#ختامية_آل_الجارحي.
#الخاتمة_الثانية_عشر(#الأخيرة..)
(إهداء الفصل للقارئات الغاليات "أسماء ربيع"،"روان الوكيل"،"أسماء فتحي علي"،
" انجي حسن السيد"،"روان مكي" ، شكرًا جزيلًا على دعمكم المتواصل لي، وبتمنى أكون دائمًا عند حسن ظنكم..بحبكم في الله...قراءة ممتعة 💙)لم يتبقى على العيد سوى يومًا واحد، اليوم هو المتمم للشهر المبارك وغدًا عيد الفطر المبارك، وبالرغم من سعادة استقبالهم للعيد الا أن الحزن كان يلتهم أوجوههم، بداخل قلب كل منهم رجاءًا وأملًا الا يغادر الشهر الفضيل أبدًا، لدرجة تجعل الفتيات تبكي في هذا اليوم، جلسوا جميعًا يتناولون أخر إفطار بآلية تامة، والحزن يتوغل علة الأوجه، الا من الأطفال المتحمسون للغد باستقبال العيد بلهفةٍ وحماس، كسر صوت يحيى الصمت القاتل بينهم فقال:
_كل سنة وأنتوا طيبين.
أجابوه معًا على صوتٍ واحد:
_وأنت طيب وبخير.
قال عز وهو يتفحص أوجه الشباب بتمعنٍ:
_ها يا رجالة خطتوا هتقضوا يومكم فين بكره؟
أجابه معتز بحماسٍ:
_لسه، بس تقريبًا هنخرج لملهى الألعاب زي كل سنة.
ترك رعد الملعقة عن يده، وصاح بصرامةٍ:
_الإلعاب للأولاد بس لو عرفت إنكم ركبتوها مش هيحصل كويس، ميبقاش الواحد أطول مني ويوصلني كلام إن فخر العيلة بيتمرجحوا!
تبادل الشباب نظراتهم المرتبكة لبعضهم البعض، وانتهت لحازم الذي فضح سرهم بالمرة الأخيرة، فتحرر لسان رائد عن الصمت حينما دافع عنهم قائلًا:
_على فكرة في ألعاب صعبة جدًا وتخص أصحاب القلوب الشجاعة مش الأطفال.
أجابه حازم بسخطٍ:
_حلل تفاهتكم بقى!
رددت رانيا ساخرة:
_عرفت ليه محدش فيهم بيرضى ياخدنا معاهم.
أجابتها شروق بحنكٍ:
_عشان يتهيفوا براحتهم ومن غير ازعاج.
عزمت نور على خطتها حينما قالت:
_طب على فكرة السنادي هنخرج وهنستمتع بالعيد بطريقتنا ومن غير رجالة ولا أولاد ولا قرف.
حمستها مليكة قائلة:
_براڤو يا نور ما إحنا مش هنقعد كل عيد في الييت وشنا لبعض.
بينما أضافت داليا:
_خططي وشوفي هنروح فين واحنا معاكي يا زعيمة.
ترك عمر طبقه وصاح بضيقٍ:
_زعيمة!! تاني يا نور تاني!
أجابته بعدم مبالاة وهي تلتقط قطعة من اللحم:
_الظروف اللي بتجبرني يا ابني، إنت مش شايف تجبر ولاد عمك وطغيانهم!
رد عليها أحمد بحزن مصطنع:
_متجمعيش يا نور، بمنتصف التربيزة بالظبط في ناس في حالها لا بتتشعبط في مراجيح ولا في جر شكلك.
حانت منها نظرة متفحصة لمنتصف الطاولة حيث يجلس أحمد وياسين وعدي، فهزت رأسها مرددة بخبث:
_بكره نشوف يابو ليان، وإحنا يعني هنكره نشوف حد محترم مكمل في احترامه!
ضحك ياسين بعدم تصديق، بينما اندفع جاسم يردد:
_واحنا يعني بلطجية العيلة، ما تشوف مراتك يا عمر!
صاح بضجر:
_نفسي أطلقها وأخلص والله يا ابني بس ما باليد حيلة عليها توصية من فوق أوي.
تمرد ياسين عن صمته حينما ردد بحزم:
_تربيزة الأكل مش ساحة قتال هي!
ابتلع الجميع ألسنتهم واستكملوا طعامهم بصمتٍ قاتل، حتى مزقته ملك وهي تنهض عن الطاولة تطرق على كأس عصيرها الفارغ بالملعقة:
_أكلتوا وخلصتوا أكل، من فضلكم مش عايزين نشوف هنا أي راجل، قهوتكم وشايكم هيجيلكم بره لحد عندكم.
تذمرت الوجوه كاعتيادهم كل عام البقاء لساعات طويلة بالداخل، فنهض آدهم ورعد ويحيى وعز للخارج بصمت ومن خلفهم الشباب بصحبة حمزة الذي يصيح بضيق:
_كل واقفة ترمونا برة بالساعات ما تنجزوا من الصبح ميحلاش الموضوع يعني الا بعد الفطار!!
أجابته شذا بمرح:
_هنعمل أيه واحنا صايمين مش بنقدر نركز.
منحها نظرة عابثة وهو يلحق بالشباب للخارج، حتى الصغار نسبوا أنفسهم لخانة الرجال ولحقوا بهم وبقى ياسين الجارحي يرتشف كوب قهوته بثباتٍ جعلهن يتهمسان بخوف، فأشارت لهن آية واقتربت من مقعده الرئيسي تردد على استحياء:
_هي ساعة واحدة بس يا ياسين.
خطف عسليته إليها، فتوددت إليه بهمسٍ مضحك:
_مش هتتنازل عشاني، صورتي هتتهز قدام البنات!
حمل كوبه وغادر للخارج بخطوات واثقة، فأغلقت الفتيات باب القصر الداخلي وأشارت يارا بحماس:
_يلا يا بنات ورانا شغل كتير.
فور نطفها بتلك الجملة حتى هرولت الفتيات للاعلى وهبطن بأدوات هائلة من التجميل والمسكات الطبيعية للاستعداد للتزين واختيار الفساتين .
*******
بالخارج.
استند ياسين على السور الخارجي وارتشف كوبه بثبات، فاقترب يحيى منه يحك أنفه ليخفي ضحكته الساخرة:
_ياسين الجارحي اتطرد زينا ولا أيه؟
عبث بعينيه بضيقٍ، وعاد يتطلع أمامه وهو يردد:
_بالنهاية أنا زوج ولازم أخضع لبعض الأوامر.
تعالت ضحكات يحيى بعدم تصديق، فسدد له الأخير نظرة قاتلة، جعلته يصيح بخوف:
_آسف.
بجوارهم.
جلس الشباب على الطاولة الضخمة المتوسطة للحديقة، يتأملون مكينة القهوة وبراد الشاي الموضوع من أمامهم بحيرة، فتبرع ياسين وقام بصنع أكواب القهوة، بينما وضع جاسم السكر وسكب الشاي الساخن مرددًا بسخرية:
_مدام طلعوا مكنة القهوة بره يبقى قدامهم لنص الليل!
صاح رائد بغضب:
_ما يتحبسوا في جناح واحد كلهم، لازم ياخدوا القصر كله ويرمونا بره كده.
ضحك أحمد وهو يجيبه:
_عايزين ياخدوا راحتهم عشان الشغل يبقى على نضافة.
حذره عمر ساخرًا:
_اجمد وعدي بدل ما مش هتلحق ليلة العيد.
مال مازن للطاولة بانهاك متفوهًا بضجر:
_أنا كان مالي ومال الليلة دي ما كنت مرتاح في بيتنا وقادر أمشيه صح، أخرتها اتطرد بمكنة القهوة بره!
ارتشف عدي قهوته بتلذذ وقال:
_متقولش مطرود عشان بيرستيجك نازل لبعد الأرض، سميها قاعدة خشنة مينفعش فيها حريم.
ضحك الشباب على حديثه، فكسر حاجزهم سؤال عمر:
_هو حازم فين؟؟!
******
انتهى حازم من جمع البللاستيشن، فحمل الحقيبة الضخمة واتجه بها للمصعد، فما أن توقف بالطابق السفلي حتى تخشب محله صدمة جعلت شفتيه تتهدل للأسف.
والدته تجلس على الأريكة باسترخاءٍ ولجوارها ملك ويارا ووجوههم ملطخة بمسك فحمي مخيف، ناهيك عن المنشفة التي تحيط بوجوههم، بينما أقدامهم موضوعة بوعاء بالماء الورد وتقوم شذا وداليا وشروق بفرك أرجلهم بشيءٍ غامض لم يتمكن من رؤيته جيدًا، بينما تقوم رحمة بكي شعر زوجته التي اختفت معالمها من فرط الادخنة الصاعدة من الاداة المستعملة، ولجوارها نور تحمل خيطًا طويلًا وتقوم بتنظيفات للبشرة لآسيل، ووضع على الأرض حوض للاستحمام بلاستيكي ضخم كانت تجلس به رانيا ومروج، ودينا التي تقوم برسم الحنة السوداء على ذراعها، حتى الصغيرات كانت تقوم رحمة بوضع طلاء الأظافر بحرافية لليان، وكأن اليوم عالمي للنظافة المرأة، ناهيك عن ادوات التجميل المحاطة على طاولة الطعام الضخمة، والحامل المعلق عليه فستانين كثيرة يصعب على عقله توقع عددها، ومن أمامها تحتار مليكة فيما ستختاره لوالدتها التي تقف لجوارها رافضة لكل فستان تخرج به، وهي تخبرها بأنه قصير، وفجأة استدارت الرؤؤس إليه وأعينهن تبرق بصدمة من وجوده، وإذ فجأة يعلو صريخ صاخب جعل الشباب بالخارج ينتفضون بفزعٍ وكلا منهم لا يجرأ على التقدم لمعرفة ما يحدث بالداخل، الجميع يقف أمام الباب الخارجي يحاولون معرفة ما يحدث بالداخل، وفجأة انفتح الباب ورُكل إليهم حازم ومن خلفه حقيبته، فسقط أسفل أقدامهم.
تربع بجلسته ومازال يتأمل الباب الموصود بصدمة، فاستدار للجانبين المحاط الشباب بهما ثم عاد يتطلع للباب بصدمة، هزه أحمد بغضب:
_أنت كنت بتعمل أيه جوه؟
الصمت حاله والصدمة لا تتركه، فنغزه عمر بضيق:
_ما تنطق يالا، أيه بلعت لسانك.
أبعدهما معتز ودنى منه يتساءل بفضول:
_شوفت أيه جوه بالظبط اشرحلنا.
رمش بعينيه ومازال يحاول استيعاب ما رأى والدته وزوجته به بالداخل، جذبه جاسم ليقف على قدميه وسأله بضجر:
_هنتحايل عليك عشان تنطق، ما تتكلم!
تساءل مازن باستغراب وهو يتفحص الحقيبة:
_وأيه اللي أنت خارج بيه ده أنت مهاجر!
فتح الحقيبة يتفحصها باهتمام، بينما لازم حازم الصمت فاقترب منه عدي وردد بسخرية:
_هما قطعوا لسانك ولا أيه؟!
******
لاحظ ياسين انسحاب حفيده من مجلس الأولاد، حتى اليوم لم يختار الجلوس لجواره على طاولة الطعام كعادته، فلحق به حتى وجده يجلس بالحديقة الخلفية بحزن يلمع على عينيه، فاقترب منه وردد بحنانٍ:
_ممكن أعرف حفيدي الغالي زعلان مني ليه؟
زوى حاجبيه بحركته المتوارثة عنه، ليمنحه نظرة حزينة من عسليته القاتمة، وأدلى بوجهه لجهة الاخرى، ضم ياسين شفتيه معًا وهو يردد بثبات مخيفٍ:
_محدش يقدر يتجاهل سؤال طرحه ياسين الجارحي، وغفراني ليك يدل على معزتك الكبيرة عندي!
تطلع إليه مجددًا، فتساءل تلك المرة بحنان ماكر:
_عدي نفسه يتدخل بينا هتديله الفرصة وتفرحه فينا!
أزاح الصغير دمعة كادت بالانفلات عنه وردد بضيقٍ واضح:
_من يوم ما دراع إنكل عمر انكسر وحضرتك مهتم بيه زيادة عن اللزوم حتى إنك نسيت خروجتنا بتاعت كل أسبوع، وخليته يقعد مكاني على الأكل وآ...
لم يكمل حديثه واكتفى بمراقبته بصمت وغيظ جعل ياسين يرمش بعدم تصديق، وقد استرد لمخيلته ما حدث بالاسبوع الأخير، فاقترب ليجلس جواره على الأريكة الخشبية، ثم قال بتمعنٍ وابتسامته لا تفارق وجهه:
_أنا مقدر حزنك ده، بس لازم تعرف إن عمر زي عدي بالظبط، يعني بالنهاية زي والدك.
وضمه إليه بحركة مباغتة، فمسد على ظهره بحنان ورأسه مسنود على ظهره وهو يردد:
_ياسين أنا عارف انك بتحبني ومتعلق بيا جدًا، وأنا كمان متعلقتش بحد من أولادي زي ما اتعلقت بيك بس مش عايزك تكون أناني، لازم تعرف إن لكل فرد من العيلة واجبات مفروضة عليه ولازم ينفذها.
ابتعد عنه الصغير يتأمله باهتمام، فاستكمل ياسين بنفس ابتسامته الهادئة:
_بمعنى إنك عليك واجبات لوالدتك واختك وكل اللي حواليك وأنا كذلك، لازم تكون عاقل وقادر توزن الأمور كويس، أنا مش عايزك تتصرف التصرفات الطفولية دي تاني أنت أعقل من كده، وجود والدك وعمك وأي فرد من العيلة جنبي مبيمحيش مكانتك ولا حبي ليك، وبكره تفهم كلامي ده كويس.
ابتسم وهو يراقب كل رد فعل يصدره، يحاول قدر الامكان التعلم من قدوته، ولم يبخس عليه ياسين شيئًا يحاول دائمًا منحه ما يراه يهتم به، يشعر بأنه سيكون على نفس وتيرته بيومٍ ما ويعاونه بكل ما يمتلك، مسح بيده على شعره الطويل وهو يستكمل:
_بعد امتحاناتك هتسافر كام يوم مع رحيم ومراد، عايزك تفهم كل اللي هيقولهولك كويس، وتتعود إن في كل اجازة ليك هتسافر معاهم.
وسأله باهتمام:
_مش أنت عايز تحقق حلمك وتكون ظابط.
صحح له الصغير بارادة وعزم:
_ظابط مخابرات.
ابتسم وهو يؤمي برأسه:
_ظابط مخابرات حقك عليا.
واسترسل بعزيمة تحمسه:
_بداية طريق حلمك إنك تسمع وتستوعب الدروس اللي هتاخدها منهم.
هز رأسه بتأكيد وتساءل بحيرة:
_طب ليه بابا اللي ميدنيش الدروس دي.
رد عليه بحذر بانتقاء كلماته:
_عدي له دور ومسؤوليات تجاهك بس لسه مجاش دوره، لازم تفهم إني بختارلك المناسب واللي هيقدر يساعدك توصل لحلمك والمناسب ليك حاليًا الجوكر والاسطورة.
وضم وجهه بيديه معًا وهو يخبره كلمات عميقة صعب للصغير مسها:
_الأب مهما كان قوي وشأنه عظيم ميقدرش يقسى على ابنه فمستحيل يقدر يساعد!
*****
مال أحمد برقبته على المقعد وزفر مرددًا بملل:
_هنفضل كده كتير؟
ابتسم عمر وشاكسه ساخرًا:
_ادعي ربنا ينفخ في صورتهم بدري بدري.
أضاف رائد ضاحكًا:
_المشكلة إن الكبار مشاركينهم في هبلهم ده، وكأن الواقفة دي اتعملت للنيولوك الجديد.
مال جاسم عليه يهمس له بضيق:
_أتمنى بس متصرعش بالنهاية، العيد اللي فات أختك صبغتلي شعرها بتنجاني وبتقنعني إنه حلو عليها وهي حرفيًا شبه البلياتشو.
تعالت ضحكاته الرجولية حتى أدمعت عينيه فتساءل مازن باستغراب:
_أيه اللي بيضحك للدرجادي!
لوى معتز فمه بتهكمٍ وأضاف:
_الضحكة دي مفهومة بالنسبالي، كان عندي نفس اللون العيد اللي فات وعملت ثورة لحد ما تم تغيره بفضل الله!
زفر عدي بملل، فمال ياسين إليه يردد:
_أنا عارف إنك مالكش في الجو ده يا سيادة المقدم بس معلش مضطر تتعود علينا دلوقتي ويوم تكريمك لاننا السنادي هنكون معاك كلنا بأمر من الباشا ياسين الجارحي.
اعتدل بمقعده وتساءل بجدية:
_بابا!
أكد له بهزة من رأسه وأضاف:
_مأكد علينا الصبح إنك بعد العيد هتتكرم وكلنا هنكون معاك
ارتسمت بسمة سعادة على وجه عدي، وقال:
_غريبة مقاليش.
ضحك قائلًا بمرحٍ:
_أنا قولتلك.
*******
بالداخل.
صاحت باصرارٍ:
_والله اللون تحفة عليكٍ يا مامي واسألي رحمة.
حانت منها نظرة لرحمة التي أكدت لها بإبماءة رأسها:
_والله جميل عليكِ ومصغر حضرتك جدًا.
ألقت على ذاتها نظرة متفحصة ثم قالت بخجل:
_بس اللون فاتح وأنا مش متعودة ألبس فواتح.
فرقعت مليكة أصابعها وهي تخبرها:
_وده المطلوب التغير.
وأضافت:
_صدقيني اللون ده هيعجب الباشا جدًا.
تركت ساحة المرآة وجلست جانبًا وهي تردد:
_أنا مكسوفة أظهر كده قدامه.
جذبت مليكة المقعد وقربته منها قائلة بانهاكٍ:
_الظاهر إن لسه في مهمة أصعب وهي اقناعها.
******
بالخارج.
طالت الساعات ومازال الجميع بالخارج، والشباب يتمددون على المقاعد، ولجوارهم أبناءهم الذكور، غفى يحيى برأسه على قدم ياسين، فمرر يده بين خصلاته وهو يردد بانزعاجٍ:
_طب كانوا سابوا الاولاد يطلعوا أوضهم!
أجابه عمر ساخرًا وهو يحاول تهدئة صغيره الرضيع:
_يعني هما خرجوا عدي أبو كام شهر على إعتبار إنه راجل ولا يجوز له البقاء وهسيبوا إبنك اللي في نظرهم محتاج الجواز!
ضحك وهو يشير له:
_ستات دماغها غريبة!
اقترب منهما أحمد وهمس وعينيه تجوب المنطقة المحظورة بجانبهم:
_ده حتى ياسين الجارحي خرجوه!
ضحك عمر وهو يردد:
_هموت وأعرف عملوها ازاي!
****
على جانب منهم، زفر يحيى بغضب:
_وبعدين بقا يا ياسين هنفضل كده كتير، بقالنا أربع ساعات قاعدين القعدة دي، يطلعونا ننام أحنا مش صغريين على البهدالة بتاعت كل سنة دي!
استدار برأسه إليه ثم قال ببسمة هادئة غير منزعجة:
_إصبر كام ساعة وبعدها تنول المراد.
سدد نظراته القاتمة إليه، وبشكٍ قال:
_مالك النهاردة يا ياسين، هادي كده ومش متعصب ولا حازم مع الجماعة اللي اتمادوا دول كعادتك.
ربع يديه خلف رأسه وهامت عينيه بالسماء مرددًا بصوته الرخيم:
_حرام أتحرر من الوش اللي لابسه ده وأحتفل بالعيد زي أي إنسان طبيعي.
تعالت ضحكاته وقال بصعوبة بالحديث:
_هو فين الاحتفال ده، حبيبي احنا مطرودين بره في الهواء الطلق!
غمز بعسليته بمشاكسة:
_هتحلو دلوقتي.
فُتح الباب على مصرعيه فعلم الجميع بانتهاء فترة الحجر المفروض، وهموا جميعًا للداخل فتوجهوا بالاولاد للاعلى أولًا وتوجه كلا منهم لجناحه الخاص.
*******
بالجناح المخصص لياسين الجارحي.
ولج للداخل يبحث عنها، فتفاجئ بها تقف خلف الستار المخصص للشرفة، راقبها بنظرةٍ ماكرة وبسمته ينجح باخفائها، فوضع يده بجيب بنطاله القماشي وتساءل بخشونة:
_واقفة عندك بتعملي أيه؟
منحته بسمة مرتبكة وهي تجيبه:
_مش أنا مليكة اللي صممت ألبس الفستان ده، وشكله مش لطيف عليا.
مجددًا يكبت ضحكاته، ومع ذلك لم يخسر ثباته الذي يخبرها:
_إخرجي يا آية وسيبك من لعب العيال ده.
ابتلعت ريقها بإرتباكٍ، وبتوترٍ حررت الستار عن يدها وظهرت من أمامه، تفحصتها نظراته التي شملتها من الأعلى للأسفل، ضربت رغباته في مقتل وهو يراها متألقة بفستان من اللون القرمزي الفاتح، تاركة لشعرها العنان، وجهها مزين بالقليل من المستحضرات، كانت فاتنة، تحاول الاستيلاء على قلبٍ ملكٍ لها من البداية.
صمته المطول زاد من قلقها، أرادت أن تستمع لتعليقه عما أجبرته بارتدائه، وجدته يقترب منها فأغلقت عينيها بقوةٍ وقلبها يزيد من دقاته، وقف قبالتها يتمعن بها عن قرب، ومن ثم قال ببسمة هادئة:
_متعارضيش مليكة تاني وإلبسي أي شيء تختاره ليكِ!
تطلعت إليه بحماسٍ تشكل بسؤالها:
_بجد حلو.
رفع يده يضم وجهها وإبهامه يمر على شفتيها ببطءٍ قاتل، وهمس صوته المغري يصل لها:
_إنتِ تحلي أي شيء تلبسيه!
ودنا منها وعينيه العاشقة لا ترى سواها، تلك الفتاة التي أضرمت النيران بقصره العاصي، لتفيضه بنورٍ متأجج طال قلبه أولًا ومن ثم تسلل لمن حوله!
******
أول شيء بحث عنه كان غطاءٍ سميكٍ يحمي جسده من البرودة التي أثلجته بالخارج، تمدد يحيى على الفراش وداثر ذاته بالاغطية جيدًا وهو يهمس بضيق:
_لو حبسونا في غرفنا مش كان أحسن من البرد ده!
أتاه سؤالًا مستنكر لما يفعله الآن بتلك اللحظة:
_يحيى أنت هتنام؟
أجابها من أسفل الاغطية:
_مش حابب أجاوبك على سؤالك في الوقت الحالي، سبيني فرصة أخد وأدي مع نفسي كده وبعدين أجاوبك.
أزاحت ملك عنه الغطاء بغيظٍ:
_أنا بقالي أربع ساعات بعمل التسريحة دي عشان تعجبك.
ردد بضقٍ:
_مكنتيش محتاجة لشيء أنا شايفك جميلة من غير حاجة، فمكنش في داعي للتزنيبة دي وآ..
بترت كلماته حينما رآها تقف أمامه بجاذبية فتاة تبلغ الثمانية عشر من عمرها، كان من الصعب أن يحيل عينيه عنها، حتى حينما جلست لجواره والتقطت الغطاء وهي تردد بحرج:
_بصراحه أنا كمان بردانه بس هعمل أيه مليكة اللي صممت تلبسني الفستان القصير ده!
خرجت الكلمات على لسانه بصعوبة فقال:
_ملك انتي صغيرتي كده ازاي!
منحته نظرة قاتلة قبل أن تهاجمه:
_قصدك أيه أنت كنت شايفني ازاي قبل كده؟
رمش بتوتر وهو يعدل من كلماته:
_لا مقصدش بس أنتِ خدتيني لعمرك العشريني بجمالك ده.
ابتسمت على استحياء وسألته:
_يعني أستاهل الأربع ساعات!
لعق شفتيه بارتباك وهو يدنو منها:
_تستاهل عشرة يا باشا.
واستطرد بمكر:
_حالا هشكر مليكة إنها صممت تعمل فيكي كده!
******
نجح أخيرًا بنقل ابنه لغرفته الخاصة، واتجه لجناحه، فوصلته مكالمة والده الذي يعبر عن امتنانه لزوجته، وذكر له بأنه كان يود أن يبلغها بنفسه ولكن هاتفها مغلق، الأمر ذاته الذي أخبره به ياسين الجارحي منذ قليل، لوهلةٍ شعر وكأن زوجته مصممة أزياء عالمية وبدأت للتو لاستقبال جماهيرها العريقة وليس أي جمهور، عمالقة آل الجارحي بأنفسهم، اتجه ياسين لجناحه متلهفًا للقاء زوجته المشهورة، فوجدها تجلس على الأريكة بهدوء لا يتناسب مع عملها الحديث، برق بعينيه بصدمة لما ترتديه وصاح متجهمًا وعينيه تجوبها من أعلاها:
_بقى ياسين الجارحي وبابا يشكروني بنفسهم على ذوق في اختيار اللبس وفي الأخر لابسالي ملحفة!
كبتت ضحكاتها بصعوبة وتصنعت عدم مبالاتها بما يقال:
_بجد بابا وأنكل يحيى كلموك!
اقترب ياسين منها وجذب طرف الاسدال وهو يتساءل مجددًا بخيبة أمل:
_أيه ده فهميني!
جذبت الاسدال عنه وإتجهت للاريكة مجددًا وهي تخبره:
_أيه يا ياسين النهاردة أخر يوم في رمضان اتقي الله يا أخي.
زوى حاجبيه بسخطٍ وجلس جوارها وهو يحاول التحكم في ذاته، فرسم بسمة واسعة وهو يردد:
_كل سنة وأنتي طيبة، العيد بكره!
هزت رأسها بفرحة وهي تؤكد له:
_آه ما أنا عارفة إن العيد بكره.
ضرب كف بكف وهو يصيح:
_العيد بكره يا مليكة مش هنحتفل احنا كمان؟!
تابعته بصمتٍ، فقال بتذمر:
_يعني حنيتي على والدي وعمي وأنا أيه وضعي معاكي؟
فركت أصابعها بارتباكٍ لحق نبرتها:
_اديني وقتي لو سمحت.
ضيق عينيه بعدم فهم:
_وقت أيه!
وجدها تنزع عنها اسدالها ليتفاجئ بما ترتديه، فستان قصير من اللون الأحمر، وحذاء يلتف حول ساقها، شعرها مفرود من حولها بمظهر سلب قلبه وجعله لا يستطيع رؤبة شيء سوى عينيها، وتلك البسمة التي سيطرت على عواطفه الكامنه، همست مليكة إليه بخجل:
_كنت تحت فأكيد مش هنزل كده، ويدوب لسه داخله لقيتك ورايا.
وبمرحٍ قالت:_ أنا قلبي ميقساش عليك يابو يحيى.
ابتسم ياسين ودنى منها يردد أمام اغرائها:
_قلبك قسى لما بعدك عني المسافة دي.
وأشار لها بمكرٍ:
_حني وقربي!
اقتربت إليه، وانطوت بين أحضانه، فضمها إليه بعشقٍ سحبها بعالمهما الذي لم تتخلى عنه عاطفتهما المتبادلة، خاصة بهذا اليوم.
*****
بجناح عمر.
أزاح رابطة يده الملتفة حول عنقه ليريح يده قليلًا، وإتجه لخزانته فجذب البنطال وارتداه بصعوبة، ومن ثم ارتدى قميص البنطال المنزل وحاول باستماتة قفل أزازه، وفجأة وجد يدها تعاونه على ففل الأزرر، ابتسم وهو يتأملها من هذا القرب الخطير لمشاعره، وما كادت بغلق نصف الأزرر حتى أوقفها، فأحاط يدها بيده، ورفعها عاليًا ليجبرها على أن تلف بفستانها الطويل، مطلقًا صفيرًا إعجابًا:
_أيه الجمال ده كله.
ايتسمت نور وتساءلت بخجل:
_بجد، عجبك الفستان.
لفها بذراعه حتى ارتطمت بصدره وهمس لها:
_ده يعجب الباشا يا باشا.
تلاشت ابتسامتها تدريجيًا حينما تذكرت أمرًا، وصرحت به على الفور:
_عندك فين عديتي؟
انكمشت تعابيره بغضب:
_ده وقته يا نور، الصبح يا حبيبتي هديكي العدية!
أشارت بالنفي وباصرار قالت:
_إن كنتوا اخوات اتحاسبوا يا حبيبي، عديتي من فضلك.
ردد ساخرًا:
_إخوات!
ومال لجاكيته المعلق ومن ثم جذب مبلغًا من المال، قدمه لها عمر وأغلق باقي أزراره ثم اتجه للفراش ليغفو بهدوءٍ غريب، لحقت به وهي تتساءل باستغراب:
_هتعمل أيه؟!
رد عليها بسخرية:
_مش بتقولي اخوات يبقى أنام أحسن.
ألقت المال إليه ورددت بغضب:
_لا الكلمة دي مش مقصرة معاك أكتر من المبلغ اللي ادتهوني، أنا عارفاك مكار، خد فلوسك والصبح هعرف أخدها منك وبطريقتي.
نهض عن الفراش وانحنى يلتقط المال، ثم قدمه لها وهو يخبرها بجدية ابتسامته الساحرة:
_العيد ميحلاش غير لما تكوني أول واحدة واخده عديتها يا نور.
واستطرد برجاء:
_بلاش طريقتك دي لانها مش بتضرني لوحدي، خليكي عاقلة كده زي ما كنتي طول الشهر وسيبي الشباب في حالهم.
التقطت منه المال وهي تخبره بخبث:
_هفكر.
ردد بتريثٍ وهو يضمها اليه:
_مش مرتحلك!
ابتسمت وهي تخبره بمكر:
_هضطر أعاملهم كويس لإني محتاجة لمساعدتهم، انت ناسي إن لسه كام يوم على عيد ميلادك.
تلاشت ذاكرته للعام الماضي وبالأخص ليوم عيد ميلاده السابق
##
ولج لمكتبه بخطوات سريعة قد تكون أشبه للركض، إلتقطت السكرتيرة الحقيبة من يديه، فبدأ بفك زر جاكيته، ليستعد لأرتداء البلطو الطبي فور دخوله، إستعداداً لدخول العمليات بعد أن تم إستدعائه لحالة طارئه فأتى على وجه السرعة، ولج لمكتبه ليجد الظلام يعبئ المكان، كاد بتشغيل الأضاءة ولكنه تفاجئ بمن تضيء الشموع بالغرفة، ليظهر وجهها على ضي أحد الشموع، نور قلبه التي إستحوذت عليه منذ النظرة الأولى، أغلق "عمر" باب مكتبه ثم إقترب ليقف أمامها بذهول وقد بدأ بأستيعاب ما يحدث حوله، حملت قالب الكعك وإقتربت منه ببسمة مشاكسة، لتتغندج بوقفتها بدلال مردة «كل سنة وأنت طيب»
رسمت البسمة على وجهه وهي تدور حوله بسعادة وفرحة تكاد تقفز من عينيها، مدت يديها أمام لتشير له ببسمة هادئة:
_طفي الشمعة...
حمل منها القالب ليضعه على مكتبه، ثم قربها منه ليحاوطها بين ذراعيه مردداً بسخرية:
_يعني كان لازم تدبي معايا شكلة الصبح عشان أصدق إنها مفاجأة؟
إبتسمت بخجل لقربه منها فمازال الحياء يتمكن من قلب المرأة حتى وإن عاشت دهراً كاملاً مع الرجل:
_عشان الخطة تنجح، وبعدين المكان هنا حلو بعيد عن دوشة القصر..
إقترب منها بخبث ليردد بمكر ونظراته تهلل بالخطر لها:
_والله؟
تراجعت للخلف لتدفعه بخفة قائلة بأرتباك:
_مش هنطفي الشمع ولا أيه؟
ضيق عينيه بتفكير:
_على حسب، فين هديتي؟
عدلت من فستانها بغرور:
_لا مش هنا هديتك بالبيت
إقترب منها بمكر وهو يغمز لها بنظرات تعرفها جيداً:
_وأنا مش هطفي الشمع من غير ما أخد هدية..
تراجعت للخلف بتعثر وهي تجيبه بضيق:
_مجبتش هدايا معايا قولتلك حضرتها بالبيت..
كادت بأن تتعثر بفستانها الطويل فوجدت ذراعيه تطوف بجسدها، تلاقت نظراتهم لقليل من الوقت قطع بفتح الباب على مصراعيه ليطل من خلفه شباب الجارحي بأكملهم، فمرر "جاسم" قالب الجاتو الذي يحمله قائلاّ بنبرة رجولية مناسبة:
_كل سنة وأنت طيب يا شبح..
توقفوا جميعاً ليتطلعوا إليهم بصدمة لتحل وابل الأسئلة والمرح فيما يينهما ليعلو صوت "حازم" بسؤالا يطوف على جميع العقول:
_أنتوا بتعملوا أيه؟!
أجابه عمر بغضب:
_خليك في نفسك، ثم انك جاي هنا تعمل أيه؟
ضحك وهو يخطف قالب الجاتو ويهرول للخارج:
_جاي أكل تورته.
وما زاد من صدمة عمر بأن الشباب بأكملهم ركضوا جميعًا خلف حازم بأرجاء المشفى التي زفت خبره الساخر على الألسنة «الطبيب الذي أتى بعائلته للمشفى للاحتفال بعيد ميلاده فسرق أحد أفراد العائلة قالب الكعك وهرول بالمشفى يلتهمها»
عاد من مجلد ذاكرته يشير لها بتحذير:
_مش عايز أعياد ميلاد تاني في حياتي كلها يا نور!
*****
فرك عينيه مرتين وهو يحاول التأكد مما يراه، فردد بتشتتٍ:
_أنا أكيد بهلوس مش معقول.
ابتسمت من تراقبه وبقيت محلها جوار الطاولة المزينة بالورود والشموع الحمراء، تراقبه على استحياء، دنى منها أحمد حتى بات قبالتها، يخطف نظرة للطاولة وقال بعدم تصديق:
_ورد وشمع!
ونقل بصره إليها وهو يستطرد:
_وصاحية لحد دلوقتي، لأ في حاجه غلط!
ابتسمت إليه وقد أشرقت الحياة ببسمتها الرقيقة، معشوقة طفولته وصديقته الوحيدة، من كان لها زوجًا وحبيبًا وصديقًا، لم يقصر يومًا بواجباته تجاهها ومازال نفسه الحبيب الذي لم يكسره واجبات الزوجية وتعاسة ما يواجه بعدها، اقتربت منه ويدها تطوف رقبته بدلالٍ وجدته معه والآن يشاركها به، ضمها إليه فهمست آسيل بخجل:
_بحبك.
لف ذراعه حول خصرها ليضمها كُلها إليه، وأنفاسه تكاد تحرق آذنيها:
_أنا بعشقك!
*****
زفر بمللٍ وهو يجوب غرفته ذهابًا وإيابًا، يتفحص ساعته وهو يصفق كفًا بالأخر، فاندفع لباب الحمام يطرقه بقوةٍ وهو يصيح:
_بقالك ساعة حابسة نفسك جوه، انتِ كويسة طيب!
أتاه ردها المرتبك:
_أنا كويسة صدقني بس مش طالعه غير لما تنام.
مرر معتز يده على وجهه بعصبية جعلته على وشك تحطيم هذا العائق، فصاح بغضب:
_طب افهم طيب ليه؟!
واستطرد بغضب وهو يزيد من طرقه:
_شروق افتحي الباب ده وحالًا.
خشيت أن تزداد الأمور سوءًا بينهما، ففتحت الباب وطلت برأسها من خلفه مرددة برجاء:
_طيب ممكن تجبلي الروب من عندك.
ربع يده أمام صدره وصاح من بين اصطكاك أسنانه:
_لأ..
لم تستلم أمام مطالبها، فعادت تخبره:
_طب غمض عينك.
أدمى شفتيه السفلية وقال:
_اطلعي بدل ما أنا اللي هخرجك وبطريقتي!
فتحت الباب وأجبرت ذاتها على الخروج، لتقف أمامه بخجلٍ، فر الغضب عن معالمه فور رؤيتها، فلف من حولها وهو يحاول استيعاب بأنها ذاتها زوجته، لأول مرة يراها بهذا الفستان الجريء، وينتبه لخسارتها وزنها بالايام الماضية، أهلكته للتو بجاذبيتها التي تحاول إخفاءها عن عينيه، فقالت بارتباكٍ:
_اشتريته من فترة بس آآ... عنته للعيد يعني وآ... معرفش حاسة انه ضايق.
وهرعت للخزانة وهي تردد:
_هروح أغيره حالًا.
سد طريقها، وببسمة عريضة قال:
_تغيري أيه ده انتي أخيرًا ابتديتي تفهميني!
تراجعت للخلف بارتباك وهي تردد:
_عيب يا معتز.
نزع عنه جاكيته وهو يشير ساخرًا:
_هو انتي ليه تصرفاتك غريبة جدًا النهاردة، ده أنا جوزك بقالي عمر مش لسه ضاربين ورقة عرفي امبارح!
لكمته بقوة:
_ألفاظك!!
مال إليها وبمكر همس:
_أغيرها عشان عيونك يا جميل.
ارتبكت أمام نظراته فكادت بالسقوط على الفراش، ساندتها يده وأحاطتها بقوة، وسبقها بقوله الخبيث:
_حاسب يا وحش.
بتذمرٍ قالت:
_مش هقع في البحر أنا!
نزع يده بسخطٍ:
_حقك عليا.
صرخت حينما سقطت على الفراش، فلحق بها حتى تمدد جوارها، اعتدلت إليه ورددت بانفعال:
_هان عليك تسبني!
نزع عنه قميصه قائلًا بمكر:
_ما أنا رميت نفسي وراكي!
واقترب منها فتراجعت للخلف وهي تشير له بالتوقف:
_انت رايح فين؟
ضحك وهو يقربها إليه:
_ده سؤال بذمتك!!
*******
تردد جاسم في الدخول إليها، فظل أمام باب الجناح لوقتٍ لا بأس به، وحينما استدار انتفض حينما وجد أبيه قبالة عينيه، فتساءل باستغراب:
_واقف كده ليه؟
ابتلع ريقه بهدوءٍ وهو يخبره:
_مفيش بفكر أدخل ولا أخلع لأي جناح.
ردد أدهم بدهشة:
_تخلع ليه! هو انتوا اتشاكلتوا تاني؟!!
_عاشر يا حاج تقصد عاشر.
زفر أدهم بسخطٍ من ابنه الذي لا يكف عن مشاكساته التي لن تتخلى عنه مطلقًا، فردد بهدوء متوازن:
_يا ابني ارحمني بقا الله يكرمك، داليا جدعة وبتحبك بس أنت إسلوبك اللي دبش.
أشار لذاته بتأثرٍ:
_أنا دبش!!
أومأ برأسه بتأكيدٍ، وأضاف:
_اتعلم مني أنا وأمك، أو من أحمد وأختك بلاش أحمد بص لأي شاب من شباب الجارحي المحترمين المهم تتعلم العقلانية والتعامل الراقي مع مراتك.
وحينما وجده ينصت له جيدًا، قال:
_انزل اشتريلها ورد، هاتلها بوكس فيه هدية شيك بمناسبة العيد، اتحرك كده أنا اللي هعلمك!
_بقى أنا بقالي ساعتين قاعدة أستناك وانت واقف تدي محاضرات لابنك!!
صرخت غاضبة فيه بكل طاقتها، جعلته ينتفض للخلف محتضنًا ابنه الذي همس إليه:
_كان بودي أقولك شوشو وراك بس مجتش الفرصة!
انتبه لذاته فابتعد عنه وهو يعدل من جرفات بذلته بثبات مخادع، وقال:
_متأخرتش يا شذا أنا لسه راجع من برة حالا.
رمقته بنظرة محتقنة وصاحت:
_بدل ما أنت بتدي نصايح لابنك المتهور اللي مفيش منه رجا كنت علم نفسك يا حبيبي ما أنت راجعلي ايد ورا وإيد قدام!
حك جبهته بحرج، فناوله جاسم زهرة موضوعة بالڤازة المجاورة له وهو يخبره بصوت منخفض:
_طلعت إنت اللي محتاج مساعدة يا والدي، رضيها بيها ومتقلقش عليا!
التقط منه الزهرة ثم دنى منها وهو يردد ببسمة واسعة:
_لأحلى وردة في الدنيا كلها.
التقطتها ببسمة رقيقة وخاصة حينما مال عليها يمدح بجمالها الرقيق وتميز طالتها، فغادرت برفقته لجناحهما، فما أن غادروا حتى ردد جاسم بسخرية:
_حتى ماما طلعت بتتثبت!!
واسترسل بضيق وهو يتأمل الباب الموصود:
_خايف أدخل أتفاجئ بلون صبغة تعكنن يومي.
ومرر مقبض الباب وهو يهمس:
_يا رب ميكنش أخضريكا.
بحث عنها وهو يتمنى أن لا يرأها، فبرق بحدقتيه حينما لمحها تجلس على الفراش، اطمئن قلبه فور رؤية شعرها مازال أسود اللون كطيبعته، فابتهجت ابتسامته وصاح:
_يا ما أنت كريم يا رب.
وما أن دنى منها حتى تبلدت بسمته فور أن جذبت شعرها لكتفيها، فردد بصدمة:
_أيه ده انتي قصيتي شعرك!!
ابتسمت بسعادة وكأنه يمدحها:
_حلو مش كده.
كز على أسنانه بغيظ:
_هو انتي يا تصبغي يا تقصي مفيش حل وسط!
توسطت يدها خصرها وصاحت بنفور:
_أنت مش بيعجبك حاجة أبدًا، أعمل أيه تاني عشان أعجبك!
خشي أن تنتزع ليلته وحينها سيسخر منه أبيه، فأسرع يتمدد جوارها وهو يصحح كلماته:
_مين قال إنه وحش انتي زي فلقة القمر يا دودو.
أشرقت ابتسامتها مجددًا:
_بجد.
هز رأسه بتأكيد، ففركت أصابعها بخجل وهي تحاول القاء قنبلتها القادمة، والاخر يتقرب إليها بشوقٍ، فهمس برغبةٍ:
_وحشتيني أوي.
ابعدته وهي تخبره:
_في حاجة لسه حابة أقولك عليها.
ردد بهيام بعينيها:
_لسه في مصيبة تانية غير شعرك!
أكدت بإيماءة رأسها، فكور يده وهو يحدث ذاته:
_اهدى خالص واسمعها بقلبك مش بعقلك.
وأشار لها بالحديث فقالت:
_ألف مبروك عليك أنا حامل.
رمش بعينيه ببعض الصدمة، وردد:
_هو فعلا مبروك عليا!
ولطم ساقه بغيظ كاد باسقاط أسنانه،فتراجعت بجسدها للخلف وهي تتساءل بخوف:
_انت كويس يا جاسم؟
رسم بسمة حقن بها غيظه المحترق وقال:
_كويس.. كويس جدًا.
وتحررت ابتسامة اخرى وهو يجذبها اليه مرددًا باصبعيه:
_بصي مهما حاولتي تنزعي عليا ليلة العيد مش هعدهالك، هنحتفل وهنحب في بعض وبكره نتخانق مهو بصي هتتثبتي يعني هتتثبتي الحاج آدهم أبو وردة سلف مش أحسن مني!!
******
_شيلي البتاع ده عن عيوني هتعمي كده!
ضحكت وهي تراقبه يحاول إزاحة القماش عن عينيه، فابعدته رانيا عن عينيه وهي تشير له بتتابعها للداخل، لحق بها رائد فتفاجئ بصندوق أسود موضوع على الفراش ومن حوله ورقات من الأشجار الرقيقة، فتح هديتها فوجد احدى زجاجات العطر التي كان يستخدمها سابقًا، استدار لها وهو يتساءل باستغراب:
_اشمعنا ده؟!
رفعت كتفيها بدلال:
_بحبه عليك.
فتح العلبة ونثر منها على قميصه، ثم قربها إليه وهو يردد أمام وجهها:
_مش هحط غيرها بعد كده.
لفت ذراعيها حول رقبته، ويدها تعبث بالريموت الصغير، فتحرر لمسمعه صوت موسيقى هادئة، تحركت برفقته بخفةٍ ورأسها موضوع على كتفيه، فضمها إليه بحنانٍ وترقب لانتظار اللحظة التي تدعوه بها لعالمهما السري.
******
_مش حاسس بتغير يعني، شكلك زي مهو!
قالها بعدما سئم من سؤالها المتكرر عن رأيه بما فعلته بذاتها، فحطم حازم سقف أمنياتها حينما قال ذلك، فجلست على الفراش بحزنٍ ولحق بها وهو يخبرها بمشاكسة:
_فكري وركزي شوية، أنتي مش شايفة البنات بقوا عاملين ازاي.
عبست بعينيها بصدمة من حديثه وصاحت:
_قصدك أيه يعني؟
أخبرها بضحكة خبيثة:
_سبيلي نفسك وأنا هخرجك مزة.. بعدها مش هتعرفي نفسك تاني وبعد كده هتتحايلي عليا إني أتمملك على الأوت فيت بتاعك.
أسرعت إليه بحماس:
_بجد يا حازم.
أشار لها وهو يتجه للخزانة:
_جد الجد يا روحي، بينا اختارلك فستان منحرف أقصد محترم.
وولج للداخل حاملًا عصا رفيعه، فدار على الخزانة الطويلة، مشيرًا على مجموعة متتالية قائلًا:
_قيسي ده وده وده.. وتعالي بره أقولك رأيي.
وخرج ينتظرها على مقعده حاملًا طبق من التسالي وعينيه تراقب الخزانة حتى خرجت إليه بفستان وردي اللون كان يبرز جمال عينيها، ولكنه لم يصل لغايته فأشار لها:
_لأ... شوفي التاني أحسن.
عادت للداخل ثم عادت مجددًا ترتدي فستانًا أخر، فأشار بعصاه بأن تعود للداخل مجددًا، ظلت هكذا حتى انتهت من أكثر من خمسة عشر فستانًا، فخرجت بالسادس عشر تستند على الحوائط وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة، فسقطت أرضًا وهي تحاول الاستقامة بقامتها كعارضات الازياء المشاهير، فقال قبل أن يلمحها:
_لسه مجاش اللي في بالي جربي غيره وياريت يكون قصير، أنتي داخلة على لائحة الطوويل مفيش واحد منحرف عندك جوه، ده حتى رمضان خلص وكل سنة وانتي طيبة!
تلونت حدقتيها بالاحمر القاتم، فجذبت العصا عن يده وانهالت عليه وهي تصرخ بغضب:
_تكونش صدقت نفسك يا انسان يا عديم الضمير والمبادئ، ثم اني ازاي اسمع كلام واحد متحرش وعينه زيغة زيك.
نهض عن المقعد وهو يحتضن ذراعه بألمٍ:
_عيب يا ولية حد يسمعك يقولوا عليا أيه، هو الواحد حيلته أيه غير سمعته اللي زي البفتة البيضة.
أشارت لذاتها باستنكارٍ:
_ولية! ده تمامك بعد كل اللي قسته قدامك ده وعمالة أصبر نفسي وأقول سبيه يمكن يحس بالاتنين كيلو اللي خستهم لما يشوف فرق الشكل من فستان للتاني وأنت معندكش دم.
ردد ساخرًا:
_ليه بتقسي وتقلعي في المقطم، ده الفرق بين الخزنة والصالة فردة رجل!
طالته العصا فاجتازت كتفه، والاخرى تصيح به:
_ده أنا هخلي يومك أسود من الخروب.
ركض للخارج وهو يصيح بها:
_عيب يا نسرين اعقلي، احنا في ليلة مفترجة.
ركضت خلفه فتعركلت قدميها بطرف فستانها الطويل، فسقطت أرضًا ومع ذلك لم تتركه، حملت طرفه وركضت خلفه مجددًا، فخرج للتراس فقال وهو يلتقط أنفاسه:
_أعتذرلك طيب ونحل الأمور؟
تحملت على ذاتها وهي تركض بتعبٍ من خلفه:
_مش هسيبك يا حازم، رقبتك تمن الليلة دي يا منحرف!!
طالته عصا أخرى، فهرول مسرعًا لابواب الاجنحة الخلفية، فاختار الباب الزجاجي المخصص لجناح والده، فتح الباب وهرع للداخل فسقط على الفراش، فوق حمزة الذي يستعد لنزع قميصه، فصعق حينما وجد وزنًا يفوق طاقته فردد بصعوبة بالحديث:
_انتي تخنتي كده ليه يا تالي!
رفع عنه الغطاء فصعق حينما وجد حازم يقابله والاخر يحيه:
_مساء الزبيب يا ميزو.
لف الغطاء حول جسده وكأنه يراه متعري، ليصيح بانفعال:
_أنت دخلت هنا ازاي يا حيوان!
أجابه وهو يرفع الغطاء عنه ليتمدد جواره ومن فوقه الغطاء ليتخفى عن أعين زوجته التي مازالت تبحث عنه بالخارج:
_من الباب هدخلك منين يعني.
دفعه حمزة بصدمة:
_اطلع بره أنت ازاي تيجي في وقت زي ده!
كلما حاول حمزة رفع الغطاء ليبعده، تمسك حازم بالغطاء وهو يترجاه:
_اهدى وداريني هنا نسرين هتموتني.
جحظت عينيه صدمة حينما لمح من تقتحم الغرفة، فتخفى جوار حازم وهو يحاول اغلاق ازرار قميصه مرددًا بذعر:
_عملت أيه يالا، الله يخرب بيتك يا شيخ زي ما أنت هتخرب بيتي في ليلة العيد!
وجذب الغطاء يداثر ذاته به، وحازم يجذبه ليخفي ذاته، فردد حمزة بغيظ:
_استر أبوك يا حيوان!!
أجابه حازم وهو يتخفى أسفل الغطاء:
_الصحة أهم من الستر!
تفحصت نسرين الغرفة وهي تصرخ بعصبية بالغة:
_اطلع يا حازم هتستخبى فين يعني، هي خلاص كبرت في دماغي وهقتلك يعني هقتلك.
همس حمزة لحازم من أسفل الفراش:
_اخرج وخلي عندك ذوق هتقتل معاك!
همس له:
_هتتخلى عني عشان عصايا!
تساءل بخوف:
_هي معاها عصايا!!.
صحح مفهومه الخطئ:
_شومة يا حاج!
هز رأسه بأعين مذعورة، فرفع ساقه ودفعه خارج الفراش وهو يصيح به:
_حل مشاكلك برة أوضتي يا حيوان.
صرخت نسرين بصدمة حينما وجدت حمزة قبالتها يحاول اغلاق أزرر قميصه، فالتقطت عينيها حازم الذي يهرول للخارج فاتبعته مرددة بصراخ:
_تعالى يا جبان يا عديم المنفعة.
وما كادت بالخروج حتى تراجعت لتردد بحرج:
_لامواخذة يا عمي.
أشار بيده من أسفل الغطاء:
_خدي راحتك ياسو بس براحة على الواد يخليلك عيالك مفيش مستشفى فاتحة النهاردة، احنا مش حمل بهدالة يا بنتي.
أشارت بالعصا وهي تهرول خلفه:
_متقلقش.
فتحت تالين باب الحمام وخرجت تتساءل بصدمة:
_ده صوت نسرين صح!!
********
ركضت خلفه للأسفل فوجدته يجلس على الاريكة بانهاكٍ، جلست جواره وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة، التقط حازم زجاجة المياه وقدمها لها فارتشفتها باكملها ومازالت تلتقط أنفاسها، منحته بسمة رقيقة وهي تردد:
_شكرًا.
اعادها للطاولة وهو يجيبها:
_العفو يا حبيبتي، أجبلك ميه من المطبخ تانية؟
هزت رأسها بالنفي ومالت على كتفه بتعبٍ، ثم قالت:
_لو تطلعني الاوضة تبقى مشكور معتش قادرة أتحرك، بيني عجزت يا حازم.
ردد بسخط:
_كل الجري ده وعجزتي!
_بتقول حاجة؟
_أبدًا، بقولك عيوني يا قلبي.
واكمل بينما ينحني ويحملها بتعب:
_بس الحكاية كده انتهت كفايا الجري والشيل، أشوفك العيد الجاي إن كان لينا عمر.
هزت رأسها باقتناعٍ وهي تميل على كتفه لتغفو سريعًا وكأن شيئًا لم يكن!
******
بغرفة مازن.
سئم من انتظار انتهاء مكالمتها المتبادلة مع والدتها يارا، وأشار لها كثيرًا بأن تغلق ومع ذلك مازالت مستمرة، فتسلل من جوارها لخارج الغرفة ثم اتصل بعز الذي أجابه بغضب:
_عايز أيه أنت التاني!
كبت مازن ضحكاته ثم قال بخبث:
_على ما يبدو بأن الغضب اللي بينا متبادل يا حمايا عشان كده لازم نتكاتف لحل تلك المشكلة.
_أعمل أيه يعني؟
أجابه بمكر:
_افصل شبكة النت، أرمي الفون، اعمل نفسك تعبت فجأة، اتعصب واقلب التربيزة أعمل أي حوار.
_ومتعملهوش أنت ليه؟
_أنا الجهة الضعيفة أنت الأقوى
_مش مكسوف من نفسك!
_هعمل أيه ما بنتك اللي مفترية!
_بنتي أنا اللي مفترية ولا أنت اللي مش عارف تمشي دنيتك.
_هنتاقش بعدين نحل الاساسي دلوقتي، اتصرف يا باشا.
_اقفل أنا هشوف حل.
وبالفعل أغلق مازن وحينما ولج للغرفة تفاجئ بها تحمل الهاتف وتعبث بأزراره مرددة باستغراب:
_النت فصل عندها! هحاول أرن فون
حان وقت تدخله فجذب الهاتف من يدها وهو يردد:
_عيب يا موجة، أكيد مامي مبقتش فاضيلك.
ابعدت يده عنها وهي تجيبه:
_لأ في موضوع مهم بنتكلم فيه.
أكد لها:
_زمانها مش فاضيلك دلوقتي يا حبيبتي اسمعي مني.
وجذبها جانبًا وهو يقربها إليه بمكرٍ:
_احنا لينا موضوع مهم احنا كمان!
******
مالت على ذراعه ومازال يجلس بها جوار الشرفة، يده تحتضن يدها وابتسامته لا تفارق وجهه، قطعت أجوائهما الرومانسيه حينما قالت:
_فاكر لما ركبت المبكروباص معايا لأول مرة!
امتعضت ملامحه بغضبٍ، فسحب رعد ذراعه عنها وخاصة حينما لم تتمكن من السيطرة على ذاتها من الضحك، اخشونت نبرته المتعصبة:
_ما خلاص بقا يا دينا مسكهالي ذلة من سنين ومش عايزة تنسيها.
برقت بعينيها بصورة مضحكة:
_ودي حاجة تتنسي يا باشا.
صاح بجدية تامة:
_دينا خلصنا!
هزت رأسها بتقبل وعادت تميل برأسها على كتفه، فاحتضنها بحبٍ، قضت بأحضانه دقائق نعمت بعشقه، وبعدها رفعت رأسها إليه مجددًا تخبره وتدعي البراءة:
_بس كان شكلك لطيف وانت جنبي في المواصلات والله يا رعد!
ذم شفتيه معًا وحينما وجدها تضحك غرق بالضحك برفقتها وخاصة حينما بدأت تخبره بتفاصيل متعلقة بذاك اليوم.
*******
راقبته وهو يقف بالشرفة وتسللت بخفة في محاولةٍ لأن تفزعه، ابتسم وهو يرتشف عصيره مرددًا:
_حبيبتي متفكريش تعمليها تاني مع ظابط شرطة!
واستدار إليها ليجد خيبة الأمل على وجهها وشفتيها المتدلية للأسفل، فابتسم وهو يتأملها بعشقٍ زف بنبرته الرخيمة:
_لو فجأتيني بأنا اتفاجئت فعلًا بجمالك وسحرك ده.
دنت منه بابتسامتها الرقيقة، فضمها عدي إليه وهو يقربها من السور الخارجي بين ذراعيه، دفن رأسه بين خصلات شعرها يشم عبيرها الذي يتسلل إليه كلما داعب الهواء خصلاتها، استدارت رحمة إليه تطل لعينيه وتتمعن بها، ابتلعت ريقها بارتباكٍ غريب، شعرت بالتيهة لحالها الغريب، لم تجرأ يومًا أن تبادر بالبوح بمشاعرها إليه، كانت تترك له مهمة دعوتها كل مرةٍ، تمنت يومًا لو تمكنت من فعلها، ولكنها كالعادة تقف ثابتة متبلدة أمامه.
اقتربت رحمة منه ومازال يراقبها بثباتٍ عجيبٍ، ينجح في قراءة غموض عينيها، يستمع لحربها المرتبكة ويتمنى أن تفعلها يومًا وتطالب وصاله، ومع انزعجه من تحفظها الشديد الا أنه كان يراعي دائمًا بأن زوجته الشرقية، التقية، عذراء المشاعر لا تعرف الكثير عما يود تجربته يومًا معها، وها هي الآن تحاول للمرة التي فشل بمعرفة عددها.
تجمد جسده فجأة حينما فعلتها، شعر بأنه يفقد زمام أموره جنونًا لعاطفته التي انساقت خلفها، فحملها وولج بها للداخل وهو يخبرها بعشقٍ:
_بحبك.
********
أنت تقرأ
أحفاد الجارحي ..ج5.. ترويض الشرس ..آية محمد رفعت
Romanceالجزء الخامس من أحفاد الجارحي ترويض الشرس تركت يدك مرة فواجهتني الحياة بكل ما امتلكت من قوةٍ، وكأنها تخبرني بأنني مخطئة حينما سحبت قوة أماني من بين أحضانك، فاشتقت لضمة قبضتك القوية التي تساندني حينما اتعرقل بين زقاق أوجاعي، عساك تعلم بأن تلك الفتاة...