«إيلين»
اشتقت لأمي لرائحتها، حضنها .. الغربة الحقيقة هي البعد عن الأم.
يا السخرية القدر فلقد هربت من العراق الأهرب من الحب هل مقدر لي أن أهرب في أراضي الله الواسعة ليساع قلبي.
أخبرتني سام انها وجدت لي عملا كمتدربة عند أحد الأطباء النفسيين فالآن أو أبدا.. أن أرحل الآن أو أبدا، أن أبدا في تحقيق ما رحلت من وطني من أجله وقررت ألا أكرر غلطات الماضي مجددا وأن أختار نفسي أخبرته عن العمل الجديد هاتفته وأخبرته لأنى لم اكن لأقوى على أخذ ذلك القرار أمام عينيه .. أخبرته أنى سأترك العمل ولن يستطيع أن يجعلني أغير قراري تفاجأت بأنه صمت ولم يعترض بل تمنى لي التوفيق شعرت بالغضب لن أنكر، توقعت جدالا أكثر، توقعت منه أن يتمسك بي أكثر. كنت في طريقي إلى المنزل بعدما تركت سام... لأجد آدم منتظراً في الحديقة.. جالسًا أرضاً وعندما وصلت قام، وكان بجانبه الكثير من الأكياس، نهض في نشاط وهو يقول: «ربما لست رب عملك ولكني آدم، فلدي الحق في أن أطبخ لك اليوم باستا، وأن نقضي اليوم سوي نتفرج على مسلسلك المفضل». أحببت الفكرة كثيرا وكنت جائعة فلم أعترض، ولن أنكر أني أردت أن أقضي بعض الوقت معه فلن أكون معه من اليوم دخل آدم وبدأ في تحضير الأشياء التي سيحتاجها ليطهو، وأنا أتأمله. بدا لي وكأنه يعلم تفاصيل منزلي جيدا، لم يخطئ مكاناً .. كم هو دقيق الملاحظة، فهو لم يدخل مطبخي سوى مرتين فقط لصنع القهوة.. حاولت قطع حبل أفكاري وتأمل ملامحه الجادة.. كانت تدهشني أحيانًا قدرته على أن يكون شخصاً ودودا للغاية وانطوائيا في الوقت ذاته.. وعيناه، كيف تتسم كل عين بنقيض الأخرى، واحدة في قمة القوة وأكاد أجزم الجبروت، والأخرى يوجد بها قلب أم ينبض حنانا.. أشعر بالخوف أحيانًا من قسوته غير المعلنة.. ولكن إيلين اعترفي إنه عندما ينظر إليك لا تجدين قسوة، تجدين حبا غير معلن.. فقط حبا...وجد أني أتأمله بصمت، ربما شعر بما يدور بداخلي فقطع الصمت وهو يضحك ويخبرني عن الشيف الإيطالي الذي تعلم على يديه الباستا
كان يحكي بشغف فقاطعته بعدم وعي:
- إنت حتروح؟
ليخبرني:
وأعوف الأكل اللي حسوي، أني جوعان كلش ...
ثم نظر لي بتمعن وكأنه استوعب سؤالي ليقول:
ابقي انت وحتلاكيني دائما .
لم أفهم ما يعنيه، ولكني حاولت أن أقنع قلبي أنه يعني إن لم أرحل لن يرحل وحتى وإن كان كذلك.. كان عليه أن يخبرني أنه لن يرحل وإن رحلت لن يتركني أرحل.. كان يجب أن يشعرني بالأمان.
شعرت بالغضب وفجأة إذ به ينادي اسمي:- إيلين..
إيلين:هاااااا
قلتها بنبرة غاضبة تفاجأت من نبرة صوتي.. اعتذرت ولكنه اقترب وابتسم لي:
- لأ، إنت حتكوليلي جنت تفكرين بشنو وعصبج للدرجة هاي
إيلين: أنا أحبك، أعشقك.. أتمنى لو بإمكاني أن أعيش في مركب بعينيك، يؤلمني أني لست بين ذراعيك الآن.. أحبك وأغار عليك.. أتمناك، هل تعلم ما يعني هذا !، أن تتمنى شخصا، تتمناه وحده، أنك مستعد أن تتخلى عن كل شيء فقط ليكون معك.. أنا أحببتك يا آدم ويحرق قلبي أني لا أعلم بماذا تفكر أنت.. تحترق روحي عندما أتخيلك مع أخرى، أشعر أنك خائن وأحلل قتلك بعقلي وقلبي ولكن يقتلك عقلي ويداويك قلبي بنفس اللحظة، تمرد قلبي علي وأصبح قلبك، ولكن في جسدي.. هل تعلم ما معنى أن يكون لك قلب يدق لغيرك، ينصف غيرك، يحب غيرك.. لغيرك وليس لك، هل تعلم معاناة أن تعيش في جسم ملكاً لآخر.. أنا كل ما بداخلي لك ولكن روحي ساكنة لهذا الجسد.. فلا أنت لي ولا أنا لنفسي.. أنا في المنتصف المميت.. أتمزق يا آدم.
لم أشعر بنفسي إلا وأنا بين ذراعيه وأبكي كثيرا .. أبكي كل شي... أنا أحببته، أحببته كثيرا.. لا أعلم كيف أو متى ولكني أحببته حقا.آدم:إيلين ؟
إيلين:أني تمام بس جوعانه، فطول ما أني جوعانه حكون معصبة بس أني تمام.
لم أخبره شيئا، أخبرته بخيالي.. أنا أضعف من أن أصرح بكل هذا والآن أبدو أمامه مثل طفلة مفجوعة أيضاً.. هل يجب أن أقتل نفسي الآن أم أنتظر أن يرحل؟
انتهى الطعام، كنت أظن أني سأحظى بوقت ممتع بينما نحن نطهو ولكن في الواقع قد أفسد خيالي المريض لحظاتي التي من المفترض أن تكون مثالية. ولكن الحق يقال إن الطعام عوضني عن ذلك، فهو حقا طاه جيد للغاية.
***