قبل اربعةَ عشرَ سنة .
في أحد البيوت ، كانت طفلة لا تكاد تبلغ الخامسة من عمرها تجلس على الأرض أمام باب البيت ، تنتظر عودة والدتها ، أو ما تُسمى بذلك
فُتِحَ الباب لترتاح أخاليج وجهها ، أطلت من خلفه إمرأة ترتدي ملابس بالكاد تستر عوراتها ، تحمل في يدها كيساً يحتوي على طعامٍ من أحد المطاعم
دخلت مغلقةً الباب خلفها ، متجاهلةً الطفلة التي مرَّت عنها ، جلست على طاولة المطبخ وبدأت بتناول طعامها ، بينما بقيت الطفلة بعيداً عنها ، تنتظر إنتهاءَها ، وما أن إنتهت وضعت البواقي في سلّة المهملات ، ثم صعدت الدرج للطابق الثاني
ما أن صَعَدت حتى خرجت الطفلة ومن مكانها وإتجهت لسلَّةِ القمامة ، حيث أعادت إخراج ما تبقى من الطعام ، بدأت في إلتهامه بسرعة لتُسْكت به أصوات معدتها التي لم تتوقف منذ الصباح .
إستَمَعت لصوت الباب يُفتَح مجدداً ، لتكور نفسها أسفل الطاولة غير مصدرةٍ أي صوت ، أغلقت عيناها بخوف ، لقد عاد مبكراً هذه المرة ، إن أمسكها فلن تَسلم مِنه
بقيت على وضعها لساعةٍ كاملة ، حتى إستمعت لصوت خطواته على الدرج
إنتظرت قليلاً ثم خرجت من مكانها بسرعة ، متجهةً لإحدى الغرف بالأعلى ، فتحت باب الغرفة بهدوء كما إعتادت
غرفةٌ فارغة تماماً إلا من نافذةٍ وغطاءٍ على الأرض وكومةِ ثيابِ كانت قد بقيت لها ولم يستطيعا بيعها ، تدثرت بالغطاء على الأرض وغَفت .
كانت هذه الحياة التي إعتادتها طفلةُ الخمس سنوات منذ وفاة جديها اللذان لم تعد تتذكر شكلهم ، أو تتذكرهم
كان جدها والدَ والدِها يبغظ ابنه ، فكان إبنه سكيراً ينتقل من حضن عاهرةً لآخر ، ولم يفلح في أي شيءٍ سوى إنفاق المال ، ولم يملك سواه وريثاً ، فأجبره على الزواج من إبنة شريكه بالعمل وصديقه ، لتقوية العلاقات والنفوذ ، وهدده بالتبرئ منه إن رفض
تزوج والداها كُرهاً ، ولم يحبا بعضهما أبداً حتى بعد الزواج
وما أن حظيا بأول طفلة وكانت هي ، حتى سجَّل والد كلٍ منهما ثروته كاملةً بإسمها ، فقد أحباها كثيراً وكانت قُرةَ عينهما، كانت تحظى بكامل العناية تحت إشراف ثلاث مربيات ، حتى توفي كلاهما بحادث سير بعد أن أكملت سن الرابعة، ولم يتركا لوالديها أي شكلٍ من أشكال المال ، سوى البيت الذي يسكنان فيه الآن ، الذي ما لَبَثَ طويلاً حتى باعاه ليصرفا على أنفسهما ، وإشترو بيتاً صغيراً ، يحتوي مطبخاً وصالة في الطابق الأول ، والطابق الثاني يحوي غرفتان ، كانت إحداهما لهما ، مؤثثة بالكامل ، والأخرى الفارغة للطفلة الصغيرة
..................
الأم : إستيقظي أيتها اللعينة ! الى متى ستبقين نائمة !
قامت بتحريك جسد الطفلة بقدمها ، حتى إستيقظت الطفلة الصغيرة
نزلت ما تسمى بوالدتها لناحيتها تشتم رائحتها
الأم : رائحتك مقرفة !
ثم قامت بجرها من ذراعها بعنفٍ حتى وصلت الحمام ، رمتها بداخله بعد أن خلعت ثيابها ، ثم سكبت دلواً من الماء البارد عليها دُفعةً واحدة ، إرتجفت الطفلة من البرد ، ولكنها لم تتحرك ولم تصدر صوتاً ، فكان روتيناً شهري إعتادت عليه
وضعت الغسول على شعرها وفركته لها بعنفٍ وسرعة ، ثم أعادت سكب الماء عليها ، حتى إنتهت ، خزجت بعدها من الحمام دون قولِ أي كلمة ، لتبقى الطفلة عاريةً وحدها في الحمام ، إتجهت ناحية المنشفةِ المعلقة ، لتمسكها بيداها الصغيرتان وتجفف بها جسدها الذي يرتجف ، عادت لغرفتها وإختارت ثياباً من الكومة ، وإرتدتها بعشوائية .
ثم نزلت للطابق السفلي لمكانها المعتاد ككل يوم ، تنتظر فيها عودةَ والدتها لتأكل بقايا الطعام
........
بعد أن أعادت سلَّة المهملات لمكانها ، وفي طريقها ناحيةَ الدرج ، فُتِحَ الباب مجدداً ، وأطل من خلفه والدها ، إرتعبت ، وما زادها رعباً ملامحه التي لا تبشر بالخير
ما أن رآها حتى إتجه مسرعاً ناحيتها ، وما كان منها من ردة فعل سوى أن ضمت جسدها الصغير وحمت رأسها بيديها الصغيرتان
إنهالَ عليها بالضرب ، وبقيت هي تحته تتعرض لأقسى اللكمات والضربات ، من دون أي حركة ، فقط تنتظره أن يُفرغ غضبه ويتركها ، حاولت تفاديه هذا الاسبوع بعد أن تعرضت للضرب المبرح الأسبوع الماضي ، ولكن عودته المبكرة حالت دون ذلك
هذه المرة غير سابقاتها ، فقد طال الأمر كثيراً ، بقيت على صمتها ، فقد تعلمت رغم صغر سنها ، أنها إن لم ترد أن يزداد غضبه فعليها بالصمت
ولكن قطع صمتها ألمٌ شديد ، تعيشه لأول مرة ، صرخت بشدة ، لتنزل والدتها على إثر صوتها
الأم : ما الذي يحدث هنا !
إبتعد والدها عنها لتقترب منها والدتها بهدوء
الأم : أيها اللعين لقد كسرت يدها ! قلت لك ألف مرةٍ أن لا توصلها لحالةٍ نحتاج بها ادخالها للمشفى !
الأب : إتركيها تمت أنا لا أبالي !
إستقامت والدتها ووقفت أمام والدها
الأم : أأحتاج أن أذكرك أن والدينا اللعينان وضعا أناساً لتتبعنا ! لن نحصل على بنسٍ واحد إن إكتشفو أن موتها بسببنا !
الأب : اللعنة عليهما ! لولا من وضعوهم وإلا لخنقتها بيداي هاتين !
كانا يتحدثان والطفلة تستمر بالصراخ والنحيب
الأم : ماذا نفعل الآن ؟
الأب : فلنأخذها للمشفى الذي يعمل به صديقي ، سيستر علي
وافقته الرأي ، وإنحنت لتحملها غير مباليةٍ بألمها
الأم : إخرسي كفي عن الصراخ !
أخذاها للمشفى حيث طلب الأب من صديقه الإعتناء خصيصاً بحالتها
وبعد أن قام بعلاجها وتجبير يدها ، دخل رجلان للغرفة
الأب : من أنتم !
الرجل الأول : ما الذي حدث للطفلة
الأم وقد فهمت من هما : لقد وقعت عن الدرج ، وكُسرت يدها وتعرضت لكدماتٍ قوية
الرجل الثاني : أهذا ما حدث أيها الطبيب ؟
الطبيب : نعم هو كذلك ، شكل الكدمات ونوعها يدل على أنها وقعت من مكانٍ مرتفع
الرجل الأول : ولما لم تنتبها عليها من البداية ؟
الأم : كنت أطهو الطعام ولم أنتبه لها
إقترب الرجل الثاني من سرير الطفلة ومسَّد على رأسها قائلاً : أهذا ما حدث يا صغيرة ؟
مظرت الطفلة لوالدها ، الذي حذرها بعينيه من قولِ أي كلمة
أومأت الطفلة له بخوف
الرجل الأول : لما هي خائفة
إقتربت والدتها منها مسرعة ، وضمتها لصدرها قائلة
: إنها خائفةٌ منكما ، هي تخشى الغرباء
الرجل الثاني : فليكن كذلك هذه المرة ، إستعدا فقريباً سنأتي لزيارتكما في المنزل
ثم خرج كلاهما
الأم : اللعنة عليهما ! اللعنة ماذا سنفعل إن دخلا غرفة اللعينة !
الأب : وما أدراني ماذا سنفعل !
الأم : اللعنة عليك بسببك ، لقد جذبت انتباههما بفعلتك هذه !
الأب : إخرسي ، إذهبي وبيعي جسدك العاهر لبضعة أشخاصٍ وستجمعين سعر غرفةٍ بسهولة !
الأم : وأنت ! تبقى تلعب القِمار وتصرف أموال البيت الذي بعناه على الكحول !
الأب : هذه حصتي افعل بها ما اشاء !
الطبيب : رفيقي ، تقاتلا في المنزل ، ستثيران الشكوك حولكما أكثر
الأب : شكراً لك يا جافير ، لن أنسى مساعداتك لي أبداً
ثم أخذا الطفلة وخرجا عائدين للمنزل ، تركوها على الباب بجبيرتها تعاني ، صعدت الى غرفتها وتدثرت بالغطاء وحدها
عودة للمشفى حيث جافير ، كان قد كتب تقريراً بحالة الضرب التي تعرضت لها الطفلة ، وفيها صورٌ أخذها من دون إنتباه والداها ، ثم وضعه في خزنة
جافير : سوف أحتاجك حين يحطُّ اللعين على ثروة إبنته
..........
في اليوم التالي إستيقظت الطفلة على أصوات ضجيجٍ في الأسفل ، لتستقيم وتخرج ملقيةً نظرة من الأعلى ، لترى أناساً لا تعرفهم يحملون قطعاً كبيرة متجهين بها للأعلى
تقدمت والدتها لها وأخذتها بعيداً ، حتى إنتهو من تركيب الغرفة الجديدة لها وغادروا
شدتها والدتها من يدها السليمة واقتادتها ناحية غرفتها
نظرت الطفلة للغرفة التي اصبح بها سرير وخزانة ، ومرآة ومكتبة وكرسي أمامها
الطفلة : لي ؟
الأم : نعم لكِ
أمسكت الطفلة بعفوية ثياب والدتها مبتسمةً لها بفرحة ، ولكن ما تسمى بوالدتها أزاحتها بإشمئزاز
الأم : أقسم ، إن حاولتي اخبار أي أحدٍ بما يحدث ، فسأطعمكي للكلاب ، فهمتي !
أومأت لها الطفلة بخوف ، لتخرج بعدها وتبقيها وحدها في الغرفة
...........
بعد أسبوعٍ كان الرجلان من المرةالسابقة قد أتيا للزيارة التي وعدا بها ، القيا نظرةً على غرفة الطفلة وملابسها
الرجل الاول : ألم تسجلاها في المدرسة ؟ شتكمل السادسة قريباً
الأب بتلعثم : ما ، ما زلنا نبحث عن مدرسةٍ مناسبة لها
الرجل الثاني : سيتوقف التسجيل قريباً فلتسرعا
أومأ كلاهما له ، ثم غادر الرجلان
قامو بعدها بتسجيل الطفلة في مدرسة حكوميةٍ بخسةِ الثمن ، مديرها صديق والد الطفلة
أحضر والدها صديقه جافير ليفك لها الجبيرة ، بالطبع هو لم يبالي ولكن صديقه ذكره بذلك
...............
دخلت والدة الطفلة لغرفتها حيث كانت جالسة على مكتبتها الجديدة تنظر للقلم والدفتر اللذان ابتاعاها لها
الأم : غدا سوف تذهبين للمدرسة ، إياكي ، ثم إياكي بإخبار أحد عن ما يحدث بالمنزل ، وإلا رميتكي للكلاب بالخارج ، أفهمتي !
أومأت لها الطفلة بخوف ، وبداخلها تعج الأفكار ، ما هي المدرسة ؟
وفي الصباح
الأم : إستيقظي ستتأخرين هيا !
إستيقظت الطفلة وإرتدت الملابس التي وضعتها لها والدتها ، إبتاعتها لها جديداً ، وهي سعيدةٌ للغاية لجمال هذه الثياب ، عكس ثيابها القديمة الرثة صغيرة المقاس عليها
الأم : ها قد أتى الباص ، إذهبي له الآن
توترت الطفلة بشدة ، لم تذهب لوحدها لأي مكان ، ولا تعرف التعامل مع أي أحد ولم تجرب ، صرخت عليها والدتها مجدداً ، لتخرج متجهة ناحية الباص الذي تفاجئت من حجمه الكبير ، لم ترى مثله من قبل ، صعدت درجه بصعوبة لضئل حجمها
السائق : كم عمركي يا بنيتي ؟
نظرت له بعدم فهم
السائق : أين أمكي ؟
لتشير له بإصبعها ناحية البيت ، نزل السائق من الباص وأخذ بيد الطفلة ، وإتجه ناحية البيت حيث كانت رالدتها واقفةً على الباب
الأم : ما الذي يحدث ؟
السائق : عفواً سيدتي هذا باص مدرسة وليس للروضة
الأم : نعم ، أعلم هذا
السائق بتفاجؤ : عذراً سيدتي ولكن كم عمر ابنتك؟
الأم ببحدة : في عمر أي طفلٍ يدخل للمدرسة ، ٦ سنوات !
السائق : ولكنها تبدو بالرابعة بل حتى أقل !
الأم : هي ضئيلة الجسد كوالدها ، أهناك شيءٌ آخر تريد التحقق منه. !
السائق : لا لا عفواً منكي
الأم بعُهر : لا بأس ، ... أنت وسيم ، أيمكنني الحصول على رقمك ؟
السائق بتوتر : أمم نعم بالتأكيد
ثم أعطاها رقمه وعاد مع الطفلة للباص ، نظرت بداخله ، هناك العديد من الأطفال مثلها ، بقيت في مكانها واقفة
السائق : فلتجلسي يا صغيرة
الطفلة : أجلس ؟
السائق : نعم إجلسي
الطفلة : مسموح ؟
السائق بضحك : نعم بالتأكيد ، يا لكي من فتاة مهذبة
جلست في أول مقعد ، كان فارغاً فتقربت ناحية الشباك ، وطوال الطريق وهي تنظر منه الى كل شيٍ يمرون عنه ، وكانت كل لحظة تتعرف على أشياء جديدة
توقف الباص ، ليترجل منه الطلاب بحماسٍ وسرعة ، لحقتهم بتردد ، تفحصت المكان ، هم في ساحةٍ واسعة للغاية ، وأمامهم مبنى كبيرٌ للغاية ، ولكن أكبر مبنى رأته كان المشفى
دُهِشَت من أعداد الأطفال والبالغين أمامها والذين يرتدون تماماً مثل ثيابها ، دار في خُلدِها أفكار مثل ، أكان العالم يحتوي على هذا الكم من الأشخاص ؟
بدأ الطلاب في مختلف الأحجام والأعمار بالاصطفاف في طوابير ، وبقيت هي خلف الشجرة تحدق بهم ، وبعدها بمدةٍ قصيرة ، بدأو بالدخول بترتيبٍ الى داخل المبني ، ترددت أتلحقهم أم لا ، ولكنها بقيت مكانها ، بقيت لفترة طويلة لا تتحرك
: ما الذي تفعلينه هنا يا صغيرة. ؟
فزعت الطفلة ، لتمسكها المعلمة من متفيها وتديرها لها بهدوء مطمئنة
المعلمة : أنا آسفة ، لم أقصد ، أأنتي بخير ؟
نظرت الطفلة لها محدقة
المعلمة : هل أنتي ضائعة ؟ أأتيتي مع أمك ؟
هزت رأسها بنفي
المعلمة : إذاً ماذا تفعلين هنا ؟
قالت الطفلة بتردد : مدرسة
المعلمة : مدرسة ؟ كم عمركي يا صغيرتي ؟
الطفلة : عُمر؟
المعلمة : ألا تعلمين كم عمرك ؟
هزت رأسها بنفي
المعلمة : أهذه أول مرةٍ تأتين بها ؟
هزت رأسها موافقةً هذه المرة
المعلمة : تعالي
ومدت لها يدها ، لتمسكها الطفلة وتلحقها ، سارو باتجاه المبنى بخطواتٍ بطيئة جراء ضئل حجم الطفلة ، توقفت المعلمة واستدارت لها منحنية لتحملها
تشنجت الطفلة بين ذراعيها ، المرة الوحيدة التي تذكر أنها حُمِلت بها كانت عندما كُسِرت يدها
إستمرت المعلمة بالسير بها حتى وصلت مكتب الإدارة
المعلمة : حضرة المدير
المدير : ماذا تريبدين يا هيلين
هيلين : هذه الفتاة ، إنها ضائعة على ما يبدو
المدير : إنتظري قليلاً
ثم بدأ يقلب بين الأوراق في جاروره، حتى توقف عند ورقةٍ حملها
المدير : في الصف الأول باء ، الصف المسؤولة عنه
هيلين بتفاجؤ : أهي طالبة ؟
المدير : نعم هيلين ألا ترين الزي المدرسي ؟ هي إبنة صديقي
هيلين : ولكنها ضئيلة الحجم للغاية
المدير : كوالدها ، ستتأخرين على الصف ، خذيها وملفها واذهبي
أخذت الملف وإتجهت حاملةً الطفلة ناخية صفها ، وضعتها أمام الباب قبل أن تدخلا
هيلين : ما إسمكي يا صغيرة
الطفلة : إسم ؟
هيلين مستغربة : ألا تعرفين ما هو إسمك ؟
نفت الطفلة برأسها ، لتنظر هيلين للملف خاصتها وتقرأه
هيلين : مايا ، إسمٌ جميل
مايا : مايا ؟
هيلين : إسمكي
مايا : إسم ؟
هيلين : نعم إسم ، أنا هيلين ، أنتي مايا ، إسم والدك شاؤول ، فهمتي ؟
معلم : هيلين ؟ ماذا تفعلين أمام الصف ؟
هيلين : آرون ، تعال الى هنا
ثم إستقامت وقامت بإخباره عن مايا بهمس
آرون : ربما هي مصابة بالتوحد
هيلين : لا ، ليس اديها أعراض التوحد ، .... آرون ، أخشى أنها تتعرض للعنف ، أعلي أن أخبر المدير كي نستدعي حمايةَ الأسرة ؟
آرون وقد أخذ ملف مايا ودقق فيه : لا عليكي ، تذكرت والدها ، رأيته مع المدير ، إنه جندي ، كما أنه بدا على علاقةٍ جيدة بالمدير
هيلين : هذا يعني ؟
آرون : يعني إن ذهبتي المدير فسيهددك بفصلك من المدرسة
هيلين : ماذا ؟ أمعقول ؟
آرون : نعم مئة بالمئة
هيلين : ولكن هذا لن يوقفني عن مساعدتها إن تأكدت من تعرضها للعنف !
آرون : لا ، لن يوقفكي أعلم هذا ، ولكن كوني متأكدة من أنكي لن تغيري شيئاً ، بل ربما قد تزيديه سوءاً
هيلين : ماذا تعني !
آرون : أخبركي بأنه جندي عال الرتبة ، وبأن لديه واسطاتٍ وعلاقات ، أي أنه سيخرج منها بسهولة ، وعندها سيفرغ جام غضبه على ابنته
وقفت هيلين بصدمة تنظر للطفلة التي لم تتحرك ساكنة من مكانها بل وقفت تنتظر إنتهاءهم من همسهم
آرون : على كلٍ لا تستبقي الأحداث ، ربما للطفلة وضعٌ خاص ، لقد تأخرنا عن الحصص وها هم الأطفال يصدرون ضجيجاً عالياً هيا
توجه آرون لصفه وكذلك هيلين أمسكت بيد مايا وأدخلتها للصف
هيلين : إجلسي في أي مكانٍ تحبينه يا مايا
تقدمت مايا ناحية الدرج الأول وجلست على المقعد
قدمت هيلين نفسها للطلاب وتعرفت عليهم واحداً واحد ، بعدها أخبرتهم بشكلٍ مفصل عن ما سيأخذونه هذا الفصل
إستمرت لثلاث حصص فهي تعطي أغلب المواد لطلاب المرحلة الأولى
هيلين : حسناً والآن ستأخذون إستراحة لنصف ساعة ، تناولو فيها الطعام ، يوجد مقصف في نهاية الممر لمن لم يحضر إفطاره من المنزل ، إتبعوني
خرجت من الصف وقام الطلاب بلحاقها ، قادتهم ناحية المقصف ، ليبدأ الطلاب بشراء ما يريدون ويخرجو للساحة بعدها ، عادت هيلين للصف لتأخذ دفترها الذي نسته ، لتجد مايا لا زالت جالسةً في مكانها ، تقدمت ناحيتها
هيلين : مايا ، ألن تأكلي ؟
نفت مايا برأسها
هيلين : ألم تحضري معكي طعاماً؟
نفت مجدداً
هيلين : مايا ، ألم يعطكي أبواكي مصروفاً ؟
بقيت مايا على صمتها ، لتتنهد هيلين لاعنةً والدي مايا بداخلها
هيلين : تعالي ، سأشتري لكي أنا ما تريدين
ثم قامت بسحبها من يدها وأخذتها ناحية المقصف
هيلين : ماذا تريدين ؟ إختاري ما تحبين
نظرت مايا بدهشة لما يحتوي المقصف ، ولكنها لم تختر شيئاً وإكتفت بالصمت والنظر
حملت هيلين سندويشةً وقطعة كعك : هذا ؟ أتريدين هذا ؟
أومأت مايا رأسها بخجل ، لتشتري هيلين لها وتعطيها
إبتسمت مايا لها بسعادة وإمتنان
هيلين : أتريدين أكلها في الصف أم مع زملائكي في الساحة ؟
مايا : صف
وعادت جرياً للصف حاملةً ما إبتاعته لها معلمتها ، لحقتها هيلين من خلفها بهدوء وإختلست النظر لها من خلف باب الصف ، حيث كانت مايا جالسةً على كرسيها وتأكل
آرون : هيلين
إنتفض جسد هيلين بهدوء متراجعةً للخلف
هيلين : آرون لقد أخفتني !
آرون : ماذا تفعلين ؟
نظر حيث كانت توجه بصرها ، ليرى مايا
هيلين : أنطر كيف تأكل ، وكأنها حصلت على كنزٍ لم تره في حياتها
آرون : ماذا تعنين ؟
هيلين : لم يعطها والديها المصروف أو حتى يضعا لها أي شيءٍ يؤكل ، فإبتعت لها طعاماً ، آرون ، أشعر بأن هذه الطفلة تتعرض لاضطهاد كبير
آرون : هيلين ، لقد حذرتك من قبل ، لن تقدمي على أي شيءٍ غبي ، ستضرين نفسكي والطفلة معك
هيلين : إذاً ماذا أفعل ! أتجاهلها وكأنها لا شيء ؟!
آرون بهدوء : لا يا هيلين ، ها قد ساعدتها واشتريتي لها الطعام ، هذا أقصى ما تستطيعين فعله ، أعدكي إن كانت الفتاة تتعرض لاضطهاد ولعنف كما تقولين ، فسنعيرها إهتماماً خاصاً هنا بالمدرسة ، أنا وأنتي ، ولكن أي شيءٍ آخر سيضركي ويضرها ، ... ولكن لنرجو أن يكون كل هذا محض خيالٍ منكِ
أعادت هيلين نظرها ناحية مايا بقلق
هيلين : أرجو ذلك
أنت تقرأ
.ضوء اخر النَّفق.
Romansaصراعٌ بين العقل والقلب قلوبٌ تقع في الحب وقلوبٌ تهتدي للإسلام وجوهٌ سعيدة تخفي في قلبها ماضٍ أليم وأشخاصٌ يضحون بأنفسهم في سبيل الحب والوطن أصدقاء ينقذون بعضهم من على حافة الهاوية وأحباء يطعنون في الظهر كرهٌ يتحول لعشق وحبٌ يتحول لبغضٍ وبرود قل...