#ختامية_آل_الجارحي..
(#الخاتمة_الأولـى)(إهداء الفصل للقارئة الغالية "أشواق يسري" ، شكرًا جزيلًا على دعمك المتواصل لي، وبتمنى أكون دائمًا عند حسن ظنك يا جميلة..بحبك في الله...قراءة ممتعة 💙)
رائحة التُمور والخروب تحيط بالشوارع، وكأنها لم تترك شبرًا الا وأحاطته، الزقاق يملؤها الزينة الرمضانية، ويتوسطها الفَوَانِيس التي تضيء بتآلقٍ، وشملت بهجة تلك الأجواء قصر آل الجارحي، تفردت الزينة على حوائطه وإمتدت للداخل، بأطراف القصر من جميع الإتجاهات، الأضواء الخافتة تشع بالأرجاء، يحدها حامل المصحف الموضوع قبالة رعد ومن حوله اجتمع صغار آل الجارحي يستمعون إلى صوته العذب في ترتيل القرآن الكريم، ويتسابقون بإظهار أصواتهم المميزة وتطبيق ما تعلموه على يد شيخهم الماهر، فقد حرص ياسين على تقوية حفظهم لكتاب الله طوال تلك السنواتٍ، وعلى مقربةٍ منهم وبالأخص بمطبخ القصر، حيث اجتمعت العائلة بأكملها، يضعون كميات هائلة من الطعام، موزعة على عددٍ من الأطباق البلاستيكة، ولكلُ منهم مهمته، فكانت آية توزع اللحوم للأطباق، ويتبعها أحمد بسكب الأرز، ومن بعده عمر بالمعكرونة، وجاسم بأصابع اللحم المفروم (الكفتة)، أما ياسين فنزع اللاصق عن كرتون العصائر، وناولها لمليكة التي تضم كل عُلبةٍ لطبق الطعام ، وتناولها لداليا التي تمررها لرائد فيضعها في كيس بلاستيكي، يتناوله منه معتز ليضع به مبلغ من المالٍ، ومن ثم يمررها لحازم ومازن فيقومان بوضعه بالكرتون الضخم، وما أن يكتمل يحملانه لعدي بالخارج فيضعه بصندوق السيارة، مشيرًا لهما بعدما تفحص ساعته:
_بسرعة يا شباب مفضلش وقت كتير على الآذان.
أشار له مازن وهو يعود للمطبخ سريعًا:
_متقلقش لسه ساعة كاملة هنلحق بإذن الله.
وعاد للمطبخ مجددًا، يتساءل بريبةٍ:
_ها يا جماعة كده خلاص ولا أيه؟!
تقدمت منه يارا وهي تشير على الكرتون المتبقي:
_فاضل الكرتونة دي.
انحنى أحمد وحملها مرددًا:
_سبها يا مازن هخرجها أنا.
واستطرد بإهتمامٍ:
_شوف الشباب كده خلصوا ولا لسه؟
وتركه وخرج لعدي، فأسرع إليه مردفًا:
_حطها في عربية عمر فيها مكان لسه.
أومأ برأسه بخفةٍ، وإتجه لسيارته فوضعها بحرصٍ وانتصب بوقفته قبالته، أعلق عدي باب السيارة تابعًا وهو يمشطه بنظرةٍ متفحصة:
_هدومك أتوسخت، اطلع غير هدومك بسرعة عشان نتحرك.
أومأ برأسه وإتجه للداخل، فرفع عدي صوته محذرًا:
_متتأخرش يا أحمد، عايزين نلحق نوزع الكمية كلها.
أجابه وهو يسرع للمصعد:
_عشر دقايق ونازل بإذن الله.
ولج عدي للداخل بعد إنتهائه من مهمته التي تكلفت بتوزيع الصناديق على سيارات الشباب، فطوف المطبخ بنظرةٍ متفحصة، فوجد التعب والإرهاق يشق الطريق على الأوجه، الجميع بعملون منذ الصباح، بعد أن تكفل ياسين ويحيى بالذبح باليوم الأول من رمضانٍ المبارك، وصممت آية وشذا ويارا والفتيات بعدم تدخل أحدٌ من الخدم بطهي الطعام للمساكين والفقراء، فساهم الشباب بالمساعدة فلم يبخسوا أبدًا تقديم الدعم منذ الصباح حتى مع إقتراب مفارقة الشمس وبزوغ موعد الآذان، انتقلت عينيه لمعشوقته التي تجلس أرضًا وتفرغ قطع اللحم من الصواني ثم تمررها للفتيات فيضعونها على الطاولة العملاقة حيث تتم ترتيب الأطباق، بالرغم من تعبها لشهور حملها الأولى الا أنها مازالت تصر على المساهمة في هذا العمل الخيري، اتجه إليها ثم انحنى ليقدم لها يده، فأتكأت عليه ببسمة هادئة حتى استقامت بوقفتها فهمس لها:
_اطلعي غيري هدومك وارتاحي شوية لحد الآذان.
أومأت برأسها لشعورها بحاجتها للراحة بعد هذا العناء، فأشار عدي للفتيات قائلًا:
_وانتوا كمان اطلعوا غيروا هدومكم واستريحوا شوية.
أكدت دينا على حديثه:
_أيوه عدي معاه حق، انتوا تعبتوا جدًا.
أجابتها شروق بإرهاقٍ:
_كله يهون في سبيل فرحة الغلابة في يوم زي ده.
أكدت رانيا حديثها:
_فعلا معاكِ حق يا شروق.
واستدارت تجاه رائد تستسمحه على استحياءٍ:
_ينفع أجي معاكم وانتوا بتوزعوا الأكل؟
بدى غير مرحبًا بفكرتها، فأسرعت آسيل بالحديث:
_أكيد هيكون في ستات وهتحتاجوا لوجودنا.
رد عليها عمر:
_مش حابين نتعبكم كفايا وقفتكم طول اليوم بالمطبخ.
ردت عليه نور برجاءٍ:
_والله هنقعد في العربية ومش هنعمل أي حاجة.
واستدارت تجاه آية التي تتابع حوارهم ببسمةٍ هادئة، قائلة:
_قولولهم يا ماما.
ربتت بيدها على كتف رائد وعمر، قائلة:
_متزعلهمش عشان خاطري، هما حابين يشوفوا تعبهم هيروح فين بعنيهم.
ابتسم عدي وهو يتابع بسمة وجهها البشوش، فقال:
_خلاص يا شباب الأمر جايلنا من زوجة ياسين الجارحي بنفسه!
ضحك رائد وأردف بمشاكسةٍ:
_منقدرش نتكلم.
أضاف ياسين بمرحٍ:
_نفسي يا طنط تتدخلي على طول كده بينا هتحلي مشاكل الدول بابتسامة صغيرة بس.
لكزته مليكة بغضبٍ:
_أنت بتعاكس مامي واحنا وقفين.
تعالت ضحكاته الرجولية، متلفظًا بخبثٍ:
_أكيد مش جاني على نفسي يعني، ثم إني معايا قمر الكون كله هعوز أيه تاني؟
هزه جاسم ساخرًا:
_احنا في رمضان يا أخ، صيامك زي السيف أوعى تتخلى عنه مهما تعرضت لاي إغراءات!
تعالت ضحكاتهم جميعًا، فأشار لهم رائد:
_طب يلا غيروا هدومكم بسرعة واحنا برة.
غادر الشباب للسيارات، بينما صعدت الفتيات لتغير ملابسهم لاسدالات الصلاة، وتبقى عمر وعدي برفقة آية بالمطبخ، فتساءلت باهتمامٍ:
_أصدقائك هيوصلوا أمته يا عدي؟
أجابها وهو يتابع ما تفعله من تنسيق أطباق مخصصة إليهم:
_اعتذرولي من شوية وأجلوا المعاد لبعد بكره.
منحته ابتسامة مشرقة وصوتها الحنون يخبره:
_يجوا في الوقت اللي يحبوه، البيت مفتوح بأي وقت.
انحنى ليدها يقبلها باحترامٍ وحب:
_رلنا يباركلنا فيكي يا ست الكل.
مال عمر بجسده على الطاولة، مشيرًا له بسخطٍ:
_أشوف ياسين الجارحي قفشك ويبقى رمضانك بالجنة إن شاء الله!
انتفضت آية من دعوته المازحة، وصاحت بغضبٍ:
_بعد الشر يا عمر متقولش كده على أخوك.
غمز له عدي بمكرٍ، وتابع لجوئه لاسلوبه الماكر:
_ابنك مش قادر يستوعب إني بقيت أنا وياسين الجارحي زي السكينة في الحلاوة!
_حبيبي تعالى بره نشوف قصة السكينة والحلاوة لحد ما المغرب يأذن!
صوت ياسين الجارحي اقتحم مجلسهم الخاص، فضحك عدي وخرج إليه ومن بعده عمر، بينما تبقت آية بالمطبخ تحاول إعداد الطعام لتقدمه على السفرة لحين عودة الشباب والفتيات من الخارج.
*******
بالخارج.
انتهى رعد من درسه لليوم الأول، فأغلق المصحف الشريف مشيرًا للاطفال بحماسٍ:
_كلها ساعة ونتجمع على الفطار، اللي هيكون صادق وهيحافظ على صيامه للوقت ده هيكافئه مكافأة كبيرة جدًا، ودلوقتي روحوا العبوا شوية لحد ما الآذان يأذن.
رد عليه ياسين ببسمة هادئة:
_المكافأة الأكبر أكيد من ربنا عز وجل يا أنكل.
مرر أصابعه فوق خصلات شعره البني، وهو يمنحه ابتسامة هادئة، موكدًا له:
_أكيد يا حبيبي.
وأشار لهم وهو ينهض عن الأرض:
_يلا روحوا ألعبوا.
غادر الصغار من أمامه للحديقة للعب، بينما استدار ياسين متجهًا للصالون حيث يجتمع أبيه وعمه بياسين الجارحي، فولج للداخل ليسحب أنظار ياسين، ليهيم به بسعادةٍ، جلبابه الأبيض الذي أنار وجهه بشكلٍ ملحوظ، دنا إليهم فاستقبله ذراع ياسين لينطوي حفيده إليه، فضمه بحبٍ لم يسبق لعدي رؤيته بعين أبيه هكذا، مزق جلباب الصمت صوت ياسين حينما قال:
_اطلع غير هدومك وإنزل عشان تروح مع الشباب وهنا بيوزعوا الواجبات.
ابتسم وهو يجيبه:
_اعتبرني جهزت.
وكاد بالتوجه للاعلى، ولكنه توقف وتطلع تجاه أبيه ليسأله بدهشةٍ ماكرة:
_هو أنكل مراد مش جاي ولا أيه؟
ضيق عسليته بشكٍ في مضمون سؤاله الخبيث، وردد بهدوءٍ:
_لا مش جاي.
واسترسل بمكرٍ:
_بناته كمان هيجوا معاه في المرة الجاية.
ارتبكت نظرات الصغير الواضحة لياسين الجارحي، فتابع حوارهما باهتمامٍ وصمت غلبه حينما غادر الصغير، فقال:
_تقصد أيه بكلامك؟
ضحك رغمًا عنه وقد تسابق لساحة معركتهما التي لا ينغلق بابها أبدًا وخاصة حينما يطول الأمر حفيده المقرب، فقال:
_حفيدك المصون حاطط عينه على بنت مراد وهو لسه شبر ونص!
زوى حاجبيه بغضبٍ برز بتصلب عروقه:
_حفيدي عارف حدوده كويس، إلزم أنت حدك معاه بالكلام ده طفل متنساش ده!
كبت عدي ضحكة كادت بالانفلات منه، وخاصة حينما لمح عمر يشير له برجاءٍ، ويحثه على التوقف عما يجتازه بتلك اللحظة، مكورًا يديه أمام شفتيه التي تهمسان إليه:
_بلاش ياسين!
استقرت مقلتيه لابيه ومنحه ابتسامة هادئة اتبعها قوله الرزين:
_أنا واثق في تربيتك يا بابا، وعارف كويس ياسين بالنسبالك أيه فده شيء مش مزعلني بالعكس مفرحني جدًا.
واستكمل بنفس نبرته الهادئة:
_أنا متعمتدش شيء من كلامي، وعمومًا بعد بكره مراد وبناته جايين وهتلاحظ بنفسك الانجذاب الغريب من ياسين لإنه بالطبيعي مش بيهتم يلعب مع حد!
ابتسامة داعبت شفتيه ونظراته الغامضة تحيط الدرج بعدما خلف أثر حفيده، فعاد ليتطلع إليه قائلًا بحزمٍ:
_اهتم بياسين يا عدي، أنا عايزه يحس أن حلمه سهل مش مستحيل، وعارف إنك تقدر تعمل ده.
واسترسل بغموضٍ:
_وأنا ليا كلام تاني مع مراد ورحيم لما أشوفهم!
قبضت نظراته على عمر المستكين بجلسته براحةٍ، بعدما ظن بأنه نفد من حصار أبيه، فقال بصرامةٍ:
_بالك مش هيكون رايق كتير، حلا وعدي أنت مسؤول عنهم قدامي من دلوقتي!
ابتلع ريقه الجاف بصعوبةٍ بالغة، وحاول التفوه ب:
_أطفال يا والدي... أطفال لسه!!
وجدها حجة ستسهل عليه الهروب من عرينه، فقطعها إليه حينما صاح:
_من يوم ولدتهم لو تحب نرجع بالزمن لورا!
حالة الصدمة التي تغلبته جعلت عدي يكتم ضحكاته بتمكنٍ، ليقطع جلستهم صوت يحيى الذي اقترب إليهم بعد انتهائه من أداء صلاته، فردد بضيقٍ:
_أيه يا ياسين أنت مش عاتق الأولاد حتى في رمضان يا أخي!
حدجه بنظرةٍ ثابتة، انتهت بحديثه الصارم:
_في أي وقت المهم إنهم ياخدوا بالهم من أحفادي زي ما أنا مازلت بتبع مسؤولياتي تجاههم لحد اللحظة دي!
منحه عدي ابتسامة مسالمة اتبعها قوله الخبيث:
_دول في عنينا يا باشا، كفايا إنهم عليهم توصية من القيادات العليا.
واستدار تجاه يحيى مرددًا:
_مش كده ولا أيه يا عمي؟
تعالت ضحكاته الرجولية وهو يتابع نظرات ياسين المهتمة لسماع ما سيقول، وفجأة قطع مجلسهم صوت صراخ عاصف:
_ ياسيـــــــــن الحقنـــــي!
انتفض بجلسته بفزعٍ، فصاح عمر بقلقٍ:
_ده صوت ماما!
اندفع ياسين تجاه المطبخ على الفور، ومن خلفه يحيى وأبناءه، فما أن فتح باب المطبخ حتى وجدها تتمسك بسترته بقوةٍ، فحاول أن يستدير إليها ليتأكد من سلامتها، فتشبثت به راغمة إياه على الوقوف أمامها كالستار العازل بينها وبين هاجسها، فتساءل عدي بذعرٍ:
_في أيه يا ماما؟
أشارت بيدها تجاه البراد، فتوجهت نظراتهم معًا إليها، فتفاجئوا بوجود الصغار ومن بينهم خالد الحامل لقطةٍ سوداء اللون، ومن بعد اشارتها صوت صراخها المذبذب:
_أنا عندي فوبيا من القطط، خلوهم يطلعوا بيها بره بدل ما يجرالي حاجة وأنا واقفة!
أشار لها يحيى وضحكاته بارزة كبزوغ الشمس:
_طيب طيب اهدي أنا هتصرف.
واقترب من الصغار مشيرًا لهم:
_انتوا جبتوا القطة دي منين يا ليان؟
أجابته وهي تشير على ابن عمها:
_خالد اللي جابها يا أنكل يحيى.
دنا منهم عدي، فإتكأ على رخام المطبخ بجسده العلوي يتابعهم باهتمام اتبع سؤاله المستنكر:
_جبتها منين يا خالد؟
رد عليه الصغير وهو يحتضنها بخوفٍ:
_شوفتها بالحديقة كانت متعلقة بالشجرة.
رد عليه عدي بهدوءٍ:
_طيب يا حبيبي مينفعش تحتفظ بيها لإنها مش مطعمة وكمان البنات بيخافوا منها.
تمسك بها الصغير رافضًا لاقتراحه، فحركت آية يدها على ظهر ياسين المستمع برؤيتها كذلك:
_اتكلم يا ياسين أنت مش ليك كلمة مسموعة هنا!!
وهمست إليه بصوتٍ منخفض ظنته غير مسموع:
_أنا بخاف منهم جدًا، هبقى نكتة القصر لو فضلت هنا حافظ على برستيجي الله يكرمك!
تهدلت شفتيه ببسمته الساحرة، وأشار لعدي فتابع حديثه في محاولة اقناع الصغير:
_طيب يا خالد أيه رأيك نحطها في الغرفة اللي بالحديقة الخارجية ووقت ما تحب تروحلها هنخلي حد من الحرس يفتحلك.
وزع الصغير نظراته بينهم بتفكيرٍ، وحرك رأسه بالموافقة على مضضٍ، عارضًا شروطه:
_بس تدوها أكل لحسن جعانه أوي!
أجابه يحيى ببسمة صغيرة:
_إحنا عنينا ليك وللحيوانات اللي تخصك
وتابع بسخرية:
_جدك كان تخصصه الفيران وأنت دخلتنا في القطط معرفش نسل حمزة عايز مننا أيه!
ضحك عدي وأشار للصغار:
_يلا اخرجوا بها من هنا.
حملوها وركضوا بها لباب الخروج، فتراجعت آية بياسين للخلف وهي تصرخ بهلعٍ:
_لأ... لأ... مش من الباب ده!!
تراجعوا للخلف فاتجهوا للباب الخارجي للمطبخ مثلما دلفوا منه غادروا، ابتلعت آية ريقها الجاف على مهلٍ، فهمس لها من يراقبها من هذا البعد القريب، المعاكس لطبيعتها بوجود أحدٌ:
_ممكن تسبيني بقى!
تطلعت إليه ببلاهةٍ وانطلقت نظرتها لجاكيته المحاصر ليدها، فحررته وهي تسترد ثباتها بخجلٍ، راقب عمر ملابس أبيه بصدمةٍ اتبعت اشارة يده:
_أعتقد إنك لازم تغير هدومك، لإنها بقت كلها زيت من الحلويات!
زوى حاجبيه بعدم فهم، فانتقلت نظراته ليد آية فوجدها ملطخة بالسمن البلدي، عاد عمر يهمس إليها بخوفٍ:
_إجري عند عدي هيحميكي!
توترت نظراتها الساكنة بعسلية عينيه الثابتة، فمنحها ابتسامة وهو يخبرها بصوته المغري:
_فداكِ ألف بدالة.
رمش يحيى بعينيه وتابع ببسمة ساخرة:
_فكك إننا في رمضان مدام لسه في حدود الأدب لكن الأولاد اللي حوليك دول وضعهم أيه؟!
واستطرد بسخطٍ:
_كفايا صدمة وجودك بالمطبخ ليهم، مش متعودين يشوفوك بوشك اللي مبيظهرش غير لآية هانم ده.
ردد عمر بضحكة واسعة:
_لا أخدين على كده من بدري.
وأشار بحنقٍ:
_ياسين الجارحي له معاملة ووش مع كل شخص على حداه، وبحمد ربنا إنه لطيف معايا.
ضحك يحيى وشاركه بتأكيد حديثه:
_فعلا معاك حق يا عمر، بس الأساس كله رايح لوالدتك.
خلع ياسين جاكيته، فوضعه جانبًا وهو يتساءل بنظرة خبيثة:
_أنت بتغير يا يحيى ولا أيه؟
تعالت ضحكاته وأشار لعدي بغرورٍ:
_قول لأبوك أنا مين؟
أتاه رده مرحبًا باستعانته به:
_الصديق الصدوق والمعاملة الخاصة كلها.
ضم شفتيه معًا وعدل من جاكيته بعنجهيةٍ:
_بيفهم.
ابتسم ياسين وأشار له:
_طب تعالى عايزك.
أومأ برأسه وخرجوا معًا، فاتبعهما عدي وكاد عمر باللحاق بهم فأوقفته آية مشيرة إليه:
_استنى يا عمر.
توقف محله واتبعها متسائلًا بمحبةٍ:
_أيوه يا حبيبتي!
منحته زجاجة من الحليبٍ، مشيرة له:
_اديهم يا ابني اللب ده عشان مشالش ذنبها.
تفحص ما يحمله وردد بمرحٍ:
_مفيش سمكتين بايتين بالمرة؟
صاحت بحدةٍ رافضة لسخريته:
_عمر!
هز رأسه في طاعةٍ:
_حاضر، هوصلها ليهم وبنفسي!
*********
صعد الشباب لسيارتهم، وتحركوا مستهدفين الأماكن المخصصة بالطبقات الفقيرة، فتفرقت السيارات عن بعضها البعض، في سبيل تغطية أكثر من مكانٍ، فقادت آسيل سيارة أحمد وتوقفت به بزقاق احدى الحارات الشعبية، فهبط وفتح صندوق سيارته الخارجي وبدأ بتوزيع الطعام على المساكين والفقراء حتى انتهى من الكمية بأكملها، فعاد للسيارة مجددًا فتحركت به آسيل مرددة بفرحة:
_أنا بستنى رمضان عشان توزيع الأكل اللي طنط آية بتعمله.
استند برأسه على المقعد وأجابها بصوته الرخيم:
_الاسبوع الجاي هيكون عليا الدور ووقتها هخليكي تشرفي على كل حاجة.
ابتسمت بسعادةٍ، فمال برأسه تجاهها وهو يراقبها بعشقٍ يلمع بحدقتيه، فهمس لها:
_بتمنى رمضان ده تتغيري فيه يا آسيل وتبطلي عادتك المعتادة.
تلون وجهها بحمرة الخجل، ورددت على استحياء:
_أنت ظالمني يا أحمد، رمضان اللي فات كان أويس لسه صغير ومن تعبي كنت بنام جمبه.
ضيق عينيه بنظرة شك ولم يستطيع منع كلماته المندفعة على لسانه:
_حبيبتي أنتي من قبل جوازنا وأنتي بتفطري من هنا وبتسافري لدنيا تانية من هنا، بحس انك بتتقتلي حرفيًا!
زمت شفتيها بحزن مصطنع:
_كده يا أحمد، بتظلمني الظلم ده واحنا في رمضان.
ابتسم وهو يتابعها بهيامٍ، فسحب نظراته عنها للجهة الاخرى هامسًا بغيظٍ:
_اللهم إني صائم!
******
إتجه رائد لأحد المَلاجئُ، فهبط عن السيارة واتبعته رانيا، حمل الكرتون وصعد بها للأعلى، فقضى عشر دقائق في الحديث مع المسؤول، فما أن تأكد من هويته وبما يحمله حتى استقبلوه بترحابٍ كبيرٍ، فهبط ليحمل باقي الكراتينُ، فابتسم حينما وجدها تحاول حمل إحدهم بمفردها لتعاونه، حملها عنها رائد وهو يشير لها بحنان:
_اقعدي في العربية يا حبيبتي أنا هنقلهم متقلقيش.
أجابته بخوفٍ لمع بمقلتيها:
_عشان متهبطش وأنت صايم، سبني أساعدك.
ضحك وهو يغمز لها:
_جوزك مش خرع متقلقيش.
منحته ابتسامة صغيرة وإتجهت لمقعدها تنتظره، حتى انضم لها فتحرك بها للقصر، أمسكت رانيا يده مرددة بلهفة:
_أقف يا رائد.
أوقف سيارته باستغرابٍ، فأشارت له تجاه أحد الباعة مرددة:
_عايزة عرق سوس وتمر.
تابع ما تشير إليه وعاد ليتمعن بتطلعه إليها متسائلًا بدهشةٍ:
_ما ماما عاملة بالبيت!
أشارت له برجاءٍ:
_أنا عايزة من ده بيكونله طعم تاني.
منحها ابتسامة صغيرة، وصف سيارته جانبًا وهو يردد:
_عيوني حاضر.
تعجبت حينما فتح صندوق السيارة مجددًا، وتبدلت ملامحها لبسمة خافتة حينما وجدته يدنو من البائع ليقدم إليه أحد الواجبات، ومع اصرار الرجل بعدم قبول المال مقابل ما اشتراه منه ازداد إصرار رائد بدفعه لثمن ما اشتراه، مطبطبًا بيده على ظهر العجوز وهو يمنحه بسمة واسعة، وعاد إليها بما يحمله، فالتقطت الأكياس مرددة بدهشةٍ:
_أيه كل ده؟
أجابها وهو يحرر مقود السيارة:
_لو حد في البيت حابب يجرب من بره مع إن ده هيعرضني لمخالفة من ماما بس كله يهون عشان عيونك يا جميل!
تعالت ضحكاتها وقالت بعشقٍ:
_أنا بحبك على فكرة.
غمز لها مؤكدًا بغرور ورثه عن أبيه:
_قولي حاجة معرفهاش!
********
وقف معتز بالسيارة الكبيرة التي تحوي كميات هائلة من الكراتينُ، فهبط حازم ومازن وجاسم وبدأوا بتوزيع محتوياتها لمدة طالت لنصف ساعة كاملة، استدار حازم تجاه الرصيف فلمعت عينيه بالدمع حينما وجد فتاة صغيرة تجلس دون حذاء وبملابسٍ ممزقة، لم يستطيع اخفاء تلك الدمعة، ومع ذلك أزاحها راسمًا ابتسامة صغيرة وهو يسألها:
_أنتي اسمك أيه يا حبيبتي؟
أجابته الصغيرة بخوفٍ:
_اسمي أشرقت.
ابتسامته لم تتركه وهو يتابع:
_اسمك جميل أوي.
وعاد ليتساءل باهتمامٍ:
_انتي في المدرسة؟
هزت رأسها نافية، فتأثر بحديثها وتابع وهو يتفحص الزقاق بعينيه:
_بيتك هنا؟
أومأت برأسها بخفوتٍ، فأمسك يدها وهو يحثها على الخطى:
_طب وريهوني.
شعرت بالبداية بالتوترٍ، فانحنى حازم لمستواها وهو يمرر يده على خصلات شعرها بحنانٍ:
_متخافيش أنا عايز أعرف عنوانكم عشان أبعتلك لبس ولعب كتير.
تهللت أساريرها فاحتضنها بتأثرٍ، والدمع مازال يتهاوى بمقلتيه، فاستقام بوقفته واتبعها حتى يعرف طريق منزلها ليتوالى رعايتها على نفقته الخاصة منذ تلك اللحظة.
******
استغل ياسين آذان المغرب الذي غمر الأجواء برائعة صوت المأذون، فاتجه بسيارته أمام أحد المساجد، وهبط مسرعًا ليجذب العصائر والواجبات، فكادت أن تختل الكرتون منه فأسرعت مليكة لمساندته دون تردد بالرغم من تحذيره المسبق لها بالبقاء بالسيارة لوقوفه أمام مدخل المسجد الرجالي، أسبلت بعينيها بتوترٍ من ضيقه منها، ولكنها وجدته يمنحها ابتسامة صغيرة، وأشار بيده:
_خليكي هنا.
هزت رأسها متفهمة وراقبته وهو يسرع لمدخل المسجد، فوزع ما بيده بمحبةٍ كبيرةٍ، حتى انتهى مما يحمله فقال:
_خليكي في العربية، أنا هصلي وراجع على طول.
أومأت برأسها بخفة، وعادت للسيارة تنتظر رجوعه، وما أن عاد إليها حتى توجهوا معًا للقصر.
*****
تعاونت الفتيات على حمل أطباق الطعام للسفرة، فسكبت رحمة أكواب العصائر، ووزعت نور وآسيل الاطباق قبالة الشباب، فقامت يارا وملك بتوزيع الطعام، والمياه، وجلسوا جميعًا جوار بعضهما البعض، بانتظار عودة الباقية، وكان أخرهما ياسين ومليكة، تجرع الصغار المياه بعد تردد دعواتهم الخالصة بتلك الساعة المستحبة من كسر الصيام، وبدأوا بتناول الطعام معًا، تجرع حازم زجاجة كاملة من المياه، فصاح به حمزة بغضبٍ:
_كفايا مية أيه بتسقي زرع!
وضع الزجاجة عن يده فارغة، وأشار لاخيه أن يناوله زجاجة أخرى مرددًا بأنفاسٍ لاهثة:
_عطشان... عطشان يا عم الحاج.
جذب أحمد الزجاجة وألقاها إليه، فصاحت به نسرين بصدمة:
_متدلوش مية يا أحمد!!
أشار لها ساخرًا:
_على أساس إني اللي بتحايل عليه يشرب!
سحب منه عز المياه مغمغمًا بحدة:
_يا أخي كفايا إنت مفطوم جديد!
مرر يده على بطنه بتعبٍ:
_عطشان يا عمي.
ونهض عن المقعد في محاولةٍ للتماسك بوقفته، وفسقط عليه بإهمالٍ وأخذ يراقب بطنه المنتفخ بصدمةٍ، فحرر لسانه المرهق قائلًا:
_جماعة في سمك بيلعب جوه!
وحاول الوقوف مجددًا، فعاد لمقعده وهو يؤكد:
_صدقوني في شيء بيتحرك مع المية وأنا لسه مكلتش!
تعالت ضحكات تالين وشاركتها الفتيات، فقالت داليا:
_متقلقش كل دي أعراض طبيعية بعد الازازتين اللي بلبعتهم.
بينما أردف جاسم بسخطٍ:
_العيال الصغيرين مبيعملوش عمايلك!
ردد يحيى بحزمٍ لا يليق به:
_كفايا كلام على الأكل، كملوا فطاركم عشان نجهز للتَّرَاوِيح.
بحثت نور بين أصناف الطعام، وتساءلت باستغرابٍ:
_فين القطايف؟
أشار لها رعد بدهشة:
_مش لما تخلصي أكل الأول يا بنتي!
نهضت عن الطاولةٍ واتجهت للبوفيه الجانبي، جذبت غايتها وعادت تجيبه وهي تقضم قطعتها:
_مهو ده أكل بردو يا باشا.
وناولت قطعة لآسيل التي التهمتها مرددة بتأكيدٍ:
_أحسن ما نشبع ومنلحقش نحلي.
وزعت رحمة نظراتها بين أصناف الطعام بنفورٍ جاهدته، فانقضى وقتًا لم تذق به الا عصيرها، مال عليها عدي ليتساءل بلهفة:
_مبتكليش ليه؟
منحته بسمة صغيرة وهي تجيبه:
_بأكل أهو.
زوى حاجبيه بضيقٍ من خداعها القصير إليه، فتركت ملعقتها باستسلامٍ ومالت لكتفيه تخبره:
_حاسة إني لو أكلت هتعب.
وتابعت بخجل:
_عايزة أكل حاجة تانية.
تساءل باهتمامٍ:
_زي أيه؟
أخفت ابتسامتها وهي تجيبه بصدقٍ:
_معرفش!!
*******
تركت شروق الطاولة وأسرعت لفتح السماعات والأغلب يتابعون ما تفعله باهتمامٍ، فرفعت من صوت المذياع والابتسامة تعلو ثغرها فشاركتها الفتيات الغناء بفرحة غمرت قلوب الأزواج، وخاصة ياسين الجارحي الذي يتكأ بيديه على الطاولةٍ مستمتعًا برؤيتهن
«مرحب شهر الصوم مرحب لياليك عادت في أمان
بعد انتظارنا و شوقنا إليك جيت يا رمضان
مرحب بقدومك يا رمضان ونعيش ونصومك يا رمضان
بعد انتظارنا و شوقنا إليك جيت يارمضان
زيك مفيش بين الأيام كلك حسانات
بيزيد معاك نور الإسلام فضل و بركات
لياليك محلاها يا رمضان و يا محلي بهاها يارمضان
بعد انتظارنا و شوقنا إليك جيت يا رمضان
مرحب شهر الصوم مرحب لياليك عادت في أمان
بعد انتظارنا و شوقنا إليك جيت يا رمضان
مرحب بقدومك يا رمضان ونعيش ونصومك يا رمضان
بعد انتظارنا و شوقنا إليك جيت يارمضان»
الابتسامة لم تفارق الافواه، رؤيتهن بتلك السعادة تنير القصر فرحةٍ، وخاصة بمشاركة الصغار، مازال المذياع يردد أغانيه المرحبة بالشهر الفضيل، والشباب يقومون بواجبهم على أكمل وجه بحمل الأطباق للمطبخ ومعاونة الفتيات على التنظيف خلف الأطفال وما تركوه من خلفهم، جذب عمر أطباق الحلويات ووزعها عليهم جميعًا، بينما قامت مروج بغسيل الاطباق في حين الانتهاء غسالة الأطباق مما داخلها، جلسوا لنصف ساعة وسرعان ما حمل الشباب سجادتهم مسرعين لتأديةٍ صلاة التَّرَاوِيح، أوقفت ملك الشباب قائلة:
_ انتوا نسيتوا اتفاقنا في رمضان ولا أيه؟
تطلعوا جميعًا لبعضهم البعض، ليقطع صمتهم عدي:
_لا ازاي منسناش، هنبدأ من عند ياسين.
تأفف ياسين بضيقٍ:
_اشمعنا ياسين، أنا حابب أصلي أول يوم بالمسجد.
أجابه عمر:
_يا ابني كل واحد له دور، كلنا هيجي علينا يوم نأم بيهم التراويح.
ابتسم أحمد وهو يراقب تذمر ياسين، فتدخل قائلًا:
_خلاص روح أنت يا ياسين وأنا اللي هبدأ.
ابتسمت تالين وضمته لصدرها مرددة:
_حبيب قلبي ربنا يباركلنا فيك.
ردد حمزة بسخطٍ:
_الابن البائس المضحي.
وهبط للاسفل وهو يشير لابنه بتأففٍ:
_هأخدك معايا السنادي بس وربي لو عملت أي حركة كده ولا كده هرجعك البيت، ده بيت ربنا مش الملاهي!
ربتت نسرين على ظهر الصغير،وأخبرته:
_لا يا حازم أنا شرحتله وهو بقى فاهم مش هيعمل زي السنة اللي فاتت.
أشار له بالخروج هامسًا بتهكمٍ:
_لما نشوف!
أمسك يحيى ذراع أبيه ياسين، بينما اتجه ياسين لعدي فحاوطه بذراعه واتجه به للخارج، تابعتهما رحمة ببسمة رقيقة حتى خرجوا جميعًا من المنزل.
*****
وقف بهن أحمد إمامًا، يتلو القرآن بصوته الخاشع المقشعر للأبدان، ومن خلفه تقف آية _دينا_شذا_يارا_ملك_تالين، ومن خلفهن تقف الفتيات الأصغر سنًا آسيل، رحمة، نور، داليا، رانيا، نسرين، مروج، شروق، ومن خلفهن الأصغر، مريم، ليان، رحمة، وباقي الفتيات، انتهت صلاتهن من خلفه وتفرق الجمع، كلا منهن تلجئ لواردها اليومي، حتى عاد الشباب بصحبة ياسين ويحيى ورعد، فصعد كلا منهم لغرفته للتلاوة، بحث أحمد بعينيه عنها بين الفتيات، فاقتربت منه نور لتشير له بضحك:
_آسيل مقلوبة على الكنبة اللي هناك من بعد التراويح.. المفروض تحفظ مكانها كل رمضان!
استدار تجاه ما تشير إليه، فانكمشت تعابيره بصدمةٍ، ليجتازه صوت جاسم الغاضب:
_رمضان اللي فات دهري اتقطم بسببها، رمضان ده بقى تغضب عليها وتسيبها وتطلع مش هنقلها من مكانها.
هز رأسه ساخطًا:
_أختك بتعوض نوم السنة كله في رمضان!
تعالت ضحكات رانيا، فقدمت لهم ما بيدها مردفة:
_في بنات كده بعد الصيام والأكل بتتقلب مكانها.. متزعلش يا أحمد خد كنافة خد.
حمل أحمد الطبق منها ثم ناوله لجاسم بعدما تناول قطعة صغيرة، ليخبره بحنقٍ:
_بفكر أطلق اختك في رمضان وأبقى أردها بعد العيد!
جذب جاسم قطعة من الكنافة ليؤكد له بتحذير:
_تطلق، تخلع ماليش فيه شيل مش هشيل!
وتركه وصعد للأعلى، فدنا منه حازم ليمنحه نظرة مستحقرة جابته من رأسه لأخمص قدميه واتبعه قوله الحازم:
_أخص عليك، أخص، الناس كلها بتيجي في رمضان تتوب وتعقل وأنت حالك بيتشقلب مع إنك في الطبيعي ملاك، تهون عليك مراتك ترميها بعد العمر ده إكمنها دماغها تقيل بعد الفطار حبتين؟
منحه نظرة مشككة، فحانت منه نظرة جانبيه للاريكة وعاد ليعدل من حديثه:
_حبيتين تلاتة، فيها أيه اما تستحملها لحد العيد فيها أيه؟
أتى عمر من خلفه يلكزه بمرحٍ:
_باركاتك يا شيخ حازم، فتح الله عليك يا ابني والله.
وأشار لاحمد وهو يصعد الدرج لجناحه:
_شيل يا أحمد شيل، حتى تهضم الأكل!
صعد عدي من خلفه بصحبة ابنته التي يحملها بين ذراعيه يراقبها بالاسدال المشابه لما ترتديه زوجته، فأشار بوجهه لأحمد:
_عديها ده أحنا في أول يوم!
رد عليه بنفور:
_مش أول يوم بس دي هتفضل كده ال٣٠يوم!!
ربت رائد الصاعد من خلف عدي على كتفه يحمسه:
_عاش يا بطل عاش.
منحهما نظرة ساخطة، قبل أن يتجه إليها فحملها لصدره وإتجه للمصعد، فما أن ولج حتى وزع نظراته عليها مرددًا بسخرية:
_ده وعدك ليا!
*******
ساد القصر هدوءًا، إنقطع مع اقتراب موعد آذان الفجر، هبطت آية بصحبة رحمة ونور للأسفل، ليصنعوا السحور، فما أن انتهوا حتى أشارت آية لنور:
_روحي يا بنتي شوفي حد من الشباب صحي بره كده يصحي الباقي.
اشارت باصبعها لعينيها:
_عيوني.
خرجت نور تبحث بالصالون عن أحدهم، حتى استقرت نظراتها على حازم المشغول بتأمل هاتفه، فنادته قائلة:
_حازم تعالى كلم ماما آية.
أبعد الهاتف عنه وهو يردد بنومٍ:
_عايزين مني أيه تاني، أنا كنت طالع أنام.
اتاه صوت آية من خلفها:
_اطلع يا حازم صحي الشباب يتسحروا قبل ما يروحوا المسجد.
ضيق عينيه بتفكيرٍ:
_ودول هصحيهم ازاي دول؟
واحتضن بيده فكه يفكر في حل بتلك المعضلة بعدما فشل بالوصول إليهم عبر الهاتف، ففرقع أصابعه وهو يردد ببسمةٍ واسعة:
_لقيتها!
******
بالطابق الثاني حيث يعم الهدوء والسكينة، انطلق صوت صاخب يصدر عن مفتاح معدني ضخم باحتكاكه باحدى الاواني المعدنية، ومن خلفه صوتًا يعرفه الجميع يصدح بغلظة:
_اصحى يا نــــــــــايـــــــــــم، واحد الدايم رمضـــــــــــــان كــــــــــــريم...
وتابع بصوت جمهوري:
_يا أهـــل الجوارحــــــــــه قومـــــــــــوا الفجر قــــــــرب يــــــــــأذن.
وعاد ليصرخ تلك المرةٍ بصوت صاخب جعل جميع الاضواء تنير بالغرف:
_رمضـــــــــــــــان كريــــــــــــــــــــم!
انفتحت الأبواب وخرجت الأعين المشتعلة بغضبٍ سيفتك به لا محالة، وخاصة حينما اجتمع الشباب أمام أبواب الغرف ونظراتهم تحيط به بجموحٍ!
............يتبـع........
#الجارحـــــي5.. #الختاميـة... #بقلمي_ملكة_الإبداع_آية_محمد_رفعت..
قرائي الكرام، لا أخفيكم سرًا الفترة الماضية التي قضيتها بعيدًا عن الكتابة كانت الأطول على الاطلاق، بتلك الفترة وفقني الله لكتابة أهم أعمالي الورقية التي سيكون لي الحظ بمشاركتها بمعرض القاهرة عام 2024،استنزفتني واستهلكت من طاقتي وشعرت بعدها بفتور غريب واجهته بكل قوتي، لذا رجاء خاص مني بدعمكم لي سواء بريفيو أو بكومنت تشجيعًا لعودتي للكتابة من جديدٍ، ومازالت أعلن بأن بدايتنا ستكون مع مطلع العام الجديد مع رواية جديدة كليًا بإسم #أشباح_المخابرات، على وعدٍ أخر بأنها ستكون مميزة للغاية، أحبكم في الله وبإنتظار تفاعلكم وتعليقاتكم الطيبة ❤
آية محمد رفعت..
********____________********
أنت تقرأ
أحفاد الجارحي ..ج5.. ترويض الشرس ..آية محمد رفعت
Romanceالجزء الخامس من أحفاد الجارحي ترويض الشرس تركت يدك مرة فواجهتني الحياة بكل ما امتلكت من قوةٍ، وكأنها تخبرني بأنني مخطئة حينما سحبت قوة أماني من بين أحضانك، فاشتقت لضمة قبضتك القوية التي تساندني حينما اتعرقل بين زقاق أوجاعي، عساك تعلم بأن تلك الفتاة...