#ختامية_آل_الجارحي.
#الخاتمة_السادسة(إهداء الفصل للقارئات الغاليات"وفاء وحيد"،"آية الجندي"،"دعاء محمد"،"هدى رشاد"،"نوال أحمد"،"ضحى فؤاد"،"راندا الدخاخنني" ، شكرًا جزيلًا على دعمكم المتواصل لي، وبتمنى أكون دائمًا عند حسن ظنكم..بحبكم في الله...قراءة ممتعة 💙)
حالة الهرج والمرج المنتشرة بين جموع العائلة أثارت الريبة لهم، فكان عدي الأسرع بينهم، حينما أغلق باب السيارة وهرع إليهم يتساءل بريبةٍ:
_في أيه؟
انتبهوا لوجود ياسين ويحيى بينهم، فلعق حمزة شفتيه وهو يردد بإرتباكٍ:
_دي خناقة بسيطة متخدش في بالك!
ردد يحيى بصدمة:
_خناقة!
ضيق ياسين عينيه بنظرةٍ حانقة، طالت حمزة الذي يحمل المقعد بين يده، فما أن رأه حتى ناوله لعدي مرددًا برعبٍ:
_أحمد كان هيلقفه لأخوه وأنا أخدته منه وقولتله ميصحش!
واسترسل بحدةٍ:
_الأولاد مبقوش عاملين ليا أي إحترام يا ياسين!
بدت تعابير وجوههم ساخطة على تفسير حمزة الغير منطقي، وبدى الجميع متأهب لما سيفغله، فانفلت عنه انفعالًا لم يسبق له التحلي به:
_هو أنت مش هتعقل أبدًا يا حمزة!
ارتعبت نظراته، فسحب عينيه لعدي مرددًا بحزنٍ مصطنع:
_شوفت أبوك يا عدي خلص حربه معاك ومبقاش قدامه غير حمزة المسكين!
كبت عدي ضحكة ساخرة كادت بالانفلات منه، ومال برأسه إليه وهو يهمس له:
_بصراحة يا عمي محدش بيقدر يخرج ياسين الجارحي عن شعوره غيرك، وده في حد ذاته إنجاز لازم تفتخر بيه.
ارتسمت بسمة فخر على وجهه وردد بفخرٍ:
_قولتلهم كده والله محدش صدقني!
مال إليهما أحمد ليردد بسخريةٍ:
_الفخر ده هيتلاشى أول ما ياسين الجارحي يعطس، ووقتها مش هتلاقي حد ترمي عليه مصايبك يا ولدي العزيز!
قاطع حديثهم خروج آية مرددة ببسمتها المشرقة وهي تقدم صينيتها:
_عملتلكم شوية قطايف إنما أيه.
وطوفتهم بنظرة شاملة، فرددت بقلقٍ:
_هو في أيه؟!
التقط منها يحيى ما تحمله، وتناول الحلوى بنهمٍ، مرددًا وهو يلوكها:
_خسارة فيهم والله يا آية، سبيلي أنا الصينية دي.
وأشار لياسين ببسمةٍ واسعة:
_إدخل رايح أنت يا كبير وسبلي أنا المواضيع التافهة دي متشغلش بالك إنت بيها، أنا هحلها!
منحهم ياسين نظرة ساخطة قبل أن يتجه للداخل برفقة زوجته، بينما اتجه يحيى للطاولة الضخمة التي تتوسط الحديقة، مشيرًا لهم ومازال يتناول الحلوى بتلذذٍ:
_شرفوا هنا قدامي.
وتابع للشباب بمرحٍ:
_متشكرين على مجهودكم المبذول، اطلعوا ريحوا قبل السحور وسيبولي الليلة دي!
*******
إنسحب عدي من بينهم حينما لمع هاتفه برسائل من الاسطورة، يحسه على ضرورة الاستعداد للسفر في التو والحال بعدما أحدثت بعض التطورات العاجلة، وضع هاتفه بجيب جاكيته الأسود وكان بطريقه لجناحه إلى أن تسلل إليه صوتًا مألوفًا بالقرب من الجراج الخاص بالقصر، ضيق عينيه بدهشةٍ زادت حينما اقترب ليجد نور تجلس داخل السيارة التي قام بإهدائها إليها، ومازالت تتحدث بشكلٍ صارم، ظن ببدأ الأمر بأن هنالك أحدٌ بصحبتها، فانتقلت عسليته للمقعد المجاور لها فاندهش حينما وجده فارغًا، فطرق بإصبعيه على النافذة، حتى انتبهت إليه نور ففتحت نافذة السيارة وهي تردد ببسمة ترحاب:
_أهلًا يا وحش.
تغاضى عن ترحابها الساخر، وانحنى بقامته إليها ليعيد نظرة خاطفة للسيارة وحينما تأكد ببقائها المنفرد تساءل:
_كنتِ بتكلمي مين يا نور؟
أشارت بيدها لدريكسون السيارة:
_بكلم بسنت.
رمش بعينيه وهو يجاهد لرسم ابتسامة مصطنعه:
_معلش في السؤال مين بسنت؟
مسدت بيدها على إطار السيارة وهي تجيبه:
_عربيتي!
حك ذقنه النابتة كمحاولة للتحكم بانفعالاته، ومن ثم عاد لثباته وهو يردف:
_عربيتك! أمممم
واستقام بوقفته وهو يحرر بابها مشيرًا بإصبعيه:
_انزلي حالًا.
وهمس بسخطٍ:
_وأنا اللي كنت فاكر عمر بخيل لما رفض يجبلك العربية طلع أعقل مني!
إنصاعت إليه وهبطتت لتقابله، لتطرح نظريتها بتفاخرٍ:
_أنت مش فاهم حاجة ولا عمرك هتفهمني.
كز بأسنانه على شفتيه السفلية بغيظٍ، ومع ذلك تحكم بأعصابه مشيرًا ببرودٍ:
_اتفضلي فهميني أنا بنصت للي قدامي كويس!
اتسعت ابتسامتها وعدلت من اسدالها بغرورٍ وهي تشرح له:
_دلوقتي يا ابن الحلال لو واحد مكتئب وعنده تراكمات مش لذيذة بيروح فين؟
زم شفتيه وهو يشاكسها:
_لو الواحد ده عاقل يعني!
أكدت بإشارة رأسها، فقال بتريثٍ:
_ممكن لدكتور نفساني.
صفقت بيدها فجأة ففزعته وخاصة حينما صاحت:
_براڤو عليك، وأنا عملت نفس الشيء.
ضم شفتيه معًا باستسلامٍ لفهم زوجة أخيه، فعادت لتوضح له الأمور الغامضة بالنسبة إليه:
_بس أنا ذكية حبتين بدل ما أدور على دكتور نفساني يعالجني ويسجلي اعترافاتي الخطيرة اللي تودي لحبل المشنقة، وبعدين يساومني عليها بكل الفلوس اللي أمتلكها، إختارت الشخص الصحيح اللي يسمع البلاوي والأسرار الخاصة بيا بدون ما يفتح بوقه والضمان قدامك..
وركلت السيارة وهي تشير له:
_جماد لا يسمع لا يتكلم لا يتحرك!
هز رأسه بخفةٍ وهو يردد ببسمة مخيفة:
_اقنعتيني!
ووضع يديه بجيب جاكيته وهو يدنو منها قائلًا:
_أسف للمقاطعة بس هو أنتي عملتي أيه بالظبط يوصلك لحبل المشنقة، اعترفيلي يمكن أقدر أساعدك قبل فوات الأوان.
ابتلعت ريقها بارتباكٍ مضحك، وخاصة حينما شددت عليه:
_أقولك بس توعدني متقولش لأخوك.
منع تلك البسمة من الظهور، وقال بصرامةٍ وجدية:
_اعتبريني مشوفتكيش.
ابتسمت وهي تخبره بأريحيةٍ تامة:
_يعني أوقات بتجسس على عمر وهو في الشغل، الاحتياط واجب بقى أنت عارف.
ضيق عينيه بصعوبة فهم ما تقصده بأي مدى يصل حد مراقبتها، فقالت:
_زراعاله كاميرا بمكتبه.
جحظت عينيه في صدمةٍ وخاصة حينما استكملت:
_وأحيانًا بسرق فلوسه ولبسه.
وراقبت الطريق من حولها قبل أن تفصح عن أخر أسرارها:
_كل ما بيطلب هدوم أون لاين بستلمها بداله من الكريدت كارد بتاعه وبأخدهم لنفسي لإنه كده كده بينسى هو طلب أيه!
اغتاظت تعابيره، فأشار لها بغضبٍ رغم ثبات انفعالاته:
_اطلعي نامي يا نور بدل ما أعتقلك أنا حالًا!
*********
استمع يحيى لجميع الأطراف والملابسات، وانتظر من حوله سماع حكمه المنصف بالنسبة للسيدات، مرر يده على فمه عدة مرات، وكأنه يحاول إخفاء سخريته التي ظنها غير واضحة، وقال ببسمة هادئة:
_أنا حقيقي عاجز عن الرد، ومش عارف أقول أيه!
هز حمزة رأسه بتفهمٍ عجيب لحق رزانة جملته:
_أيوه فعلًا هو الموضوع صعب وميتعرفش يتقال فيه أيه.
استدار تجاهه وأشار إليه بغضبٍ:
_أنت بالذات متتكلمش خالص، لإنك سبب أي مصيبة بتحصل وهتحصل جوه قصر الجارحي!
لطم صدره بصدمةٍ:
_أنا!!
احتقنت عين يحيى بإشارةٍ مزلزلة، جعلته ينساق خلف صمته، فصاحت يارا بعصبية:
_لا يا أبيه يحيى خليه يتكلم ويقولنا على الأسرار اللي مخبيها عنهم.
واتجهت نظراتها لعز وهي تصيح بانفعالٍ:
_عايزة أعرف أيه اللي مستخبي عني بالظبط!
أكدت شذا حديثها:
_صح يا يارا، محتاجين كلنا نفهم أيه اللي كان بيحصل من ورانا!
رد عليها رعد موضحًا:
_لا مش من وراكم من قبل ما نعرفكم أساسًا وده في حد ذاته مش مهم!
طرقت دينا على سطح الطاولة بغضب قاتل:
_وماله يا أخويا نسمع ونقرر مع بعض إذا كان مهم ولا مش مهم!
تأزم على يحيى الموقف برمته، خاصة مع توتر الأجواء، لذا بدأ يلتزم بجديته مع إتخاذ الأمر للخطورة بينهم، فقال:
_يا جماعة من فضلكم بطلوا تبصوا على الماضي، لإنكم عارفين إن ماضينا كلنا سييء.
ورفع عينيه لبنية القصر الشامخ وهو يتابع بغصة حزن طالت نبرته:
_القصر ده زمان كان متاح فيه كل شيء محرم قبل دخول آية ودينا وشذا، اللي حصل زمان مينفعش نتحاسب عليه دلوقتي، إحنا اتولدنا من تاني وإبتدينا نبص على الحلال والحرام اللي عمر عتمان الجارحي ما وضعه حد لينا، قوانينه وقواعده كانت بتجمع شمالنا وأملاكنا عمرها ما جمعت قلوبنا ولا جمعت طاعتنا لربنا عز وجل.
وتابع بتأثرٍ شديد:
_كلنا كنا غارقنين بالمعاصي حتى لو في مننا مرتكبش الكبائر بس مكناش ملايكة، الدنيا لهيتنا ونستنا حساب ربنا وغضبه علينا.
وتجولت عينيه بينهم فوجدهم يستمعون إليه بانصات وحزن يتلون على الوجوه، فعاد يلتشح ببسمته الساحرة من جديدٍ:
_متبصوش لزمان بصوا لدلوقتي، قدرنا نربي أولادنا على قيم ومبادئ دينهم اللي إحنا متربناش عليه ده في حد ذاته إنجاز.. لإن هما اللي هيمدوا نسلنا لسنين جاية، هما اللي هينقلوا تربيتنا ليهم، دلوقتي بنحاول نكون مثالين بس جوه كل واحد مننا شيء يخص الماضي اللي فيه ذنوب، وواجبنا نتوب عنه مش نعاير بعضنا بيه.
وتابع وهو يبعد مقعده عن الطاولة:
_ربنا ستر خطايانا وعيوبنا مينفعش نيجي بعد العمر ده كله ونفضح اللي ستره، خليكم متأكدين إن ربنا بيحبنا وأكبر دليل وجودهم حولينا، لإن ربنا سيحانه وتعالى كان عايزنا نتغير وهما كانوا السبب في ده.
تركهم يحيى وصعد للأعلى، فانتقلت نظرات رعد لدينا، سكنت عينيه داخلها، تذكر كل لحظةٍ مضاها برفقة تلك الفتاة البسيطة التي أرغمت كبريائه وغروره وجعلته ينحني إليها، تذكر معاناته بترويضها وكيف كانت تتلذذ حينما تكسر قاعدة من قواعد عنجهيته المعتادة، كيف كانت تبتسم خلسة حينما يتخلى عن سيارته ويرافقها بالباص أو تصطحبه لأحد الأماكن الشعبية، كيف نقلت تربيتها لابنائه رائد وداليا وجعلتهما أفضل منه، بالرغم من تمسك رائد ببعض الغرور الموروث عن أبيه ولكنه بالنهاية يحمل منها الخصال العظيمة، التي ترغمه على الاعتذار بصدر رحب دون أي غرور منه، تسللت يده من أسفل الطاولة لتحاوط خاصتها فمنحته ابتسامة أشرقت حياته القادمة لألف عامًا!
أنت تقرأ
أحفاد الجارحي ..ج5.. ترويض الشرس ..آية محمد رفعت
Romanceالجزء الخامس من أحفاد الجارحي ترويض الشرس تركت يدك مرة فواجهتني الحياة بكل ما امتلكت من قوةٍ، وكأنها تخبرني بأنني مخطئة حينما سحبت قوة أماني من بين أحضانك، فاشتقت لضمة قبضتك القوية التي تساندني حينما اتعرقل بين زقاق أوجاعي، عساك تعلم بأن تلك الفتاة...