نكمل روايتنا بِـلون الدم.
بقلم/سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٣٥..
_______________________________
-هل أنتِ بخير الآن؟
أومَأت برأسها تنظر للنافذة كان الجو حارًا لترفع خُصْلاتها للأعلى عَبر رابطة شعرها، وكانت قد اِنْتَهت مِن تفريغ كَل مشاعرها إلى حياة التِي كانت فِي إجازة مَع أمير الذي منع كُل طُرق التواصل لـهما؛ حتى يتفرغ لـها ويعوضها عَنْ فُقدان اِبنهُما.
-جُلَّنار، رُبما ذَلك الحُلم إشارة أو علامة.
-ماذا تقصدين؟
-أنتِ تشعرين بالذنب.
-أو رُبما مَا زال هناك جزءًا داخلك لم يستطع مسامحة أبيكِ وأمك.
صمتت تُعِيد كلماتها على مسامعها.
هل هِي حقا لم تسامح أبوها بالكامل؟؛ لذا أتى لـها ويده مُدمية.
هل كانت تِلك إشارة لـها بأنها مَا زالت آسيرة داخل جدران تِلك الغُرفة الصغيرة بمفردها تستمع لصرخات أمها وغضب أبيها، تشعر بمَلمس الحزام على جسدها وتسمع صوت اصطدامه بجلدها، تتذكر اِرتجافها فِي الزَاوية تنظر للباب خشية أن يعود مجددًا؛ لضربها ولهذا لم تَذُقْ طعم النوم لأيامٍ.
وكيف لها أن تسامح أُمها!
هل التي أخبرتها صراحةً أنها لا تُحبهَا وأنها بلا هُوية، هي التي ذَهبت لرعاية فتاة غيرها؛ فقط لكونها أنجبتها مِن الرجل الذي تحبه.
في السابق كانت تكره أبوها ظنًا منها أنه مَن أجبرها على المغادرة، ولكِن أتضح فيما بعد أنها مَن طلبت الطلاق والمغادرة للذَّهاب إلى عشيقها، تركتها فقط مِن أجل رجلٍ غريب، ظلت تتساءل ما الذي ينقصها حتى تتخلَّى عَنْها بتِلكَ السهولة.
هي لم تستحق تِلك المعاملة مِن كليهما؛ لذا رُبما حديث حياة صائب، هِي لم تستطع مسامحتهما بشكل كامل مَا زال هناك جزءًا داخلها أسيرًا لتِلك الأيام والليالي، مَا زال فؤادها ينزف أثر تِلك الندوب التِي تفنن كُلٍ مِنهُمَا فِي رسمها بقلبها.
اِنْتَبهَت عند ذِكر حياة لاسم ليل تقول:
-وعليكِ إصلاح علاقتك بِـ ليل، لا يمكن أن تبقى عَلاقتكما مُضطربة بهذا الشكل، وخاصةً أنك تحملين بداخلكِ طفله.
رفعت يدها بتلقائية نحو معدتها تمسد عليها تهتف قائلة:
-لا يمكنني يا حياة، أشعر بأن يدي مُلطخة بدمائه.
-أقول رُبما لو لم أظهر فِي حياته لِما كانت تدمرت.
-كيف يمكنني النوم بجانبه على سرير واحد وأنا قد دَمرت عائلته؟ حتى وإن كانوا مخطئين.
-كيف يمكنني مسك يده باليد التي أطلقت عليه رصاصة رقد بسببها داخل المشفى لأسابيع؟
-أَ تعلمين ما الفارق الوحيد بَينك وبَينه؟
أعطتهَا كُل حَواسها لتلتفت بجسدها كُلَّه نحوها تستمع لِما سَتَلقِيه عليها تاليًا:
-أنه سامحك، رُبما غاضب ولكِنه سامحك.
-يَدك ليست مُلطخة بالدماء يا جُلَّنار، أنتِ تتوهمين؛ لأنك لستِ قادرة على سماح عائلتك، تعيشين داخل وَهَم أن ليل لن يسامحك.
استمعوا لصوتٍ فِي الخارج لتشعر جُلَّنار بالقلق وتنهض تستند إلى حافة الأريكة تُردد قائلة:
-ماذا يحدث؟
فتحت باب غُرفتها لتتجه للصالة أول ما وقع بَصرها عليه تِلك الفتاة الصغيرة والتِي كانت تحمل قدرًا كبيرًا مِن الجمال بخُصْلاتها الذهبية وبَشرتها النضرة.
تعرفت عليها فهي قد رأت صورتها مِن قبل، بَينما سليم كان غاضبًا يهز قدميه بقوة ويشبك أصابع كلتا يداه ببعضهما تساءلت:
-ماذا يوجد؟
-هل أنت بخير؟
عقد ليل ذراعيه معًا وقد ضاقت عيناه نحوها، كيف لـها أن تسأل عَنْ حَال غيره بَينما هو الذِي تدهورت حَالته فِي الأيام السابقة، ألتِلكَ الدرجة لا تهتم لـه بمقدار ذرة!
أردف سليم يقول بنبرة حاول جعلها طبيعية، فهو يعلم طبيعية الأحداث التي تَمُر بِـها وأيضا حملها:
-لا تقلقي أنا بخير، مِيا عادت.
نظر نحو مِيا يُشِير لـها لتأتي لـه تقف بَين ساقيه حيث كان يجلس ليضمها نحوه يقول بِلُغتها:
-إنها جُلَّنار، زوجة أخي ليل.
-أحببتيه؟
أومَأت برأسها لـه وهي تبتسم تنظر إلى ليل الذِي بتلقائية أُزِيلتْ عُقدة حاجبيه ليُكَمل قائلا:
-تِلك زوجته، وتحبك أيضًا.
-اذهبي لـها.
اِتْجهَتْ مِيا نحو جُلَّنار تحتضنها لتنحني نحوها وتُقَبّل مقدمة رأسها تقول وهي تُشِير لسمر:
-احضري لي هاتفي.
أومَأت لها لتذهب تُحضره على الفور بينما جُلَّنار جلست على الأريكة لتضعها على قدميها بَينما ليل وكز حياة التي فهمت مقصده وضحكت تقول:
-أليست ثقيلة عليكِ؟ هناك أحدًا خائفًا على طفله.
شعر بالحرج حينما لمْ تنظر إليه، فمُنذ أن خرجت للصالة وهي تتعمَّد تجاهله أو رُبما تحاول السيطرة على رغبتها فِي البكاء داخل أحضانه، اِسْتَطَاعت جُلَّنار التواصل مَع مِيا عبر تطبيق الترجمة وتساءلت عَنْ عُمرها ومدرستها وغيره مِن الأسئلة العشوائية.
صَمَت الجميع لهُنَيهَة حينها سقطت مِيا آسيرة لسُلطان النوم بَين ذراعيّ جُلَّنار التي مَسحت على خُصْلاتها برفق وحُبّ.
-يبدو أنها أحبَّتك.
اِبْتسمَت لـه لتضمها نحوها أكثر وهتفت متساءلة:
-ماذا بك؟ لِمَ أنت غاضب؟
عُقدت حاجبيه مجددا تعبيرًا عَنْ غضبه ليقول:
-ماريا عادت بكل جراءة ووقاحة تطلب مني الإعتناء بِـ مِيا؛ لأنها مقبلة على الزواج.
-حسنا، تِلك فُرصتك اِسْتغلها للبَقاء مَع ابنتك وتربيتها.
-ولكِن...
-أنت خائف مِن المسؤولية يا سليم، الأمر بسيط وأيضا نحن معك وفتاة كـ مِيا لن يمل الإنسان مِنها.
-كم أنتِ عاقلة!
رفعت بَصرها نحوه لقد كان يكبح مشاعر الضيق والحنق لأطول مدة ولكِنه سَئِمَ مِن تناقضها، حاول أمير تشتيت اِنتباههُم ليقول:
-متى اِشْتريت هذا البيت، يا ليل؟
-قبل شهرين.
-اِشْتريته لنسكن فيه أنا وزوجتي، ولكِن يبدو أن جميعكم سَينعم به سِواي.
أخذ سليم اِبنته لـ غُرفة جانبية تُنَام بِها مؤقتا، عاد مارك مِن الخَارج ليلقي التحية عليهم ويقترب مِن جُلَّنار يدنو برأسه نحو أذنها يهمس لـها ببضعة كلمات جعلتها مُضطربة، ولكِنها تمَاسكت حينما وجدت الجميع ينظر نحوهما لتبتسم لـهم تقول:
-لِمَ لمْ تخبرني قبل سابق!
نظرت نحوهم كان الجميع فِي اِنتظار التبرير وقد شعر ليل بخطب ما لتقول:
-مارك يريد أن يتزوج.
أشار مارك على نفس بذهول لتنكزه بعظمة كوعها ليُحَرك رأسه بالإيجاب وهو يشعر بالصدمة كيف لـه أن يتزوج إنه لم يتخيل الأمر حتى، هتفت تقول:
-عليك أن تُعَرفنِي عليها فيما بعد.
أومَأ برأسه بصمت بَينما هي استأذنتهم قليلا لإحضار مشروب لـها، كادت أن تنهض سمر حتى أخبرتها أنها تريد الحركة قد سئمت مِن الرقد على السرير.
كانت تقبض على يد البَّراد تنظر للفراغ بشرود وهِي تقوم بصّب المياه داخل الكوب، ولكِن المياه سقطت على يدها لتُفزع لم تستوعب يده التي التفت حول إصابتها بسرعة، وجدته يقول بحدة:
-لِمَ لا تنتبهين أكثر؟
رفعت بَصرها نحوه تَرَى ملامحه القلقة رغْم اِنفعاله عليها جذبها إلى الصنبور أسفل الماء البارد، كان يعقد حاجبيه وعينيه تزوغ هنا وهناك بحثا عَنْ علبة الإسعافات ليذهب وهو يقْبض على يدها باِتجاه الخَزانة يفتحها ويُخْرِج مِنها علبة صغيرة تحتوي على كريم لجروح الحرق وضع القليل مِنه على إصبعه بعد أن جفف الماء ليبدأ في مَسح حرقها بِالكريم.
كانت صامتة مُترقبة وعيناها لمعت بالدموع، شعر بِها ليرفع بَصره نحوها وتوقف عمّا يفعله لوهلة يتساءل بنبرة لينة:
-هل يؤلمك؟
نفت برأسها لتبعد نظرها عَنْه حتى وإن سامحها هِي لن تستطيع مسامحة نفسها، كادت أن تؤدي بحياته ودّمرت عائلته كيف لـها أن تنظر في عينيه كالسابق وخاصةً أن كل ما قامت بِه بُنِى على كذبة.
عقد حاجباه باِنزعاج عندما نزعت يَدها مِن قبضته بعُنف تقول:
-ليس عليك فعل هذا.
-لا تُغضبيني، وأعطيني يدك.
-لا أريد.
رطبت شفتاها بلسانها لتنظر نحوه تقول بنبرة تملؤها الحَيْرَة وأردفت بكلماتٍ متلاحقة:
-هل حقا تستطيع النظر لي رغْم كُل مَا فعلته بك وبعائلتك! كيف يمكُنك الإعتناء بجرحي بَينما أنا أصبتك برصاصة؟ كيف يمكنك الإعتناء بِي والوقوف أمَامي بينما عائلتك فِي الخارج تُعاني؟ ألا تشعر بالتناقض!
فجائِها بقوله وقد رفع عيناه صوّبها وليته لم يفعلها رأت الخذلان والانكسار داخلهما:
-لأنك عائِلتي.
-كُنتِ أول مَن لاحظ حُزني، وكَنتِ أول مَن سألني عَنْ حَالي، تشبثتِ بيدي ولمْ تتركينها فِي الوقت الذِي كُنت فيه ضائعًا وأشعر بالغُربة بَين ما تُسمينهم عائلتي.
_______________________________
الجميع هُنا سِواه منذ تِلك اللحظة التي أَلقى عليها تِلك الكلمات وهو لمْ يظهر أمَامها مرة أخرى، وهي لمْ تَذُقْ طَعم للراحة والنوم لقد أصبحت فِي منتصف الشهر الثالث مِن حملها والجميع يهتم بِـها ويأتون لـ رُؤيتها بَينما هي ترغب فِي رُؤيتهِ هُوَ رغْم تظاهرها باللامبالاة وعدم الاهتمام ألا أنها كانت تبحث عَنْه فِيهما فِي كل مرة يأتون لزيارتها، تسهر فِي الليل على أمل أن يأتي ويختطف القليل مِن النظرات.
نظرت نحو جوهرة التي قدّمت لها ثمرة فاكهة لتأخذها مِنها على مَضض نظرًا لمجهودها فِيها حيث أزالت القشرة الخارجية للتفاحة، لقد عادت أمه بَينما هو لمْ يعد تخبرها أنه قام بتوصيلها لهُنا وغادر حتى أنه لم يدخل رغْم أنه منزله، ولكِنه تركها فِيه ولم يُطالبها بِـه.
كانت تُعِّد سمر طعام الغداء فِي الداخل بَينما مارك فِي الخارج وقد عاد لتّوه ولكِن هيئته دّبت داخلها الرعب ليقول:
-تِلك الجثة التي وُجِدت قبل مدة كانت بالفعل لـ منار.
إذا هُوَ فعلها حقا عندما أرسل لـها تهديدًا مِن قبل مَع مارك بأن تُحضر لـه الأدلة التي تُدينه مِن منار أو سَيُقْتلهَا، ولكِنها لم تُعِره اِنتباه؛ لأن بكل بساطة منار لا تحمل أدلة فِي يدها بَل كانت مَع جوهرة طوال ذَلك الوقت ولكِنه قتلها وألقى بجثتها فِي حاوية قمامة.
كيف فعلها! لمْ تتعجب كثيرًا فهو قتل مِن قبل أم تميم ووالدها رُبما هناك أخرين أيضًا.
-سيدتي أنا قلق عليكِ، رُبما عليكِ السفر للخارج لبضعة أشهر على الأقل حتى تولدين.
السفر! ماذا عَنْ ليل؟
ابتلعت لُعابها بِـ حَيْرَة وضيق لتستأذن مِنهم تذَّهب إلى غُرفتها، اِسْتنَدَت إلى الباب بظهرها تشعر بالتعب لترفع يدها حيث رأسها تدلكه، وقع بَصرها على ذَلك الإطار المُعلق أعلى السرير كان يحمل صورةً لكُلِيهُمَا فِي حَفل زفافهما كيف كانت تَقْبض على يده بقوة لا تعلم عمَّا إن كانت تَبُث الأمان داخله أم داخلها واِبْتَسامتها لم تَغِبْ عَنْ وجهها.
جلست على الكرسي أمَام النافذة وشعرت بنسيم تفوح مِنه رائحة الياسمين لتغلق مقلتاها تفكر فِي حديث حياة هل عليها مسامحة الجميع والتخلِّي عَنْ اللوم، أم الاختفاء كُليّا مِن الوسط كأنها لم تظهر قط والاحتفاظ باللوم لذاتها.
_______________________________
-أريدك أن تغادرين.
-إلى أين؟
-للخارج، السيد فؤاد لن يهدأ له بال إلا عندما يجدك.
-ولِمَ تخبريني بهذا؟
-مَنار، أنا بالفعل أكرهك ولكِني لست منعدمة الضمير.
-سَأساعدك فِي الهروب مِنه وأُرسلك للخارج، وأيضا سَتَحصلِين على مبلغ جيد.
-يمكُنكِ البدء مِن جديد.
-فؤاد لن يفعل لي شيئا.
رفعت يدها لخُصْلاتها تَنقل غضبها من تِلك الحمقاء عَبر قبضتها لتقول:
-استمعي لي جيدًا، أنتِ لا تعلمين مصائبه ولا تعلمين وجهه الحقيقي.
-وهل أنتِ تعرفين؟ أنتِ لم تُكملي معهم سنة حتى.
-كما تشائين.
-أنا قدمت لكِ المساعدة وأنتِ رفضتيها، سأتركك لتتعرفين على وجه فؤاد الحقيقي بنفسك.
غادرت جُلَّنار مَع مساعدها مارك الذي عندما هِي اخترعت كذبة زواجه كان يخبرها بتهديد فؤاد لـها؛ لذا قلقت أن يصل لـ مَنار ويؤذيها ظنًا مِنه أنها تحمل دليلًا لإدانته وقررت مساعدتها ولكِنها ترفض؛ لذا ما باليد حِيلة.
بعد يومين، هاتفتها مَنار وقد وافقت على عرضها لقد حسبتها جيدا بالتأكيد لن يقبل بِها فؤاد بعد أن كُشِفَتْ أمامه وليل أمر ميئوس مِنه لن يقبل بِها؛ لأنه بكل بساطة يحب جُلَّنار.
جهزت مبلغ مالي وأعطته لـ مارك ليقدمه إلى مَنار بالإضافة لتذكرة سفر حيث أحد معارف جُلَّنار، كانت مَنار فِي طريقها للمطار ولكِنها تراجعت عَنْ الفكرة ومزقت التذكرة لتعاود مرة أخرى، وقررت شراء منزل والبَقاء فِيه بعيد عَنْ أعين فؤاد وغيره وهي معها مبلغ لا بأس به، ولكِن رصدها أحد رجال فؤاد الذي أمرهم بالبَحث عَنها في كل مكان واختطفها.
تعرضت للعذاب بأشد أنواعه لتقسم عدة مرات أنها لا تمتلك دليل إدانته لينتهي المطاف بقتلها وإلقائها فِي إحدى حَاويات القمامة.
_______________________________
فِي صباح اليوم التالي، شعرت جُلَّنار بضوء الشمس على وجهها لتنزعج وترفع يدها أمام عينيها تحجبه لتفتحهم برفق، قضت الليل بِرُمِته على ذَلك المَقْعَد أمَام الشرفة لتشعر بألم فِي رقبتها، اعتدلت فِي جلستها وقد اِسْتَمعَت لطرق على باب غُرفتها يتبعه صوت طفولي أعجمي مملوء بالحماس:
-جُلَّنار، إنه أنا مِيا.
دلفت وهِي تبتسم لتتقدم مِنها وتفتح ذراعاها لتعانقها جُلَّنار وترفعها على قدميها تمسح على خُصْلاتها بلُطف اِسْتَخدمت هاتف مِيا لتستطيع التحدث مَعها عبر تطبيق الترجمة وسألتها عَنْ حالها لتخبرها مِيا...
«لقد قضيت الليل كُلُّه مَع العَم ليل وأبي، ولكِن المنزل احترق.»
عقدت حاجباها بقوة لتخفضها بالأرض وتنهض تلتقط هاتفها تبحث عما إن كان هناك اخبارًا عَنْ هذا وجرت للخارج لتجد سليم يجلس جِوار أمه يخبرها بأن منزل فؤاد الجندي بِرُمَتُه احترق بالكاد اِسْتَطاعوا إنقاذ أربعتهم وقد أُصِيبَ ليل بعدة جروح تساءلت بذهول وتلقائية:
-هل هو بخير؟
أدار رأسه نحوها ليومِئ قائلا:
-ولكِن أبي لم نستطع إخراجه.
هناك اِبتسامة اِرْتَسمت على ثِغر جوهرة وقد تساءلت وَكأنها تريد تأكيد المعلومة:
-هل حقا لم يَخْرُج مِنها؟
تعجب سليم مِن أمه التي كانت اِبْتسامتها تمتد مِن الأذن للأخرى وتنظر إلى جُلَّنار التِي كانت قلقة على ليل، بالتأكيد لن يكون بخيرًا ولكِنها لن تستطيع تضميد جروحه؛ لأنها مصدرها.
نهض سليم يتجه نحوها يقول بنبرة متأسفة:
-جُلَّنار، أعتذر ولكِن هل يمكنني إبقاء مِيا معكِ؟
-بالتأكيد لا تقلق عليها، إنها فتاة جميلة وجميعنا سنسعد لبقائها.
جذبت نحوها مِيا لتبتسم لـها وتنقل بَصرها نحوه، كانت تود السؤال عَنه أيَن يبقى الآن؟ وما مَدى جرحه؟
تسارعت ضربات قلبها حينما ذَكَر اِسمه حيث كان يهاتفه ليقول:
-يجب أن استأذن، ليل يهاتفني.
تركهم وغادر بعد أن ودّع صَغيرته، لتتجه نحو الحمَّام تغسل وجهها بالمَاء بَينما سمر تمّنت إن كان تميم بدلا مِن فؤاد.
نظرت للمرآة إنها غير سعيدة بذلك الخبر رغْم أنه قَتَل أبوها وفعل جرائم شنيعة بحق الجميع، ولكِنها حزينة على ليل الذي ارتبطت حياته بحياة أبيه منذ الصغر حتى وإن كان يتحكم بِه.
خرجت لتُبدِّل ثيابها إلى ثوب أزرق اللون يضيق عند معدتها ليُبرزها منتفخة قليلا تنهدت وهي تَضع يدها عليها لم تهتم بِه نظرًا لتِلك الأحداث الأخيرة.
جذبت حقيبتها البيضاء واتجهت للخارج لتتشبث بِها مِيا تُخٔرِج هاتفها وتكتب داخله أنها تودّ الذهاب مَعها.
-لا أستطيع، رُبما فِي المرة القادمة.
-إلى أين، يا جُلَّنار؟
نظرت نحو جوهرة لتجيب عليها:
-لقد سئمت مِن المنزل سأذهب قليلا.
-لا يجوز، ألا ترين ماذا يحدث فِي الخارج؟
-بالتأكيد الصحافة ستكون عيناها على كل أفراد الجندي.
-أنا لست مِنهم.
اقتربت مِنها سمر تقول باِرتباك:
-سيدتي رجاء لا تغادري، نحن قلقون عليكِ.
-لا تقلقي.
غادرت ليتبادلوا النظرات فيما بَينهما، فـ ليل طلب مِنهُما ألا يسمحوا لـها بالخروج وخاصةً بعد وجود جثة مَنار، ووفاة أمها وأنها ستكون عُرضة للإعلام ولكِنها غادرت لتجد أمامها مارك يعترض طريقها يقول:
-إلى أين، سيدتي؟
-لأوصلك حيثما تُريدين.
أومَأت برأسها لتتجه نحو السيارة تركبها ويقودها هو متجهًا حيثما أخبرته، توقف أمام أحد المدافن لتهبط مِن السيارة وقد شعرت باِنقباض بقلبها إنها ليست مستعدة لمسامحتها بالرغْم مِن وفاتها الشنيعة على يد نور.
-مِن هُنا، سيدتي.
تبعته حتى وصل أمام أحد المقابر وكان مكتوبًا عليه اسمها «أفنان»، لتُعاد عليها ذِكرى وفاتها عندما عاد ليل للمنزل أخبرته سمر أنها غادرت ليُخمن أنها ذهبت لمحاسبة نور وأمها على كذبهما ويتبعها.
وقف في الخارج حيث تركت جُلَّنار الباب مفتوحًا ولم تنتبه لغلقه ليستمع لحديثهما، كان لن يتدخل حتى رأى نور مُقْدمة على أذيتها وأذية ابنه، لترى أمامها المشهد وكأنه يحدث للتو كيف غرست نور السكين فِي أمها دون أن يرف لـها جفن هي التِي لم تحصل على حنانها أو نظراتها المُرضِية يوما لم تجرؤ على فعلتها.
تخشبت فِي مَكانها فكرة قتلها أمامها لم تراودها قط مِن قبل، شعرت بيده تُحِيطها لتنظر نحوه بتِيه تستمع لصدى صوته لم تنتبه لصوت الإسعاف فقط نظرها مُعلق على تِلك المُلقاة بالأرض وبجوارها نور التِي كانت تقول:
-اِسْتيقظي، لا تتهربين مِني.
-واجهيني.
نهضت لتجلب فرشة شعرها وعادت لتُمَشط خُصْلاتها وهي تقول:
-اِسْتَيقظي، كُنتِ تحبيني أمشط لكِ خُصْلاتك.
تدَّخلت رجال الإسعاف ينقلونها بَينما ليل كان قلقًا عليها، تخشب جسدها لا تُجيب عليه ولا تُعطِيه ردة فعل حتى وحرارتها ارتفعت حتى نظرت نحوه تهتف بذهول:
-لقد ماتت!
نظر نحو أفنان التي بين يديّ رجال الإسعاف ليقول:
-لا ليس بعد، ستكون بخيرًا.
عادت بنظرها نحو نور التي كانت عابسة بوجهها لترفع الفرشة نحو خُصْلاتها هي لتُمَشطها وهتفت تتساءل وهي توجه نظراتها صوّب جُلَّنار:
-أ رأيتِ؟ لستُ كافية فِي نظرها.
-هل تظنين أن تمشيطي لم يعجبها؛ لأنك عُدتِ؟
سقطت مغشية عليها بَين ذراعيّ ليل وقد ذهبت فِي إغماء طويل اِسْتمر لثلاثة أيام خلالهما تم دفن أفنان وعرض نور لمختص لتقدير حالتها، ولم يستطيعوا محاكمتها نظرا للتقرير الطبي الذي صدر بحقها وأنها ليست فِي حالتها الطبيعة؛ لذا حُجزت داخل مصحة وخاضعة لبعض الفحوصات الأخرى.
أزالت تِلك العَبرات التي تمردت على وجنتيها لتتردد عليها كلمات حياة مرة أخرى عليها التخلص مِن ذلك اللوم الذي قيدها.
ترددت كثيرا لتتنهد وتزفر الهواء مِن حولها بضيق واختناق أثر بُكائها، الأمر صعب ومُرهق بالنسبة لـها ولكِن ربما مسامحتهما ستكون خيرًا لها ولحياتها.
اِسْتَمعت لشجار فِي الخارج لتتجه نحوه وجدت مارك يقْبض على ذراعيّ أحدهم ويحاول اِلتقاط كاميرا مِن بَين يديه هتفت تقول:
-مارك، اتركه.
تقدمت مِنهُمَا لتحاول فصلهم بَينما مارك هتف يقول:
-سأهتم بالأمر، اصعدي للسيارة.
-ابتعد عَنْه، لا أريد عراك.
دفعها الرجل ليلتفت مارك نحوها يمسك ذراعها قبل أن تسقط ليخطف الرجل الكاميرا خاصته ويجري كاد أن يلحق بِه حتى قبضت على ذراعه تقول:
-اُتْرُكه يرحل، لا بأس.
-ولكِنه التقط لكِ بضع صور.
-ليس بمقدروه فعل شيء، لنغادر.
فتح لها الباب لتصعد إلى السيارة وقد شعرت ببعض التعب، ولكِن رغْم هذا أخبرته أن يتجه لـ نور حاول الاعتراض بقوله:
-أرى أنه غير مناسب رؤيتك لها الآن، ورُبما تحتاجين لـ تصريح خاص.
-علَىَّ إنهاء كافة الأمور اليوم.
لقد عملت بنصيحة حياة لبدء حياة جديدة عليها نسيان كل ما حدث فِي الماضي وألا تتعلق بأناس رحلوا أو غير مُجدِّين، الأمر ثقيل على قلبها أن تحاول نسيان الألم داخلها وكُل لحظة مَرّت عليها فِي تِلك الأيام المُخزِية سابقًا.
وجدته توقف أمَام المصحة النفسية لتتجه للداخل وتطلب الإذن لرؤية نور اِسْتَغرق الأمر بعض الوقت لأخذ التصريح وإثبات الهُوية.
تقدمت لداخل الغُرفة بخُطى مترددة ولكِنها هتفت داخلها أنه عليها إجراء تِلك المقابلة للتخلص مِن ذَلك الثِقل فِي قلبها.
اِنْتَبهَت نور لـها لتبتسم اِبتسامتها المريضة وتقول:
-هل أتيتِ!
-لِمَ فعلتيها؟
تساءلت جُلَّنار وهي حقا فِي أمسْ الحاجة للإجابة انهيار والدتها أمامها ودموعها ويدها الممدودة نحوها تستنجد بِها يستدعي ذلك السؤال.
أصدرت صوتًا كـ «امم» لتتساءل:
-هل حَزنتِ مِن أجلها؟
صمتت جُلَّنار وقبضت على ثوبها بيدها تقول:
-يبدو أنه ليست هناك فائدة مِن الحديث لكِ.
كادت أن تغادر لتعطيها ظهرها وتتجه نحو الباب ولكِنها توقفت عندما هتفت تُجيبها:
-لأحرمك مِنها كما حرمتك مِنها فِي السابق.
-بالتأكيد كُنتم ستتجمعون مِن دوني بعد أن علمتِ بحقيقتي، وهذا ما كنت لأسمح بِه أبدا.
حقا! هل فكرت بتِلك الطريقة العقيمة؟
أدارت وجهها لتنظر نحوها وتتقدم مِنها بضعة خُطُوات تهتف بحدة:
-هل يستحق الأمر وجودك فِي مكان كهذا؟
-هل كان يستحق الأمر لكذبك وخداعك؟
-أنتِ مريضة.
-لستُ مضطرة للتبرير، أنتِ لا تستحقين تبرير حتى.
-كل ما ذُقتِه أنتِ مِن مَرار، تذوقت أنا مِنه دمًا.
-أنتِ حقا تستحقين مكانك هنا.
-هنيئًا لكِ بِه.
تركتها وغادرت تصفع الباب خلفها لتتوقف فِي مُنتصف الممر تشعر بالتعب لترفع يدها نحو رأسها تضغط عليه لعل حِدة الألم تقل ولكِن بلا فائدة، ولكِنها فِي الأخير اِسْتَطَاعت الوصول للخارج ليساعدها مارك ويقود عائدا للمنزل.
_______________________________
أسهم عائلة الجندي باتت فِي الحضيض، وقد أعلن الجميع تمرده عَليه وأوشكت الشركة أن تعلن إفلاسها، بالإضافة لاختفاء جثمان فؤاد مِن داخل الحريق.
كان يقف أمَام المنزل ينظر لذَلك اللون الأسود الطاغي عل جدران المنزل، يفكر فِي تِلك المصيبة التي حلّت على رأسه ليُزيد تميم مِن الضغط عليه بقوله:
-هل رأيت ماذا حلّ بِنا منذ أن أتت تِلك الفتاة للمنزل!
قالها باِنفعال وغضب وهو يُشِير بسبابته نحو المنزل المحترق ليُكَمِل قائلا:
-هل ترى نهاية ذَلك الحُبَّ العظيم؟
-لقد تدّمرت عائلتنا.
-عمتك فِي السجن، وأمك غادرتنا، وأبوك تُوفِى محترقًا، واِسمم عائلتنا التي حافظ عليه أبوك لأعوام أصبح نجسًا وأنا أصبحت مغتصبًا فِي أعين الجميع.
-هل أنت مرتاح الآن لمعاندتنا كلنا!
-فلتُصَلح كل شيء بنفسك كما خربته باِختيارك لتلك الـ...
سبَّها بقول يَمس عرضها وشرفها ليتجه ليل نحوه يَقْبض على ياقة قميصه يهتف غاضبا:
-لا تجرؤ.
أكمل كلماته الغاضبة والعقيمة:
-وأيضا نجحت فِي تفريقنا.
-ماذا ستفعل بي؟ هل ستقتلني؟ ماذا تنتظر لتقتلني الآن!
-العائلة تدمرت وكذلك منزلنا وأنت تفكر فِي تِلك الـ...
لكمه ليل عندما سبَّها مرة أخرى ليأتي سليم جريًّا نحوهم بعد أن نزل مِن سيارته ورأى شجارهم.
وقف بَينهما يتساءل قائلا:
-ماذا يوجد هُنا؟
هتف تميم يوجه حديثه لـ ليل باِنفعال وغضب لـ لكمته:
-تِلك التِي تدافع عَنٔها لقد خانتك مَعي.
صمت حلَّ عليهم عدا أنفاس تميم الغاضبة وصدمة سليم بَينما ليل كان الأمر ليس هينًا عليه، نظر ليمينه ليجد حارس عيِّنه لإبعاد أي إعلام أو أذى عَنْهم ليقبض على ذَلك المسدس الذي يحمله ويرفعه فِي وجه تميم.
.
بقلم/سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_______________________________•أريد مِنكُنَّ اِرتداء ثوب القضاء وتوقيع الجزاء المناسب لـ فؤاد وأفعاله على مدار الأحداث كُلَّها.
•بعد أن تخلعوا ثوب القضاء، أريد مِنكُنَّ اِرتداء ثوب آخر ألا وهو «شخصية جُلَّنار».
أريدكُنَّ عيش شخصيتها لبضعة لحظات ثم على كل واحد مِنكُنَّ وصف لي شعوره داخل ثوب شخصيتها ومعاناتها.
•سَأترك لكُنَّ الخيار في اِرتداء ثوب شخصية تختارونه وتصفون لي شعوركُنَّ داخل ردائه.
•ما رأيكُنَّ في تراجع مَنار باللحظة الأخيرة، أكان قرارًا صائبًا؟ وهل تستحق نهايتها؟
•ما شعوركُنَّ والرواية على مشارف الانتهاء؟

أنت تقرأ
بِـلون الدم
Randomلكُلٍ مِنْا جَوارحهُ التِي تَنزَف دَاخلهُ بِقوةٍ مِنذُ سنوات وَلكِن لا أحد يراها؛ لأننا نَحكمُ الغَلقُ بِشدَّةِ وَكأننا نخافُ أنْ يَسْقطَ نَزِيفُنا بالأرضِ، فيتلطخ بِه أحدٌ. هو قَررَ مُشارِكتها لِنَزِيفها بأنْ يكونَ إناءٌ تُفْرِغ بِداخلهُ مَا كَتمته...