(الفصل_الثاني)

62 8 15
                                    


" إنفعل زين بشدة بعد سماعه لكلمات مريم وطريقة كلامها الموجهة له بكل ذلك الكبرياء ولأول مرة، ثمَّ ها هي قد إتخذت مجموعة من القارارات دون اي مشورة له وكأنه مجرد قطعة اساس في حياتها لقد انتظر كثيرًا أن تنهي دراستها حتى يعودا معًا إلى البلد مرة أخرى ولكن مع هذه الأخبار الجديدة فهذا يعني أنه سيلزم إستقرارها في القاهرة بجانب محل عملها!  كما أن هذا المجال الذي اختارته صعب جدًا للرجال وخطير وشاق في احيان كثيرة وهي فتاة تبكي إعتراضًا على اي امر لا تريده فماذا ستفعل!؟ "
نظر لها بعينين محذرتين وهو يقول: 
_نعم بتقولي اي بقى، عيدي اللي قولتيه ؟ لا دا أنتِ زودتيها قوي .. طب شرعي اي اللي عاوزة تكملية يا بت أنتِ، انا شكلي صبرت عليكي كتير بس لا كفاية دلع لحد كده،  وازاي تاخدي قرار لوحدك من غير ما تشوريني او حتى تمهدي للموضوع..

وقفت مريم وهي تكتف ذراعيها بتحد لغضبه وصوته المرتفع ثم قالت بصوت هادئ غير مبالية:
_ انا خلاص أخدت قراري ومش هتراجع عنه وخلصت كل الورق اللازم والإجراءات  انا هتخصص في الطب الشرعي الميداني يعني هتخصص طب شرعي ومحدش له حق يمنعني أو يعترض على رأيي والله كل واحد حر ويعمل اللي يريحه.

أمسك زين بيدها بعد كلمتها تلك وشدد عليها في قوة وغضب وقال بتحدي يخرج من عينيه:

_بقولك اي انا محدش يكسرلي كلمة أنتِ هتلغي الفكرة دي من دماغك وتنجزي وإلا وقسما بالله لنرجع دلوقتي البلد ومفيش علام خالص ولا فيه شغل انتي فاهمه ولا لا ؟! وأنتِ عارفه إني لو حطيتك في دماغي يا مريم يا شامي هتندمي وكلامي اللي هيمشي.. فبدل ما تخسري اكسبي اي حاجة.

نظرت مريم ليده التي تقبض على ذراعها بشدة وقالت بكل صمود وعناد :
هو أنت عايز الدنيا كلها تمشي بمزاجك أنت وبس لازم تعرف إن مش كل الناس زي تفكيرك في ناس عندها احلام وطموح.. هو اي أنت اشترتني من سوق الجواري وأنا معرفش ولا علشان ابويا وامي مش موجودين واخدني لعبة في ايديك دي بقت حاجة لا تطاق.

كان زين يستمع لكلماتها وما زال يقبض على ذراعها بعينين يزدادا شياطًا خاصة من جملتها الأخيره،  صمت قليلًا وهو ينظر لها ثم رمى بذراعها في غضب وقال:
_أحسبيها زي ما تحسبيها يا مريم يا شامي بس بردو اللي في دماغك مش هيمشي.

قالها زين في حزم ثم ترك مريم وانسحب وتناول عبائته في غضب وخرج وأقفل الباب خلفه في عنف.

نظرت مريم لأثره في الهواء وظلت محدقة لموضع وقوفه في صمت وقد إلتوت شفتيها كطفلة تشعر أن العالم خاوٍ من حولها وأنها زرع ضعيف نبت بمفرده وسط صحراء عاصفة كلما هبت ريح حاولت إقتلاعها قاومت لتثبت مكانها متمنية لو تجد شيء تحتمي به ولكن في كل مرة تفشل.. لقد ملت شعور الوحدة الذي يلازمها من وقت للثاني.. ورغم محاولتها ان تكون ثابته أمامه وقوية، خانتها دموعها  وأنسكبت غزيرة كما لو أنها مياه تتسرب من قدر واسع
انهارت مريم ع الكرسي خلفها وظلت تبكي لوقت طويل وقد تذكرت حالها التي جعلتها لعبة في يد الجميع يحددون مصيرها كيفما يشاؤون وكم احست أنها وحيدة بدون أهلها وضعيفة تمنت لو يعود أباها الآن فتختبأ داخل أحضانه وهي تخبئ وجهها وتبكي كالأطفال أو أن تجلس برفقة والدتها وتضع رأسها على قدميها باكية فتمسح على شعرها وهي تخبرها انه لا بأس ولكن مع عدم وجودهما فها هو كل البأس في قلبها يتغلغل..ظلت تبكي حالها حتى أضائت برأسها عدة أفكار وأسئلة وهي..
ما الذي يجعلها تتحمل ذلك الذي يسمى زين؟!
في البداية كانت تتحمله فقط لأنها كانت صغيرة ولم يكن أمامها سوى ذلك الإختيار أما الآن فهي لم تعد صغيرة ويمكنها أن تتحكم بثروة أبيها التي تركها لها وتعيش مستقله بذاتها، ولكن ماذا عن عمها.. ستحاول اقناعه وستعرف بكل تأكيد.
فقالت محدثة نفسها وهي تبكي:
_ ايوه انا مش هقدر اكمل معاه  انا معايا فلوسي اللي ابويا الله يرحمه سابها وانا مبقتش صغيرة ما كل البنات بتسافر وتروح وتيجي لوحدها وعلى الجوازة دي فكده كده مش لازماني ...انا يستحيل اقعد ثانية مع الكائن ده تاني ومن دلوقتي كمان.

فتاة بصحبة جثة ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن