part 14

44 2 0
                                    

«إيلين»

إنه اليوم الأول في تدريبي كدكتورة نفسية عند أحد أكبر الأطباء الذي يصادف أنه عربي ، تعرفت إليه ولم يلاحظ أني عربية غير من كلمة . إن شاء الله ، التي أقولها دائما .. فحدثني بلهجة لا أعلم إن كانت تونسية أم مغربية ، ولكن قد عانيت لأفهم منه ما قال ففضلت أن نتحدث بالإنجليزية

دقائق وكان آدم أمامي ومعه وردي المفضل .. رغم أني رحلت ، رغم أني لم أعد مساعدته .. رغم غضبه غير المعلن ، ولكنه هنا .. أشعر أنه يستشيط غضباً ولكن ليس مني هذه المرة .. من دكتور فايز ... دكتور في الثلاثين من عمره ، عيناه تميلان إلى اللون العسلي ، كان وسيما للدرجة التي تجعل آدم لأول مرة يغار .

مد آدم يديه ليسلم عليه وهو يقول :

آدم

ليرد عليه دكتور فايز :

مسرور بلقائك ، دكتور فايز

لیبتسم آدم ويمسك بيدي ، يمسك بيدي بقسوة ويقول :

يجب أن نتحدث ، ويخبرني بنبرة غريبة : «لم أحبه ذلك الفايز أبداً»

الأجيبه بتلقائية أغضبته كثيرا : « بالعكس، أحببته كثيرا..

ليقول باقتضاب : حسنا .. مبارك العمل الجديد .. ولكن هل هو أفضل من العمل معي..

لأخبره بلا مبالاة مصطنعة:
أنا درست سنوات لأعمل كطبيبة وليس كمساعدة آدم

ضحك لأنه يعلم أني لم أقصد الإهانة أبدًا ، ولكني وددته أن يغضب، لم لا يغضب ؟!

إيلين:يجب أن أعمل الآن .

آدم:سأشتاق لك ..

إيلين:أراك لاحقا

آدم:مؤكد

لا أعلم هل هو يتغير للأحسن فقط لشعوره أنه مهدد ، إن غروره أكبر من أن يشعر أنه مهدد ، إنه خائف الآن .. لطالما كنت أنا الخائفة من خسارتك وكنت أنت جبل صامت ، حان وقت أن تدفع ثمن صمتك ، حان وقت أن تخاف أنت .. جاء وقت أن تكون أنت إيلين الرقيقة ، وأكون أنا آدم المتحجر .

جاء وقت أن أتجاهل مكالماتك ، أن أخبرك أني مشغولة ، هل يمكن أن نتحدث لاحقا ... حان وقت أن تشعر بتلك الغصة بروحك التي طالما شعرت بها .. أن تشعر أنك معلق بين السماء والأرض ... بين العشق وشعور مبهم لا اسم له .. معلق بين الشيء وعدمه ..

كان وقت استراحة الغداء ، وبعد مقابلة آدم كنت أشعر بالغضب كلما غضبت ذهبت للبحر ، لطالما شعرت أني لا أنتمي لشيء ولا مكان إلا البحر .. لطالما شعرت بالانتماء له وكأني سمكة ضلت طريقها من البحر لأرض البشر فتحولت زعانفها إلى قدمين كعقاب على تركها للماء ، أشعر معه بالوجود رغم العدم، بالحرية ... فيا من قادر على جمع كل تلك المياه والمخلوقات بداخله ، الصغيرة والكبيرة في المكان نفسه ، أرح قلبي وبالي .

هاتفني دكتور فايز لأذهب له وأجده يدخلني في غرفة مليئة بورق أصفر ملزق على الحائط .. سألته ما هذا الورق أخبرني أنها غرفة الاعترافات .. يعترف فيها كل شخص بشيء فعله أو يشعر به ولا يستطيع البوح به لا يجد الجرأة ليفصح عنه .. لم أجد نفسي إلا أتقدم لأول ورقة وبفضول واهتمام بدأت في قراءتهم وكانت أول ورقة :

أحببته وتزوج أختي ...

توقفت للحظات وأنا أحاول استيعاب أنها تحب زوج أختها الذي في الواقع حبيبها هي و ولكنه تركها ودونها عن كل نساء الكون اختار شقيقتها ليحرق قلبها بها ، لم أتخيل أن يكون أحد بهذا السوء ، ولم استطع تخيل أن أختها تعلم أنه كان حبيبها ، لم أستطع تقبل الفكرة أبداً  ففضلت أن أتخيلها تجهل بحقيقة الأمر .

شعرت بنبضات قلبي تتسارع وأنا أتوجه للورقة الثانية :

أنا من بلد محافظة ومغتربة ولكني أقمت علاقة مع حبيبي وأصبحت حاملاً ، أحمل جنينه في رحمي ، ثمرة عشق ممنوع وتخلى عني فانتظرت حتى ولدت ابني ووضعته أمام بيته وتركته ورحلت . . شعرت بغصة في قلبي ، لم أكن أعلم هل ألعنها أم العن ذلك الطفل البالغ الذي وعدها بالزواج وتخلى عنها ...

وتذكرت مقولة كل ذكر يستطيع أن يكون أباً ، ولكن ليس كل أب يستطيع أن يكون رجلاً . . أكملت :

ماتت ابنتي ومت معها ولكني أحاول الادعاء . .

كنت أريد الهروب من تلك الغرفة ، من هذا المكان .. كنت أريد أن أبكي ولكني تماسكت وأكملت .

خطفتها واغتصبتها لأنني كنت أحبها كثيراً ولم تحبني .. ثم تركتها ، شعرت أني لا أستطيع التنفس ، كيف يمكن للإنسان أن يكون بتلك الوحشية والهمجية !

أحببته وتركني . .

هذه هي القصة المعتادة عزيزتي ، أن يحب أحدهم الآخر أكثر ما ينبغي ، أن يعطي دون أن يأخذ ، أن يتغاضى عن عيوب لا يستطيع تحملها فقط ليسمع نبرة صوته التي يعشقها أو يتأمل عينيه بصمت . الوجع هو القصة المعتادة للعشق صغيرتي ..

بقيت أقرأ الاعترافات واحدا تلو الآخر ودكتور فايز بجانبي يتأملني وكانه يقول هذا الجزء السهل بعد ..

تأملني بحذر وهو يقول إن الإنسان هو أكثر كائن شرير خلقه الله على الأرض ، هو أسوأ شيء وأفضله لكل شخص جانب سيء وجانب حسن ، إن البشر ما هم إلا شياطين بضمير لا نمت للملائكة بشيء ولذلك خلقنا الله ، لو أراد أن يجعلنا ملائكة لما خلقنا ؛ فلديه العديد منهم يسبح بحمده ولكنه يريد ذلك الاختلاف ، ذلك الشر الفطري الحيواني والنزعة الشيطانية .. كما قال الرسول : « كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون» ... فالله يريدنا أن نخطئ ليغفر لنا بقيت أسمعه ، ورغم اختلافي معه في بعض النقاط ، ولكني أكاد أجزم لو أنني لم أكن فتاة قوية ذات قناعات ثابتة لأقنعني بكل حرف قاله ، قدرته على الإقناع رائعة ، أعترف أني كنت مبهورة بعلمه وثقافته

انتهى يومي ورغبت أن أذهب للبيت وأدون كل ما أتذكر من اعترافات واحلل شخصياتهم ، وأردت أن أقرأ أكثر ...

أردت أن أنغمر في كل تلك الخطايا والذنوب التي نرتكبها ، في كل تلك الندوب في قلوب أشخاص حولك من المرجح أن يكون أخوك أو أختك ولكن لا تشعر به وأنت تسمع صدى ضحكته العالية الرائعة التي اعتدتها .

كم هو من مريب أن تستيقظ يوماً وتكتشف أنك لا تعلم شيئاً عن شخص كنت تظن أنك تعلم عنه كل شيء ...

لا تدعي أنك تعرف أي شخص لأنك ستدهش من مقدار جهلك به .

***

ما لا نبوح بهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن