجت فِي إحدة اللقاءات مِن قبل وأدَّعِت أن تميم اغتصبها وأجهضها، ولكِن سُرعان ما انقلبت الطاولة عليها وكسبوا تِلك القضية وقد زعموا أنها كاذبة وتحاول التشهير باِسم العائلة مِن أجل الحصول على المال مثلما تفعل سمر الآن.
فِي إحدى المنازل المتواجدة فِي منطقة راقية عكس ذلك الحيّ الشعبي الذي كانوا يمكثون داخله، فتحت أفنان باب تِلك الشَقّة ودلفت للداخل تنظر فِي الأرجاء.
الصالة بمفردها مساحتها تضاهي مساحة شقتهم القديمة، لقد خرجت نور مِن المشفى، وكانت مفاجأة للجميع بأنها أصبحت قادرة على التفاعل مِن جديد.
دلفت لداخل الشَقّة تدور حول نفسها بسعادة لتفتح باب كُل غُرفة حتى وجدت واحدة تُلائِمها وفتحت الخَزانة وجدت بِها الكثير مِن الثياب التي اشترتها جُلَّنار بنفسها مِن أجلها، فلطَالمَا تَمنت أن يصبح لديها أختًا تُعِينها على قسوة تِلك الحياة معها.
صرخت بحماس وهي تلقي بالثياب على السرير وأخذت تركض هُنا وهناك بينما زوج أفنان هتف بضيق:
-أنا لا أوافق على ذلك الوضع.
-ألا ترى سعادة ابنتك؟ افرح لها.
-وماذا عَنْ ابنتكِ الأولى؟ لِمَ لمْ تهتمي لأمرها؟
-أنت تُعَكر صفوي.
-هي لمْ تفعل الكثير، هذا قليل حتى على ما قدمته لها.
-لقد أعطيتها هي وأباها شبابي وعُمري وابتعدت عَنْك لسنوات، ذَلك المنزل وتِلك الثياب شيء قليل أمام ما قدمته.
تركته ودلفت للغُرفة تحتضن ابنتها نور لتبدأ فِي رؤية الثياب التي جلبتها جُلَّنار في حين أنه كان مندهشًا مِن تعليق أفنان وحديثها.
كيف تمكنت مِن نسيان ما فعلته ابنتها مِن أجلها رغْم اِنكسارها؟
ليتساءل بداخله أحقا خُدِع فيها؟
كيف قامت بالتمثيل جيدا أمام جُلَّنار حتى صدَّقها هو؟
كان يظن أنها ندمت وتريد فتح صفحة جديدة مع كلتا ابنتيها.
غادر المنزل وصفع خلفه الباب لا يمكنه قبول هدية كتلك على الرغْم أنها ليست هدية بالمعنى الحرفي، ولكِن جُلَّنار أرادت أن يبدأوا حياة نظيفة بعيدة عَنْ عائلة الجندي.
أرادت حياة مختلفة لـ نور تُعوضِها عما شعرت بِـه.
_______________________________
-جُلَّنار عُمر المصري.
رفعت يدها لتنهض وتتقدم مِن العسكري حينما قال:
-لديكِ زائر.
ظنته مارك فِي البداية، وكانت تريد الاطمئان على ليل مِن خلاله؛ لذا ذهبت معه ولكِن ما أن دلفت لداخل غُرفة الضابط حتى وجدت سليم، الذي نهض ما أن رأها.
تصلّب جسدها لوهلة كيف يمكنها النظر لوجهه؟ لتُشِيح بصرها عَنْه تقول:
-لِمَ أتيت لهُنا؟
نظر سليم للضابط ليخْرج، فلحسن حظه أنه كان على عَلاقة قديمة مَعه، وكان صديقًا للعائلة؛ لذا كان متحيزًا لجانب ليل أكثر وعاملها بأسلوب غير لائق.
قبض سليم على يدها يحثها على الجلوس على المَقْعد لتقترب مِنْه وتجلس عليه بصمت بينما هو يقابلها يتساءل:
-أنتِ بخير؟
كانت إجابتها الصمت يدور سؤال واحد فقط فِي خاطرها أ هو بخير؟
لاحظ صمتها وتفهم الموقف ليقول:
-لقد قال الطبيب أن عمليته كانت صعبة.
رفعت رأسها نحوه وقد أثار حديثه انتباهها كيف كانت صعبة أَ يقصد أنه ليس بخير؟
أكمل يقول وهو يرى تأثير الكلمات التي تخُصّ ليل عليها:
-ولكِنه خرج مِن العمليات ووُضع بالعناية، لا يمكننا رؤيته قبل ثمانٍ وأربعين ساعة.
-لا تقلقي، إنه بخير.
زفرت الهواء باِرتياح وتساءلت:
-لِمَ أتيت، يا سليم؟
-أوَليس كان يُثيرك الفضول حول حالته؟
-لا، الأمر كُلَّه أنني لا أريد الظهور كقاتلة.
-سِواء هو أو تميم لمْ أكن سأقتلهم.
-كان على تميم تذوق الموت والعودة مِنه ولكِن.
صمتت فلم يذق الموت سِواها وسِوى ليل، حرك رأسه باِستفهام يعلم محاولتها في إنكار خوفها على ليل؛ لذا قال:
-سمر أدِّت مهمتها، قامت بالتشهير باِسمنا.
-هل هناك مفاجأت أخرى سنكتشفها، سيدة جُلَّنار؟
-ماذا تعلمين عَنْ حادثة نور أختك؟
خمِّنت أن جوهرة أخبرته؛ لذا لم تخفِ شيئا وتحدثت بنبرة جادة ثابتة:
-كانت ضحية كـ سمر، كلا مِنهما كانوا فريسة لـ تميم أخوك، ولا تسألني عما إن كُنت نادمة أنا لستُ نادمة.
-الشيء الوحيد الذي ندمت عليه أن تميم بخير.
تساءل بقوله:
-ماذا عَنْ ليل؟
تعالى رنين هاتفه وكم ارتاحت؛ لأنها لن تكون مضطرة للإجابة بينما هو لمعت عيناه ما أن وضع الهاتف على أذنه لتظهر ملامح مرتعبة ونهض يقول:
-هَل هو بخير الآن؟
-حسنا أنا قادم.
كاد أن يذهب دون أن يفسر لـها ما حدث، ولكِنها نهضت لتقترب مِنه تقبض على ذراعه تمنع رحيله تتساءل:
-ماذا حدث؟ هل ليل بخير؟
-يبدو أن هناك خطب.
-الأطباء عنده الآن.
التمعت الدموع فِي مقلتيها وابتعدت عَنْه تقبض على خُصْلاتها بكلتا يدها تقول بهستيرية:
-أنا السبب أنا مَن أطلقت النار بيدي تِلك.
اقترب مِنها سليم وهتف يقول:
-جُلَّنار اهدئي ليل سيكون بخيرًا أنا متأكد مِن هذا، فقط لا تعاندي ثانيةّ وتخبريني أن أمره لا يهمك.
تركها وغادر بينما هي كانت تبكي حتى شعرت بوخز في قلبها دلف الضابط ليقول:
-غريب! الآن تبكين.
-هل أنتِ مستعدة للتحدث؟
توقفت لثوانٍ وأزالت عَبراتها تنظر لـه تقول:
-أريد العودة للحبس.
-حقا! كم أنك امرأة مزعجة!
عادت مرة أخرى للحبس لتجلس فِي زاويتها مرة أخرى تنظر ليدها المملوءة بدمائه حتى غفت فِي مكانها مِن شدة تعبها وإرهاقها.
على الجهة الأخرى، عاد سليم لأمه وكان ليل بخيرًا، ولكِنه كان يختبرها.
تقدمت مِنه جوهرة تتساءل:
-كيف حالها؟
-مؤلم.
-ليت ليل استمع لي أخبرته أن يأخذها ويذهب بِها بعيدًا عَنْ ذَلك المنزل الملعون.
-أمي.
انتبهت لـه ليباغتها بسؤاله:
-ماذا حدث مَع نور؟
لمح الارتباك والحَيْرَة على ملامحها ولكِنها نفت برأسها تقول:
-لا أعلم الحقيقة كاملةً، فؤاد مَن تَصَدّر لتِلك العائلة.
لم يقتنع بحديثها يبدو أنها تخفي شيئا عَنه، غادر وعاد للمنزل حيث تميم.
_______________________________
في الصباح الباكر، أصبحت عائلة الجندي كُلَّها مَحاصرة مِن قِبل الإعلام والصحافة متساءلين عما إن كان إدعاء سمر حقيقيًّا، وأيضا تم تسريب خبر إصابة ليل وحبس زوجته كانوا تحت ضغط حقيقي، ولحُسن حظ ياسر غادر مَع عائلته قبل الليلة التي سبقت الحادث.
كان يتجه لداخل قسم الشرطة الذي تمكث فيه ليقابله الإعلام يتساءل:
-هل أتيت لتُخْرِج زوجة السيد ليل أم أتيت لتُثْبتْ التُهمة عليها؟
-وهل حقا هِي المسؤولة عَنْ إصابة السيد ليل؟
-هل كُنت تعرف هُويتها الحقيقة أثناء الزواج؟
تجاهلهم جميعا حتى دلف لداخل القسم يجلس في غرفة الضابط والذِي لم يخبره عَنْ مجيء سليم ليلة أمس.
أحضرها كما طلب فؤاد، فُتِح الباب لتنزعج مِن تِلك الإضاءة وتفتح جفنيها.
-جُلَّنار عُمر المصري.
تهامست السيدات فيما بينهُنَّ عَنْ حقيقة وجودها هُنا والزيارات المتعددة التي تأتي لها، تنهدت ونهضت بقليل مِن التعب لتشعر بمغص فِي معدتها ليغلق العسكري بوابة الحبس مرة أخرى، بينما هي اِسْتندت إلى الجدار تئِن بألم تساءل الواقف بجوارها:
-أنتِ بخير؟
أومَأت برأسها واعتدلت فِي وقفتها لتسير باِتجاه غُرفة الضابط ورأت أكثر شخصًا لا تتمنى رؤيته فِي موقفها هذا، وخاصةً شعورها بالتعب والإرهاق.
تقدمت نحو المَقْعد تجلس عليه، ولكِن الضابط صرخ فيها يقول:
-انهضي.
-اتركها، سيد فضل.
-بالتأكيد لا تستطيع الوقوف على قدميها بعد تِلك الأحداث وإتهامها بالشروع في القتل.
-لا تقلق، قدماي ما زالت بخيرًا لتحمُلنِي، لا تحمل همًّا.
نهض الضابط وغادر ليتركهما ابتسم يقول وهو يعتدل في جلسته:
-هل تعلمين ماذا أرى مِن مكاني هُنا؟
-فاشلة، أكبر فاشلة رأيتها.
-هذا ما تريد رؤيته وليست الحقيقة.
-إلى أي مدى ستصل بعد سيد فؤاد لتزييف الحقائق؟
-فضحية السيدة يُسرا يتبعها فضحية ابنك تميم بكونه مُغتصب تحت سلطة ونفوذ أبيه.
-تِلك الفضائح تعرفها الناس فقط، ماذا عَنْ الذي أعرفه؟
-أتيت لرؤيتكِ خاسرة فقط، ليل سيصبح بخيرًا ولن ينظر لوجهك ثانيةً وسأكسبه لصفي مجددا.
-ولطَالما كانت العائلة تقع فِي مأزق لا بأس يمكننا التغلب عليها، ولكِن مِن أين لكِ معرفة ماذا تعني العائلة!
-أمكِ تركت أباكِ مِن أجل عشيقها.
لا تنكر أن الحقيقة ألمتها، لتجده ينهض ويغلق زِر سترته مجددا وكاد أن يغادر لتقول:
-هل ترى أن هناك ما يجعلني أتوقف؟
التفت لـها لتنهض وتتقدم مِنه تزيل غبار وهمي على كتفه الأيمن لتهمس تقول:
-ماذا عَنْ حقيقة قتلك لأبي؟
-ماذا عَنْ حقيقة أن تميم ابنا غير شرعي وأنك قتلت أمه بعد ولادتها له مباشرةً؟
-ماذا عَنْ عَلاقتك الغير شرعية مَع منار؟
جحظت عيناه بصدمة ونظر لـها بِـ حَيْرَة مِن أين لها معرفة حقيقة تميم، ابتلع لُعابه الوهمي وحاول الحفاظ على ثباته وكاد أن يجيب حتى قاطعته:
-بالمناسبة هل تعلم أين مَنار الآن؟
-كن متيقظًا، لم أكُن الشاهدة الوحيدة على عَلاقتكما.
-كل ما حدث بينكما مُسَجّل.
هتفت تقول وهي تعدّل ياقة قميصه:
-لا تحكم فِي بداية المباراة مَن الخاسر ومَن الفائز.
ابتسمت باِنتصار وهي ترى اِصفرار وجهه وشحوبه، لتتقدم مِن الباب تطرق عليه ويفتح لـها العسكري.
نظر لـها الضابط كم كانت واثقة مِن نفسها ليدلف للداخل ويجد فؤاد يختنق، ويحاول فك أزرار قميصه ويهتف باِسمها مِن بَين أنفاسه المختنقة بغضب.
_______________________________
مَرَّ الوقت بطيئا عليها، حاول مارك رؤيتها ولكِنها رفضت لا تمتلك القدرة على مواجهة أحد الآن حتى أن أغلب مَن معها فِي الحبس غادر سواء للمحاكمة أو براءة وغيره سِواها لا تبرح مكانها إلا للضرورة كقضاء الحاجة بأمرٍ مِن فؤاد.
كان الأمر مؤلما اعترفت بهذا داخلها وخاصةً أن الدماء لا تَزال فِي يدها تُذْكرها بخيانتها لهُ.
تميم يجلس فِي المنزل لا يبرحه أبدا خوفا مِن الإعلام وأبيه، وما يُثير خوفه أكثر هو جُلَّنار كانت تودّ الانتقام وكأنه اغتصبها هي، ولكِنه لم يفهم لِمَ قررت الانتقام لسمر وللآن لم يعرف صِلتها بـ نور لطَالمَا كانت تزوره فِي أحلامه وهي تطلق النار عليه بدلا مِن أخيه، الذي لم يسأل عَنْه منذ إصابته ولو مرة لم ينشغل بِـه بقدر اِنشغاله بمصيبته.
كانت تجلس جوهرة فِي غِرفتها على السرير حيث كانت تقابلها المرآه تنظر لكدمات وجهها التي تلَقتها على يد فؤاد فِي تِلك الليلة التي عاد فيها غاضبًا عندما صعقته جُلَّنار بمعرفتها للحقيقة.
ألقى بربطة عُنقه بالأرض ما أن دلف للمنزل ليصعد للطابق الثاني حيث غُرفته، وفتح بابها بعنف لتنتبه لـه جوهرة التي ولسُوء حظها عادت لتُحضر ثياب لـها للبَقاء بجانب ابنها.
وجدته يتقدم مِنها حتى وقف أمامها مباشرة وقبل أن تتساءل عَنْ غضبه حتى باغتها بصفعته القوية التي جعلت وجهها يدور للجهة الأخرى ولوهلة شعرت بأنها غير قادرة على إدارته مرة أخرى، لتجده يقبض على فكها بحِدة ويُقْربها مِنه يقول بغضب متساءلا:
-أنتِ مَن أخبرتيها؟
أجابته بتلعثم وهي تشعر بالرعب والذعر مِنه:
-م من؟ مَن هي؟
-تِلك الفاسقة التي سرقت الراحة مِن حياتي وحياة عائلتي.
-أخبرتيها بقصة تميم، أليس كذلك؟
-ل لا، لم أخبرها صدقني.
-حقا! هل علَىَّ تصديقك!
دفعها بقوة ليصطدم ظهرها بطاولة الزينة ويسقط كُل ما كان عليها بينما هِي تألمت.
وجدته يخلع سترته ويُلقِيها بالأرض يقول وهو يرفع سبابته نحوها:
-إن كان لكِ يدا فِي ذلك الأمر، ستلحقين بِها.
كاد أن يتجه للحمَّام حتى توقف عند قولها:
-لنتطلق.
استدار بجسده كُلَّه ليقترب مِنها بخُطُواتٍ هادئة ولكِنها كانت تصنع إيقاعا مخيفا داخل قلبها الصغير الذي كاد يتوقف عَنْ النبض مِن شدة تدفق الدماء داخل أوردتها.
لم تستطعْ تحديد مِن أين تتلقى ضرباتها بينما هو يهتف مِن بَين أسنانه بغضب بكلمات مثل:
-حقا! هل تتمردين علَىَّ؟
-سأقتلك، سأجعلك تلحقين بالمرحومة.
لتهتف مِن بَين أسنانها وهي بالكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة أثر قبضته على عُنقها:
-أفلتني.
-ليس قبل أن تندمين على طلبك.
-لا أندم، إن كُنت أستطيع لانفصلت عَنك منذ زمن.
-وهل تملكين أحدا ليبقى جِوارك؟
-إن نزلتِ للشارع تتشردين.
دفعها بقوة ليصطدم رأسها بينما هو ابتعد عَنْها يُزيل تِلك الحبيبات التي برزت على جبهته أثر تعنيفه لها.
ليقول:
-سأتركُكِ مؤقتا الآن؛ لأنك لستِ خِصم علَىَّ الحذر مِنه أعلم ماذا علَىَّ فعله معكِ دورك سيأتي؛ لذا انتظري الأسوأ، يا جوهرة.
تركها وغادر وقد مَنعها مِن الخروج مِن غُرفتها حتى، والطعام يصل لـها عَنْ طريق الخادمة بينما هو يحاول تنظيف الفوضى التِي حلَّت بِـه هنا وهناك مِن حيث الإعلام وأسهم الشركة والمشكلات التي افتعلتها العملاء، بالإضافة لسمر والتِي لا أثر لـها منذ الظهور على التلفاز، وجُلَّنار التي تحمل مَعها قنبلة مؤقتة يمكنها تدميره فِي لحظة.
_______________________________
دلف العكسري يُنادي اسمها لتنظر نحوه بملل وتخبره برفضها لمقابلة الزائر قبل حتى أن تعلم هُويته، ولكِنه أردف يقول:
-إنه يخبرك أن الأمر متعلق بِـ ليل.
التمعت عيناها لتنهض وتغادر مَعه وما أن دلفت لغُرفة الضابط حتى وجدت سليم الذي نهض ما أن رأها.
تقدم مِنها يقبض على كلتا يدها يقول:
-جُلَّنار، ليل ليس بخيرًا.
-لم يفقْ للآن.
كان يصدرها يهبط ويعلو بعُنف وحِدة، وقد تثاقلت أنفاسها لقد مَرَّ أسبوعان ظنت أنه اِسْتيقظْ وحقا كما أخبرها فؤاد لا يُرِيد النظر لوجهها، تساءلت بخفوت:
-ماذا تقصد؟
-عليكِ زيارته.
-أخبرني الطبيب أن الحديث قد يجدي نفعا، حاولت كثيرًا ولكٓنه لا يستمع لي.
-إنه لا يستمع إلا لكِ.
ابتلعت لُعابها لتتراجع خُطوة للخلف، وهي تُزِيل يدها مِن قبضتيه تقول باِستنكار:
-هل أتيت لتمزح معي!
-أنا حاولت قتله، بأي حق تطلب مِني الذهاب لزيارته؟
-وأيضا كيف سيتم الأمر، أنا مُعتقلة.
-لقد تدبرت أمر هذا.
-جُلَّنار، ليل يحتاجك.
-وإن كُنتِ حقًا سببًا فِي رقده على سرير المشفى بلا حَراك للآن، فرُبما تكونين سببًا لمساعدته.
-لا أريد خَسارته.
«ولا أنا» هكذا عَقبت على حديثه بداخلها، تبادلت النظرات بَينه وبَين الضابط الذي كان يمقتها باِشمئزاز لولا أن سليم أخبره بمدى خطورة الوضع وأنها قد تكون سببًا فِي شفاء ليل حتى وافق.
بعد قليل كانت قد ارتدت ثيابا مكونة مِن بنطال وبلوزة باللون الأسود، ولكِنها أكثر أريحية مِن ذَلك الثوب الذي لمْ تخلعه مُنذ أول يوم أتت فيه لهُنا.
وضعت قبعة أعلى رأسها لتخفي القليل مِنها وغادرت تلتصق بسليم وقد اتخذ كُل الإجراءات اللازمة حتى لا يُفضَح الأمر، أو يصل الأمر للإعلام، وأيضا لسلامة جُلَّنار والضابط الذي قام بالأمر وفقا لمسؤوليته الشخصية وقد أرسل معهما عسكريين.
كانت تجلس جِواره فِي السيارة تستمتع بذلك الهواء الذي يضرب بَشرتها لتستنشقه مِن حين لأخر حُرمت مِنه لتجده يقول:
-جُلَّنار، لا أعلم ماذا ستقولين له ولكِن رجاء افعلي ما بوسعك لمساعدته.
أعادت النظر للنافذة لتغلق مقلتيها، وقد تمردت إحدى عَبراتها لتزيلها بسبابتها، وترجلت مِن السيارة لتدلف لداخل المشفى مستخدمة أحد المصاعد المتواجدة فِي المرآب كُلما اقتربت خُطُواتها مِن الباب المقصود كُلما زاد خفقان قلبها حتى توقفت أمامه مباشرةً وما يفصلها بَينه وبَينها بابًا، ابتلعت لُعابها الوهمي ورفعت يدها نحو مَقْبض الباب تغلق مقلتيها وتلتقط أنفاسها لتراودها رغبة بالانسحاب، فتحت عينيها أثر نداء فؤاد:
-سليم!
.
بقلم/سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_______________________________
لم يُصحح الفصل بشكل كامل، نظرا لاختباراتي النهائية، ولكِني سأُعِيد تصحيحه فيما بعد♡1)ما رأيُكُنَّ في تصرف أفنان وكلماتها؟
2)ضعوا عِنوان آخر للرِواية.
3)مع أو ضد تصرف جُلَّنار، حيث أنها كانت ستُصِيب تميم بعَاهة تلازمه طوال حياته؟
أنت تقرأ
بِـلون الدم
Aléatoireلكُلٍ مِنْا جَوارحهُ التِي تَنزَف دَاخلهُ بِقوةٍ مِنذُ سنوات وَلكِن لا أحد يراها؛ لأننا نَحكمُ الغَلقُ بِشدَّةِ وَكأننا نخافُ أنْ يَسْقطَ نَزِيفُنا بالأرضِ، فيتلطخ بِه أحدٌ. هو قَررَ مُشارِكتها لِنَزِيفها بأنْ يكونَ إناءٌ تُفْرِغ بِداخلهُ مَا كَتمته...