الثامن عشر من أكتوبر من عام ٢٠٢٣/ الأنفاق
اللعنة ، اللعنة ، اللعنة ، اللعنة ! ، إستمررت في اللعن أثناء جريي بأقصى سرعة ، الى متى سيعاد هذا الحلم اللعين لقد مللت ! ماذا افعل كي يتوقف !!!
أسأبقى أركض هكذا كل مرة حتى أستيقظ ؟فتحت عيناي لألتقي بمنظر السقف فوقي ، أوه لم أكن أظن أني سأسعد يوماً بالنظر اليك ايها السقف
أغمضت عيناي مجدداً متذكرةً البارحة ، والمجزرة التي حدثت في المشفى ، عمَّت الجلبة الأرجاء، رأيت الدموع في عيون الجميع ، حتى ولو حاولو مواراتها ، بكت أوليف دماً ، وكذلك فاطمة وام يوسف وام احمد ، بينما انا وقمر لم نذرف دمعة
ولكني بعدها وجدت قمر تبكي بحرقة عندما ظنت انها وحدها في العيادة
رفعت جسدي عن السرير وعدلت جلستي ، لمحت أوليف تجلس في الزاوية في العتمة
بقيت على وضعي حتى إستيقظت تماماً ، ثم وقفت واتحهت لمفتاح الانارة مضيئةً الغرفة
: بعدك بتبكين ؟
أوليف ببكاء : مايا هدول مش واحد ولا ثنين ولا عشرة ولا مية ، خمس مية ، خمس مية ، ومش بس هيك ! لاء ، مستشفى ! لاجئين لمستشفى يحتمو فيها ! وايش عذرهم ؟ ، والله اتوقعنا مركز المقاومة تحت المستشفى ، أنا تعاملت مع هاي الناس ؟ انا كنت معهم وبينهم !
جلست بجانبها وضممت قدماي لصدري : بكائكي لن يرجعهم يا أوليف
أوليف : ما بقدر ما بقدر ، كيف انتي متحملة وما عيطتي ؟
ترددت قليلاً ثم أجبتها : لانها ليست المرة الاولى الي بيعملو فيها هيك
أوليف : ايش ؟
: قالتلي معلمتي ، عن كيف استولينا عأراضيهم من الأصل ، عن التاريخ الصحيح النا ، كثير من هاي المجازر وأبشع
أوليف : مايا ، كيف انتو قبلانين تعيشو بمكان سلبتوه سلب بالقتل وسفك الدماء ! ما عندهم ضمير ؟
: بتقدري تقولي ، إنو واحد بالمئة بس من يلي بعمري بيعرفو بهاي القصة
أوليف : كيف يعني ؟
: بالتاريخ ، بيعلمونا انو احنا الي النا هاي الارض ، وانو الفلسطينيين همي يلي حاولو ياخدوها منا ، بس معلمتي ، حكتلي الي ، عن التاريخ الصح
أوليف : يعني انتي كمان كنتي مفكرة زيهم ؟
: لاء ، من قبل كان عندي شكوك حول الموضوع ، وطلبت من معلمتي ، انها تحكيلي الحقيقة
قالت أوليف وعيونها لا زالت حمراء : معلمتك ، شكلها كانت انسانة منيحة
إبتسمت لقولها ذلك : نعم ، كثيراً
أوليف : أي صفوف درستك ؟
: علمتني في المرحلة الإبتدائية حتى الصف السادس ، ثم تغيرت المعلمات عند دخولي الاعدادية ، بس بقيت عتواصل معها
أوليف : لحد ما ماتت ؟
أومأت لها ثم غيرت مجرى الحديث : جيعانة ، نروح نفطر
مسحت أوليف ما تبقى من دموع على وجهها ، ووافقتني الرأي لنستقيم ونخرج بعد أن إرتدت حجابها ، قابلنا أدهم مرةً أخرى ، اللعين لا أريد أن أراه
أوليف : صباح الخير
أدهم : صباح النور
سار بنا للعيادة ، ثم قال : أختي ، اذا بدك تتأخري مثل مبارح قوليلي
أوليف : ماشي
تجاهلني تماماً اللعين ، دخلنا بعدها للعيادة واستقبلتنا أم أحمد ، وجلسنا جميعاً نأكل ، لم يخلو الجو من ضحكنا ومزاحنا ، ولكن على الرغم من ذلك كانتا الكآبة والحزن مخيمتان على الجو
لم نتأخر كثيراً في البقاء ، خرجنا وتوجهت أوليف لأخيها بينما رفضت مرافقتها وعدت لغرفتي ، كانو يخبرونني خلال فترة بقائي عن الأوضاع والأحوال ، وعن تخلي الدولة عن الأسرى ورفضها المستمر لشروط الهدنة والتبادل
لم أتوقع إستمرار الوضع لهذه المدة ، ويبدو أنه سيطول أكثر ، اللعنة جامعتي ، أسيحتسبون الساعات التي قطعتها هذا الفصل ؟ ، أريد العودة والتخرج منها بأسرع وقت
بقيت مع أفكاري حتى أصبحت الساعة الثانية ظهراً ، غريب تأخرت أوليف كثيراً ، ماذا تفعل حتى هذه الساعة ؟
قاطع أفكاري طقطقةٌ على الباب ، عدلت جلستي
: أدخل
فُتِحَ الباب ودخل من خلفه أدهم ، أبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه ، ودعاني للخروج من الغرفة ، وقفنا في الممر ، نظرت له متسائلة
أدهم : بدنا نصورك فيديو
: فيديو ؟
أدهم : بتقولي فيه إسمك ورقم هويتك ، ومشاعرك الحقيقية تجاه دولتك والي قاعد بصير
: ولما هذا
قلّب أدهم عيناه قائلاً : عشان نورجي العالم حقيقة دولتك ، ومنو بتطمني أهلك عليكي
: أها ، لا أريد
بقي واقفاً محدقاً بي
أدهم : كيف لا أريد هاي !
: لا أريد ، ما بتفهم ؟ ما بدي
أدهم : لا حول ولا قوة الا بالله
رأيت الضخم يتقدم ناحيتنا ، اللعنة !
الضخم : أدهم ايش في
أدهم : رافضة تتصور !
نظر ناحيتي بعيناه المخيفة
الضخم : ليش ؟
: لا أريد ، هو بالاجبار ؟!
الضخم بهدوء مخيف : قولي ليش
أدهم : عالفاضي ! رجعت لعنادها
تقدم الضخم ماحيتي ونظر لي من الأعلى : احكي الي بدك ياه بالفيديو ، واذا شايفة منا اشي غلط قوليه ، بس رح تصوريه رح تصوريه
استمعت لصوت يزيد واحمد خلفي
: ما بديي
قلتها ، ليتحرك الضخم ، ظننت بأنه سيفعل لي شيئاً فهرعت للخلف مختبئةً وراء يزيد وأحمد من غير ملامستهما
يزيد : ايش في ؟
: ما بدي اتصور ما بدي !
أحمد : تخافيش الكاميرا منيحة ، اذا بدك منحطلك فلتر
نظرت ناحيته ،وعلى وجهي تعابير (ما اللعنة ؟)
يزيد : ليش ما بدك تتصوري
: ما بدييييي ، ضروري يكون في سبب ؟
يزيد : بس مايا عشان أهلك يتطمنو عليكي ، مش قلقانة عليهم يصرلهم اشي من خوفهم ؟
أدهم : أنانية ، بتفكرش الا بنفسها
ثم أكمل بالعبرية : فعل والدك كل ما بإستطاعته لينجيكي من جريمة القتل ، وهذا هو مقابله ؟
اللعين مرةً أخرى !
قال أحمد بحدةٍ له : أدهم ! إعرف شو بتحكي !
يزيد : ايش ايش حكا
أدهم : كذب ؟ مش كذب !
أحمد : أدهم !
: ما ، بدي ، أتصور ، إنتهى ! ، اذا تريدون تجبروني رح تضطرون تربطوني بكرسي !
يزيد : خلص اتركوها ، لما بدها تتصور بتتصور
نظرات الضخم لا زالت تخترقني ، رأيت أوليف تأتي من جهة غرفة أخيها ، ما أن إقتربت حتى اعتلت ملامحها علامات الاستغراب
أوليف : مايا ؟
عدت للغرفة مسرعةً ولحقت بي ، وأغلقت الباب خلفي
أوليف : في اشي ؟
: يريدونني اتصور
أوليف : آه ، حكو عن هيك اشي ، ورفضتي طبعاً
: طبعاً
أوليف : طب ليش ما تتصوري ؟
: أوليف مش انتي كمان ، لا أريد !
أوليف : طيب طيب زي مبدك ، آه بتعرفي كمان شو
: شو ؟
أوليف : حكو خلال هاي الفترة رح ينقلونا عمكان أأمن ، عشان احنا بمنطقة خطرة بالشمال
: ما تحكيلي شمال وجنوب ، بدوخ ، أكره الجغرافيا ، وين سوف ياخدونا
أوليف : ما بعرف ما حكو بالتفصيل
نظرت لها بإستغراب وقلت : مش زعلانة ؟
أوليف : ليه دزعل ؟
: سوف تفترقي عن يزيد
إحمرت وحنتاها وإبتسمت إبتسامة عريضة
أوليف : لاء هو ، إحم ، رح أضل أشوفو
: كيف ؟
أوليف : رح ييجو معنا ، وِحدتهم خلصت قتال بهاي المنطقة ورح يستلمو منطقة ثانية ، وكمان بالأيام الي ما بيطلعو فيها رح يحرسو الأسرى الي رح نروح عندهم
: آها ...... رح تشوفيهم كل فترة يعني ؟
أوليف : نشوفهم ، حكو لجاك كل يومين رح يشوفوه ، صحيح رح يخلو أخوي معاي الحمد لله
: منيح رح تبقين مع أخوكي
أوليف : دحكيلهم يحطوني معاكي بنفس الغرفة طبعاً
: ما أعتقد رح يصير هيك
أوليف : يعني بحاول ، اهم اشي نكون قراب عبعض
: أوليف ، ما أعتقد رح نشوف بعض أصلاً
إستغربت من كلامي وقالت : ليش ؟
: بالتأكيد بيفصلو الأسرى المدنيين عن الأسرى المجندين ، وسوف يعتبروني كالمجندة بسبب تدريبي
أوليف : لاء لاء لاء ايششش !
بقيت صامتةً أنظر لها
أوليف : لاء ما بدي بتحركشش من هون بدونككك ! بلكي خلوكي معي ؟ بخلوكي معي ما انتي ما عملتي اشي
: ما أدري
أكملنا باقي اليوم كباقي الأيام ، عدا عن إستمرار أدهم بالإصرار علي التصوير ، وكلامه المستفز الدائم لي
توطدت علاقتي بقمر وفاطمة وأم أحمد وأم يوسف ، وصار الضحك روتيناً لي ، بينما كان أمراً نادر الحدوث قبل قدومي لهنا
...........
21/10/2023
تأكدت خلال الايام السابقة انه سيتم فصلي عن أوليف ، وسأذهب لمكانٍ آخر
بينما إستمرت أوليف بمحاولتها معهم كي يبقونا معاً ولكن كانو يخبرها بأن القرار ليس بيدهم
وبالتأكيد تكرر حلمي اللعين طوال هذه الأيام من دون توقف ، بل حتى إزدادت الفترة التي أبقى فيها بداخله
أنت تقرأ
.ضوء اخر النَّفق.
Romanceصراعٌ بين العقل والقلب قلوبٌ تقع في الحب وقلوبٌ تهتدي للإسلام وجوهٌ سعيدة تخفي في قلبها ماضٍ أليم وأشخاصٌ يضحون بأنفسهم في سبيل الحب والوطن أصدقاء ينقذون بعضهم من على حافة الهاوية وأحباء يطعنون في الظهر كرهٌ يتحول لعشق وحبٌ يتحول لبغضٍ وبرود قل...