الخامس عشر من اكتوبر / الانفاق
*مايا*
ظلامٌ دامس ، حالك ، لا أرى شيئاً ، ومع ذلك إستمررت في الجري يميناً ويساراً بطرقٍ عشوائية ، لا فائدة ، لا مخرج ، لا ضوء ، لا شيء! إستيقظت على صوت حركةٍ في الغرفة ، نظرت حولي لأرى أوليف تقوم بتمشيط شعرها
: أوليف ؟ متى عدتي ؟ ، ليش تأخرتي البارحة وين كنتي ؟
أوليف بابتسامة : رجعت قبل شوي ، ضليت عند أخوي مبارح
دققت النظر فيها
: ليش عيونك حمراء ؟
أوليف بقلق : طولت ونا سهرانة مع اخوي
ضيقت عيناي بشكٍ نحوها فتلافت النظر لي ، يوجد شيءٌ بها أنا متأكدة
: كم الساعة ؟
أوليف: سبعة
أين روحها الحيوية المفعمة بالنشاط ، وكلامها المستمر الذي لا يتوقف ؟ ماذا حدث لها ، وقفت وتوجهت لها
: أوليف ، إن ما قلتي لي ايش حصل معك ، لن أعتبرك صديقتي بعد اليوم
بدأت بالبكاء بهدوء ، ذُعِرت من منظرها
: أوليف ايش حدث !
أوليف : رح تسمعيلي ؟
: أجل
تلك كانت المرة الأولى منذ زمن ، أن أتساءل عن حال شخص.
جلسنا على طرف سريرها بجانب بعض
بقيت صامتة لفترة
: أوليف رح تتكلمي ولا نبقى هيك ؟
أوليف : بدي احكي بس مشعارفة منوين ابلش
: من أي مكان وستترابط الأحداث تلقائياً
أوليف : أبوي كان يتحرش فيي
لم أستوعب ما قالته ، فتحت عيناي على وسعهما ، وعقلي توقف عن العمل
: ايش قلتي ؟
أوليف : ابوي كان يتحرش فيي
فغرت فاهي بصدمةٍ فاقت توقعاتي ، والدها يتحرش بها ؟ والدها يتحرش بها ؟والدها يتحرش بها ؟
أوليف : بلشت اوعى عحركاتو من لما كان عمري ١٢ ، استمر لحد ما صرت ١٤ ، بعديها جاك أخذ الوصاية منو ، وما شفتو لحد اليوم
أوليف : ومش هيك بس ، خلا جاك يدمن عالمخدرات .... كنت ١٢ وجاك كان ٢١ ، يومها جاك هرب من المدينة كلها ، واتعالج بمركز ، وبعد سنتين ، رجع ومعاه أدلة عالي بيعملو ابوي فينا ، واخذ وصايتي منو
ليف : طلع عليه ٤ سنين سجن ، بس عيلتو قوية كثير ونجا منها بسهولة .
حاولت الخروج من صدمتي ، هززت رأسي وقلت لها
: طيب ؟ ايش الذي خلاكي تتذكري الموضوع هس ؟
ازداد نحيبها وبدأت ترجف ، توترت ، ما الذي علي أن أفعله في هكذا مواقف ؟أأمسك ذراعها وأربت عليها ؟ أن أحتضنها وأخبرها بأن كل شيء سيكون على ما يرام ؟،تصنمت في مكاني غير قادرةٍ على فِعل شيء
قالت أوليف ببكاء : سيأخذني من أخي حين نخرج من هنا
: وكيف هذا ؟
أوليف : لا أعلم لم يخبرونني التفاصيل ، فقط أن والدي سيأخذني وأن أخي سيبقى هنا
وضعت يدها على وجهها وإستمرت بالبكاء ، حدقت بها بتوتر ، ثم إقتربت لها مترددة ، لففت ذراعيّ حولها وإحتضنتها
شدّت هي العناق وازداد بكائها ، مسدت على رأسها كما تفعل هي لي ، قاطعنا صوت طرقاتٍ على الباب
يزيد : أوليف صاحية ؟
قالت أوليف وهي تمسح الدمع عن عينيها : صاحية
إرتدت حجابها وأخبرت يزيد أن يتفضل ، دخل وألقى نظرةً سريعة عليها ، ثم أشاح بصره ناحية الأرض
يزيد : جاك بدو ياكي
توترت حركة أوليف ، ثم تقدمت لي
أوليف : مايا تعالي معي
نظرت ليزيد بإستغراب ، ولكنه أومأ لي بالموافقة ، فوقفت وذهبت معهم
دخلنا الى الغرفة التي كنت فيها أول يومٍ لي هنا ، كان الأشقر من الزنزانة فيها والضخم معه ، تلافيتُ النظر إليه ، إستغرب كلاهما من وجودي ، بقيت بجانب يزيد بينما تقدمت أوليف ناحية شقيقها
رفعت رأسي ليزيد : أطلع ؟
قاطعته أوليف التي قالت برجاء: لاء خليكي معي
تقدم زياد ناحية يزيد ووقف أمامي
زياد : إمشي نطلع
خرج يزيد وزياد وأغلقو الباب خلفهم ، بينما عادت لي أوليف وجرتني للوقوف أمام أخيها
ليف : أخي ، هذه مايا
نظر لي مبتسماً إبتسامة مُتعبة ، ثم كلَّم أوليف بالألمانية
جاك : ليف نحتاج التكلم بخصوصية !
ليف : أخييي إنها تفهم الألمانية !
توتر جاك ونظر ناحيتي بأسف
جاك : أعتذر ولكن..
ليف : كما أنني أخبرتها كل شيء قبل قليل
جاك : كل شيء؟
ليف : نعم كل شيء!
جاك : ليف ! إن الموضوع حساس كيف تتكلمين عنه !
ليف : أنا أثق بها وأعتبرها أختاً لي !
جاك : ولكنني لا أفعل !
: لا تقلق ، لست مِحور حياتي كي أخبر أحداً عنك وعن قصتك
نظر لي بأسفٍ قائلاً : أنا أعتذر ، فقط ، إني منفعلٌ قليلاً بسبب ما يحدث
: لا تُخرج إنفعالاتك علي !
رفع يده مربتاً على رأسي : أعتذر ، لن يحدث مجدداً ، أوليف تعتبرك أختاً ، إذا فأنت أختي الصغيرة أيضاً
تصنمت مكاني وهو ما زال يربت على رأسي ، هؤلاء الأخ وأخته سيثيران جنوني
أزاح يده عن رأسي وأمسك بكلتا يدي أوليف التي كانت تبتسم علينا
ليف : إذاً ، ماذا حدث ؟
جاك : ليف ، هل أنتي مستعدة أن نبقى هنا لفترة طويلةٍ أخرى ؟
توسعت إبتسامتها حتى وصلت أذنيها : نعم نعم أخي مستعدة
ضحك جاك عليها : لما أشعر أنه لو خرجنا نحن الاثنين معاً ما كنتي لتسعدي هكذا
إحمرت وجنتيها وضمت ابتسامتها ، بالتاكيد ستسعد فستبقى بجانب يزيد !
ضمها له بحنان ومسد على رأسها ، بينما بقيت أنظر لهم ، أصدرت معدة أوليف أصواتاً تدل على الجوع ، ليضحك عليها جاك وتضحك هي أيضاً
جاك : كالعادة
أوليف : أخي توقفف ، من الجيد أن لا أحد هنا
: تقصدين من الجيد أن يزيد ليس هنا
شهقت أوليف : مايا !
قرص جاك خدها : فلتذهبي لتأكلي ، أنا أيضاً أشعر بالجوع وزياد والباقين ينتظروني لنأكل معاً
أوليف : حسناً ، إذاً ، أراك لاحقاً
جاك : وداعاً ، وداعاً مايا
أومأت له بهدوء ولحقت أوليف ، إستقبلنا زياد ويزيد في الخارج ، دخل زياد لعند جاك ، بينما إصطحبنا يزيد للعودة لغرفتنا ، وفي الطريق التقينا بفاطمة ، التي تقدمت ناحيتنا بسرعة ، إبتعد يزيد قليلاً كي يعطينا خصوصية
فاطمة : مايا ! وين ما بتبيني ، الي ايام مش شايفتك
: جيت عالعيادة قبل يومين ولكنك ما كنتي
فاطمة : يمكن كنت بالعمليات ، كيف ظهرك هلكيت ؟
: إختفى الأثر كله
فاطمة : الحمد لله ، زيتونة إيش رايكن نفطر مع بعض ؟ بالعيادة
نظرت أوليف لي ، فأومأت لها بالموافقة ، ثم نظرت ناحية يزيد تخبره
أوليف : بدنا ، نفطر بالعيادة معهم
يزيد : تمام
ثم سار خلفنا حتى وصلنا العيادة ودخلنا ، إستقبلتنا أم يوسف وأم أحمد بإبتسامة وترحيب كبيران
ومن خلفنا دخلت الغبية قمر
قمر بابتسامة : أوليف أهلا وسهلا
ثم نظرت بإتجاهي ، أجبرت نفسها على الإبتسام لي
: ما تجبري نفسك عالابتسام بتخوفي
قمر : أحسن
ضحكت فاطمة وأوليف علينا ، بينما كانت أم يوسف وأم أحمد تعدان الإفطار
أم يوسف : يا بنات أفطرنا واحنا نجهز انتن اقعدن وكلن ، رح نطلع عالعيادة
ثم تقدمت أم أحمد ناحيتي : كيف ظهرك يا بنتي
: بطل يوجع
أم أحمد : الحمد لله
ثم خرجتا كلتاهما وتركننا وحدنا
أحضرت فاطمة الصينية بينما حملت قمر الطاولة ووضعتها ، جلست أوليف وفاطمة بجانب بعض من جهة ، وتركتا الجهة الأخرى لي وللغبية
نظرنا لبعضنا بإستياء ، ثم أمسكت كل منا كرسيتها وأبعدتها قدر الإستطاعة عن الأخرى
أوليف : ول ول ، لهلدرجة
فاطمة : زي بنات صف أول
قلت أنا وقمر بالتزامن
: أسكتن
صُدِمَت أوليف وفاطمة وضحكتا علينا
فاطمة: واو التزامن
ثم بدأنا الأكل ، أنا والغبية بجانبي لا نتكلم ، بينما فاطمة وأوليف لا تتوقفان عن الكلام
فاطمة : صح زيتونة إيش صار معك مبارح ؟
كنت أمد يدي لأخذ شريحة خيار ، بينما مدت قمر يدها بنفس الوقت
نظرنا لبعض ، سبقتها وأخذت الخيارة قبلها ، لتنظر لي نظرة (سم ) وفمها ممتلئ بالطعام
ليف : ولا اشي بس اخوي ما رضي اطلع لحالي بنطلع مع بعض قال.
تناولت الخيارة بإستمتاع لأقاهرها ، ثم مددت يدي مرة أخرى لأخذ رغيف خبز ، لتمد يدها وتسبقني اليه ، أمسكته وتناولته بانتصار كما فعلت قبل قليل
ضيقت عيناي لها بإنزعاج
أوليف : شو بتعملن ؟
نظرت أنا وقمر لفاطمة وأوليف اللتان كانتا تنظران بإستغرابٍ لنا ، لتعلق اللقمة في حلقي وأبدأ بالسعال ، وقمر على نفس حالي
قلنا بالتزامن مجدداً : مي مي
لتحضر فاطمة لي الماء وأوليف لقمر ، شربت الماء حتى نزلت اللقمة الي معدتي
وضعت الكأس على الطاولة تزامناً مع قمر ، ثم نظرت لي ونظرت لها ، وعلى وجهنا ملامح منزعجة من بعضنا
قمر/ أنا : تقلدينيش
شهقت قمر : أنا الي بقلدك ؟!
: اه انتي
قمر : وانا ايش بدي فيكي اقلدك ، ناقصني
: طبعاً ناقصك
قمر : انتي الي ناقصك ، انا ما بينقصني اشي
: صدقيني هناك كثير اشياء بتنقصك
قمر باستهزاء : ايش مثلاً ؟ الطول ؟
: نعم ينقصك القليل من قِصر القامة
قلدتني قمر : أنتي الي ينقصك القليل من طول القامة
: ليش ؟ عشان أكون زفارةً مثلك ؟
حدقت قمر لي بغرابة ، وأوليف وفاطمة أيضاً
قلت بإستغراب انا الاخرى : ايش ؟
فاطمة : عشان تكوني ايش ؟
: زفارة
انفجرت فاطمة وأوليف بالضحك ، ومعهن قمر أيضاً
: إيييش !؟
قالت أوليف من بين ضحكاتها الشديدة : ز.. زرافة ... مش زفارة
واستمررن الثلاثة بالضحك ، حدقت بهن ، حتى انتابني القليل من الشعور بالضحك ، وشاركتهن القليل من قهقهاتهن
توقفت أوليف عن الضحك وحدقت بي ، حتى توقفنا جميعنا عن الضحك
أوليف : مايا أول مرة بشوف ضحكتك من ساعة ما عرفتك !
تجمدت مكاني ، أبادلتهن الضحك ؟ أنا ؟
أومأت لها بهدوء وملامح وجهي عادت لسابقها ، أكملنا طعامنا وتحدثنا قليلاً ، ثم خرجت مع أوليف من العيادة ، إلتقينا بأسيد عند الباب ، الذي أوصلنا لغرفتنا مجدداً
بقيت بالغرفةِ باقي اليوم مع أوليف ، عدا الأوقات التي ذهبنا لها للعيادة كي تصلي
أنت تقرأ
.ضوء اخر النَّفق.
Romanceصراعٌ بين العقل والقلب قلوبٌ تقع في الحب وقلوبٌ تهتدي للإسلام وجوهٌ سعيدة تخفي في قلبها ماضٍ أليم وأشخاصٌ يضحون بأنفسهم في سبيل الحب والوطن أصدقاء ينقذون بعضهم من على حافة الهاوية وأحباء يطعنون في الظهر كرهٌ يتحول لعشق وحبٌ يتحول لبغضٍ وبرود قل...