الفصل الثامن عشر

223 15 0
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم

خرجت اولفيا على عجلة من أمرها وهي تجر سافانا خلفها بخطوات سريعة وكأنها تشعر أن الموت يركض وراء ولسوء حظها أصطدمت بجاك الذي كانت عينيه تقدح شرار وملامحه متجهمه على غير العادة فدوماً ما كانت إبتسامته اللعوب هي السائدة على ملامح وجهه والآن كل ما قابلته هو الغضب والحقد وسؤاله الذي فاجاءها به :

" إلى أين اولفيا؟! "

تلعثمت الأخرى وشحب وجهها بخوف وهي تجيبه بتلعثم وتوتر قائلة :

" لن أذهب إلى أي مكان "

هتف وهو يغادر بنبرة حاسمة غير قابلة للنقاش :

" عودي اولفيا من حيث أتيتي ، الرجال لن يسمحوا لأحد بمغادرة القصر حتى نجد جلالة الملكة المستقبلية "
______________________

لا نستطيع أن نقول أنه غاضب ، وكلمة يحترق لا تكفي لوصف ذلك البركان الهائج الواقف أمامه.........

فعبارة ريفن نزلت كالصاعقة على الجميع وليس آريوس فقط وما أن ختم ريفن جملته أقسم أنه رأى جثته تحترق في عيني آريوس وقد تيقن الجميع بأنه سيموت اليوم لا محالة
أما آريوس تقدم منه ليهمس جوار أذنه بهسيس مستعر :

" إن قتلتك فسوف تحزن فراشتي ، لا تدعني أرى وجهك مجدداً ، فلا أعتقد أني سأستطيع منع نفسي من قطع رأسك "

ختم جملته وغادر ولوكاس يركض خلفه توجه بخطواته نحو حديقة القصر ثم وقف فيها لثواني ليشعر بنبضات قلبه تقرع بشكل مؤلم بعد أن إخترق أذنه صوت أنين خافت يأتي من أحد الإتجاهات التي حددها بقوته المرتبطة بها ثم ركض نحو ذلك القبو الذي يأتي منه وهج قوي وبعد دخوله وجد النور يتسلل من تحت باب إحدى الغرف الذي إقتلعه وهو يدلف إلى الداخل مشيراً للوكاس بألا يتبعه ثم تقدم منها بخطوات ثقيلة وجسد متصلب وعينيه مركزة عليها وعلى وجهها المليئ بالخدوش وعلى وشمها الذي يتوهج بقوة منيراً الغرفة بأكملها مرر عينيه على قيودها لتتمزق محررة معصميها الداميين وقبل أن تسقط أرضاً إلتقطها بين ذراعيه حاملاً إياها وهو يحيط جسدها خافياً إياه تحت ردائه الكبير في صمت غريب على الموقف نفسه بينما هي فتحت عينيها ببطء لتقابل قرمزيتيه ثم تبتسم بوهن قبل أن تدفن وجهها في عنقه وهي تتنهد براحه كبيرة وتغلق عينيها مستسلمة لذلك الدوار الذي عاد يضرب رأسها بقوة بينما الآخر زاد من ضمها إليه وسار بها في ذلك الرواق بجسد وقلب يأن ألماً ثم دنى برأسه قليلاً يشتم رائحتها وهو يهمس بنبرة مليئة بالألم والشوق :

" آه ، إشتقت لكِ يا من أحرقتي قلب الملك بلوعة الحنين وألم الفراق........ "

تصلب كل من قابله وتوقف عن ما يفعله وهم يروا الملك يسير في القصر حاملاً تلك الصغيرة رين الغارقة بالدماء ويبدو أنها تلقت الكثير والكثير من التعذيب التي لا ولن تحتمله طفله صغيرة مثلها بينما الآخر وكأنه كان يسير على ممر من جمر يحرق روحه وما إن وصل إلى جناحه حتى وجد معلمه يقف هناك في إستقباله ودلف خلفه إلى الداخل بينما الآخر جلس على الأريكة وهي مازالت بين ذراعيه يأبى تركها والإبتعاد عنها بينما المعلم لم يستطيع مجادلته بل هو أكثر من يعرفه ويعرف كم الألم والحريق المدفون خلف صمته الذي إكتفى به عندما عجز لسانه عن التعبير وأتى على الرغم من أن آريوس قادراً على مداواة جراحها بقوته إلا أنه واثق أن الآخر لا يستطيع تحريك جسده قيد أنمله بل حتى لا يستطيع أن يتحدث ودخلت طبيبة أخرى وقد طلب منها المعلم أن تلحق به قبل أن يأتي ثم جلست جوار المعلم وبدء الإثنان بفحص جسدها ومداواة جراحها لفترة ثم إنتهى المعلم وغادر لتبقى الطبيبة التي حاولت معه ليتحرك تاركا الصغيره معها لدقائق قصيره في الحمام والتي حممتها والبستها ثياب أخرى غير تلك المهترئه والممزقة التي كانت ترتديها ليحملها هو مجدداً ويجلسها بين أحضانه والطبيبة غادرت بعد أن انهت تنظيف جروحها كامله  بينما هو نهض من مكانه وإتجه بخطواته نحو سريره ووضعها عليه برقة وحنان كبير ثم جلس جوارها على الأرض وهو يمرر عينيه على جسدها المليئ بالندوب والجروح ويستشعر بحرقه في كل أنحاء جسده ليقترب منها ببطء حتى أصبح وجهه مقابلاً لخاصتها في صمت وتأمل غريب ومالبثت دموعه أن تشق طريقها في وجه الرجل الذي لم يعرف البكاء يوماً ، هطلت بغزارة وكأنها تقص في صمت لتلك النائمة عن مدى حزنه وألمه وجميع اللحظات الصعبه التي عاشها في بُعدها عن قلبه وعن حياته التي كانت تتركز عليها هي وفقط ، ثم مد كفه ليحتضن كفها برقه وحنان وهو يعود وينظر إلى جروحها بعجز ، نعم عجز لقد عجز عقله عن التفكير بشكل سوي ، لا يعلم ما الذي يجب عليه أن يفعله أو يقوله كل ما يعرفه الان أن قلبه يؤلمه ويريد إحتضانها بقوة وكأنه طفل صغير مرضت والدته وعجز عن مساعدتها أو حتى طلب يد العون من أحد ، إبتلع غصته لتزداد دموعه في النزول وهو يهمس بنبرة ضعيفه معذبه يشوبها البكاء :

" فراشتي.....يا صغيرتي أنا ، هل تعلمين كم أنا مشتاق لكِ؟! ، افتحي مقلتيكِ فروحي تشتاقكِ يا كل الروح "

لم يجد أي شيء يدل على أنها سمعت صوته ليتحول من ملك طاغية وجبروت إلى طفل صغير تائه احتد بكائه وعلت وتيرة أنفاسه وهو يردد بغضب قائلاً :

" لماذا لا تجيبي يا فراشة؟؟؟؟ ، ألا ترين أنكِ قاسية جداً حتى تعاقبيني بهذه الطريقة؟! ، هل هذا لأنني ذهبت إلى الصيد ولم أسرح خصلاتك؟!!!! "

صمت قليلاً ثم أسترسل بنبرة معذبة :

" توقفي عن العبث بقلبي أتوسل إليكِ ، توقفي هذا مؤلم رين ، أريني عينيكِ هذا أكثر ما أريده  ، لا يحق لكِ أن تحرميني منهم الآن وقلبي إحترق لأجل رؤيتهم أعوام ، لا تكوني قاسية هكذا أرجوكِ "

صمت في إنتظار أدنى إستجابه منها وعندما لم يجد نهض ليتسطح جوارها وهو يضمها لأحضانه وكانه قد أدرك للتو أنها فاقدة للوعي ثم عانقها بقوه دافناً وجهه في عنقها يستنشق رائحتها التي لا تستطيع كلمة شوق وصف ما شعره به طوال هذه الأعوام بدونها........

_________________

أشرقت شمس صباح يوم جديد تحتضن الكواكب بحنان وترسل دفئها  الذي جاء ليداوي ما خلفته قساوة الليل على كوكب الأرض ونورها الذي داعب الأشجار وفتح الأزهار ومعها أجفان النائمين وهو يتسلل من نوافذ منازلهم......

إستيقظ وكما لو أنه لم يكن نائم وشعر بإرتجافة جسدها بين يديه وجدها تبكي وهي نائمة في صمت إعتصر قلبه رفع يده التي كانت تحيطها وهو يملس على شعرها ووجهها  بحنان هامساً لها بصوته الأجش الحنون الذي لم يصدر من هذا الملك من قبل أبداً :

" صغيرتي ، جميلتي ، فراشتي ، إفتحي عينيكِ أنتِ معي أنا ، وبين يدي ، و ثنايا روحي ،
و أعماقُ قلبي...."

سكنت إرتجافة جسدها لتبدأ بفتح عينيها التي بعثت النور في قلب ذلك العاشق المتلهف للقاء عيناها وتزمناً مع فتح مقلتيها شقت الإبتسامة المشرقة وجه ذلك الذي لم تعرف البسمه طريقها لشفتيه منذ أعوام

دقيقة وأخرى والصمت سيد المكان تاركين لغة العينين هي من تعبر عن الشوق الذي أحرق قلبه والخوف الذي عانا منه قلبها وبعد أن طال صمتها الذي أقلقه ليستحثها على الحديث قائلاً :

" هل أنتِ بخير...؟؟! "

اومأت في صمت ليعتدل هو في جلسته ويطبع قبله حانيه على جبينها قبل أن ينهض ويتجه إلى الحمام بينما هي بقيت كما هي تراقب المكان حولها بشرود كبير حتى غفت مجدداً
بعد أن إنتهى آريوس من إرتداء ثيابه عاد إليها  وجدها نائمة وقف أمامها يمرر يديه على ملامحها الساكنة والخدوش المنتشرة في وجهها بهدوء لتشتعل عينيه بغضب جحيمي وهو يهمس لها قائلاً :

" أقسم بما أحل القسم أن من فعل هذا بكِ سيتمنى الموت ولن يجده "

..................يتبع

أميرتي المفقودةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن